عنوان الموضوع : رواية انين المطر -روايات رائعة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

رواية انين المطر






السلام عليكم

رواية انين المطر



هنا انطلقت أولى صرخاتى فى الحياة بين جدران هذا المنزل وهنا أيضاً نزلت أولى دمعاتى وانفجرت أولى ضحكاتى التى تعد على أصابع اليد الواحدة.
كنت الأنثى المنتظره أنثى بجوار اثنان من الصبيان, كم أنا محظوظه أبوان محبان وإخوة كزهر الجلنار.
كُنت اكثر من يغار منها أقرانها في العائلة فقد كنت المدللة همساتى أوامر و طلباتى مرسومات ملكية . لكن أكثر ماكنت أنا أتعجب منه هو حبُ أبي الشديد لأمي لاحظت شرارة الحب والعاطفة بينهما حين كنت أسترق السمع لأحاديثهم وأنا فى مهدي
كنت أستمع لأبي وهو يأمر أمي أن تحضر من يعاونها فى أعمال المنزل وأتعجب من حجة أمى أن لا إمرأة تدخل مملكتها سواها
وحين كبرت قليلاً أحسست أن أمي بها شيئ لا أفهمه بها ألمٌ يعتصرها يمزقها وأرى الدمع ينتحر في محاجر أبي دون أن يذرف دمعه سخياً من مقلتيه
وأحس في صدور إخوتى هم ثقيلاً والكل معي محب .. عطوف .. حنون وكأن شيئ لا يكون ..
كل يومٍ كنت أرى أمي تذبل أمامي وتتساقط أوراقها وكأن فصل الخريف يمر بها شديد الأثر
كنت لازلت لاأستطيع النطق بالكلمات ولكن حروفى المقطعة كانت تستصرخها تسئلها مابكِ أمي! ما الذي يجري بداخلكِ ؟ ومابه أبي! من وضع السكين بصدره وكل ليلة يطعنه به عدة طعنات ويتركه فى بحر دمائه يسبح؟
ولكن لا سؤال يشفى حيرتى ..
فجئه أشرق صبحٌ لا توجد فيه خيوط الشمس الذهبية و البيت يلفه حزنٌ أسود وأمى تحتضن الصبية وتوصيهم خيراً بأبي وابنته وأنا اصرخ فهى ترتدي عبائتها أريد أن أذهب معها لأعود إلى المنزل وفي يدي قطعة حلوى أو من يدري قد أستبدل الحلوى باللعبة لكن أمى احتضنتنى وأحسست بها مرتفعة الحرارة ودمعها ينسكب على وجهي مطراً فأخذت أهطل مطراً معها أظنها لاتريدنى برفقتها
وخرجت أمى من باب المنزل والمطر لازال ينسكب من غيوم محاجرها وأبي يحمل في يده حقيبة و يمسك بيدها لتتكئ عليه وإخوتي انهارت قواهم وأراهم يبكون بصمت فقط أدمع من المقل و الشفتان تعلوها ابتسامة لى حتى أكف عن البكاء ولكنى لم أستطع التوقف عن البكاء فكيف لطفلة ترى أمها وأباها يخرجان من المنزل دونها ويريدونها أن تهدء؟ أريد أخرج معهم فالنسبة لى مجرد فتح باب المنزل يعنى خروجاً لعالم آخر.
مر الوقت بطيئاً وأنا أنتظر عودتهم ومر الوقت جمراً على إخوتى رأيت لهيب الانتظار في أعينهم وعدم قدرتى على توصيل الحروف ببعض منعنى من سؤالهم ماذا يحدث ولما القلق؟
صوت مفاتيح! صوت صرير الباب .. وبكائي انقطع لأركض مع إخوتى نحو الباب كان القلق يبث فيهم سرعة رهيبة وكان الفرح يبث فيا سرعة أكبر فقد عاد والدى ياترى هل يحملون قطعة حلوى؟ أم ثوباً جديد! أم أنهم أحضرو لى دمية زهرية الملبس؟
كنت أقف عند قدمي إخوتى كنت قصيرة القامة بالكاد أمشي مشياً صحياً دون أن أقلد البطة كان إخوتي يحجبون الرؤية
وأنا بين أقدامهم أبحث عن فراغ لأرى أمي وأبي فلقد أنهكنى البكاء وأنا أنتظرهم فهل سينهكنى الوقوف خلف إخوتى لرؤيتهم
يزن:هل ستبقى فى المستشفى ؟ وفى فكرى دار استفهام عن معنى مستشفى هل هو مكان لبيع الأشياء الجميلة؟
يزيد: لماذا أتيت لماذا تركتها وحيده؟
يزن بعصبية:كفاك أسئلة سخيفة .و يعود بوجهه إلى أبي ويرتجف السؤال على شفتيه: هل ستبدء العلاج الكيميائي غداً؟
يزيد يدفع يزن ليتهلل وجهى بشراً فلقد لمحت أبي أخيراً ويزيد يكمل بعصبيته المعتادة و أطباعه الشرسة :لست أسئل أسئلة سخيفة من المفترض أن يكون أحداً منا معها إن احتاجت شيئ من سيعاونها
استشاط يزن عصبية وقام بضرب يزيد لأندفع أنا إلى الخلف حتى لا أصاب بأى رضوض أو كسور فأنا أحفظ هذا المشهد ستشتعل الأمور بينهم وسيصرخ بهم أبي ولن يستجيبو مع أول صرخه وسيعود أبي للصراخ عليهم مره واثنتان ولربما اضطر الى فك تشابك أيديهم بيديه لكن ما الذى يحدث ؟لماذا تركهم ابي يقتتلون وحملنى وذهب بي الى غرفة نومنا؟ أخذت أتمتم بحروفى المقطة أبي إنهم لازالو يتعاركون أصرخ عليهم مايفعلونه خطأ

يتبع


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


لكنه لم يستمع لي بل اكمل طريقه دون مبالاة دون أدنى اهتمام بما يفعلون.
وضعنى على السرير و أخذ ملابسه ودخل إلى الحمام وخرج مبتل الشعر مرتدياً ملابس النوم وحملنى بين ذراعيه وأنا أسئله ببرائة الاطفال: أين أمي؟ هل أحضرت لى الحلوى؟
لكنه لم يجبنى الجواب الشافى اكتفى بابتسامته الحنونه وقبلة على جبيبنى وأخذ يغير لى ملابسي و يلبسنى استعداداً لنوم وهو يقول : أنين الجميلة ستنام الآن لستسيقظ غداً وتذهب معنا لنزور ماما في المستشفى
نظرت إلى عينيه وأنا لا افهم شيئ يبتسم ويقبلنى وعينيه تزدحم بقطرات الدمع
تتسارعت الطرقات على باب الغرفة واحتد النقاش خارجه
يزيد: أنت من ستعتذر أولاً
يزن: بل أنت المخطئ لم تحترم حالة أبي وابتدئت الشجار
يزيد: كف عن حماقاتك أنا لا دخل لى أنت من يحب أن يمثل دور العاقل وكل من حولك حمقى لايفقهون شيئاً
يزن: أوووهوو أرأيت من يفتعل المشكلات؟ أظن أننا جئنا لنعتذر
يزيد: قل لنفسك هذا الكلام
وعاد الطرق على الباب وأبي ترتسم على شفتيه بسبب نقاشهم ابتسامة متعبة
ولازالو يطرقون الباب حتى اكمل أبي إلباسي ثياب النوم واذن لهم بالدخول
دخلوا مطرقين والخجل يظلل رؤسهم وأبي ينظر إليهم والشرر يتطاير من عينيه
غريب أبي كيف يستطيع التنقل من حال إلى حال في ثوان..!
قبل قليل كان يبتسم و الآن عاقد الحاجبين
يزن : آسف
يزيد: لم نقصد أن نزيد همك لكنك تعرفنا مثل الديك و الدجاجة حتى في شرب الماء نتشاجر
انفعل أبي واخذ يصرخ فيهم: لاأريد أن أعرف أحداً ولا أريد شجارات الوضع لايحتمل تفاهات مشكلاتكم بدل من أن تكونو ظهراً لي و سنداً أتكئُ عليه ستزيدون من همي و تضاعفون مشاكلى هل ألتفت لعلاج أمكم أم للإنتباه على أختكم أم أتفرغ لحل منازعاتكم السخيفة متى ستكبرون متى ستتحملون المسؤلية كنت أتوقع أن يكون أول سؤال هو كيف صحتها ما نتيجة التحاليل وليس هذه الأسئلة السخيفة تسئلون أسئلة اجابتها لديكم مسبقاً وحين فكرتم فى الإعتذار تتجادلون أيكما المخطأ أنت أسوأ من أخيك وهو أسوأ منك كلاكما في نفس الكفة من الميزان لاتزيدون عن بعض في شيئ
صدح صصوتي بالبكاء وكان قلبي يدق بشدة أحسست بسرعة نبضاته أحسسته سيفر من قفصي الصدري و يهرب إلى أين لا أدرى
أحتضننى أبي وأخذ يهدء من روعي وأنا لا أفهم لماذا كانت ردة الفعل هذه ولا أفهم لماذا غضب أبي كل هذا الغضب؟
وعاد أبي لانفعاله عليهم وبلهجة صارمة وصوتٍ هادئ: جعلتومنى أنفعل وكاد قلبها أن يقف اسمعا أنتما الإثنان إن الحمل على كتفى ثقيل ثقيل جداً والفترة القادمة ليست صعباً علي وحدى بل على الجميع و أولكم أنين فهى لاتفهم لماذا لم تأتى أمها حتى الآن ,الفترة القادمة أحتاجكم يداً وقلباً واحد أريد أن أحس أن لدى رجال يعتمد عليهم اغربو الآن عن وجهى غداً سأوقظكم باكراً سأذهب قبلكم الى المستشفى وسأوقظكم لتراعو أنين في غيابي وبعد الظهر سيمر عمكم ليحضركم إلى المستشفى هيا لا أريد أن أسمع لكم صوتاً حتى الصباح
ولازال أبي يحتضننى ويهدء من روعي وإخوتى يجرجون انفسهم الى غرفتهم وأنا أنظر الى أبي ولازلت لا افهم لماذا خفت منه وأنا أحبه
استلقي أبي على السرير وبمجرد أن لامسه جسده الفراش حتى تأوه تأوه بألم يبدو أنه لم يسترح منذ أن خرج.
أخذ يلاعبنى ويلاطفنى وكأنه شخص آخر غير الذى كان يثور غضباً قبل قليل
أبي: أنين اليوم ستنام في حضن بابا ياسلام الآن سيأتى يزن و يزيد ويقولون نحن أيضاً نريد أن ننام في حضن بابا
أنا وبحروفى التى أتعجب كيف يفهمونها: لا هما كبيرين سيألمانك ان ناما في أحضانك
قهقه أبي على ردي واحتضنى أحسست بإحساسي غريب و كأنى أبي يريد أن يقول شيئاً لكن حروفه خانته ففضل أن يحتضننى على دفء أحضانه يغنيه عن الحروف .
استلقيت بجواره والتعب ينطق من عينيه كان يحتاج إلى النوم بشدة لكنى كنت أمنعه فكيف أنام وأنا التى اعتدت أن أنام على همسات أبي وأمي ولازال أبي يحاول أن يضع رماد النعاس في عيني وأنا اطرده ماذا أقول له؟أريد أن أستمع لصوتك أنت وأمي حتى أنام؟ أقول له أنى أسترق السمع لأحاديثهم وكأنها قصة قبل النوم؟
ومرت الليلة بين غمضة واستفاقه وطلع الصبح وأبي قد خطف من النعاس بضع ثوان وأنا بعد أن أرهقته وأقلقت مضجعه ككل الأطفال فى عمرى استسلمت للنوم وأغمضت أجفانى
صوت المنبه ... استيقظ أبي وهو في الاصل لم يذق من النوم إلا بضع لقيمات
ارتدى ملابسه ,خرج من الغرفة , اتجه لغرفة الصبية
أبي: يزن يزيد هيا ساذهب إلى المستشفى بعد قليل
يزن: لست نائماً بالأحرى لسنا نائمين
أبي بقلق يعتصره الحزن : لماذا؟
يزيد ويكاد يختنق بعبراته: لم نستطع النوم كيف ننام وأمى بالمستشفى تتألم دون أن يكون
أحداً منا بجوارها
لم يستطيع ان يكتم عبراته اكثر وانفجر باكياً : لماذا لم تبقى بجوارها لماذا لم تجعل واحداً منا يبيت عندها
أبي وقد أحس بعجزه عن احتواء الموقف: الطبيب أخبرنى أن بقائنا بجوارها لن يفيد دعونا من هذا الجدال العقيم سأكمل ارتداء ملابسي واذهب عند الواحده ظهراً سياتى عمك ناصر لاتعطلوه وانتبهو لأنين حين تستيقظ اعدو لها الحليب
خرج من الغرفة و يزيد لازال يغرق في دمعه و شهقاته تخترق هدوء الصباح
يزن: يزيد تمالك اعصابك أرجوك لاتُحمل أبي فوق طاقته
يزيد لم ينجب حرفاً بل توجه لدورة المياه ليكمل بكائه و يفرغ شحنة الحزن دون أن ينتقده أحد....

اذا نالت اعجابكم فلرواية بقية....

منقوووووووووول


__________________________________________________ __________

استيقظت أنا تلفت حولى أبحث عن أبي أين ذهب؟ أغمضت عيني وهو بجوارى؟ وبدئت بمحاولة النزول من السرير ولقِصر قامتى في هذا العمر كانت محاولاتى للنزول من السرير تنتهى بأن أسقط على مؤخرتى
ذهبت أبحث عن أبي في دورة المياة الخاصة بالغرفة لكنى لم أجده و خرجت مسرعة ابحث عنه على أجده يرتشف فنجان قهوته في المطبخ لكنى وجدت إخوتى في غرفة الجلوس وكل واحد منهم يستلقى على أريكة دون أن يكون بينهم جو من الألفة وكأنهم في قطيعة منذ سنين
كيف سألفت انتباههم؟لاحيلة الا البكاء
وانفجرت باكية أصرخ:بابا ...بابا
اسرعو الى وحملنى يزن واخذ يحاول إنسائي سؤالى : هيا سنشرب الحليب ثم سنشاهد أفلام الكرتون
لكن محاولته اليتيمة بائت في الفشل فقد بدء إلحاحى فأنا أريد إجابة لسؤالى أنام دون أمى وأستيقظ لأجد أبي ليس بجوارى؟!
يزيد: أنين الحلوة ستشاهد التلفاز وستمسك جهاز التحكم في يدها
أجلسونى أمام التلفاز و وضعو جهاز التحكم في يدى
أتعجب من نفسي وقتها كيف استطاعو بجهاز تحكم أن يُنسونى قلقى؟ وكيف حين كبرنا إن فعلنا مافعلنا لن يبعد أى شيئ قلقنا
هناك في ذاك المكان الذى يخص أمى ويخصها فقط كان يُعج بأصوات القرقعه وهناك تحديداً احتدم النقاش
يزن: سنضع لها ماء من البراد الكهربائي
يزيد: أحمق وستبقى أحمق
يزن: نعم نعم وتركت الذكاء لك لترثه
يزيد يضربه على رأسه : رغماً عنك ستتركه لى أنا حين ولدت ولد الذكاء مربوطاً في إصبع قدمى الصغرى
يزن: نعم والدليل أنك كنت تظن أن عمى ناصر هو أباك
يزيد : قلت لى نضع الماء من البراد الكهربائي؟
يزن يقهقه منتصراً: نعم سنضعه من قسم الماء الساخن فى البراد
يزيد: لكنى كنت أرى أمى تقوم بتسخين الماء على النار
يزن: متأكد؟
يزيد: نعم متأكد
صوت جرس الباب
يزن: قم انت بإعداد الحليب سأفتح الباب
ويهربُ مسرعاً من المطبخ ويزن يصرخ خلفه: كم ملعقةً أضع من الحليب؟
وضاع سؤاله في الهواء
جرس الباب لازال يُدق وانا تركت جهاز التحكم وكأن صوت الجرس أيقظنى من غيبوبة كنت أعيشها وتذكرت أنى كنت أبحثُ عن أبي واتجهت مسرعة صوب الباب وقبل أن أخطوآخر خطوة سمعت صوت نسائياً مألوف
يزن : أهلاً وسهلاً هل عمي ناصر معك؟
الصوت أجاب: كلا سيأتى بعد ساعتين وسينتظرنا في السيارة
صوت الباب يغلق ويزن و الصوت النسائي قادمان نحو لأتفاجئ بعمتى نوره تلك التى لا افهم طبيعتها هل هى شريرة؟ أم طيبة القلب؟ هل تحبنا أم تكرهنا بشدة؟
عمتى نوره تبسمت وهى تقول: أهلاً أنين الحلوة اشتقت لكى كثيراً
واحتضنتى وحملتنى متجهةً نحو الأريكة كنت أريد أن أسئلها إن صادفت أبي أو رأته لكنها أنستنى سؤالى حين أخذت تحدث أخي وتسئله وأصوات القرقعة تتصاعد من المطبخ : ماذا يفعل يزيد؟
يزن بخجل : يعد الحليب لأنين
قهقهة عمتى وتردد صدى ضحكتها فى أرجاء منزلنا الذى لم تسمع فيه ضحكة منذ أيام : كل هذه الجلبة من أجل إعداد الحليب سوف أذهب لإنقاذه قبل أن يقلب المطبخ رأساً على عقب
اتجهته عمتى للمطبخ واتجهته خلفها لأننى اليوم أحسست نحوها بشعور غريب لا أستطيع تفسيره ربما لأنها لأول مره تأتى إلى منزلنا وتضحك مثل هذه الضحكة الجميلة؟ فأنا لم أستمع إلا لصراخها مع أمى أو نظراتها لها التى تتطاير شرراً
يزيد لازال يحصى عدد ملاعق الحليب الذى يضعها ولازال في حيرته أيضع سكراً أم لا؟
إن طلبنا منك أن تقلي بيضاَ كم أسبوعً كنت ستأخذ لتعده؟ قطع سؤال عمتى الساخر حيرة أخي الذى احمر وجهه خجلاً من سخريتها ولم يجب على سؤالها بل اكتفى بأن سلمها مهمة إعداد الحليب .
************************************************** **
اجتمعنا على سفرة الإفطار وبيدي كأس الحليب أرشف منه رشفه وأسرق لحظات غفلتهم عنى بأنى أخذ قطعة الزيتون وأغمسها في كأس الحليب و أقوم بمصها ثم أعيد الكرة بنفس الزيتونة ثم أقوم بأخذ قطعة جبنة وأقوم بغمسها في ذات كأس الحليب ليسقط نصفها في قاع الكاس والنصف الآخر أركض به نحو فمي قبل أن أفقده في عمق الكأس
حين أتذكر هذه اللحظات أتعجب من نفسي لماذا كنت أفعلها خفيه دون أن يرانى احداٌ منهم هل لانى اعلم أنهم سيعاقبونى على هذا الامر؟ وإن كنت أعلم لماذا فعلته؟ ياللأطفال ويالأفعالهم ..!
العمة نورة: هل ستجرى أمكم العملية؟
يزن: قال الطبيب أن إجرائها للعملية لن يغير من الأمر شيئ
العمة نوره: إذن هي أيام معدودة ؟
يزيد انفجر غاضباً وكاد أن يكسر الأطباق ويرمى بكأس الشاى على رأسها: ليست أيام معدودة من يكرهها هو من أيامه معدودة كلها ايام وستعود إلى المنزل معافاه
انفجرت عمتى بغضب يفوق غضبه: مابك يافتى؟ هل نسيت نفسك أم أنها لم تربيك على الأدب ؟
انضم يزن لثورة غضبهم : بل ربتنا جيداً وأحسنت تربيتنا ويكفى حديثاً عن الموضوع
وشد يزيد من قميصه واتجه به نحو الغرفة
العمة نورة كانت تصرخ بصوتها والغضب يكاد يخنقها : لقد أخبرت والدك من بادئ الامر أكبر خطأ وقع به أن تزوج من جنسية أخرى لو أنها كانت من جنسيتنا لكان مرضها أخف وطأً عليه لكان وجد أمها أو إخوتها بجوارها بدلاً عن هذه الأزمة التى هو بها لو كن خالاتكم هنا كن على الأقل إعتنين بأنين الآن من سيعتنى بها؟ من سيدير أموركم ويلبى طلباتكم؟
وهناك خلف باب الغرفة كان يزيد يكاد أن يجن ويخرج ليقتلها : هل تسمعها؟ تتحدث وكأن أمى ماتت؟ من الذى شكى لها الحال؟ هل طلبنا منها شيئاً؟ لماذا تدس أنفها دعنى سأخرج لها وأحطم وجهها
يزن: إذكر الله ودعها تنعق بما تشاء
يزيد: لالن أدعها فهى تتحدث عن أمى أم أنك لم تعد تفهم العربية
يزن: بلى أفهم وأفهم أكثر منك لكن ما الفائدة من الرد عليها؟ أم أنك تريد أن تدخلنا في مشكلات لا عدد لها إن جادلناها ستخبر أبي وستفتعل مشكلة وأبى سيغضب منا وإن كان الحق معنا
هدء غضب يزيد وألقى بجسده على السرير وهو يكاد أن نفجر بخليط من الحزن و الغضب: حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل
**********************************************


__________________________________________________ __________

الغرفة رقم 1287 .. فتح الباب .. ممر طويلٌ أمامي ..و وقعت عينى على أبي الذى كان يجلس بجوار سرير .. اكتملت الرؤية لأرى أمى ممدة على السرير و العديد من الأسلاك تستقر فيها وكمامة على فمها
تهلل وجهى بشرا وكدت أن أطير من بين ذراعى أخى لأحط في حضن أمى أو ربما أبي لا أدرى فقد اشتقت للإثنان بنفس القدر اخذنى أبي وحملنى بين ذراعيه وعينانى ترقب أمى وجهها مصفر وعيناها ذابلتين وإخوتى يقبلون يدها ورأسها و الدمع يتراقص في أعينهم لم يتمالك يزيد نفسه وانفجر باكيا وهو يحتضن أمى يا ليزيد ويالطبعه العجيب رغم عصبيته وشراسته المفرطة واستخدامه لعضلاته قبل يده إلا أنه معجون بحنان ورقة الأرض.
أمى نظرت إليه دون أن تبادله الأحضان أو أن تنجب له حرفاً يشبع شوقنا لصوتها وفي غمرة أحزانهم وغمرة ذهولى سمعت صوت لا أدرى ماهو لكنه كان كجرس إنذار للجميع بعد أن كبرت وأدركت فهمت أن هذا الصوت ليس الا صوت جهاز نبضات القلب.
دفع أبي بالجميع إلى خارج الغرفة وألقانى بين ذراعى يزيد واخذ يركض كالمجنون وبذهول تسمر إخوتى أمام الباب
أحسست بخوف وقلق رغم أنى لا افهم سر هذا الذهول و الخوف الذى يسكن الأعين . عاد أبي ومعه رجلان يرتديان معطفاً أبيض ودخلا إلى الغرفة حيث ترقد أمى متعبه
لا أدرى بماذا كان يشعر يزيد فقد احتضننى بقوة وخرج بي إلى الشارع ودموعه تنمهر وكم كانت السماء رقيقة وانهمرت أدمعها تشاركه حزنه الذى لم أفهمه إلا بعد مدة
كان هذا أول لقاء بينى وبين المطر كم هو لطيف هذا المطر انهطل حتى يداعب وجنتى ويبلل شعري لأنسى المنظر الذى رأيته أمام باب الغرفة أخذت أمد يدى أظن أنى سأمسك المطر وكلما تجمعت بضع قطرات في كفي الصغير رششت بها أخى الذى يبتسم لى على مضض و المطر يعانق دمعه على وجهه ماهى إلا دقائق لأجد أبي ويزن مقبلان نحونا وأعينهم تفيض من الدمع وانا ألوح لهم وأعبث بالمطر والفرح يغمرنى والحزن يكاد يقتلهم حملنى أبي بين ذراعيه في صمت وأنا أحرك رأسي يميناً ويسار فرحةً جداً بالمطر المنسكب وإخوتى لازالو يغرقن بين ماء الدمع وماء المطر وأبي يردد{ لهم وبشر الصبابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالو إنا لله وإنا إليه راجعون.}
لا أعلم لماذا قُدر لى أن أتعرف على المطر فى لحظة وفاة أمى هل كان المطر يريد أن يشغل فكرى عن هذه اللحظة أم أراد أن يغسل ذاكرتى فلا أذكر مرارة هذا الموقف؟
*********************************
لم ينم أحد تلك الليلة وكان المنزل يكتظ بالناس عماتى أعمامى وكل من تربطنا به صلة قرابة وكان يزيد يأن أصابته حمى شديده ويزن كان منزوى على نفسه يحتضن نفسه يبكى كطفل رضيع جائع منذ أيام وأبي كان كالعصفور الذى قطع جناحه يطبب هذا ويهدئ من روع هذا ويتفقد أمور مجلس العزاء وأنا كظله حيث كان أكون وأينما ذهب خلفه أتجه وعلى لسانى تترد كلمة واحده :أريد أمى
كنت أسمع الهمسات من المتواجدين
كان الله فى عونك يا أخى
يستحق ماحدث له حذرناه من الزواج من لاتمت له بصله
ومادخل زواجه بمرضها إنه قدرها وأصابها
يجب أن يتزوج لن يستطيع الإعتناء بأبنائه وحده علينا أن نبحث له
عن واحدة بشرط أن تكون من العائله
من ستبيت عند أخى هذه الأيام؟فأنا مشغولة جداً بعملى وبالمنزل
سنحضر العزاء ونذهب مباشرة لاشأن لنا بشيئ سنأتى فى الصباح ونغادر قبل الظهر وفى المساء سنعود ونغادر عند التاسعه لانريد أن نتدخل بشي
كل هذه الأحاديث خزنت بذاكرتى هى و جوه ناطقيها رغم أنى وقتها لم أفهم مدلولاتها إلا أنى قمت بحفظها
ولازال أبي يركض هنا وهناك ولم يمد يد المساعدة له إلا عمتى نوره كم أنتى غريبة أيتها العمة! تحبين أبي كثيراً بل أكاد أجزم أنه جزء من قلبك ويمشى على الأرض رغم هذا تتفنين فى افتعال المشكلات له .
أشرقت الشمس واعتذرت أن تدخل خيوطها لبيتنا الصغير ويزن استجمع قواه وخرج ليأخذ العزاء ويزيد المسكين لازال يتقلب على الجمر بفعل الحمى
طوال ثلاث أيام أرى أناساً يدخلون ويخرجون أرى نساء يبكون ونساءً يتغامزون ولم أفهم معنى عظم الله أجركم فقط كنت أحفظ الأحداث وأخزنها طوال ثلاث أيام.
فى آخر يوم رن هاتف أبي طويلاً وكان يأخذ الهاتف ينظر إلى اسم المتصل ويترك الهاتف وحين زاد إصرار المتصل أجاب وهو يتملك الغيظ ليأتى صوت المتصل الذكورى يقول بأسى: كيف حالك
أبي: أظنك تعرف حالى جيداً
المتصل: بالتأكيد أعرفه فلن يكون أفضل من حالى
أبي: لماذا لم تحضرو الدفن
المتصل: لم نستطيع السفر الأمطار غزيرة والمطارات مغلقه
أبي:ليس عذراً فقد كنتم أول من علم بمرضها ولم تأتو حتى لزيارتها
المتصل: لاتلمنى لو كان بيدي لأتيتها زحفاً هل تظن أنك تحب ابنتى أكثر مني؟ أنت بالتأكيد مخطئ لاتحكم على فيكفينى أنى أتمزق كل ليلة لأنى لم أراها قبل أن تفارق الحياة
أبي: لاجدوى من هذا الحديث فما حدث قد حدث وانتهى الامر
المتصل: هل لى أن أكلم الأولاد؟
أبي: بالتأكيد لكن ابتعد عن ذكرها فيزن لم يكف عن البكاء ويزيد لازال يأن من الحمى لحظه سأنادي لك يزن
يزن .. يزن تعال يابنى جدك يريدك على الهاتف
رأيت يزن يسير نحو أبي بتثاقل شديد ولارغبة له أن يجيب على هذا الاتصال
تناول يزن من أبى الهاتف وذهب بعيداً ولم تمضى ثوان حتى أعاد لأبي الهاتف وهو يقول : لقد انقطع الاتصال
نظر إليه أبي بغضب وهو يقول: أتظننى طفلا صغيرا لأصدقك
يزن :لم ينقطع الاتصال لكنى لا أريد أن أحادث أحدا
وهرع إلى الغرفة بجوار يزيد الذى تأكل الحمى جسده


__________________________________________________ __________

وبدأت الأيام تمر عليهم ثقيلة ويزداد الحمل على عاتقهم ويرهقهم كثيراً وبدأت أكبر وأنا أعرف أنى أمى عند ربي ومع تقدمى فى العمر كان يزيد همي عليهم ويزداد عبئ فأبي فى الصباح فى عمله وإخوتى في مدارسهم كان أبي يستيقظ عند الخامسة فجراً يعد الإفطار ويوقظنا ويبدء بتجهيز نفسه وتجهيزي للخروج يمر بي لمنزل عمتى نوره ويتركنى عندها وأنا أبكى فأنا لا أحب البقاء فى منزلها فابنتاها تعاملاننى بقسوة , ثم يتوجه ليوصل إخوتى لمدرستهم وعند الظهيرة يعيد نفس الكرة و فى المساء كان إخوتى يعملون جليسي أطفال لدى ياه كم حرمتهم من التمتع بشبابهم كنت أحتجزهم في البيت بجوارى كل يوم.
مرت السنتان والنصف من وفاة أمى وبدء الجميع يعتاد على الأمر رغم الألم الذي يزورهم كل فترة وأصبح عمرى 5 سنوات وإخوتى أنهو دراستهم الثانوية وحصلو على منحة دراسية رأيت فرح أبي بهم كبيراً لكن يزيد أيقظه من فرحته حين سأله: وأنين؟
تلعثم أبي وسأله :مابها؟
كان أبي يفهم قصده لكن عدم امتلاكه للجواب جعله يسئل هذا السؤال
أجابه يزيد بإبتسامة من فهم مغزى سؤاله: ما رأيك أن يسافر يزن وأنا أدرس هنا
وكان أبي كمن أصابتهم صاعقة كهربائية من كلام أخي: أنين إبنتى وأنا المسؤل عنها تسافر مع أخيك ولن تعود إلا و بيدك شهادة الطب
يزيد: لكن يا أبي أنت .
لا تزد حرف انتهى النقاش قاطعه أبي بهذه الكلمة فأخرسه
بدء إخوتى يستعدون للسفر و وقتها بدئت مفردات الفراق و الحزن تدخل إلى قاموس مشاعري
قبل سفر إخوتي بيومين كانت عمتى نوره فى منزلنا وتتناقش مع أبي بحدة
أبي: ألا تملين؟
العمة نوره: لا لن أمل حتى أُزوجك إن زواجك الآن أصبح حاجة ملحة
أبي: لم أشتكى لأحد أنا فى أتم السعادة و الفرحة بوضعى هذا
العمة نورة بغضب : لاتكابر ألا ترى حالك؟ إنظر إلى وجهك فى المرآة من التعب و الإرهاق أصبحت كعجوز بلغ السبعين ونيف
ضحك أبى على تشبيهها وقال لها مداعباً :عيرتنى بالشيب وهو وقار
العمة نورة استشاط غضباً : لست أمزح أنا أتحدث بجدية أنت بحاجة إلى مرأة كنت تتحجج أنه لديك شابان فى المنزل والآن سيسافران دراستهم ستستمر 7 سنوات ولن يأتو إلا كل سنة شهر وبعد 7 سنوات بالتأكيد ستزوجهم فلماذا تقسى على نفسك وتقتلها هكذا
أبي ابتسم لها بحنانه الذى افتقده كثيراً : نوره انا أريد أن أبقى هكذا احترمى رغبتى
غضبت عمتى نوره وحملت نفسها وخرجت من منزلنا .
كان أبي يحب أن يخفى مشاكله مع أعمامى ورغم أنهم لايزورننا لا يسألون كنا على موعد كل أسبوع بزيارة لهم
وكالعادة كانت تنتهى الزيارة بمشكلة ودائماً ماتكون مشاكلهم على النقود على الأراضي و البنايات وحين نعود إلى المنزل كنت أسمع إخوتى يلومون أبي على سلوكه وأحياناً يتمادون فيشتمون أعمامى أمام أبي الذى كان قد يصل به الأمر أن يضرب أحد منهم فهو كما يقول أنه مهما حدث بينه وبين إخوته يبقون مسند ظهره ويجب علينا احترامهم وإن رأيناهم يضربون أبي فمابين الإخوة يبقى بينهم.
*****************************
جاء موعد سفر إخوتي ووصلنا إلى المطار وأنا لأول مره أتذوق طعم الحزن كان المطر ينهمر وكان هذا ثاني لقاء لى بالمطر لكن هذه المره لم أكن مستمتعه به لم أعُر المطر أى هتمام فقط كنت أنظر لإخوتى فقد تعلقت بهم كثيراً بل أصبحو جزءً لايتجزء منى والآن اخبرونى أنهم سيسافرون وسيسافرون لمدة طويلة لا أستطيع عدها فلم أكن اعرف الأرقام بعد كنت أحس أنهم يبادلونى نفس الشعور ولربما زاد هذا الإحساس بينى وبين يزيد ربما لأن يزن بطبعه متمرد كان يغافل أبي ويتسلل مساءً مع أصدقائه ويتركنى ليزيد ليهتم بي فزادت علاقتى بزيد وأصبحت جذورها ثابته فى أعماق قلبي
احتضنونى قبلونى سلمو على أبي طبعو قبلة على رأسه وهو أخذ يوصيهم بصلاتهم بصيامهم أن يبقو قلب واحد سنداً لبعضهم
كم أتعجب من أبي كيف يغرز فينا المحبة وأن نكون قلباً واحد وأي ماكان يحدث بيننا علينا أن ندفنه في أرضه وننساه قبل أن ترف أعيننا وهو لم يعش جو الألفه هذا رغم أن لديه عصبة من الإخوة إلا أنهم متفرقون كل واحد يترقب أى فرصة لكى ينتقم من أخيه .
عدت إلى المنزل وحيدة فقط مع أبي والمطر كان المنزل كئيباً جداً هذه الليلة لأول مره أتذوق مرارة الفراق أخذت أبكى دون شعور منى احتضننى أبي وهو يقول مبتسماً: لماذا البكاء؟ سنرتاح منهم سندخل غرفتهم ونلعب بأغراضهم.
ضحكت ضحكة طفولية وكانت أدمعى قد توقفت يا الله كم أتمنى أن أعود لهذا العمر كيف أحزانى تزول ببعض كلمات وكيف السعادة تغمرنى ببضع ضمات .
اخذنى أبي من يدى وأدخلنى إلى غرفة إخوتى وأخذ يفتح خزانتهم التى أصبحت شبه فارغه وأخذ يخرج منها بعض ماتبقى من ملابسهم وارتدى قميص من قمصانهم أدخل في راسي قميص آخر واخذ يقلد صوت يزيد: يزن هل تريد أن نتصارع؟
أخذت أضحك من أعماق قلبي على منظر أبي و القميص أصغر منه بمراحل قضينا اللية أنا وأبي نلعب فى غرفة إخوتى ومارست ماكانا يمنعاننى منه أن اقلب غرفتهم رأساً على عقب فهما كانا يحرصان على نظافة المنزل لا لشيئ فقط لكى لاينتهى الامر بهما وهما ينظفان المنزل مرة أخرى.
كان اليوم التالى إجازة من العمل توقعت أن أستيقظ وأجده نائماً بجوارى لكنه كان مستيقظاً خرجت من الغرفة أبحث عنه بخوف فالآن أنا أصبحت أعرف مفردات جديدة حزن فراق خوف وقلق
وجدته بجوار الهاتف : حسناً وهل ستقبلها دون مشاكل
: ولكنهم أخبرونى أن الأمر ليس بيدها بل بيد الأستاذ خالد
: انهم لايدع قصاصة تمر من تحت يديه دون أن يقبض الثمن ولا تنسى أنها من مواليد
الخارج
: نعم عمرها 5 سنوات
: اعرف لكنى مجبراً على تسجيلها
: 50 ألف ماذا؟ هل جننت سأذهب بها إلى مدرسة أهلية
: حسناً سأذهب غداً وأرى ماذا يقول وسأخبره أنى من طرفك
أغلق أبي الهاتف وأنا كنت قد جلست بجواره ليقول لى : صباح الخير ياحلوتى هيا لتستحمى وتبدلى ملابسك سنذهب لمنزل جدك
كم أكره هذه العادة لا أحب الذهاب إلى منزل جدي فكل العائلة تجتمع رغم أنه يوجد العديد ممن هم فى مثلي عمرى وأكبر أو أصغر إلا أنى لم أنسجم مع أحد منهم أو بالأحرى لم يسمحو لى أن أنسجم معهم ربما الحقد و الغل الذى يسكن صدور الكبار سكن صدور هؤلاء الاطفال فكان كل واحد منهم يتفنن كيف يغيض الآخر كيف يشعره بأنه لا شيئ وهو الأفضل

*************************************************


__________________________________________________ __________

في بيت جدى كان الرجال بعد صلاة الجمعة يجلسون في الغرفة التى تطلع على حديقة المنزل و في الأعلى كانت النسوة يجتمعن
البعض يتهرب من أعمال المطبخ وإعداد الغداء و الفتيات قد هربن بالفعل وصعدنا إلى السطح حيث لن تبلغ مساعهم أصوات النداء وحيث يأخذن راحتهن بالحديث والنقاش في الممنوع والمسموح
وكنت مع منهم في سنى أحاول اللعب معهم يومها قد جئتهم أحمل بيدي دمية جديدة كان إعلانها لايزال يغزو شاشات التلفاز وما إن شاهدنها بنات عمومتى إلا وبدء الحقد الذى زرعهم الكبار في صدورهم يطرح ثمره
أسماء: مين أين لكى هذه الدمية
أجبتها بكل براءة: أبى أحضرها لى هل تلعبي معى بها؟
أسماء: حسناً لكن أنا سأكون الام وهى ابنتى الرضيعة و أنتى ابنتى الصغيرة
رضخت لرغبتها مع أنى أحضرت الدمية معى لألعب معهم و أكون أنا الأم لكنهم دوماً مايسلبونى هذه الرغبة وأرضخ أنا لهم فقط لأنى أريد أن ألعب ولا شيئ آخر سوى اللعب
دعت أسماء باقى البنات وصعدنا إلى سطح المنزل ومعنا باقى الفتيات الصغيرات لأن الصبية كانو يلعبون الكرة في الحديقة
بدئت أسماء بتقمص دور الأم وكانت دائماً أم شريرة بدئت بإعطاء الاوامر وبالضرب بين الحين والآخر فهي أم وأنا الابنة وعلي الطاعة وقبول الضرب ولأنى بالطبع أريد أن ألعب
لعبنا اللعبة التى كنا نحبها (ناس و ناس) أو كما يسميها البعض(بيت بيوت) وجائت سمر ابنة عمتى لزيارتنا في الركن الذى من المفترض أنه بيتنا أنا وأمى في اللعبة أسماء
كنا نلعب بسلام فجئه احتد الجدال بين سمر وأسماء اللآتى من المستحيل أن تتفقا وانتها الجدال بأن دميتى أصبح كل جزء منها في اتجاه ولم يكترثن للأمر بل اكملن شجارهن وأنا أنظر لدميتى بآساً فلم أستمتع بها بعد
وأثناء شجارهن ألقت احداهن رجل الدمية على الآخرى لتحط في عين ابنة عمى الكبرى التى كانت تجلس خلفهم ليركض الجميع وبمافيهم أنا وهى تركض خلفنا لايهم إن امسكت من القت برجل الدمية أم غيرها المهم لديها أن تمسكن احدانا وتضربها نزلت الفتيات الصغيرات كل واحدة تختبئ خلف أمها لا اعلم لماذا توقفت أنظر للنساء الموجودات كلهن عماتى أو زوجاتى أعمامى او بنات العائلة المتزوجات وأنا أجول بنظرى بينهن لا أعلم أختبئ خلف من أسماء خلف أمها سمر أريج سعاد فاطمة وووو يا إلهى أين أمى أنا؟ لأول مره أشعر أنى بحاجة إلى أمي ربما لأن سباق الاختباء عادة كان يحدث بيننا وبين الصبية الصغار وكنا نركض نختبئ خلف آبائنا ؟
كنت اتسائل أين أمى لماذا أنا الوحيدة التى لاتجد أمها لتختبئ خلفها؟ و وصلت ابنة عمي الكبرى وهى تستشيط غضباً لتصرخ : من التى ألقت بالدمية كادت أن تقتلع عيني
كنت قريبة منها أرتعد خوفاً كصغير الدجاج حين يرش بالماء البارد وعماتى كن يبعدن الخطر عن بناتهم بإبعاد ابنة عمى عنهن ولم تجد هى غيري بجوارها لتمسكنى من إذنى وتقرصنى بشدة وتوبخنى على فعلة لم أفعلها
بكيت بشدة ليس من ألم القرصة بل من الألم الذى غزانى لأنى لم أجد أمى تركتنى ابنة عمى وعادت للفتيات فى الأعلى وجائت عمتى نوره وكنت أرى في عينيها أنها قد قرأت ماكنت افكر فيه وأنا أنظر إليهم قبل أن أتلقى العقاب ومسحت ادمعى وسقتنى كأس ماء فقد كنت أبكي بشهقات متقطعة
عمتى نورة: لاتبكى يا أنين كلنا نحبك حتى رانيا لكنها عصبية وحين تغضب ستضربنى حتى أنا لاتبكى ياحلوة فهى لم تقصد إيذائكى
غريبةٌ ياعمتى!! لم تقصد إيذائي وهى قد قرصتنى في إذنى وكادت أن تخرجها من مكانها؟ وكلكم تحبوننى؟ أ من المحبة أن لم تلتفت احداكن لى لم تكلف واحدة منكم نفسها أن تقول لى أنين اختبئ هنا لم أكن أريد أن أختبئ خلفها لكن لم تعطنى إحداكن شعوراً أنى محط اهتمام
رغم هذه المشاعر الى اختلطت داخلى إلا أن احتضان عمتى لى وقبلتها التى انطبعت على جبينى جعلت أهدء واتوقف عن البكاء .
قررت أن أنزل وأجلس بجوار أبي فلقد آمنت يومها أنه لايوجد مئمنٌ سوا أحضانه .
دخلت إلى الغرفة وكان حسان ابن عمى يجلس قريباً من الباب بمجرد دخولى تلقفنى وحملنى واخذ يبقل وجنتى ويمازحنى كنت أحب حسان كثيراً وأحب أن ألعب معه أو أن ألعب مع محمد أخوه الذى يكبرنى بعامين لأننى لم أشعر يوماً بالحقد في قلوبهم أو أنهم سيحابوننى لانهم يريدون من أبى شيئاً
بقى حسان يمازحنى واستئذن من أبي أن يذهب بي إلى محل البقالة المجاور فسمح له أبي وخرجنا من الغرفة لينادى على أخيه محمد وحين وصلنا إلى الباب الخارجى كانت أسماء وسحر يصرخون على حسان لأنهم يريدون أن يذهبو معنا فاجئنى حسان بأن رفض اصطحابهم فرحت كثيراً برفضهم أتعجب كيف أن المفردات بدئت تدخل إلى قاموسي دون أن أشعر فهاهي مفردة الشماتة أخذت مكانها في قاموسي فلقد أحسست وكأن حسان قد اقتص لي منهم دون أن يشعر لكنى استمتعت كثيراً بهذه اللحظه فلقد عوقبت على فعلة لم أفعلها بسببهن وكسرت دميتى التى لم ألعب بها بعد بسببهن أيضاً
**************************************************