عنوان الموضوع : صانع السعاة -قصة قصيرة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

صانع السعادة






ربى طفلة صغيرة لم تتجاوز السادسة من عمرها.نظرت الى بائع الحلوى المتجول بعيناها الحزينتين,وقد إلتف حوله الاطفال يصرخون ويتدافعون .لكن ربى وقفت بعيدة ,تراقب بصمت .وبوقفتها آلاف الكلمات .كانت الدموع محبوسة في عيناها ,وشعرها اشعث مغبر مائل الى الحنائي بفعل اشعة الشمس الحارقة . وكانت وجنتاها متسختان وثوبها الطويل رث ومهترئ وقدمان تنتعلان ما يشبه الحذاء.أدخلت ربى يدها في جيبها علها تحقق معجزة ,لكنها طأطأت رأسها لأنها تعرف مسبقا ان الجيب مثقوب فلا مجال لأن يوضع فيه شيء.
بدأ الأطفال يغادرون بائع الحلوى وكل واحد منهم إبتسامته اطول من كفة يده. وكان كل واحد يتباها ان ما اختاره هو الافضل ,او كل لون افضل من الاخر .وكانت ربى تتمنى ان تمطر السماء بدل حبات المطر الموسمي قروشا فتفرد ثوبها البالي وتجمع اكبر عدد ممكن من القروش وقرش على قرش يصير مبلغ لطفلة حرمت من مجرد حلوى .
غادر بائع الحلوى المتجول دون ان يلفت نظره وجود ربى واخذ ينظر الى نقوده التي جمعها بسرور وينادي "حلوى يا اولاد حلوى للحلوين" .وكلما كان يبتعد خطوة كان قلب ربى ينفطر اكثر وعيناها امتلأت بالدموع ,لكنها مسحتهما وعادت الى امها تحلم بالليل ببائع الحلوى الذي لم يلاحظها ,تحلم به وقد تقدم منها ليعطيها حلوى .وكم كانت سعادة ربى ليس للحلوى بل بالحلم ,فبعضنا يحلم انه صار ملكا او عثر على كنز .وكان هذا كنز ربى .
وكم كانت سعادتها واضحة عليها انها نشيطه هذا الصباح وقالت لامها المريضه"انا سأجمع البيض واذهب لبيعه للسيدة نبيهه" .وذهبت مسرعة الى قن الدجاج وجمعت عشر بيضات مع ان عدد الدجاجات خمس .
في طريقها الى منزل السيدة نبيهه صادفت ابو جابر وابو جابر شيخ عجوز .يحاول ان يحمل كيسا فطلب من ربى ان تساعده فساعدته بسرور واعطاها بعض القروش .اجل ربى حصلت على قروش ,لمعت عيناها وزادت دقات قلبها ويداها ترتجفان ولم تقل كلمة واحدة فقط تعابير وجهها كانت تعبر عن مدى سعادتها .
اسرعت الى السيدة نبيهه لتبيعها البيض الطازج .وصلت الى منزل السيدة نبيهه والسيدة نبيهه من اغنى سكان القرية فقد جاءت هي وزوجها من المدينه منذ سنين ولم يرزقا باطفال وفتحا مشغل صغير وشغلا فيه بعض فتيات القرية وكم كانت محظوظة من تعمل عند السيدة نبيهه .
دخلت ربى الى منزل السيدة نبيهه و كانت كل مرة تدخل مع امها كأنها اول مرة تدخل هذا البيت فيهرها المناظر الغريبة والاثلث الراقي والديكور الخلاب .ولكن هذه المرة كانت تختلف عن باقي المرات ,كان المنزل يعج بالفوضى لا تستطيع ربى ان تضع اصابع قدميها في مكان واحد لا شيء مكانه وهناك رائحه قويه غريبه لم تعهدها ربى من قبل انها رائحة الدهان ,وكان هناك شابان يقف كل واحد منهما على سلم وحمل فرشاة وعلبة دهان ليدهنا السقف بلون ابيض .
كانت ربى شاردة الذهن وتظن ان شيء غير طبيعي يحدث فاتحة فاهها .وجاءت السيدة نبيهه وقالت"ما بك يا صغيرة؟اين امك؟الا تزال مريضه؟لم تجب ربى على اي سؤال من هذه الاسئلة وقالت"يا سيدة نبيهه هل ستغادرين ؟وهؤلاء الرجال سيهدمون بيتك."ضحكت السيدة نبيهه وقالت"لا .انا اجدد لون المنزل ...تعالي معي ساعديني على اختيار لون الغرف .وذهبت ربى مع السيدة لكنها لا تعرف ماذا تختار فكل لون اجمل من الاخر بالنسبة لربى .واخيرا اختارت اللون الزهري الميت "انه فعلا لون هادئا وراقيا "قالت السيدة نبيهه واضافت"سوف اضع هذا اللون ".
اعطت ربى البيض الى السيدة نبيهه وقالت"اعطني ثمن البيض يا سيدة نبيهه ".ضحكت السيدة بصوت عالي وقرصت خد ربى وقالت "يا لبراءة الاطفال "ودخلت الغرفة المجاورة وعادت وقد احضرت النقود وقالت "هذه النقود ثمن البيض "وامسكت بيد ربى اليمنى ووضعت النقود فيها وافلتتها ثم امسكت اليد اليسرى ووضعت نقودا اخرى وقالت"وهذه النقود لك انت لانك ساعدتني على اختيار لون " ولم تتمالك ربى نفسها وقالت بلهفة"لي انا؟؟؟" اجابت السيدة "نعم لك " .وضعت ربى القود التي اعطاها اياها الشيخ العجوز ابو جابر والنقود التي اعطتها اياها السيدة نبيهه في منديل كانت تلف به البيض .لكنها لم تكن مع الناس ولا مع من حولها انها تهيم فرحا وتطلب من الله ببراءة ان ياتي يوم الخميس بسرعة لان بائع الحلوى ياتي كل خميس وصار اللعاب يسيل من بين اسنان ربى وكأنها تلعق الحلوى الان .وعادت الى بيتها .



الجزء الاخير بعد قليل


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


روعة الرواية يا ماضيه الى الامام اسال الله ان يوفقك دنيا و اخر


__________________________________________________ __________

رائعة


__________________________________________________ __________

وكل يوم كانت ربى تراقب الاطفال وهم يلعبون ,ولكنها لم تكن تلعب معهم .تظن انهم لا يرضون اللعب معها .
واخيرا جاء يوم الخميس واستيقظت ربى من نومها باكرا ,وخرجت لملاقاة بائع الحلوى وكانت تحمل بيدها اليمنى النقود ,وتقول سائلة نفسها"هل اشتري اليوم بكل النقود حلوى ؟ام اشتري قطعة واحدة وكل اسبوع اشتري بباقي النقود ؟آه لو استطيع ان اتذوق جميع الاوان لاعرف اي طعم اختار ,سأختار اطيبها واشهاها .
وصلت ربى ساحة القرية لكن لا احد هناك لا طفل ولا رجل ولا اي احد لان الوقت كان مبكرا جدا .وقررت الجلوس تحت شجرة تطل على الطريق الذي يأتي منه بائع الحلوى .
وصلت اشعة الشمس الملتهبة مكان جلوس ربى ,فبحثت عن ظل تحت الشجرة نفسها لكي تبقى اول من يرى بائع الحلوى ,وهي لا تعلم متى يأتي تماما ,لكن يبدو ان النعاس غلبها فغفت وحلمت ببائع الحلوى وقد احضر معه الوانا جديدة كتلك التي رأتها عند السيدة نبيهه,وحلمت بصراخ الاطفال وهم يتراكضون لملاقاة البائع .وشيء ما ايقظها ,انه صراخ الاولاد حقا ,وهتاف البائع "حلوى يا اولاد حلوى للحلوين"وقد اشترى كل الاطفال حلوى وتبقى اثنين ما زالا يختاران وسيختاران القطعة الاكبر مع ان كل القطع متساوية تقريبا.وكانت ربى ما تزال تحمل النقود بيمينها وتعصرها عصرا رغم نومها العميق وقد تعرقت كأن كوب ماء انسكب على يدها .شهقت وقامت مسرعة الى بائع الحلوى حتى وصلت اليه بهدوء وثقه وآلاف الافكار تراودها "هل بقي معه شيء؟اي شيء؟هل ساتذوق اخيرا طعم الحلوى ؟اي لون ساختار؟اتمنى ان يبقى معه اللون الاحمر.رحل الاولاد جميعا ومن لهفتهم لم يلاحظوا وجود ربى ,نظر اليها بائع الحلوى لكنه لم يعرفها انه اول مرة يرى بها ربى وهي اول مرة تراه من قريب بينهما تمر واحد فقط .نظرت اليه بصمت وتمعنت بتفاصيل وجهه وقد غزت التجاعيد هذا الوجه وكل خط فيه له حكاية .إقترب منها بائع الحلوى وقال لها"انت اكيد جديدة في هذه القرية ,انا لم اراك من قبل .وبما انك لم تتذوقي حلواي التي اصنعها من قبل سأعطيك مجانا من كل لون قطعة ,حتى تتذوقينها وتختاري في المرة المقبلة ماذا ستختاري .ما رأيك؟"
لم تنبس ربى بكلمة واحدة ولم تنطق بحرف ,فقط جحظت عيناها وفتحت فمها وكأنها اصبحت خرساء.فتح بائع الحلوى كيسا من ورق وملئه بشتى الوان الحلوى وبالنكهات المختلفة .فكل لون او شكل له نكهه مختلفه فمثلا الحلوى التي على شكل عصفور لونها احمر وبنكهة الفانيلا والحلوى التي على شكل ضفدع لونها اخضر بنكهة التفاح والغزال الاصفر بنكهة الموز والتمساح الازرق بنكهة المشمش والكثير من الاشكال والاوان .
إبتسم بائع الحلوى واعطى الكيس الورقي لربى التي كانت غائبه عن الوعي لدقلئق من شدة سعادتها ..لم تصدق الامر ولم تشعر به إلا بعد دقائق وقد كان بائع الحلوى يبتعد بعد ان جمع اغراضه .فلحقت به ربى وقالت له"يا سيدي انا معي نقود اريد ان اشتري بنقودي "
ضحك بائع الحلوى وقال"هذه الحلوى هدية مني لك ولكن في المرة القادمة سأقبل النقود "وتابع سيره .
وقفت ربى لدقائق تراقب خطواته البطيئه وهو ينادي "حلوى يا اولاد حلوى للحلوين"وتنظر الى يدها وما تحمل من كنز ثمين ولا تتسع سعادتها الدنيا وما فيها .ونادت بائع الحلوى "يا سيدي يا سيد"وركضت نحوه مرة اخرى نحوه وقالت ببراءة الاطفال اللذيذه "انت صانع سعادتي"


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________