عنوان الموضوع : من مقالات الشيخ صالح الفوزان حفظه الله وسدده في الاسلام
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
من مقالات الشيخ صالح الفوزان حفظه الله وسدده
تفجير الأفكار سبب لتفجير الديار
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإنه لما حصل التفجير والتخريب من جماعة من الشباب غرر بهم ولقنوا أفكارا فاسدة من قبل أعداء الإسلام والمسلمين أجمع كل المحللين على أن سبب هذا العمل الإجرامي هو بعد الشباب عن العلماء الراسخين الموثوقين وقال بعض هؤلاء المحللين إن العلماء مقصرون في توجيه هؤلاء الشباب وتحصينهم من تلك الأفكار الهدامة وأقول لاشك أن على العلماء واجباً عظيماً في هذا المجال ولكني أقول:
أولاً: هؤلاء الشباب الذين تلقنوا تلك الأفكار الهدامة ينفرون من العلماء ومن المجتمع كله بل من والديهم وأقاربهم ولا يرون في المساجد ولا في ملتقى الناس وتجمعاتهم وإنما يفرون إلى أمكنة مجهولة يتلقون فيها التوجيهات من قادتهم وزملائهم فكيف يتمكن العلماء من اللقاء بهم وهم يفرون ويتحاذرون منهم.
ثانياً: هناك من يسقط منزلة العلماء في المجتمع من خلال الفضائيات ومن خلال بعض الصحف فهناك من يسب الأئمة القدامى كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب وغيرهم، وهناك من يقلل من شأن العلماء المعاصرين ويصفهم بالتشدد والسطحية في التفكير وقصور النظر وأنهم لا يفهمون فقه الواقع وأنهم علماء جزئيات وأصحاب مناصب أو علماء سلاطين أو عملاء وغير ذلك من الألقاب المنفرة عنهم، ويلمعون للشباب أصحاب المناهج الجديدة والمفكرين الذين ليس عندهم علم بالأحكام الشرعية وإنما عندهم ثقافة عامة لا تفرق بين صحيح وسقيم في العقيدة، فكيف يُلقى باللائمة مع هذه المعوقات على العلماء، أو يقال إنهم في بروج عاجية لا يلتقون بالشباب ولا ينزلون في الميادين... الخ.
ثالثاً: هناك من يقولون إذا أفتى العلماء بخلاف ما يهوون فإن العلم ليس مقصورا على علماء المملكة فهناك علماء يرون غير هذا الرأي الذي رآه علماء المملكة وكأن الشريعة في نظر هؤلاء تؤخذ من آراء الرجال والله تعالى يقول: {(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) فالله لم يكلنا عند الاختلاف إلى آراء العلماء وإنما أمرنا بالرد إلى كتابه وسنة رسوله والأخذ بالذي يعضده الدليل من أقوال العلماء فإن لم يظهر الدليل مع أحدهم وصارت الأقوال متساوية فإن العمل على ما عليه القضاء والفتوى في البلد على القاعدة التي تقول: (حكم الحاكم يرفع الخلاف) فالأمور الشرعية ـ ولله الحمد ـ منضبطة وليست فوضى بحسب الأهواء والرغبات. والذين يقولون هذه الأقوال في حق العلماء يريدون نزع الثقة بهم وفصل المجتمع ـ وخصوصا ـ الشباب عنهم وهذا هدم وتضييع والشاعر يقول:
متى يبلغ البنيان يوم تمامه إذا كنت تبني وغيرك يهدم
ويقول الآخر:
أرى ألف بان لا تقوم لهادم ** فكيف ببان خلفه ألف هادم
واذا لم ترد الأمور إلى أهل العلم الراسخين وأهل الرأي الحصيف من العقلاء ضاعت الأمور واختلطت المعايير كما قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والله تعالى يقول: {(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83)
فالواجب ألا يتدخل في القضايا العامة وحل المشكلات المعضلة إلى أهل العلم وساسة الأمة ولا يتدخل في ذلك أصحاب الأهواء والنزعات، نسأل الله أن يوفق علماءنا وولاة أمورنا لما فيه الخير والصلاح، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يصلح بطانتهم ويبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
يتبع ..
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
القول بعدم تخطئة المخالف
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وآله وصحبه.. وبعد:
فقد كثر على ألسنة بعض الكتاب أنه لا تجوز تخطئة المخالف، وأنه يجب احترام الرأي الآخر، وأنه لا يجوز الجزم بأن الصواب مع أحد المختلفين دون الآخر.
وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأنه يلزم عليه أن جميع المخالفين لأهل السنة والجماعة على صواب ولا تجوز تخطئتهم، وهذا تضليل؛ لأنه يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: هم مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). ويلزم على هذا القول أيضا أن المخالف للدليل في مسائل الاجتهاد لا يقال له مخطئ، ولا يردّ عليه، وهذا يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)؛ فدل على أن أحد المجتهدين المختلفين مخطئ، لكن له أجر على اجتهاده ولا يتابع عليه؛ لأن اجتهاده خالف الدليل، وإنما يصحّ اعتبار هذا القول، وهو عدم الجزم بتخطئة المخالف، في المسائل الاجتهادية التي لم يتبين فيها الدليل مع أحد المختلفين، وهو ما يعبر عنه بقولهم: (لا إنكار في مسائل الاجتهاد)،
و(الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد)، وهذا من اختصاص أهل العلم وليس من حق المثقفين والمفكرين الذين ليس عندهم تخصص في معرفة مواضع الاجتهاد وقواعد الاستدلال أن يتكلموا ويكتبوا فيه. ولو كان لا يُخطأ أحد من أصحاب الأقوال والمذاهب لكانت كتب الردود والمعارضات التي ردّ بها العلماء على المخالفين كلها مرفوضة، ولما كان لقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} فائدة ولا مدلول؛ لأنه لا تجوز تخطئة المخالف، وهذا لازم باطل؛ فالملزوم باطل، وما نقرؤه وما نسمعه من اتهام للعلماء الذين يردّون على المخالفين بأنهم يحتكرون الصواب لهم، ويخطئون مَن خالفهم، وأنهم يصادرون الآراء والأفكار.. إلى آخر ما يقال؛
فهو اتهام باطل؛ فإن العلماء المعتبرين لا يحتكرون الصواب في أقوالهم، وإنما يخطئون مَن خالف الدليل، وأراد قلب الحقائق؛ فيردّون على مَن هذه صفته عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
وقد ردّ الله - سبحانه وتعالى - على أهل الضلال في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، وشرع لنا الردّ عليهم؛ إحقاقاً للحق، وإزهاقاً للباطل. ولولا ذلك لشاع الضلال في الأرض، وخفي الحق، وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، بل شرع الله لنا ما هو أعظم من ذلك، وهو جهاد أهل الباطل بالسيف والسنان، وبالحجة والبيان؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}.
وإذا كان حصل من بعض المتعالمين سوء أدب مع المخالفين، وتجاوز للحدود المشروعة في الردّ فهذا لا ينسب إلى العلماء، ولا يتخذ حجّة في السكوت عن بيان الحق، والردّ على المخالف.
هذا ما أحببت التنبيه عليه؛ {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه.
يتبع ..
__________________________________________________ __________
الحوار يراد منه بيان الأحكام الشرعية وترسيخها
العدد 11622
السبت 7 جمادى الثانية 1425 هـ
24 يوليو 2004
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:
لا شك أن الحوار بين المختلفين في أمر من الأمور يراد به بيان الصواب وتجنب الخطأ، ومن هنا شرع الله سبحانه المجادلة بالتي هي أحسن وشرع الشورى وشرع المناظرة والمباهلة. قال تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وقال تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، إذاً فالمقصود من الحوار والمناظرة والشورى والمباهلة استبيان الحق ومعرفة الخطأ وإقامة الحجة على المخالف، وهذه البلاد السعودية - ولله الحمد - قامت دولتها على الكتاب والسنَّة وتحكيم الشريعة والتمسك بالعقيدة الصحيحة وضمنت هذه المقاصد العظيمة في مناهج تعليمها وسياستها الداخلية والخارجية. والتزمت بإقامتها. فمن كانوا يتوقَّعون من الحوارات أن تتغيَّر هذه الثوابت فإنهم واهمون ويظهر هذا التوقّع وهذا التوهم من تعليقاتهم في الصحف وغيرها بعد نهاية كل حوار بأن هذه الحوارات لم تأت على المستوى الذي كانوا يتوقَّعونه منها.
ونحن نقول: هناك مسلَّمات لا مجال للحوار فيها كأمور العقيدة وأحكام الشريعة والحقوق الواجبة بالكتاب والسنَّة لله سبحانه ولعباده، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وحقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها وحقوق المسلمين عموماً وحقوق المرأة سواء أكانت زوجة أو أماً أو أختاً أو قريبةً أو أختاً مسلمة غير قريبة، وحقوق المستأمنين وأهل الذمة من الكفار. وحقوق المواطنين. كل هذه حقوق قررها الإسلام وأمر بإعطائها لمستحقيها. يبقى النظر في المشاكل التي قد تعترض هذه الحقوق ويرجع فيها إلى المحاكم الشرعية قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقال سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. وأما الأمور المستجدة في المعاملات وغيرها فالنظر فيها لهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية. وأمور السياسة والأحكام السلطانية مردها إلى أولي الأمر. كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. وأما الأمور الفكرية والثقافية فيرد النظر فيها إلى مؤتمرات الحوار الفكري للاستفادة من الفكر المستقيم والبعد عن الفكر المنحرف الذميم. وأما الحقوق الوطنية فيرجع فيها إلى الدوائر المتخصصة بالنظر فيها وإلى الوزارات ذات العلاقة، وهكذا نجد أن الإسلام - ولله الحمد - قد نظَّم شؤوننا وأمر برد الأمور إلى نصابها كل في اختصاصه. وأما أن يرضى الناس كلهم عنا فهذا مستحيل، ولكن حسبنا أن نرضي الله ونقيم العدل بين الناس ما استطعنا ولو سخط من سخط.
قال الشاعر:
إن نصف أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل
وقال آخر:
لو أنصف الناس استراح القاضي ومال الجميع إلى التراضي
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه.
يتبع ..
__________________________________________________ __________
كيد الشيطان للمسلمين بواسطة المرأة
العدد 11612
الأربعاء 26 جمادى الأولى 1425
14 يوليو 2004
إن عداوة الشيطان للإنسان قديمة منذ عهد أبيه آدم عليه السلام فهو ما زال يكيد لهذا الإنسان لإهلاكه كما قال لربه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}، ومن أعظم ما يكيد به الشيطان للإنسان كشف العورات لما يجر إليه من الوقوع في الفاحشة وفساد الأخلاق وضياع الحياء والحشمة، فكاد لآدم وزوجه بالأكل من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}، فحصلت من آدم عليه السلام الخطيئة ولما عاتبه الله في ذلك تاب إلى الله فتاب الله عليه وقطع خط الرجعة على الشيطان لكن بقيت آثار المعصية بإخراجه من الجنة فزاد ذلك من توبة آدم إلى ربه واجتهاده في طاعته {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، ففات على الشيطان غرضه وحصل لآدم من الإكرام وحسن العاقبة ما لم يتوقعه الشيطان وصار كما قيل:
(رب ضارة نافعة) ثم إن الله سبحانه وجَّه النداء لبني آدم محذِّراً لهم من كيد هذا العدو الذي فعل مع أبيهم ما فعل أن لا يفتنهم ويوقعهم في الهلاك عن طريق التساهل في كشف العورات وامتن عليهم بلباسين يستران عوراتهم: اللباس الذي يواري سوءاتهم ويجمِّل هيئاتهم وهو اللباس المحسوس الذي يلبسونه على أبدانهم، واللباس الذي يواري سيئاتهم ويجملهم ظاهراً وباطناً وهو لباس التقوى الذي تتحلَّى به قلوبهم
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}،
{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}، وما حذَّر الله عباده هذا التحذير إلا لأن الشيطان سيعيد عليهم الكرة فيأمرهم بالعري وخلع الستر ولباس الحشمة لما له في ذلك من المآرب الخبيثة والمطامع الدنيئة وقد عمل هذه المكيدة مع أهل الجاهلية فأمرهم أن يطوفوا بالبيت عراة رجالاً ونساءً وقال لهم: لا تطوفوا في أثواب قد عصيتم الله فيها فأطاعوه محتجين على ذلك أنهم وجدوا عليه آباءهم (وأن الله أمرهم بهذا) وهكذا احتجوا بالتقليد الأعمى وبالكذب على الله، وهما حجتان داحضتان ولكن صاحب الباطل يتعلَّق بخيط العنكبوت.
ولما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أنكر هذا العمل ومنعه لما فتح الله له مكة وجعل له السلطة على أهلها فقال: ( لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) وبعد هذا دبَّ الشيطان وأعوانه من شياطين الجن والإنس في هذا الزمان إلى المسلمين مطالبين بكشف العورات وخلع لباس الحشمة، طالبوا بإخراج المرأة عن الآداب الشرعية إلى الآداب الكافرة الإفرنجية وطالبوها بخلع الحجاب وإظهار الزينة وطالبوها بالخروج من البيت ومشاركة الرجال في أعمالهم التي لا تليق بالمرأة، طالبوا باختلاطها مع الرجال في مجالات العمل وفي مجالات اللهو واللعب في المسارح والمراقص ودور اللهو، طالبوها بأن تداوم في الوظيفة كدوام الرجال رغم ما يعتريها من حمل وولادة وحيض ونفاس، طالبوا أن تتولَّى المرأة أعمالاً لا يتحقق لها القيام بها إلا بالتنازل عن حيائها وحشمتها،
بل طالبوا أن تقوم بأعمال لا تطيق القيام بها خلقة وطبيعة أن تكون وزيرة وسفيرة ومديرة ورئيسة أعمال متناسين أنها أنثى خُلقت لأعمال النساء لا لأعمال الرجال {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، إن الكفار حينما ينادون بذلك يريدون أن يسلبوا المرأة كرامتها ومكانتها اللائقة بها حتى ما تمتع به المرأة المسلمة من عزة وكرامة ومكانة عالية، ومن ينعق بأفكارهم ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا في الصحف والمجلات والمؤلفات إنما ينعقون بما لم يدركوا عواقبه الوخيمة أو يدركوا ذلك ولكن يريدون أن يرضوا أسيادهم أو يريدون أن تكون المرأة ألعوبة بأيديهم يستمتعون بما يتمكنون من الاستمتاع به منها، والعجيب أن بعض النساء المخدوعات ينعقن بهذه الأفكار دون أن يدركن ما يحاك ضدهن فهن كما قال الشاعر:
فكانت كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية تحت التراب تثيرها
إننا نريد من أمتنا رجالاً ونساءً حكومةً وشعباً أن يقفوا ضد هذه الحملة الشرسة المركَّزة على المرأة المسلمة التي إن نجحت (ونعوذ بالله) نكبت المجتمع في أعز ما لديه لأن المرأة قاعدة الأسرة قال الشاعر:
والأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وإذا انهارت الأسر انهار المجتمع، لأن الأسر هن لبناته فاتقوا الله يا من تنادون بتمرد النساء وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة خيراً وحذَّر من خطرها فقال: (واتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
لما علم شياطين الإنس والجن ما للمرأة من مكانة في المجتمع ركَّزوا عليها وزعموا أنها مظلومة ومهضومة الحقوق وفي الحقيقة هم الذين يريدون سلب حقوقها وإخراجها عن طورها وخصائصها، يريدونها أن تكون كادة كادحة مضيعة لمسئوليتها فهي ربة بيت وراعية أسرة ومربية أجيال وسكن زوج، فأعمال الرجال للرجال وأعمال النساء للنساء هكذا فطر الله الناس وخلقهم { لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
يتبع ..
__________________________________________________ __________
فضيلة الشيخ د. صالح الفوزان محذراً من السحر والسحرة والمشعوذين:
السحر قرين الشرك لأن الساحر لا يتوصل للسحر إلا بالشرك ولأن فيه دعوى علم الغيب
لقاء د. عقيل العقيل
من الأمور التي استسهلها الناس وغرق فيها البعض حتى الثمالة إتيان السحرة والكهان والعرافين الذين أفسدوا على الناس عقائدهم وأخلاقهم وكثر شرهم هذه الأيام فأصبحوا يظهرون في عدد من القنوات الفضائية والناس يتصلون بهم على أنهم أطباء وناصحون فيصدقونهم وهم سحرة ومشعوذون دجالون كذابون.
ولبيان خطر هؤلاء السحرة والمشعوذين على العقيدة التقينا فضيلة الشيخ د· صالح بن فوزان الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء..
* ما مفهوم السحر فضيلة الشيخ؟ ولِمَ سمي بذلك؟
- هو عبارة عمَّا خفي ولطف سببه، سمي سحراً لأنه يحصل بأمور خفية لا تدرك بالأبصار، وهو عبارة عن عزائم ورقى وكلام يتكلم به وأدوية وتدخينات، ومنه ما يؤثر في القلب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، وتأثيره بإذن الله الكوني القدري.
* ما حكم السحر وما صفة دخوله في الشرك؟
- هو عمل شيطاني، كثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بشيء مما تحب والاستعانة بالحيل على استخدامها بالإشراك بها، ولهذا يقرنه الشارع بالشرك، وهو داخل في الشرك من ناحيتين:
الأولى: ما فيه من استخدام الشيطان والتعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبونه ليقوموا بخدمته.
الثانية: ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في ذلك، وهذا كفر وضلال، قال تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [البقرة: 102] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
* ما مفهوم الكهانة؟
- هي ادعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب وهو استراق السمع، حيث يسترق الجني الكلمة من كلام الملائكة، فيلقيها في أذن الكاهن، فيكذب معها مئة كذبة، فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة.
* ذكرتم أن في الكهانة ادعاء لعلم الغيب.. ما حكم هذا العمل؟ وما حكم تصديق من فعل ذلك؟
- الله هو المتفرد بعلم الغيب، فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها أو صدق من يدعي ذلك فقد جعل لله شريكاً فيما هو من خصائصه، وهو مكذِّب لله ولرسوله، وكثير من الكهانة المتعلقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرب إلى الوسائل التي يستعان بها على دعوى العلوم الغيبية، فالكهانة شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به، ومن جهة التقرب إلى غير الله.
وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافاً، فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أبو داود.
* ما الرسالة التي توجهونها لإخوانكم محذِّرين إياهم عن إتيان السحرة والكهنة والعرافين ومن يدعي الغيب والمشعوذين مجلين لبعض الصور التي يظهرون بها؟
- مما يجب التنبيه عليه والتحذير منه أمر السحرة والكهان والمشعوذين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فبعضهم يظهر للناس بمظهر الطبيب الذي يداوي المرض، وهو في الحقيقة مفسد للعقائد، بحيث يأمر المريض أن يذبح لغير الله، أو يكتب له الطلاسم الشركية والتعاويذ الشيطانية، والبعض الآخر منهم يظهر بمظهر المخبر عن المغيبات وأماكن الأشياء المفقودة، بحيث يأتيه الجهال يسألونه عن الأشياء الضائعة، فيخبرهم عن أماكن وجودها، أو يحضرها لهم بواسطة الشياطين، والبعض الآخر منهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات، كدخول النار، وضرب نفسه بالسلاح، ومسك الحيات.. وغير ذلك، وهو في الحقيقة دجال مشعوذ وولي للشيطان، وكل هذه الأصناف تريد الاحتيال والنصب لأكل أموال الناس وإفساد عقائدهم، فيجب على ولاة الأمور استتابة هؤلاء، فإن تابوا، وإلا قتلوا لإراحة المسلمين من شرهم وفسادهم وتنفيذاً لحكم الله فيهم، ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة، قال: " كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" وعن جندب مرفوعاً: " حد الساحر ضربه بالسيف" رواه الترمذي.
-------
المصدر: (مجلة الدعوة) العدد 2127 ـ 15 محرم 1428 هـ
يتبع ...
__________________________________________________ __________
الرأي والرأي الآخر كما يقولون.. هؤلاء الضالون المضلون يحملون وزرهم ووزر غيرهم
راجت في عصرنا الحاضر فكرة التعلق بالأقوال التي توافق هوى هذا المتعلق بها، وهذا خطر فلا يكفي أن الآخذ برأي ما يضغط على الكمبيوتر ويستعرض الأقوال المخزنة فيه ويأخذ ما يوافق هواه فإن ذلك هو الضلال المبين، وليس ضلاله يقتصر عليه - وإن كنا لا نحب له ذلك- ولكن ضلاله يتعدى إلى الآخرين خصوصاً من لا علم عندهم، فيحمل وزره كاملاً يوم القيامة ومن أوزار الذين أضلهم بغير علم، فالموقف هناك صعب.
إن الخلاف واقع والأقوال كثيرة والآراء متباينة ولم يكلنا الله إلى الأقوال والخلاف بل قال لنا سبحانه وتعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) [النساء: 59] وهذا أمر من الله يفيد وجوب رد النزاع والاختلاف إلى كتاب الله وسنَّة رسوله وذلك يكون على أيدي العلماء المتخصصين في علم الكتاب والسنَّة ومعرفة مآخذ الأقوال ومستنداتها ولا يتولاه المتعالمون والجهال أو الضلال، فالله لم يرض لنا البقاء على الاختلاف ولم يرض لنا الأخذ بمجرد الأقوال على علاتها كل يأخذ منها ما يوافق هواه أو ما يرضي به الناس أو ما يتجارى مع الواقع المخالف لشرع الله سبحانه، فها هو الإمام أبو حنيفة يقول: " إذا جاء الدليل عن الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن رسول الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن صحابة رسول الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال" يريد أننا لا نقبل قول التابعي مع فضله ومكانته حتى نعرضه على الكتاب والسنَّة، فكيف بقول غير التابعين، وها هو الإمام مالك يقول: " كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هو الشافعي يقول: " إذا خالف قولي قوله صلى الله عليه وسلم فخذوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بقولي عرض الحائط" وها هو الإمام أحمد يقول: " عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان.
والله تعالى يقول: {·· فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) [النور: 63].
إنني أقول لمن فتنوا بتتبع الأقوال والرخص ويعلنون ذلك في المجلات والصحف أو في الفضائيات عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي إخوانهم وأن لا يدخلوا فيما ليس من اختصاصهم، فالخطر عظيم والذنب كبير والإثم أكبر.
وليعلموا أنهم مسؤولون عمّا يقولون وعمّا يكتبون يوم القيامة، وليس لهم حجة عند الله.
وأما قولهم لا يجوز حمل الناس على قول واحد لأن هذا فيه تضييق على الناس فنقول لهم نحن لا نحمل الناس على قول شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم أو من وافق قوله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال العلماء وهذا واجب على الجميع قال تعالى: {·· وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) [الحشر: 7] وسبق ذكر أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله أنه لا يجوز أن يؤخذ من أقوالهم إلا ما وافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما سار عليه علماء هذه البلاد -ولله الحمد- أنهم وإن كانوا على مذهب الإمام أحمد في الجملة لكن إذا تبين لهم أن الدليل مع قول يخالف المذهب في بعض المسائل أخذوا به اتباعاً للدليل وهذه فتاواهم في الدرر السنية وغيرها على هذا المنهج، وترك ما سواه -أما من يعلن للناس بجواز الأخذ بكل قول دون نظر إلى مستنده بحجة التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم فهذا العمل خطأ واضح- واليسر في اتباع الدليل لا مخالفة الدليل لأن ذلك هو الحرج.
فما شرعه الله ورسوله فهو اليسر.
هذا ما أردت التنبيه عليه من باب النصيحة { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) [هود: 88].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
-------
المصدر: (مجلة الدعوة) العدد 2121 ـ 26 ذو القعدة 1428 هـ
يتبع ..