عنوان الموضوع : التأطير الاشكالي لمفهوم الغير -تعليم سعودي
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

التأطير الاشكالي لمفهوم الغير



التأطير الاشكالي لمفهوم الغير خاص فقط للمدارس المغربية و ربما الجزائرية
من اجل امتحانات الباكالوريا
تقديم
ومفهوم الآخر Autre فالغير يشير إلى العالم الإنساني الموجود خارج ذاتي، في حين يشير اللآخر إلى كل ما هو خارج ذاتي، وهو الذي لا يمثل الغير الإنساني غير مستوى من مستوياته . بما أن الغير انطلاقا من ذلك التمييز هو "أنا" ليس بأنا كما يقوا سارتر ، أي أن الغير هو ذاك الأنا المقابل والمختلف لأناي ، فإنه لم يكن موضوع اهتمام الفلسفات القديمة أو حتى بعض الفلسفات الحديثة نظرا لأنها كانت تضع ذلك التقابل بين الذات أو ألانا والموضوع الذي ليس بأنا ( أي مواضيع العالم الخارجي ) إلا أن مفهوم الغير سيصبح مفهوما مركزبا في الفلسفات التي جاءت بعد كل من ديكارت وكانط مع كل من هيجل وميرلوبونتي وهيدجر وسارتر وهوسرل وغيرهم..( كما يؤكد مشيل فوكو) .
انطلاقا من التمييز بين مفهوم الآخر ومفهوم الغير تواجهنا الإشكاليات التالية : كيف لنا أن نثبت وجود الغير انطلاقا من كونه يوجد خارج ذاتي شأنه شأن باقي مواضيع وأشياء العالم الخارجي، لكنه يختلف عنها لكونه أنا آخر ( أي غير) وليس مجرد موضوع ؟ ما هي طبيعة وجود الغير بالنظر إلى ذاتي؟ هل في وجوده تهديد لوجودي نظرا لضرورة تواجدي وتواجده سوية أي ضرورة الوجود مع الغير الذي يزيل كل اختلاف وتمايز بينهما ، ويجعلهما متشابهين بحيث يختفي أحدهما لصالح وجود الآخر، لكون كل فرد يذوب في حياة الجماعة ( هيدجر) هل الغير هو مجرد جسد لا يختلف في شيء عن أشياء العالم الخارجي الأمر الذي يجعل منه موضوعا امبيريقيا ( تجريبيا) يمكن أن يكون مجرد موضوع لبعض العلوم كالبيولوجيا والفيزيولوجيا والتشريح ..( ميرلوبونتي)؟ هل يعتبر وجود الغير بالنظر إلى ذاتي وجودا عرضيا لا دخل له في وجودي وفي نظرتي إلى ذاتي ، أم أنه يشكل الوسيط الضروري لوجودي؟ ما طبيعة هذا الوسيط بيني وبين ذاتي ، هل اتعامل مع وجوده باعتباره ذاتا أم أنني أتعالى عليه ,اخوله إلى موضوع مثلما يتعالى علي ويحولني إلى موضوع أيضا مما يترتب عنه عدم القدرة على على تحديد طبيعة وجوده ( سارتر).
تقودنا هذه التساؤلات أيضا إلى إشكالية أخرى هي معرفة الغير. فإذا كان الغير هو "أنا"ليس بأنا وهو بالتالي ليس مجرد موضوع لكنه متموضع بالنظر إلى ذاتي ( أي أنه موضوع مختلف عن كل مواضيع العالم الموجودة خارج ذاتي) فما السبيل إلى معرفته هل تتم معرفته من خلال اعتباره موضوعا وتحويله إلى مجرد صورة ذهنية ( كما يرى سارتر) ؟ هل ندرك الغير من خلال مظاهره السلوكية وردود أفعاله، أم من خلال ما هو كلي وغير قابل للقسمة حتى لا نحوله إلى جزء من العالم الفيزيائي ( كما يؤكد ماكس شيلر) ؟ هل يمكننا معرفة الغير انطلاقا من الاعتبار الذي يرى أنه – وبالرغم من الاختلافات –هو ذات تشبه ذاتي الأمر الذي يسمح لي بتعميم أحكام ذاتي عليه (الاستدلال بالمماثلة)، ألا يكون هذا التعميم مخالفا لحقيقة؟

وأخيرا ماهي طبيعة العلاقة التي تربطني مع الغير ؟ هل يمكن أن نقول بأن تلك العلاقة تتمثل في كوني لا أوجد إلا من أجله وله بناء على اعتبارات اخلاقية وإنسانية ؟ ما هي الوظيفة التي تلزمني تجاه الغير ؟ هل هي الحياة من أجله أم أجل ذاتي ( أوغست كونت ) هل العلاقة مع الغير هي علاقة لقاء من خلال الفعل والحاجات والانتظارات والاحتياطات مما يجعل الذات مسايرة للعالم الحيوي الداخلي ( هيدجر )؟ هل العلاقة مع الغير هي علاقة مع ذات أخرى أو أنا آخر خارج ذاتي ، أم أن الغير ليس غريبا عن ذاتي بل إنه يسكنها ويمثل هويتها ؟ ( جوليا كريستيفا


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


)
المحور الأول : وجود الغير
أشرنا في التأطير العام لهذا المفهوم إلى أن وجود الغير يثير إشكالية أساسية نظرا لكونه يتضمن مفارقة التماثل والاختلاف في آن واحد: ذلك أن وجود الغير مماثل لوجودي لأنه شخص مثلي يمتلك ذاتا ووعيا مثل الذي أمتلكه ، ولكن في نفس الوقت مختلف ومغاير لذاتي لأنه شخص آخر ووعي آخر. انطلاقا من هذه المفارقة يتراوح وجود الغير بين السعي إلى مقاربته مقاربة موضوعية تشييئية وأخرى ذاتية تقوم على أساس الامتداد والتماثل بهدف تجاوز النظر إلى الغير باعتباره مجرد جسد إلى اعتباره ذاتا أو وعيا أو أنا آخر . وانطلاقا من هذه المفارقة أيضا، يمكن أن ننفتخ على العديد من التصورات المختلفة والمتباينة بصدد الغير. فقد ذهب هايدجر) انطلاقا من تمييزه بين مفهومي الوجودهنا والوجود مع الغير إلى نفي كل ما يمكن اعتباره تباعدا بين وجود الذات ووجود الغير، ذلك أن وجود الذات المستقلة(الوجود هنا) يتم إفراغه من كينونته الخاصة ليتحول إلى وجود مع الغير نظرا للهيمنة الخفية التي يمارسها هذا الأخير والتي تفرض على الوجودهنا الانخراط فيها، وبالتالي تقوية سلطتها وهيمنتها. يترتب عن ذلك خلق نوع من التماثل بين الذات والغير تعكسه مختلف السلوكات والتصرفات . إن الغير انطلاقا من ذلك يتخد طابعا لا متعينا ولا يشير إلى أحد بعينه، ومن ثمة يكون وجود الغير وجودا حاملا للنفي وللمجهول ليصير لا أحد نظرا لعدم قابليته للتعيين الأمر الذي يعني أن وجود الغير في نهاية الأمر هو كل واحد ولا أحد في نفس الوقت
.وفي نفس السياق ذهب ميرلوبونتي ( من خلال كتابه فينومينولوجيا الإدراك) إلى التمييز بين مفهومين أساسيين لتحديد وجود الغير هما : الوجود في ذاته والوجود من أجل ذاته ، فإذا كان الوجود الأول( في ذاته) يشير إلى كل ما هو موضوعي وقابل لأن يشكل موضوع معرفة علمية، فإن الغير منظورا إليه من زاوية جسده يندرج في هذا الإطار ، لكون الجسد امتدادا طبيعيا قابلا لان يكون موضوع معرفة بيولوجية فيزيولوجية تشريحية، أما الوجود الثاني ( من أجل ذاته) فإنه يشير إلى كل ما هو ذاتي، وبالتالي إلى ما لا يمكن أن يشكل موضوع معرفة علمية كالوعي أو الذات أو الأنا أو الفكر.. إن إدراك وجود الغير يجعل الفكر الموضوعي في حرج وتناقض، فإذا اكتفى بالنظر إلى الغير باعتباره وجودا في ذاته ( أي جسدا) فإنه لن يتمكن من تمييزه عن باقي مواضيع العالم الخارجي. أما إذا نظر إليه باعتباره وجودا لذاته (أي وعيا) فإنه سيكون ملزما على التخلي عن موضوعيته والتعامل مع الغير بشكل ذاتي. وهكذا فإن ثنائية ظاهر وداخل الغير ، ثنائية جسده ووعيه تخلق إحراجا وتناقضا لكل من يحاول تحديد وجوده . وفي نفس السياق ذهب سارتر( في كتابه الوجود والعدم 1943) إلى تمييز وجودالغير عن وجودالذات معتبرا عملية التمييز هذه دليلا على وجود فراغ أو عدم يفصل بينهما ، وهو فراغ أو عدم لا يستمد وجوده لا مني ولا من غيري .إن ذلك الفراغ أو العدم الفاصل بيني وبين غيري يجعل منه موضوعاإمبريقيا ( ماديا تجريبيا) بالنظر إلي مثلما يجعل مني موضوعا امبريقيابالنظر إليه، ذلك أنني أحوله إلى موضوع مثلما يحولني بدوره إلى موضوع . انطلاقا من ذلك يتم تحويل وجود الغير إلى موضوع مثلما يقوم هو أيضا بتحويلي إلى موضوع وتظل علاقة التباعد الموجودة بيني وبينه قائمة ، وهي نفسها العلاقة القائمة بين مواضيع العالم الخارجي أي العلاقة التي تجعل من وجود الغير مجرد صورة ضمن حقل تجربتي .
وخلاصة القول فإن وجود الغير يعتبر وجودا إشكاليا نظرا لأنه يقوم على ثنائيات المعلوم والمجهول الوعي والجسد الذات والموضوع


__________________________________________________ __________

المحور الثاني:معرفة الغير
إن التساؤل الأساسي المطروح في هذا المحور هو : هل تعتبر معرفة الغير ممكنة؟ وإذا كانت كذلك فعلى أي أساس تقوم ، خاصة وأن الغير يجمع بين كونه معطى خارجيا ( الجسد) وبين كل ما يحمله هذا الجسد مما هو غير قابل للانكشاف والظهور ( الوعي - الإحساس – الشعور ..)؟ إضافة إلى ذلك فإن إشكالية وجود الغير - التي سبق وأن أثرناها – لا تجعل من إمكانية معرفته مسألة بديهية، لكونه يجمع في ذاته بين كونه موضوعا وكونه ذاتا في آن واحد . إنه يشكل بالنظر إلى ذاتي موضوعا كسائر موضوعات العالم الخارجـي ( آخر) ولكنه يتميز عن تلك الموضوعات باعتباره "أنا" آخر ( غير)، وهو "أنا" يمكنني أن أعتبره مثل أناي مستدلا على ذلك بالتماثل الذي قد يعترض عليه ذوو النزوع الموضوعي .
انطلاقا من كل هذه الاعتبارات ظهرت تصورات مختلفة ومتعددة تناولت كلها إشكالية معرفة الغير، ومن بين هذه التصورات نجد التصور الفينومينولوجي مع ماكس شيلر ، فقد ذهب هذا الأخير ( في كتابه طبيعة التعاطف وأشكاله) إلى التأكيد على أن إدراك الغير ومعرفته ممكنين، وينبغي أن يتما بشكل كلي لا يقوم على التمييز بين ما يشير إلى المظاهر الجسدية، وبين ما يشير إلى الإحساسات النفسية الداخلية . انطلاقا من ذلك ينبغي ألا نعتبر المظاهر التعبيرية الجسدية ( الابتسامة – الدموع – احمرار الوجه- اليدين الملتصقتين – النظرة الحانية- اصطكاك الأسنان ..الخ ) مجرد مؤشرات للأحاسيس الداخلية ( الفرح – الهم والألم – الخجل – الدعاء – الحب ..إلخ) بل إن تلك المظاهر هي نفسها تلك الإحساسات ولا مجال للفصل بينهما أو اعتبار أحداهما علة للأخرى . وبناء عليه يتضح أن الغير في نظر ماكس شيلر ينبغي أن يدرك بوصفه كلا لا يمكن التمييز فيه بين ما هو قابل للإدراك الحسي الخارجي لارتباطه بالجسد وبمظاهره وبين ما هو داخلي نفسي غير قابل لذلك الإدراك لكونهما مترابطين في وحدة كلية غير قابلة للتجزيء على عكس العالم الفيزيائي الطبيعي الذي يقبل ذلك . إن أية عملية تجزيئية للغير والفصل بين مظاهره الجسدية وإحساساته الداخلية يحول دون إعادة تركيب الوحدة التعبيرية لهما، لذلك فلا مجال للفصل بينهما على الإطلاق.
ومقابل هذا التصور يذهب جيل دولوز إلى نقد مختلف التصورات السابقة المتعلقة بمعرفة الغير معتبرا أنها قد تصورته إما باعتباره موضوعا خاصا أو ذاتا خاصة أو باعتبارهما معا ( أي موضوعا وذاتا في آن واحد ) إلا أن دولوز يرفض هذه التحديدات معتبرا الغير بمثابة بنية للحقل الإدراكي . ولعل المقصود بذلك هو تلك البنية الإدراكية الموجودة بشكل قبلي والتي تقوم بدور التنظيم والتحيين لكل حقل إدراكي (سواء تعلق الأمر بالحقل الإدراكي للذات أو بالحقل الإدراكي للغير ) . إن هذه البنية هي بنية الممكن، وليس المقصود بالممكن هنا أشياء مجردة تشير إلى شيء غير موجود، بل إنها تشير إلى أشياء موجودة لكنها لا تقدم نفسها للإدراك بشكل مباشر بل بشكل ملتوي يختفي فيه المعبر ليحل فيه المعبر عنه . وانطلاقا من بنية الحقل الإدراكي الممكنة هذه أستطيع التعرف على الغير وتفسير ما يصدر عنه ( مثال رؤية الوجه المفزوع وغياب الشيء الفزع له) . وهكذا يتضح مما سبق أن معرفة الغير ممكنة في تصور جيل دولوز انطلاقا من مفهوم بنية الحقل الإدراكي للممكن.
أما مالبرانش فإنه يتجه في اتجاه آخر عندما يقوم بفحص إمكانية الاستدلال بالمماثلة لمعرفة الغير، ذلك أننا قد ننطلق من افتراض معرفة الغير بناء على معرفتنا لذواتنا من جهة، وبناء على فرضية وجود تشابه بيننا وبين الغير على المستوى النفسي، وخاصة مستوى المشاعرمن جهة ثانية . ولعل ما يجعلنا نتبنى هذه الفرضية، هو وجود معارف مشتركة بيننا وبين الغير إن على المستوى العلمي ( الرياضي مثلا: أربعة هي حاصل ضرب إثنين في إثنين) أو على المستوى الأخلاقي القيمي ( الخير /الشر – اللذة / الألم ..) . وبالرغم من ذلك فإن الاستدلال بالمماثلة – في هذه الحالة- لا يمكنه أن يكون استدلالا صحيحا نظرا لتدخل الجسد وأهوائه فيما يحصل لنا، ويكون متسما بنوع من الخصوصية التي تحول دون التعميم، وبالتالي دون الاستدلال بالمماثلة . انطلاقا من كل هذه الاعتبارات فإن المعرفة التي نكونها عن الغير تكون معرفة معرضة للخطإ في أغلب الأحيان، الأمر الذي يعني أن تلك المعرفة تظل غير ممكنة
.
هكذا يتضخ أن معرفة الغير قد قادت مختلف التصورات الفلسفة إلى النظر إليها من زاوية خاصة نظرا لعدم بداهتها ووضوحها، ومن تمة فقد ركز ماكس شيلر على التناول الكلي للغير وإمكانية معرفته من خلال عدم الفصل بين ما هو جسدي ظاهري فيه، وبين ما هو غير جسدي داخلي . في حين اتجه جيل دولوز إلى محاولة معرفة الغير باعتباره بنية ممكنة للحقل الإدراكي. أما مالبرانش فإنه اعتبر أن الوسيلة الوحيدة لمعرفة الغير هي الاستدلال بالمماثلة، إلا أن هذا الاستدلال تعترضه ميولات وأهواء الجسد الخاصة وغير القابلة للتعميم، ومن ثمة تتعذر معرفة الغير


__________________________________________________ __________

المحور الثالث : العلاقة مع الغير
ما هي طبيعة العلاقات الممكنة مع الغير، هل هي علاقة تعاطف ومشاركة وتعاون، أم أنها علاقة غرابة وإقصاء ونبذ ورفض؟ هل العلاقة مع الغير هي علاقة تواصل وتفاهم أم أنها علاقة قطيعة وتباعد ؟
لقد اهتمت العديد من التصورات الفلسفة بطبيعة العلاقة مع الغير، فمنها من ركز على العلاقات السلبية كالصراع والإقصاء ( هيجل مثلا ) أو على الغرابة ( جوليا كريستيفا مثلا) ، ومنها من ركز على العلاقات الإيجابية كالتعاطف والتخلي عن الأنانية ( أوغست كونت مثلا ) أوالتواصل والتفاهم ( موريس ميرلوبونتي مثلا ) وسنكتفي هنا بالتعرف على ثلاث أطروحات من بين الأطروحات المذكورة .
فقد ذهب أوغست كونت (إلى جعل وجود الذات وجودا مدينا في كل شيء للإنسانية ، فسواء تعلق الأمر بحياة الإنسان أو بثروته أو مواهبة أومعارفه أو الحنان الذي يتلقاه... فإنه مدين بذلك للإنسانية . لذا يتوجب عليه أن يحيى من أجلها ومن أجل غيره، ومهما فعل فإنه لن يرد للإنساية ولو نزرا يسيرا مما قدمته له سواء أكان ذلك من طرف آبائه والأشخاص المحيطين به أو من طرف من لا تربطه صلة مباشرة بهم . لقد أرادت الفلسفة الوضعية مع أوغست كونت تهذيب الغرائز البشرية الكونية وتسييجها كخطوة أخلاقية تنضاف إلى ما تحقق معرفيا بالانتقال من المرحلة اللاهوتية إلى المرحلة الميتافيزيقية فالمرحلة الوضعية ( قانون المراحل الثلاث) وبذلك اعتبرت أن حياة الإنسان من أجل الغير هي بمثابة واجب أخلاقي ناتج عن كونه مدين بكل شيء للغير، وهذا ما يسميه كونت بالغيرية، أي أن يحيى الإنسان من أجل الغير وفق انسجام أخلاقي مما يقدم له زخما في حياته، على عكس تلك الفئة الأنانية التي تحيى لذاتها والتي تفتقد لأي وفاء لما استفادت منه من طرف الإنسانية جمعاء. وهكذا فإن الغيرية القائمة على التعاطف وكبح الميولات الفردية والشخصية هي وحدها ما يسمح بتطوير الوجود البشري بكل حرية .
وفي سياق قريب من هذا السياق ركز موريس ميرلوبونتي ( من خلال كتابه فينومينولوجيا الإدراك) على نقد مختلف التصورات التي جعلت من الغير موضوعا بالنظر إلى ذاتي مثلما جعلت مني موضوعا بالنظر إلى ذاته، نافية بذلك وجود أي علاقة بيني وبينه . وقد اعتبر ميرلوبونتي أنني لا أحول الغير إلى موضوع، مثلما لا يحولني الغير إلى موضوع إلا إذا انعدم أي تواصل بيننا ونظرنا إلى بعضنا البعض بشكل لا إنساني. فسواء تعلق الأمر بالغير القريب أو الغير البعيد، فإنه لا أحد منا يحول الغير إلى موضوع بمجرد ما ينشأ التواصل بيننا، ويكف كل واحد منا عن التوطد في اختلافه الطبيعي مما يجعل منه كيانا عاطلا . إن التواصل سواء أكان من خلال النظرة أو من خلال الكلمات لا يقود إلى نفي أحدهما للآخر أو تحويله إلى مجرد موضوع ، بل يسمح بفتح جسور التواصل والحوار معه .
و في سياق مختلف ومتعارض تماما مع هذين السياقين ، ذهبت جوليا كريستيفا ( في كتابها : غرباء عن أنفسنا ) إلى اعتبار الغير ليس هو ذلك الغريب الموجود خارج ذواتنا ، بل إنه ذلك الغريب الذي نسبطنه في ذواتنا ويسكن فيها بشكل غريب . فإذا كنا نربط عادة بين الغريب والدخيل أو العدو ، فإن كريستيفا تثير انتباهنا إلى أن الغريب الحقيقي هو ذلك الذي يسكننا والذي ينشأ عن التعرف عن ذواتنا والتعرف – في الوقت ذاته- عن اختلافاتنا ، الأمر الذي يؤدي إلى غرابتنا . إن الغرابة – في نظر كريستيفا – ليست غرابة بالمعنى الحقوقي أو القانوني ( في إشارة إلى من لا ينتمي لنفس الوطن الذي ننتمي إليه ) ذلك أن هذا النوع من الغرابة يوضع فقط لتهدئة الخواطر والخضوع للقوانين .لكن الغرابة الحقيقية هي ذاتية، إنها بين من ينتمون لنفس الوطن من جهة وهي غرابة تسكن بذات كل واحد منا بالنظر إلى غيره من جهة ثانية .

يتضح من خلال ما سبق أنه إذا كان تصور أوغست كونت قد ركز في العلاقة مع الغيرعلى الغيرية القائمة على التعاطف، فإن ميرلوبونتي ركزفي تلك العلاقة على التواصل والحوار والتفاهم ، في حين ذهبت كريستيفا إلى جعل الغريب كيانا ليس خارج ذواتنا بقدر ما هو كيان يسكننا ويعيش في دواخلنا.


__________________________________________________ __________

جزاك الله خيرااا
مودتــــــــــي


__________________________________________________ __________