السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكاية باطلة عن أبي حنيفة رحمه الله
في رؤيـــــــة الله تــــــــــــــــعالى في المنام
السؤال : ذكر العلامة نجم الغيطي أن الأمام أبا حنيفة
(رضى الله عنه) قال :
رأيت الله فى منامى تسعة وتسعون مرة .
وبعدها قلت لنفسى ، لو رأيت الله فى المرة المائه ،
سأسأل الله كيف تكون النجاة والخلاص للخلق يوم القيامة ؟
وبعدها رأيت الله فى المرة المائة ، وهكذا سألته ؟
أى ربى تعالى جدك و تقدست أسماؤك : كيف يكون للخلق النجاة والخلاص يوم القيامة ؟ فقال الله تعالى من قرأ فى الصباح والمساء "سبحان أبدى الأبد ،سبحان الواحد الأحد ،
سبحان الفرد الصمد ، سبحان رافع السماء بغير عمد ،
سبحان من سوى الأرض على ماء جمد ،
سبحان من قسم الرزق ولم ينسى أحد ،
سبحان الذى لم يتخذ صاحبة ولا ولد ، سبحان الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " سينجو من عذابى .
(مقدمة نور الٌإيضاح ، صفحة اربعة ، )
الجواب :
الحمد لله
إن ذِكْرا يكون للخلق به الخلاص والنجاة يوم القيامة ، لحري به أن تحفظه الصدور ، ويروى في المصنفات ، وتتناقله الثقات ، وتتوارثه الأجيال ، وحيث لم يُعلم عن هذا الذكر شيء من هذا المقام والفضل ، عُلم أنه منحول مدخول ، لا أصل له ولا تعويل عليه .
وقد قال الله عز وجل :
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3(
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ) . رواه الطبراني في الكبير (1647)
وصححه الألباني في الصحيحة (1803)
فلو كان لهذا الذكر هذا الفضل لكان مما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، ولكان مما رواه أهل العلم الثقات في مصنفاتهم ، وخاصة أنه – حسب الرواية – من أذكار الصباح والمساء .
ثانيا :
لا تصح نسبة هذه الحكاية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله ،
وإنما ذكرها عنه نجم الدين الغيطي بلا إسناد ،
راجع "رد المحتار" (1/51) ، وبين أبي حنيفة والغيطي مئات السنين .
توفي أبو حنيفة رحمه الله سنة 150 ، وتوفي الغيطي سنة 981 .
ثم إن الغيطي كان صوفيا مولعا بأمثال تلك الغرائب والحكايات
، فلا يحتج بما يذكره .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وأما حديث : "من قال : لا إله إلا الله سبعين ألفا ؛
فقد اشترى نفسه من الله تعالى" !
فقد قال الحافظ ابن حجر - وقد سئل عنه - :
"ليس بصحيح ولا حسن ولا ضعيف ، بل هو باطل موضوع
، لا تحل روايته إلا مقرونا ببيان حاله" .
نقله الشيخ محمد بن أحمد نجم الدين الغيطي في
"الابتهاج في الكلام على الإسراء والمعراج" (5/ 1)
، ثم علق عليه بقوله :
" لكن ينبغي للشخص أن يفعلها اقتداء بالسلف (!)
، وامتثالا لقول من أوصى بها ، وتبركا بأفعالهم" (!)
كذا قال ! ويعني بـ (السلف) هنا : مشايخ الصوفية ،
وبـ (من أوصى بها) : ابن عربي - النكرة - ،
كما ذكر هو نفسه قبيل الحديث .
فانظر أيها المسلم ! كيف جعل كلام هؤلاء وفعلهم بمنزلة كلام الله تعالى ، وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله ؟!
والله عز وجل يقول :
( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدينا ما لم يأذن به الله ) "
انتهى .
"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (11 /467)
ثالثا :
على افتراض أن القصة صحيحة ؛ فمن المقرر أنه لا تثبت الأحكام الشرعية ، والتي منها فضائل الأعمال ، بالرؤى والمنامات .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَذْكَارَ وَالدَّعَوَاتِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ ،
وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَالِاتِّبَاعِ لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ ، فَالْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَحَرَّاهُ الْمُتَحَرِّي مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَسَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ أَمَانٍ وَسَلَامَةٍ ، وَالْفَوَائِدُ وَالنَّتَائِجُ الَّتِي تَحْصُلُ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَذْكَارِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ شِرْكٌ مِمَّا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ ، وَهِيَ جُمْلَةٌ يَطُولُ تَفْصِيلُهَا .
وفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُفَرِّطٌ أَوْ مُتَعَدٍّ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (22 /510-511)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المرائي التي ترى في المنام إن لم يشهد لها الشرع بالصحة :
فإنها رؤيا باطلة لا عمل عليها ؛ فإن شهد لها الشرع بالصحة :
فالعمل على ما اقتضاه الشرع ، لا على هذه الرؤيا "
انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين (13/204) .
رابعا :
وصفه الربَّ تعالى بأنه أبدي الأبد وصف لم يرد في كتاب الله
ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا نعرف عن أحد من أهل العلم من أهل السنة أنه وصف الله به . وأسماء الله وصفاته توقيفية ، قال الإمام أحمد رحمه الله : "
لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ،
لا يتجاوز القرآن والحديث " .
"مجموع الفتاوى" (5/26)
وعليه : فلا يجوز وصف الله تعالى به .
والله تعالى أعلم .
الآسلام سؤال وجوآب ..