عنوان الموضوع : فلاح السائل
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

فلاح السائل



بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

الحمد للَّه ربّ العالمين، والسلام على رسوله وآله الأطهار

الدعاء مزيج من «الدعوة» و «المسألة» ، وهو ضالّة البشريّة في أمسها ويومها.



الدعوة

الغربة والوحدة مشاعر ثقيلة لا تُنكر عاشها الإنسان كثيراً طيلة حياته ، وله عنها ذكريات كثيرة حلوة ومرّة . ومهما حاول التخفيف من وطأة هذه الغربة - بأسباب مادّيّة من قبيل الزوجةِ والأولاد والأصدقاء والوالدين والإخوة والأخوات، وما إلى ذلك - تبقى‏ تطلّ عليه بين الحين والآخر لحظاتٌ يستشعر فيها ألم الغربةِ يعتصر كلّ موضع من أركان روحه ، فتدفع كلّ لبيب عاقل إلى التنقيب عن ضالّة اُخرى تختلف عمّا تعارف عليه لحدّ الآن.

الألم الذي يكابده الإنسان اليوم ، بقيت معطياتُ الفكر البشريّ عاجزةً عن إدراك كنهه فضلاً عن معالجته . أمّا من له بالوحي معتقد وصِلة فيدرك تمامَ الإدراك أنّ مشاعر الغربة هذه نابعةٌ من ألم البُعد والإعراض عن البارئ تعالى‏ .

إن كلّ مخلوق - في أيّة مرتبة كان - يفتقر لخالقه في ديمومةِ حياته ، مثلما يفتقر إليه في نشأته الاُولى. وكما أنّ بدايةَ وجوده من البارئ عزّوجلّ ، فكذا لا تتيسّر له مواصلةُ وجوده بدونه. أو كما يُقال بأنَّ العِلّة المحدثة للكائنات هي ذاتُ العلّة المُبقية لها. وفي ضوء هذه القاعدة يبقى‏ الانسان محتاجاً لخالقه أشدَّ الحاجة ، وبدونه يستشعر الغربة والوحدة.

جوهرة الإنسان لا تأتَلِف بتاتاً مع الطبيعة المادّيّة ؛ لأنّ شرف (ونفختُ فيه من روحي)(1) يختصّ بالإنسان وحده.

الإنسان قادم من العالم العلويّ ويعود إليه، وإنّما أُلقي في هذه الربوع ليربّي قابليّاته وكفاءاته ثمّ يعود إلى منطلقه الأوّل وإلى موضعه الأبديّ: (يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه)(2). وهذا هو السبب الذي يجعل كلّ هذا العالم الماديّ بكلّ سعته يضيق أحياناً على الإنسان.

أجل، إنّ اللَّه تعالى خير أنيس ، إذ قال مولى‏ المتّقين أميرالمؤمنين (ع) : «اللَّهُمَّ إنّك آنس الآنِسين لأوليائك»(3).

ولهذا السبب قالوا بعد تقسيم الدعاء إلى ثلاثة أوجُه: «فضربٌ منها توحيدُه والثناء عليه كقولك: يا اللَّه لا إله إلّا أنت ، وكقولك: ربّنا لك الحمد ...»(4).

ثمّ إنّ الإنسان يمدّ عبرَ الدعاء وشائج الصلة بينه وبين ربّه ، ويوصل ذاته بالقدرة المطلقة التي لا ضعفَ فيها ولا هوان . «ونحن حينما ندعو إنّما نوصل أنفسنا بالقوّة الأزليّة التي ترتبط بها جميع الكائنات» (5) .

وهذا هو الذي يجعل الإنسان صلباً كالفولاذ ، وشامخاً شموخَ الجبال ، ولا يجد الخوفُ إليه سبيلاً .

وبعبارة اُخرى، فإنّ الدعاء«استذكار لجذورِ الإنسان وأصالته»، وهو أفضل نوع من «الوعي الذاتيّ ويقظةِ القلب، لأنّ الإنسان كثيراً ما يتلوَّث في منعطفات الحياة المادّيّة بغبار الغفلة، وهنا يكون الدعاء هو الذي يمزّق حجب الغفلة ويشدّ انتباه الإنسان إلى مكانته الحقيقيّة».

الدعاء معناه «التذكير بالاِله المغفول عنه» و «الذات المنسيّة» و «فلسفة الموت والحياة المنسيّة».

وإذا كان «نسيان اللَّه» سبباً ل' «نسيان الذات»(6)، فالدعاء يكون هنا مدعاة «للعثور على الذات»، و«لذكر اللَّه».

وبما أنّ الدعاء يمثّل حلقة الوصل بيننا وبين مصدر الحياة ، ولمّا كان الدعاءُ طريقَ الإنسان الغريب والوحيد إلى اللَّه ، ونظراً لكون الدعاء استذكاراً للفضائل والمكارم المنسيّة، يتّضح إذن وبكلّ جلاء السببُ الذي يَجعله باعثاً على «سكينة الروح» ، ودافعاً لحصول نمط من «الانشراح والانبساط الباطنيّ»، وحافزاً على‏ «نفخ روح الشجاعة والبطولة» ، وكفيلاً «بتنوير العقل وتقوية الشعور الإنسانيّ»، وضماناً «للتعويض عن حالة التخلّف».



المسألة

كلّ ما سوى‏ اللَّه فقير ومحتاج ، وكلّما كان ذلك الموجود أكثر علماً وذكاءً، كان أشدّ فقراً وفاقة، والإنسان بما هو أشرف مخلوقات اللَّه، فهو أكثرها فقراً وحاجة.

والمصدر الأوحد الذي يمكن التعويلُ عليه في نيل الحاجات هو اللَّه تعالى؛ فهو العالم بجميع الحاجات، والقادر على قضائها. وقضاءُ الحاجات رهين «بالطلب وإعلان الحاجة»(7). ولا يمكن «طلب الحاجة» إلّا عن طريق الدعاء. لأنّ الطلبَ يستلزم وجود الاتّصال. وكما سلفت الإشارة فإنّ الاتّصالَ بين العبد وربّه إنّما يكون بواسطة الدعاء.

تُقسم حاجات الإنسان إلى صنفين: حاجات دنيويّة ، وحاجات اُخرويّة. وعلى‏ هذا الأساس قالوا: «والضرب الثاني : مسألة اللَّه العفو والرحمة وما يقرّب منه ، والضرب الثالث: مسألة الحظّ من الدنيا ...»(8).

وبناء على ما سلف ذكره ، يتبيّن أنّ الدعاء معناه : الدعوة والمسألة . وهذه حاجة دائميّة وأصيلة لدى‏ جميع الناس في كلّ الأزمنة ، ومعنى‏ هذا أنّ الإنسان بدونه ليس إلّا قشراً لا لُبَّ فيه: «قل ما يعبؤا بكم ربّي لولا دعاؤكم»(9).



الرغبة إلى اللَّه

الشي‏ء الذي يحفّز الإنسان إلى الدعاء هو الرغبة إلى اللَّه . فكلّ عمل رهين بدوافعه ، وأحدُ أركان الدافع هي الرغبة(10). والإنسان حينما يجد في نفسه ميلاً إلى اللَّه ، وفي قلبه شغفاً إلى مولاه، تنبثق في نفسِه دوافع الإنابة إلى الخالق، وتفيض من روحه على لسانه نفحاتُ الدعاء ، ويبدأ بالمناجاة.

والرغبة إلى اللَّه هي روحُ الدعاء والمناجاة، وهي المعيار في مدى‏ أهميّته، ولهذا قيل: «الدعاء هو الرغبة إلى اللَّه»(11).



الخلاصة

وخلاصة القول أنّ الإنسان حينما «يتوجّه» إلى اللَّه «ويدعوه» و «يسأله» حاجته ، يتكوّن من هذه الدوافع مزيجٌ سمّاه رسول اللَّه(ص) العبادة ، في قوله «الدعاء هو العبادة» (12) . بل وهو أفضلُ العبادات وأسماها ، وذلك قوله(ص): «أفضل العبادة الدعاء»(13).

ونظراً لما للدعاء من أهميّة كبرى‏، اكتسبت «كيفيّة الدعاء» قيمة أكبر ، ولفتت إليها الأنظار. وهذا ما حدا بنا إلى‏ بيانها عبر النقاط التالية:



آداب الدعاء

وهي سلسلة من الاُمور التي تضمن أداء الدعاء بصيغته الصحيحة . وهي بايجاز عبارة عن ما يأتي :


1 - بداية الدعاء بذكر اللَّه:

قال رسول اللَّه (ص) : «لا يُردّ دعاء أوّله بسم اللَّه الرحمن الرحيم» (14) .


2 - حمد اللَّه والثناء عليه:

قال الصادق (ع) : «إنّ كلّ دعاء لا يكون قبله تمجيد فهو أبتر» (15) .


3 - الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد:

قال عليّ (ع) : «كلّ دعاء محجوب عن السماء حتّى يصلّي على محمّد وعلى آل‏محمّد» (16) .


4 - الاستشفاع بالأولياء والصالحين :

قال الكاظم (ع) : «إذا كانت لك حاجة إلى اللَّه فقل: اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وعليّ، فإنّ لهما عندك شأناً من الشأن» (17) .


5 - الإقرار بالذنب:

قال الصادق (ع) : «إنّما المدحة ثمّ الإقرار بالذنب ثمّ المسألة» (18) .


6 - التضرّع:

جاء فيما وعظ اللَّه تعالى به عيسى : يا عيسى ادعني دعاءَ الحزين الغريق الذي ليس له مغيث ... ولا تدعني إلّا متضرعاً إليّ وهمّك هماً واحداً فإنّك متى تدعني لذلك أجبتك (19) .


7 - الإتيان بركعتين من الصلاة :

قال الصادق (ع) : من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ صلّى ركعتين فأتمّ ركوعهما وسجودهما ، وأثنى على اللَّه عزوجل وعلى رسول اللَّه (ص) ثم سال حاجته فقد طلب في مظانّه، ومن طلب الخير في مظانّه لم يَخِب‏(20).


8 - عدم الاستهانة بالدعاء :

قال أميرالمؤمنين (ع) : «إنّ اللَّه تبارك وتعالى أخفى ... إجابته في دعوته فلاتستصغرنّ...»(21) .


9 - عدم استكثار المسألة :

قال الإمام الباقر (ع) : «لا تستكثروا شيئاً ممّا تطلبون فما عند اللَّه أكثر ...»(22).


10 - علوّ الهمّة في طلب الحاجة :

قال أميرالمؤمنين (ع) لابنه : «ولتكن مسألتك فيما يعنيك ممّا يبقى لك جمالُه وينفى عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى‏ له» (23) .


11 - تعميم الدعاء :

قال الصادق (ع) : «من قدّم أربعين من المؤمنين ثمّ دعا استجيب له» (24) .


12 - كتمان السرّ في الدعاء :

قال رسول اللَّه (ص) : «دعوة في السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية» (25) .


13 - الاجتماع في الدعاء :

قال الصادق(ع): «ما اجتمع أربعة رهط قطّ على أمر واحد فدعوا (اللَّه) إلّا تفرّقوا عن إجابة»(26).


14 - حسن الظنّ باللَّه :

قال رسول اللَّه (ص) : «ادعو اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة» (27) .


15 - اختيار الوقت المناسب :

قال رسول اللَّه (ص) : «من أدّى فريضة فله عند اللَّه دعوة مستجابة» (28) .


16 - اختيار المكان المناسب:

قال الصادق (ع) : كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها ... وراح إلى المسجد فدعا (ودعا) في حاجته بما شاء (29) .


17 - الإلحاح :

قال رسول اللَّه (ص) : «إنّ اللَّه يحبّ السائل اللَّحُوح» (30) .


18 - حلّيّة وإمكانيّة ما يُدعى‏ به :

قال أمير المؤمنين (ع) : «يا صاحب الدعاء لا تسأل عمّا لا يكون ولا يحلّ»

الصور المرفقة
thumbnailCANPKXRJ.jpg‏ (3.5 كيلوبايت, المشاهدات 2)

>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


يعطيك العافيه

تسلمي


__________________________________________________ __________

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فراشة القمر
يعطيك العافيه

تسلمي


فراشة القمر تسلمي على مرورك غاليتي


__________________________________________________ __________






جزاكِ الله خير عزيزتي

لكن لا خســارة في ذكر "المصدر"

لي عودة .........

كل الشكر والتقدير لكِ










__________________________________________________ __________



بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

عـــزيزتي

بارك الله لك وجعلها بميزان حسناتك

ان شــاء الله

كل الود والاحترام

رينــــاد


__________________________________________________ __________