الرد على السائل
د. سمير يونس
قد يتأثر بعض الأزواج في منتصف العمر،
فيشعر أحد الزوجين أو كلاهما بالملل فعلاً،
ويرغب في التغيير ومعايشة شخص آخر،
على أمل أن يجد في الشخص الآخر ما يفقده في شريكه الحقيقي،
وهذا يضعف الرباط المقدس بين الزوجين،
ويجعله عبئاً ثقيلاً وقيداً مزمناً،
يود أحدهما أو كلاهما الانفكاك والانعتاق منه.
أسباب الأزمة بالإضافة إلى ما ذكرته في المقال السابق من أسباب أزمة ما بعد الأربعين، يمكن إضافة العوامل الآتية:
1 - ترك الخلافات الزوجية حتى تتفاقم:
يرى علماء النفس أن هناك عوامل تؤدي إلى الوقوع في هذه الأزمة،
أهمها:
ظهور خلافات زوجية، وتركها تستمر دون حوار هادئ هادف إلى حلها،
ودون إيجاد حلول لها، وهذا يؤدي إلى تراجع لغة الحب بين الزوجين،
وتتحول الحياة الزوجية حينئذ إلى «روتين» قاس، وينسحب كل طرف من حياة الآخر، ويلوذ بنفسه،
دون إعلان صريح عن الإخفاق،
حتى لا تصدمهما الحقيقة،
ويصبحان لا يجمع بينهما إلا الجدران الخاوية!!
فيبتعد كل منهما عن الآخر، فلا حوار بينهما،
بل وجود يومي لتناول الطعام أو النوم دون تواصل حقيقي،
وربما يتحدثان ولكن حديثهما مفرغ من معاني الحب والمشاعر والاتصال الوجداني منقطع،
فهي مشاركة حياتية ظاهرية فقط.
هنا تتفاقم الأزمة، وتزيد المشكلات
وتتعقد،
ويدخل الزوجان حياة لا تفاهم فيها، ويسيء كل منهما فهم الآخر،
وتفسير سلوكياته وتصرفاته تفسيراً خاطئاً، ويسيء كل منهما تقدير ظروف الآخر، ويشعر كل منهما - بل يَشْعر الأولاد كذلك وكل من يحيط بالزوجين
- أنهما من معركة خاسرة، تتخللها هدنة مؤقتة، ولكن سرعان ما يستأنف الزوجان الحرب بعد ذلك، وهذا يؤدي في النهاية إلى فشل الحياة الزوجية.
2 - عدم مفاتحة كل من الزوجين الآخر:
فقد يرى أحد الطرفين إهمالاً لدى الآخر، فيسكت عنه لسبب من الأسباب،
فمثلاً
قد يتوقع ألا يقبل الطرف الآخر التوجيه، وينصح علماء النفس ومستشارو الحياة الزوجية والأسرية هنا بالمصارحة والمكاشفة بلطف وذوق،
على أن يظهر الناصح سبب نصحه، وأن الدافع إليه هو الحب وتحقيق الانسجام، كما يجب على المنصوح أن يتقبل ذلك بصدر رحب،
وأن يدرك أن هذه المكاشفة تصب في صالح السعادة الزوجية ونجاح الحياة الأسرية.
3 - الانقلاب الزوجي نتيجة خروج الأولاد:
فقد يصبر الزوج على تقصير زوجته، أو تصبر الزوجة على تقصيره، تضحية من أجل الأولاد، ويختزن كل منهما عيوب الآخر، ولا يتحاوران، ومع نهاية أداء الرسالة، وخروج الأولاد من بيت العائلة ليشق كل منهما طريقه في الحياة، يجد الطرف الصابر، أو كلاهما، الفرصة سانحة للخلاص من الطرف الآخر،
فقد تحرر من المسؤوليات بعد أن عاش على مضض ينتظر لحظة الخلاص والانفكاك من هذا القيد، فيبدأ في هدم البناء الذي
أشقاه بعد أن كظم غيظه حيناً من الزمن، فيقوم بهذا الانقلاب الأسري رافضاً الواقع.
4 - التقاعد عن العمل:
عندما يتقاعد الزوج عن العمل أو يتقاعد الزوجان معاً تزيد الخلافات بينهما غالباً، وذلك لوجود فراغ في حياتهما، وقد يتدخل الزوج أحياناً - نتيجة فراغه - في شؤون البيت الخاصة بالزوجة، ومن ثم يكون ذلك منبعاً لخلافات بين الزوجين، مما يؤدي إلى سوء العلاقة بينهما، وخاصة عندما يشعر الزوج المتقاعد بعدم جدواه وفقدان صلاحيته وتأثيره في البيت والحياة، فيغضب لأتفه الأسباب، ويصير متوتراً، وسبباً في تفجير الخلافات.
علاج الأزمة
1 - حرص الزوجين على الحوار الهادي،
والشفافية، والمكاشفة، والتسلح بثقافة «فقه العتاب»، وعدم ترك الخلافات الزوجية تتفاقم، والعمل على حلها وحسمها في بداية ظهورها، حتى لا يستعصي حلها فيما بعد، لكيلا تؤدي إلى الفراق؛ إن عاجلاً أو آجلاً، وحتى لا توقع الحياة الزوجية في أزمة منتصف العمر.
2 - عدوى الحب:
ويقصد بها أن يحرص كل طرف على نقل مشاعر الحب والتفاهم والسعادة إلى الآخر، وذلك بالبعد عن دواعي الغضب، والخروج من دائرة الخلافات، والقرب من شريك عمره، وإعادة العواطف إلى مكانتها في الصدارة، وزيادة مساحة الحوارات، وتقريب المسافات، وتجديد مشاعر الحب، وهناك آليات عملية كثيرة لتحقيق «عدوى الحب»، منها اصطحاب الزوجة إلى رحلة رومانسية تقتصر عليهما فقط، وتسريح الأولاد أحياناً لتجديد العواطف وللعيش معاً (الزوج مع الزوجة) لحظات الحب والإحساس الجميل، وتهيئة البيئة لذلك بالورود والشموع، والتزين الوجداني والجسدي، وتجديد الملابس، والحرص على الأناقة، وتذكر الماضي الجميل، ومن ثم يستطيع أحد الطرفين بذلك أن يبادر إلى نقل «عدوى الحب» منه إلى الطرف الآخر الذي ربما يكون في حالة فتور، وهذه العدوى يستطيع أن يقوم بها كلا الزوجين، والزوجة أقدر على ذلك من الزوج، وعلى الزواج أدوار كبرى في تحقيق ذلك.
3 - تحقيق شعار «كنا معاً، وسنظل معاً»:
وهذا الشعار يعني أن يعيش كلا الزوجين بشعور مفاده: أن الزواج ليس هو المستقبل فقط، وإنما هو الماضي أيضاً، فبرغم أنه من الطبيعي أن تكون عين الإنسان على المستقبل دائماً، فإن الزواج له طبيعة خاصة، تقتضي أن تكون عيون الزوجين على الماضي، وأن يهتم الزوجان بالماضي مثل اهتمامهما بالمستقبل؛ لأن الماضي معناه جذورهما وامتدادهما، إنه يعني تاريخ كل منهما وكفاحه، كما يعني الذكريات الجميلة، فكلما مرت الأيام على «شجرة الزوجية» تمتد جذورها في عمق أرض الحياة السعيدة، إذا ما وجدت الصيانة والرعاية.. إن ماضي الزوجين يعني الأهداف والطموحات التي تحققت بعد تغلبهما وتعاونهما على تجاوز الآلام، والصعوبات المشتركة، وتلك أبدية الزواج، ودوام العلاقة الحميمة الوثيقة، إن الماضي هو «ربيع العمر»، الذي إن قوّيناه وعاش في وجداننا.. حصننا هذا «الربيع» في «خريف العمر» من سائر الأزمات، فإن ساءك من زوجتك خلق فتذكر محاسنها، فإن ذلك يعطي «شجرة الزوجية» ثباتاً لجذورها، وصلابة في ساقها وأغصانها، ونضارة في أوراقها، واستمراراً لثمارها.
4 - التريث والصبر:
فكثيراً ما يوقعنا التوتر والتهور في الأزمة، ومن ثم فعلى الطرف الذي يشعر بنفور من الآخر أن يصبر ويتريث، ويدرك أن الفتور الزوجي أو النفور إنما هو حالة عارضة يمكن علاجها، وسرعان ما تنتهي مع الصبر والتريث ومحاولة العلاج والإصلاح، والتجديد والتغيير في إيقاع الحياة الزوجية. ومن أقوى المعينات على هذا الأمر الانتباه إلى هدي القرآن الكريم في العشرة الزوجية،
والصبر، ومن ذلك
قوله سبحانه:
{ّوعّاشٌرٍوهٍنَّ بٌالًمّعًرٍوفٌ فّإن كّرٌهًتٍمٍوهٍنَّ فّعّسّىى أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّيّجًعّل الله فٌيهٌ خّيًرْا كّثٌيرْا
>19
<()النساء
ومن ذلك اتباع التوجيهات القرآنية عند حدوث الخلاف واستحالة حله عن طريق الزوجين،
يقول الله عز وجل:
{فإنً خٌفًتٍمً شٌقّاقّ بّيًنٌهٌمّا فّابًعّثٍوا حّكّمْا مٌنً أّهًلٌهٌ وحّكّمْا مٌنً أّهًلٌهّا إن يٍرٌيدّا إصًلاحْا يٍوّفٌقٌ اللهٍ بّيًنّهٍمّا إنَّ الله كّانّ عّلٌيمْا خّبٌيرْا >35<}(النساء
انتهى
لا تنسوني من صالح دعائكم
لي ولوالدي ولزوجي واولادي وجميع المسلمين
ولكم بالمثل