عنوان الموضوع : (( يا أمةَ الإسلام لا يطلبنا الله بأعظم حقوقه علينا فنهلِك )) سلسلة متجددة - الشريعة الاسلامية
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
(( يا أمةَ الإسلام لا يطلبنا الله بأعظم حقوقه علينا فنهلِك )) سلسلة متجددة
بعد الثناء والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه اليبين ومن اقتفى اثرهم إلى يم الدين
في هذه الصفحة اخترت لكمكتاب مهم جدا وضوضري لكاتبه الشيخ الجزائري أبو وائل حسان شعبان /جامعة أم القرى / مكة المكرمة
الموضوع بعنوان
(( يا أمةَ الإسلام لا يطلبنا الله بأعظم حقوقه
علينا فنهلِك ))...{ إنّ الله لا يغفر أن يشرك به }...
وسيكون بإذن الله على اجزاء وحلقات في كل مرة نضع حلقة لتسهيل القراءة واستعاب ما في الموضوع لفهم المطلوب
منا شرعا
وأجزاءه كالتالي
( الحلقة الأولى )...(الحلقة الثانية)...( الحلقة الثالثة)....(( الحلقة الرابعة ))....((الحلقة الخامسة
والأخيرة))... تمت بحمد الله تعالى
يعني خمس حلقات بإذن الله متسلسلة
فخلوكم معنا وتابعوا واستفيدوا
بارك الله فيكم
نبدأ على بركة الله الحلقة ألأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
((يا أمّةَ الإسلام لا يطلبُنا الله بأعظم حقوقه علينا فنهلِك))
...
( عبدَ الله اِرْبأْ بنفسكَ، أمةَ الله انجُ بنفسكِ، احذروا يا عباد الله لا يطلبنا الله بأعظم حقوقه علينا فَنَهْلِك )
الحمد لله الذي ليس في الوجود إلهٌ غيره فيُدْعَى، وليس في الكون ربٌّ غيره فيُرْجَى،
والصلاة والسلام على حامي جناب التوحيد، المبعوث بفك الرِّقِّ عن العبيد للعبيد،
وإخلاص العبودية لربّ العبيد، وعلى آله وأصحابه حماة العقيدة والتوحيد وبعد ...:
فهذه كلمات سطّرتها، وعبارات دبّجتها، قصدت بها الذبَّ عن الحق الأعظم لربّ الأرباب،
ومجري السحاب، خالق خلقه من تراب،كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ، ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل ، فقال : ( يا معاذ ) . قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثم سار ساعة ثم قال : ( يا معاذ ) . قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، ثم سار ساعة ، ثم قال : ( يا معاذ بن جبل ) . قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : ( هل تدري ما حق الله على عباده ) . قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ( حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ) . ثم سار ساعة ثم قال : ( يا معاذ بن جبل ) . قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : ( هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه ) . قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ( حق العباد على الله أن لا يعذبهم ) .
الراوي: معاذ بن جبل المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6500
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
ومحافظةً على عقيدة العباد من أن تلتبس بأدران الشرك والإلحاد،
وقد جعلتها على شكل حوار بين الشيخ وتلميذه، والطالب وأستاذه، على طريقة السؤال والجواب،
لتكون أقربَ إلى الفهم، وأوقعَ في النفس، كما قرر ذلك أهل العلم رحمهم الله أخذاً من حديث جبريل عليه السلام.
واللهَ أسأل باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب،
وإذا سئل به أعطى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها من شاء من عباده المؤمنين،
والحمد لله ربّ العالمين(1)
وكتب:
أبو وائل حسّان بن حسين بن محمد آل شعبان
الجزائر في 27 من رمضان 1430 هـ
الطالب: ما هو الشرك يا شيخ؟
الشيخ: الشرك يا بنيّ أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك.
الطالب: ما معنى ذلك يا شيخ؟
الشيخ: معنى ذلك: أن يصرف العبد شيئا من خصائص الرب سبحانه لغيره،
مع أن الله هو الذي تفرد بخلقه وحده سبحانه، لم يَشْرَكه في ذلك أحد،
ومن خصائص الربّ سبحانه إفراده جلّ وعلا بالعبادة، وهو اعتداء على حق الله الخالص.
الطالب: وضّح لي أكثر يا أستاذ؟
الشيخ: يا بني: أليس اللهُ جلّ وعلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد،
الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الذي تفرّد بالخلق، والرزق، والملك، والتدبير،
والإحياء، والإماتة، والنفع، والضّر، والخفض، والرفع، وعلم الغيب والشهادة؟
فمن اعتقد النفع والضر وتدبير شؤون الخلق والكون في غير الربّ سبحانه فقد أشرك بالله غيره،
ولم تنفعه لا إله إلا الله، وكذا من اعتقد ذلك في الله سبحانه
ثم لجأ بعد ذلك إلى غيره يسأله الرزق والأولاد والشفاء وتفريج الكربات وقضاء الحاجات،
فقد أشرك بالله عزّ وجلّ حينما صرف العبادة لغيره، فخلع بذلك ربقة الإسلام من عنقه،
وكذا من اعتقد في غير الله سبحانه من حيّ أو ميّت علم الغيب وعلم ما في الصدور،
أو السماع أو الرؤية من بعيد على الوجه الذي لا يكون ثابتا مثله إلا لله الواحد الأحد،
فقد صرف لغير الله ما يختص به سبحانه.
الطالب: يا شيخ هل من الممكن أن تذكر لي بعض الأدلة على كلامك هذا من كلام الله سبحانه؟
الشيخ: أجل يا بنيّ، كلام الله مليء بذلك، قال سبحانه:
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}(يونس : 31 )، وقال جلّ في علاه:
{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِله قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِله قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}(المؤمنون86: 89 )،
وقال لا إله غيره ولا ربّ سواه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
(سبأ : 24 ).
أي بنيّ: ومعنى قوله {أفلا تتقون}، وقوله {فأنّى تسحرون}:
أفلا تخشونه بصرفكم العبادة لغيره من خلقه؟! بل كيف تُصْرَفون عن عبادته إلى عبادة غيره،
وأنتم تعلمون وتقرّون أنه المتفرّد بذلك؟!
يتبع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
الطالب: يا أستاذ! هل إذا سأل أحدُنا غيرَ الله من المخلوقين شيئا من جَلْب نفعٍ أو دفع ضُرٍّ أصبح بذلك مشركا بالله؟
الشيخ: لا يا بني، الأمر ليس على إطلاقه، فالعبد قد يسأل غيره من الخلق أن يعينه في جلب منفعة،
أو دفع مضرّة فيما يقدر عليه المخلوق كما في قوله تعالى:
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}
(القصص : 15 ). فإغاثة موسى للرجل من شيعته من هذا القبيل.
ولكن الشأن في أن يسأل العبد غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من طلب الشفاء: قال تعالى على لسان إبراهيم:
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء : 80 )، وقال صلى الله عليه وسلم :
(اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا)
متفق عليه، وهبة الولد: قال سبحانه وتعالى:
(لِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ*
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى49 : 50 )،
والرزق: قال سبحانه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(يونس: 31)، وقال تعالى:
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} (النحل: 73)،
والإخبار بالغيب: قال عزّ من قائل: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
(النمل: 65)، هذا هو الشرك بعينه بنيّ، نعوذ بالله أن نشرك به شيئا نعلمه ونستغفره لما لا نعلمه.
الطالب: يا شيخ! هل من ضابط يحدّد لنا الاستغاثة الشركية من الاستغاثة الجائزة بالمخلوق؟
الشيخ: أجل بنيّ، إذا استغاث العبد بحيٍّ قادرٍ حاضرٍ، فليست استغاثة شركية،
فإذا اختلّ أحد هذه الشروط الثلاثة صارت شركا أكبر، فلو استغاث العبد بميِّتٍ كانت استغاثة شركية،
ولو استغاث بحيٍّ لكنّه عاجزٌ( عَجْزَ قُدْرَةٍ، كأن يسأله الشفاء والولد أو الإخبار بالغيب،
أو عجز حسيّ كاستغاثة بمشلول أو رضيع لإنقاذه من الغرق) فهي كذلك استغاثة شركية،
وكذا لو استغاث بحيٍّ قادرٍ لكنه غائبٌ، كاستغاثة المريد بشيخه الذي يبعد عنه بمسافات، فكذلك (2)
الطالب: شيخي الكريم، لعّل من سأل غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله
لم يسأله على جهة أنه يستقل بفعل ذلك، أو له القدرة على هبة الرزق والشفاء والولد،
ولكن من باب الوساطة والشفاعة؟
الشيخ: ولوْ كانَ بنيّ! فإنّ من سأل غير الله من خلقه فيما لا يقدر عليه إلا الله
على أنه يملك ذلك استقلالا، فهذا أكفر من المشركين الذين كانوا يعتقدون أن المتفرّد بذلك هو الله وحده،
كما أخبرنا الله سبحانه عنهم كما في الآيات السابقة، ولكن من سألهم على جهة الشفاعة والوساطة
هو كذالك أشرك بالله غيره، وهذا عين شرك المشركين الأولين من العرب، قال تعالى عنهم:
{أَ
- لَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى
- إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ
}
(الزمر : 3 )، وقال سبحانه وبحمده: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ
وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(يونس : 18 ) فنصّ الله تعالى في ختام هاتين الآيتين على كفرهم وشركهم،
مع أنهم صرّحوا بأنّهم لم يعبدوهم على جهة الاستقلال، بل على جهة الوساطة والشفاعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(1) أصل هذه الرسالة عبارة عن مساهمة منّي، كانت إجابة لسؤال أخي الكريم الفاضل محمد معاشو
الذي ألّح عليّ بحسن ظنّه بأخيه إلحاحا منقطع النظير، من أجل أن أخرج مطويّة في مسألة:
هي قضية الدين الكبرى، فلم أجد بُدًّا من إجابته رجاء الاندراج في مسالك المدافعين عن حق الربّ الأعظم،
وما إن شرعت في كتابتها، حتىّ أيقنت أنه هو صاحب الفضل فيها، إذ كان سببا في خروجها،
إلاّ أنه مع الاسترسال خرجت عن حدّ المطوية لتصبح رسالة من الحجم الصغير.
والله أسأل الله أن يكتب لي وله، ولكل من اطّلع عليها، وأعان على نشرها خير الجزاء،
في يوم تَعِزُّ فيه الحسنات، وتعظُم فيه الحسرات، وتُسكب فيه العَبرات،
ولا منجي للعبد إلا رحمة ربّ الأرض والسماوات.
(2) أصل هذا السؤال هو عبارة عن تعليق لفضيلة الشيخ محمد حاج عيسى حفظه الله،
أتحفني به خلال تفضله حفظه الله بقراءة الرسالة، وزدت عليه ما يجعله أكثر وضوحا.
يتبع بإذن الله في المرة القادمة
__________________________________________________ __________
((( الحلقة الثانيـــــة)))
الطالب: يا أستاذ قد يقول القائل: إنّ هؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآيات كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، وأما بعد ظهور الإسلام، فإن الناس أصبحوا يلجأون إلى الأولياء والصالحين الذي أطبقت الأمة على فضلهم وصلاحهم؟
الشيخ: ليس الأمر كذلك بُنَيّ، فإنّ أوّل ما دبّ الشرك في أهل الأرض، إنما كان بسبب الغلوّ في الأولياء والصالحين، (عن ابن عباس رضي الله عنهما : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، أما ود : كانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع : كانت لهذيل ، وأما يغوث : فكانت لمراد ، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ ، وأما يعوق : فكانت لهمدان ، وأما نسر : فكانت لحمير ، لآل ذي الكلاع ، أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ، وتنسخ العلم عبدت .
الراوي: عطاء المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4920
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
بل نصّ الله عز وجلّ في كتابه على أن بعضهم أشرك بالله ملائكته، وبعضهم أشرك به عيسى ابن مريم عليه السلام وأمّه، كما في قوله:
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} (سبأ40 : 41 )، وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (المائدة116 : 117 )، بلّ نصّ سبحانه في كتابه الكريم أنّ المشركين كانوا يدعون ويتقربون إل أناس صالحين، هؤلاء الصالحون هم أنفسهم كانوا يتقرّبون إلى الله، بل يتنافسون أيّهم أقرب إلى الله، قال تعالى مبيّنا هذه الحقيقة: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}(الإسراء : 57 ).
الطالب: جزاك الله خيرا يا شيخ فقد أوجزت وأوضحت، ولكن إذا قال القائل: إنّ قوم نوح ومشركي العرب وإن تقرّبوا إلى أناس صالحين، لكن قصدوهم للعبادة، أما نحن فلسنا نقصدهم للعبادة بل نرجو بركتهم، وفضلهم، فهل كلامه هذا صحيح؟
الشيخ: أي بنيّ قائل هذا الكلام لا يخلو من أحد احتمالين لا ثالث لهما:
* إما أن يكون مكابرا معاندا، يعلم الحق ويجحده، فهذا ليس لنا معه حديث، لأنّ الله يقول: {أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (النساء : 88 )، وقوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} (الروم : 29 )، وقال سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص : 56 ).
* وإمّا أن يكون جاهلا، فنسأله: أليس الإنسان إذا سجد لله: كما قال تعالى:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (النجم : 62 )، وذبح لله: كما قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر : 2 )، وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام : 162 ) ، وذكر الصلاة في الآيتين يتضمّن ذكر السجود، إذ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما قال صلى الله عليه وسلم، وإذا نذر لله سبحانه: امتثالا لقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} (الإنسان : 7 )، وطاف ببيت الله جلّ وعلا، لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج : 29 )، ودعا الله أن يكشف عنه كربته استجابة لحثّ الربّ سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}(النمل : 62 )ويشفي مرضه: قال تعالى عن أيوب عليه السلام في المرض: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}(الأنبياء 83: 84 )، ويرزقه الولد: قال تعالى عن زكريا عليه السلام في قضية الولد: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء 89: 90 )، وحلف بالله: قال مالك رحمه الله: أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر بن الخطاب وهو يقول: ولا وأبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه ، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا ، إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله ، وإلا فليصمت ) .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6108
يتبع
__________________________________________________ __________
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
.
أليس هو بذلك يعبد الله الواحد الأحد؟!
فلا شكّ أنّ جوابَه سيكون: بلى، صرف هذه الأمور لله عزّ وجلّ من العبادة، بل هي من أجلّ العبادات، فنقول له: كذلك صرفها لغيره كائنا من كان ستكون شركا بالله عزّ وجلّ، ولو لمَلَكٍ مقرّب أو نبيّ مرسل، فضلا عن الأولياء والصالحين.
الطالب: يا أستاذ! هل يعني أن من وقع في هذا الشرك فقد خرج من الإسلام؟
الشيخ: أي بنيّ! إنّما نعني بقولنا لا تنفعه لا إله إلا الله، وقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، أنّه وقع في ناقض من نواقض الإسلام، كمن سبّ الله، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو استهزأ بشيء من دين الله، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو استحلّ ما حرّم الله، فيخرج بذلك من دائرة الإسلام، لكنّه قولٌ يُطْلَقُ على الفعل بصرف النظر عن عين الفاعل، ليعلم الناس الفرق بين المعاصي التي لا يخرج من وقع فيها من دائرة الإسلام كشرب الخمر، والزنى، وشهادة الزور إلا إذا استحلّها، وكذا الشرك الأصغر الذي لا يخرج من تلبّس به من دائرة الإسلام، وبين المكفرات والشركيات التي تُخْرِجُ العبدَ من دائرة الإسلام، وأما أعيان الأشخاص فلا يلحقهم وصف الكفر الأكبر والشرك الأكبر، إلا إذا توفرت شروط التكفير، والتي منها أن يكون العمل دلّ الدليل الشرعي على أنه من نواقض الإسلام، وانتفت موانع التكفير كالإكراه، والتأويل، والجهل الذي يعذر بمثله صاحبه، فالقصد الأكبر هو التحذير والزجر رحمة بالعباد، فأهل السنة أعلم الناس بالحق، وأرحم الناس بالخلق.
الطالب: شيخي الكريم! لقد ذكرت في غضون كلامك المتقدّم الشرك الأصغر والشرك الأكبر، فهل ممكن أن تذكر مستند هذا التقسيم، وتضرب لي مثالا على ذلك؟
الشيخ: لا بأس بنيّ، عن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء
الراوي: محمود بن لبيد المحدث: ابن مفلح - المصدر: الآداب الشرعية - الصفحة أو الرقم: 3/293
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح ومحمود بن لبيد وهو مختلف في صحبته
فتنصيصه صلى الله عليه وسلم على الشرك الأصغر يستدلّ به بدَلالة المفهوم على وجود الشرك الأكبر، ومن ذلك بنيّ أن يحلف العبد بغير الله، ويكون هذا الحلف جاريا على اللسان من غير قَصْدِ تعظيم المحلوف به. كما ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند مالك في الموطّأ، وقد تقدّم، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر بن الخطاب وهو يقول : ولا وأبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله ثم ليبرر أو ليصمت) ، فحَلِفُ عمر رضي الله عنه بأبيه من هذا القبيل، إذ لو كان من قبيل الأكبر لأمره صلى الله عليه وسلم أن يجددّ إسلامه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.....(( يتبع بإذن الله ))...
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________