عنوان الموضوع : ๑۞๑ℓ. العشرة المبشرين بالجنه .ℓ ๑۞๑ من الشريعة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
๑۞๑ℓ. العشرة المبشرين بالجنه .ℓ ๑۞๑
[COLOR=#800080] ـألـسَـلآمٍ عَـلـيـكُـمٍ و رحـمَــة ـألـلـَّـه و بـَركـآتـُـه
ابو بكر الصديق
عمر بن الخطاب
عثمان بن عفان
علي بن ابي طالب
الزبير ابن العوام
طلحة بن عبيد الله
سعد بن أبي وقاص
عبد الرحمن بن عوف
ابو عبيدة بن الجراح
سعيد بن زيد
هو عبد الله بن أبي قحافة ، من قبيلة قريش، ولد بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-
من أغنياء مكـة المعروفين ، وكان أنسب قريشاً لقريش وأعلم قريـش بها وبما كان فيها من
خير وشـر وكان ذا خلق ومعروف يأتونه الرجال ويألفونـه اعتنـق الاسلام دون تردد فهو
أول من أسلم من الرجال الأحرار ثم أخذ يدعو لدين اللـه فاستجاب له عدد من قريش
من
بينهم عثمـان بن عفـان ، والزبيـر بن العـوام ، وعبدالرحمـن بن عـوف ، والأرقـم
ثاني اثنين اذ هما في الغار ، اذ يقول لصاحبه *)
(* لا تحزن ان الله معنا
قرآن كريم
(( إسلامه ))
لقي أبو بكر - رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فقال : ( أحقّ ما تقول
قريش يا محمد من تركِكَ آلهتنا ، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءَنا ؟! )
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( إني رسول الله يا أبا بكر ، ونبّيه بعثني لأبلغ
رسالته ، وأدعوك الى الله بالحق ، فوالله إنه للحق أدعوك الى الله يا أبا بكر ، وحده لا
شريك له ، ولا نعبد غيره ، و الموالاة على طاعته أهل طاعته )
وقرأ عليه القرآن فلم ينكر ، فأسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد ، و أقرّ بحقّ الإسلام
ورجع أبو بكر وهو مؤمن مُصَدّق
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه
كَبْوَة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عَتّم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه )
(( أول خطيب ))
عندما بلغ عدد المسلمين تسعة وثلاثين رجلاً ، ألح أبو بكر على الرسول -صلى الله
عليه وسلم- في الظهور فقال الرسول : ( يا أبا بكر إنّا قليل )
فلم يزل يلح حتى ظهر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتفرّق المسلمون في نواحي
المسجد ، وكل رجل معه ، وقام أبو بكر خطيباً ورسول الله جالس ، وكان أول خطيب دعا
الى الله عزّ وجل والى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين ، فضربوهم ضربا شديدا ، ووُطىءَ أبو
بكر ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة ، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ، وأثّر على وجه
أبي بكر حتى لا يعرف أنفه من وجهه ، وجاء بنو تيم تتعادى ، فأجلوا المشركين عن
أبي بكر ، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته ، ورجعوا بيوتهم و
قالوا : ( والله لئن مات أبو بكـر لنقتلـن عُتبة )
ورجعوا الى أبي بكر وأخذوا يكلمونـه حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال : ( ما فعـل
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟)
فنالوه بألسنتهم وقاموا
(( جهاده بماله ))
أنفق أبوبكر معظم ماله في شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من العبودية
ويخلصهم من العذاب الذي كان يلحقه بهم ساداتهم من مشركي قريش ، فأعتق بلال
بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة وأم عبيس
فنزل فيه قوله تعالى : " ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى " )
(( منزلته من الرسول ))
كان -رضي الله عنه- من أقرب الناس الى قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأعظمهم منزلة عنده حتى قال فيه : ( ان من أمَنِّ الناس علي في صحبته وماله
أبوبكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الاسلام
ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر )
كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن أبا بكر أرحم الأمة للأمة ، وأنه أول من
يدخل معه الجنة فقد قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( أما إنك يا أبا بكر أول
من يدخل الجنة من أمتي )
وأنه صاحبه على الحوض فقد قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( أنت صاحبي
على الحوض ، وصاحبي في الغار )
كما أن أبو بكر الصديق هو والد أم المؤمنين عائشة لذا كان عظيـم الإفتخـار بقرابته من
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومصاهرته له وفي ذلك يقول : ( والذي نفسي
بيـده لقرابة رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبُّ إليّ من أن أصل قرابتي )
(( الإسراء والمعراج ))
وحينما أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة الى بيت المقدس ذهب
الناس الى أبي بكر فقالوا له : ( هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه
الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة ! )
فقال لهم أبو بكر : ( إنكم تكذبون عليه )
فقالوا : ( بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ) فقال أبو بكر : ( والله لئن كان
قاله لقد صدق ، فما يعجّبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من
السماء الى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ! فهذا أبعد مما تعجبون منه )
ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال : ( يا نبي الله ، أحدثت
هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ ) قال : ( نعم ) قال : ( يا نبي الله
فاصفه لي ، فإني قد جئته ) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( فرفع لي
حتى نظرت إليه)
فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر : ( صدقت ، أشهد أنك رسول الله )
حتى إذا انتهى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر : ( وأنت يا أبا بكر
الصديق ) فيومئذ سماه الصديق
(( الصحبة ))
ولقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء
الهجرة الى المدينةالمنورة
فقال تعالى : " ( ثاني اثنين اذ هما في الغار ، اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ) "
كان أبو بكر رجلا ذا مال ، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في الهجرة فقال
له الرسول : ( لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً ) فطمع بأن يكون رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إنما يعني نفسه حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك ، وفي يوم الهجرة ، أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيت
أبي بكر بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر قال : ( ما جاء رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-هذه الساعة إلا لأمر حدث )
فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس
عند أبي بكر إلا أسماء وعائشة ، فقال الرسول : ( أخرج عني من عندك ) فقال أبو
بكر : ( يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي !)فقال : ( إن الله قد
أذن لي في الخروج والهجرة ) فقال أبو بكر : ( الصُّحبة يا رسول الله ؟ )قال : ( الصُّحبة )
تقول السيدة عائشة : ( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح
حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ) تم قال أبو بكر : ( يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت
أعددتهما لهذا ) فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط ، وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، فدفعا
إليه راحلتيهما ، فكانت عنده يرعاهما
(( أبواب الجنـة ))
عن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( من أنفق
زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب - يعني الجنة- يا عبد الله
هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد ،
دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من
أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان ) فقال أبو بكر : ( ما على هذا الذي
يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ) وقال : ( هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله )
قال : ( نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )
(( مناقبه وكراماته ))
مناقب أبو بكر -رضي الله عنه- كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات
والعبادات حتى قال عمر بن الخطاب : ( ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني ) وكان أبو
بكر الصديق يفهم إشارات الرسول -صلى الله عليه وسلم - التي تخفى على غيره
كحديث : ( أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ) ، ففهم أنه عليه
الصلاة والسلام ينعي نفسه ، ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول -صلى الله عليه
وسلم- وإقراره على ذلك
وهو أول خليفة في الإسلام ، وأول من جمع المصحـف الشريـف ، وأول من أقام للناس
حجّهـم في حياة رسـول اللـه -صلى اللـه عليـه وسلم- وبعده وكان في الجاهلية قد
حرم على نفسه شرب الخمر ، وفي الإسلام امتنع عن قول الشعر كما أنه -رضي الله
عنه- لم يفته أي مشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد قال له الرسول -
صلى اللـه عليه وسلم- : ( أنت عتيق الله من النار ) ، فسمّي عتيقاً
وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال : ( كيف تفضِّلوني عليه ،
وإنما أنا حسنة من حسناته !! )
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-
إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي -صلى الله عليه
وسلم- : ( أما صاحبكم فقد غامر ) فسلم وقال : ( إني كان بيني وبين ابن الخطاب
شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي فأقبلت إليك )
فقال : ( يغفر الله لك يا أبا بكر ) ثلاثا ، ثم إن عمر ندم ، فأتى منزل أبي بكر ، فسأل : (
أثم أبو بكر ) فقالوا : ( لا ) فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسلم ، فجعل وجه
النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمعر ، حتى أشفق أبو بكر ، فجثا على ركبتيه فقال : (
يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم مرتين ) فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله
بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم
تاركوا لي صاحبي ) مرتين فما أوذي بعدها
(( خلافته ))
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد
وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم
يسع اليها ، اذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ،
فساله عن ذلك فقال له : ( يا عمر لا حاجة لي في امارتكم !!) فرد عليه عمر : ( أين
المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك)
(( جيش أسامة ))
وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا
نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا : ( يا أبا بكر
رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ ! ) فقال : ( والذي لا
إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت
جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله ) فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل
يريدون الارتداد إلا قالوا : ( لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن
ندعهم حتى يلقوا الروم )فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على
الإسلام
(( حروب الردة ))
بعد وفـاة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي
الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب : ( كيف تقاتل الناس
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله )
؟ ! ) فقال أبو بكر : ( الزكاة حقُّ المال )و قال : ( والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ،
والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم
على منعها ) ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل
الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين
((جيوش العراق والشام ))
ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن
الوليد الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ،
فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الاسلام
(( استخلاف عمر ))
لمّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال : ( إني أدعوك إلى أمر
متعب لمن وليه ،فاتق الله يا عمر بطاعته ، وأطعه بتقواه ، فإن المتقي آمن محفوظ ،
ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به ، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل ، وأمر
بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ ، وأن يحبط عمله ، فإن أنت وليت
عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم ، وأن تصم بطنك من أموالهم ،
وأن يخف لسانك عن أعراضهم ، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله )
(( وفاته ))
ولد أبو بكر في مكة عام ( 51 قبل الهجرة ) ومات بالمدينة بعد الرسول -صلى الله عليه
وسلم- بسنتين وثلاثة أشهر وبضع ليال سنة ( 13 هـ )ولما كان اليوم الذي قُبض فيه
أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء ، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم-
، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول : ( اليوم انقطعت خلافة النبوة) حتى
وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال : ( رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول
القوم إسلاما ، وأكملهم إيمانا ، وأخوفهم لله ، وأشدهم يقينا ، وأعظمهم عناءً ،
وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم
، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً و فعلا
يتبع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
ـألـسَـلآمٍ عَـلـيـكُـمٍ و رحـمَــة ـألـلـَّـه و بـَركـآتـُـه
الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزَّى القرشي العدوي ، ولد
بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ( 40 عام قبل الهجرة ) ، عرف في شبابه بالشـدة
والقـوة ، وكانت له مكانة رفيعـة في قومه اذ كانت له السفارة في الجاهلية فتبعثـه
قريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم واصبح الصحابي
العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين0
يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا"
فجا قط الا سلك فجا غير فجك "
حديث شريف
(( اسلامه ))
اسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت
يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطـاب
متقلـدا سيفه الذي خـرج به ليصفـي حسابه مع الإسـلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو
القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته المباركة : ( دلوني على محمد )
وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح : ( يا عمـر والله إني لأرجو أن يكون
الله قد خصـك بدعـوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، فإني سمعته بالأمس يقول : (
اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب )
فسأله عمر من فوره : ( وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟)وأجاب خباب : ( عند الصفـا
في دار الأرقـم بن أبي الأرقـم )
ومضى عمر الى مصيره العظيم ففي دار الأرقم خرج إليه الرسول -صلى الله عليه
وسلم- فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال : ( أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله
بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم
أعزّ الدين بعمر بن الخطاب )فقال عمر : ( أشهد أنّك رسول الله )
وباسلامه ظهر الاسلام في مكة اذ قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون
في دار الأرقم : ( والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك )وخرج المسلمون ومعهم
عمر ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو
منعهم ، لذلك سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين
الحق والباطل
(( لسان الحق ))
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق
على لسانه اذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقول علي بن أبي طالب : ( إنّا كنا لنرى
إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه ) كما قال عبد الله بن عمر : ( مانزل بالناس
أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر )
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- : ( لقد
كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) وزاد زكرياء بن
أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي -صلى الله
عليه وسلم-: ( لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن
يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (
من نبي ولا محدث )
(( قوة الحق ))
كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد استأذن عمر بن الخطاب على رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، عالية
أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل عمر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يضحك ، فقال عمر : ( أضحك الله سنك يا رسول الله )فقال النبي -صلى الله عليه
وسلم- : ( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )
فقال عمر : ( فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله )ثم قال عمر : ( يا عدوات أنفسهن
أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)فقلن : ( نعم ، أنت أفظ وأغلظ
من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إيها
يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا
غيرفجك )
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون
يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم : ( من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته
فليلقني وراء هذا الوادي )فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه
(( عمر في الأحاديث النبوية ))
رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي تبين فضل عمـر
بن الخطاب نذكر منها ( إن الله سبحانـه جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) ( الحق
بعدي مع عمـر حيث كان ) ( لو كان بعدي نبيّ لكان عمـر بن الخطاب ) ( إن الشيطان لم
يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه ) ( ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في
الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي
طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال ، ورأيت قصرا
أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله
فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك )فقال عمر : ( بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !)
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ ، فشربت منه
حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بن الخطاب )فقالوا : (
فما أوّلته يا رسول الله ؟) قال : ( العلم )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم
قمصٌ ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب
وعليه قميص يجرّه )قالوا : ( فما أوَّلته يا رسول الله ؟)قالو : ( الدين )
(( خلافة عمر ))
رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية من بعده ،
واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا
فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان : ( اللهم علمي به أن سريرته أفضل من
علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ) وبناء على تلك المشورة وحرصا على وحدة المسلمين
ورعاية
أوصى أبو بكر الصديق بخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا : (اللهم اني
لم أرد بذلك الا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت
لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم )ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد اذ
خاطب المسلمين قائلا : (أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فوالله ما آليـت من جهـد
الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفـت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا )
فرد المسلمون : (سمعنا وأطعنا) وبايعوه سنة ( 13 هـ )
(( انجازاته ))
استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير من الانجازات المهمة لهذا وصفه ابن
مسعود -رضي الله عنه- فقال : ( كان اسلام عمر فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت
إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الى البيت حتى أسلم عمر ، فلما
أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا)
فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 هـ ) ، وأول من كتب
التاريخ من الهجرة في شهر ربيع الأول سنة ( 16 هـ ) ، وأول من عسّ في عمله ،
يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ، كما أنه مصّـر الأمصار ، واستقضـى القضـاة ،
ودون الدواويـن ، وفرض الأعطيـة ، وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة ، وحج بأمهات
المؤمنين في آخر حجة حجها
وهدم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بن عبد
المطلب فيما زاد ، ووسّعه وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقى الحصى
في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ،
فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول -صلى الله عليه
وسلم-
وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب الى الشام ،
وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة
(( الفتوحات الإسلامية ))
لقد فتح الله عليه في خلافته دمشق ثم القادسية حتى انتهى الفتح الى حمص ،
وجلولاء والرقة والرّهاء وحرّان ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وما
يليها من الساحل وبيت المقدس وبَيْسان واليرموك والجابية والأهواز والبربر والبُرلُسّ
وقد ذلّ لوطأته ملوك الفرس والروم وعُتاة العرب حتى قال بعضهم : ( كانت درَّة عمر
أهيب من سيف الحجاج )
(( هَيْـبَتِـه و تواضعه ))
وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا
رأوه وهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان
قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم
تبطره النعمة
(( استشهاده ))
كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال شرفها : (
اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك)وفي ذات يوم وبينما
كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ( غلاما للمغيرة بن شعبة )
عدة طعنات في ظهره أدت الى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة
سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه ذلك المجوسي
حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة ودفن الى جوار الرسول -صلى
الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرة النبوية الشريفة
الموجودة الآن في المسجد النبوي في المدينة المنورة .
يتبع
__________________________________________________ __________
ـألـسَـلآمٍ عَـلـيـكُـمٍ و رحـمَــة ـألـلـَّـه و بـَركـآتـُـه
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة القرشي ، أحد العشرة المبشرين بالجنة
وأحد الستة الذي جعل عمر الأمر شورى بينهم ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على
يد أبي بكر الصديق ، توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهو عنه راضٍ
صلى إلى القبلتيـن وهاجر الهجرتيـن وبمقتله كانت الفتنة الأولى في الإسلام
" ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة "
حديث شريف
(( إسلامه ))
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- غنياً شريفاً في الجاهلية ، وأسلم بعد البعثة
بقليل ، فكان من السابقين إلى الإسلام ، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته
رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة الأولى والثانية وقد قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- : ( إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوطٍ ) ( إن عثمان لأول من
هاجر إلى الله بأهله بعد لوطٍ )
وهو أوّل من شيّد المسجد ، وأوّل من خطَّ المفصَّل ، وأوّل من ختم القرآن في ركعة ،
وكان أخوه من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومن الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان
قال عثمان : ( ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله ،
وآمن بما بُعِثَ به محمدٌ ، ثم هاجرت الهجرتين وكنت صهْرَ رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وبايعتُ رسول الله فوالله ما عصيتُه ولا غَشَشْتُهُ حتى توفّاهُ الله عز وجل )
(( الصّلابة ))
لمّا أسلم عثمان -رضي الله عنه- أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه رباطاً
، وقال : ( أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أحلّك أبداً حتى تدعَ ما أنت
عليه من هذا الدين ) فقال عثمان : ( والله لا أدَعُهُ أبداً ولا أفارقُهُ ) فلمّا رأى الحكم
صلابتَه في دينه تركه
((ذي النورين ))
لقّب عثمان -رضي الله عنه- بذي النورين لتزوجه بنتيْ النبي -صلى الله عليه وسلم-
رقيّة ثم أم كلثوم ، فقد زوّجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته رقيّة ، فلّما ماتت
زوّجه أختها أم كلثوم فلمّا ماتت تأسّف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على
مصاهرته فقال : ( والذي نفسي بيده لو كان عندي ثالثة لزوّجنُكَها يا عثمان )
(( سهم بَدْر ))
أثبت له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهمَ البدريين وأجرَهم ، وكان غاب عنها
لتمريضه زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم فقد قال الرسول -صلى
الله عليه وسلم- : ( إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمه )
(( الحديبية ))
بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان يوم الحديبية إلى أهل مكة ،
لكونه أعزَّ بيتٍ بمكة ، واتفقت بيعة الرضوان في غيبته ، فضرب الرسول -صلى الله
عليه وسلم- بشماله على يمينه وقال : ( هذه يدُ عثمان ) فقال الناس : ( هنيئاً
لعثمان )
(( جهاده بماله ))
قام عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بنفسه وماله في واجب النصرة ، كما اشترى بئر
رومة بعشرين ألفاً وتصدّق بها ، وجعل دلوه فيها لدِلاِءِ المسلمين ، كما ابتاع توسعة
المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفاً
كان الصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاةٍ ، فأصاب الناس جَهْدٌ حتى
بدت الكآبة في وجوه المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ، فلما رأى الرسول -
صلى الله عليه وسلم- ذلك قال : ( والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزقٍ )
فعلم عثمان أنّ الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى أربعَ عشرة راحلةً بما عليها من
الطعام ، فوجّه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي
قال : ( ما هذا ؟)
قالوا : أُهدي إليك من عثمان 0 فعُرِفَ الفرحُ في وجه رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- والكآبة في وجوه المنافقين ، فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه حتى
رُؤيَ بياضُ إبطيْه ، يدعو لعثمان دعاءً ما سُمِعَ دعا لأحد قبله ولا بعده : ( اللهم اعط
عثمان ، اللهم افعل بعثمان )
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ
فرأى لحماً فقال : ( من بعث بهذا ؟)قلت : عثمان 0 فرأيت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- رافعاً يديْهِ يدعو لعثمان
(( جيش العُسْرة ))
وجهّز عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جيش العُسْرَة بتسعمائةٍ وخمسين بعيراً
وخمسين فرساً ، واستغرق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له يومها ،
ورفع يديه حتى أُريَ بياض إبطيه فقد جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
بألف دينار حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره ، فجعل -صلى الله عليه وسلم-
يقلبها ويقول : ( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم ) مرتين
(( الحياء ))
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( أشد أمتي حياءً عثمان )
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : استأذن أبو بكر على رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وهو مضطجع على فراش ، عليه مِرْطٌ لي ، فأذن له وهو على حاله ،
فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له ، وهو على تلك الحال ، فقضى
الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأصلح عليه ثيابه وقال : ( اجمعي عليك ثيابك ) فأذن له ، فقضى الله حاجته ثم انصرف
، فقلت : ( يا رسول الله ، لم أركَ فزِعْتُ لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان !!)
فقال : ( يا عائشة إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إنْ أذنْتُ له على تلك الحال أن لا
يُبَلّغ إليّ حاجته ) وفي رواية أخرى : ( ألا أستحي ممن تستحيي منه الملائكة )
(( فضله ))
دخل رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته وهي تغسل رأس عثمان فقال : (
يا بنيّة أحسني إلى أبي عبد الله فإنّه أشبهُ أصحابي بي خُلُقـاً ) وقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ( مَنْ يُبغضُ عثمان أبغضه الله ) وقال : ( اللهم ارْضَ عن عثمان )
وقال : ( اللهم إن عثمان يترضّاك فارْضَ عنه )
اختَصّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة الوحي ، وقد نزل بسببه آيات من
كتاب الله تعالى ، وأثنى عليه جميع الصحابة ، وبركاته وكراماته كثيرة ، وكان عثمان -
رضي الله عنه- شديد المتابعة للسنة ، كثير القيام بالليل
قال عثمان -رضي الله عنه- : ( ما تغنيّتُ ولمّا تمنّيتُ ، ولا وضعتُ يدي اليمنى على
فرجي منذ بايعتُ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما مرّت بي جمعة إلا وإعتقُ
فيها رقبة ، ولا زنيتُ في جاهلية ولا إسلام ، ولا سرقت )
(( اللهم اشهد ))
عن الأحنف بن قيس قال : انطلقنا حجّاجاً فمروا بالمدينة ، فدخلنا المسجد ، فإذا علي
بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص 0 فلم يكن بأسرع من أن جاء عثمان
عليه ملاءة صفراء قد منع بها رأسه فقال : ( أها هنا علي ؟) قالوا : نعم 0 قال : (
أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (
من يبتاع مِرْبدَ بني فلان غفر الله له ؟) فابتعته بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً ،
فأتيت رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت : ( إني قد ابتعته ) فقال : ( اجعله في
مسجدنا وأجره لك ) ؟ قالوا : نعم
قال : ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال : ( من يبتاع بئر روْمة غفر الله له ) فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فقلت : ( إني قد ابتعتها ) فقال : ( اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )
؟ قالوا : نعم
قال : ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
نظر في وجوه القوم يوم ( جيش العُسرة ) فقال : ( من يجهز هؤلاء غفر الله له )
فجهزتهم ما يفقدون خطاماً ولا عقالاً )؟ قالوا : نعم
قال : ( اللهم اشهد اللهم اشهد )ثم انصرف
((الخلافة ))
كان عثمان -رضي الله عنه- ثالث الخلفاء الراشدين ، فقد بايعه المسلمون بعد مقتل
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة 23 هـ ، فقد عيَّن عمر ستة للخلافة فجعلوا
الأمر في ثلاثة ، ثم جعل الثلاثة أمرهم إلى عبد الرجمن بن عوف بعد أن عاهد الله
لهم أن لا يألوا عن أفضلهم ، ثم أخذ العهد والميثاق أن يسمعوا ويطيعوا لمن عيّنه
وولاه ، فجمع الناس ووعظهم وذكّرَهم ثم أخذ بيد عثمان وبايعه الناس على ذلك ، فلما
تمت البيعة أخذ عثمان بن عفان حاجباً هو مولاه وكاتباً هو مروان بن الحكم
ومن خُطبته يوم استخلافه لبعض من أنكر استخلافه أنه قال : ( أمّا بعد ، فإنَّ الله بعث
محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ورسوله ، وهاجرت الهجرتين ، وبايعت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ، والله ما غششْتُهُ ولا عصيتُه حتى توفاه الله ، ثم أبا بكر
مثله ، ثم عمر كذلك ، ثم استُخْلفتُ ، أفليس لي من الحق مثلُ الذي لهم ؟!)
(( الخير ))
انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف
درهم ، وحجّ بالناس عشر حجج متوالية
(( الفتوح الإسلامية ))
وفتح الله في أيام خلافة عثمان -رضي الله عنه- الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم
قبرص ، ثم إصطخر الآخـرة وفارس الأولى ثم خـو وفارس الآخـرة ، ثم طبرستان
ودُرُبجرْد وكرمان وسجستان ، ثم الأساورة في البحر ثم ساحل الأردن
(( الفتنة ))
ويعود سبب الفتنة التي أدت إلى الخروج عليه وقتله أنه كان كَلِفاً بأقاربه وكانوا قرابة
سوء ، وكان قد ولى على أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي السّرح فشكوه إليه ،
فولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق باختيارهم له ، وكتب لهم العهد ، وخرج معهم
مددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي السّرح ، فلمّا كانوا على
ثلاثة أيام من المدينة ، إذ همّ بغلام عثمان على راحلته ومعه كتاب مفترى ، وعليه
خاتم عثمان ، إلى ابن أبي السّرح يحرّضه ويحثّه على قتالهم إذا قدموا عليه ، فرجعوا
به إلى عثمان فحلف لهم أنّه لم يأمُره ولم يعلم من أرسله ، وصدق -رضي الله عنه-
فهو أجلّ قدراً وأنبل ذكراً وأروع وأرفع من أن يجري مثلُ ذلك على لسانه أو يده ، وقد
قيل أن مروان هو الكاتب والمرسل !
ولمّا حلف لهم عثمان -رضي الله عنه- طلبوا منه أن يسلمهم مروان فأبى عليهم ،
فطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد قال له : (
عثمان ! أنه لعلّ الله أن يُلبسَكَ قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه )
(( الحصار ))
فاجتمع نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة وساروا إليه ، فأغلق بابه دونهم ، فحاصروه
عشرين أو أربعين يوماً ، وكان يُشرف عليهم في أثناء المدّة ، ويذكّرهم سوابقه في
الإسلام ، والأحاديث النبوية المتضمّنة للثناء عليه والشهادة له بالجنة ، فيعترفون بها
ولا ينكفّون عن قتاله !! وكان يقول : ( إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليّ
عهداً فأنا صابرٌ عليه ) ( إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن )
وعن أبي سهلة مولى عثمان : قلت لعثمان يوماً : ( قاتل يا أمير المؤمنين )قال : ( لا
والله لا أقاتلُ ، قد وعدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمراً فأنا صابر عليه )
واشرف عثمان على الذين حاصروه فقال : ( يا قوم ! لا تقتلوني فإني والٍ وأخٌ مسلم ،
فوالله إن أردتُ إلا الإصلاح ما استطعت ، أصبتُ أو أخطأتُ ، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا
جميعاً أبداً ، ولا تغزوا جميعاً أبداً ولا يقسم فيؤكم بينكم )فلما أبَوْا قال : ( اللهم
احصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تبق منهم أحداً ) فقتل الله منهم مَنْ قتل في الفتنة
، وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما شاءوا
لمداهنتهم
(( مَقْتَله ))
وكان مع عثمان -رضي الله عنه- في الدار نحو ستمائة رجل ، فطلبوا منه الخروج للقتال
، فكره وقال : ( إنّما المراد نفسي وسأقي المسلمين بها ) فدخلوا عليه من دار أبي
حَزْم الأنصاري فقتلوه ، و المصحف بين يديه فوقع شيء من دمـه عليه ، وكان ذلك
صبيحـة عيد الأضحـى سنة 35 هـ في بيته بالمدينة
ومن حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان : أن عثمان أعتق عشرين عبداً
مملوكاً ، ودعا بسراويل فشدَّ بها عليه ، ولم يلبَسْها في جاهلية ولا إسلام وقال : (
إني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البارحة في المنام ، ورأيت أبا بكر وعمر
وأنهم قالوا لي : اصبر ، فإنك تفطر عندنا القابلة ) فدعا بمصحف فنشره بين يديه ،
فقُتِلَ وهو بين يديه
كانت مدّة ولايته -رضي الله عنه وأرضاه- إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وأربعة
عشر يوماً ، واستشهد وله تسعون أو ثمان وثمانون سنة
ودفِنَ -رضي الله عنه- بالبقيع ، وكان قتله أول فتنة انفتحت بين المسلمين فلم تنغلق
إلى اليوم
(( يوم الجمل ))
في يوم الجمل قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : ( اللهم إني أبرأ إليك من دم
عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاؤوني للبيعة فقلت : (
إني لأستَحْيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ( ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة ) وإني لأستحي من الله وعثمان
على الأرض لم يدفن بعد
فانصرفوا ، فلما دُفِنَ رجع الناس فسألوني البيعة فقلت : ( اللهم إني مشفقٌ مما أقدم
عليه ) ثم جاءت عزيمة فبايعتُ فلقد قالوا : ( يا أمير المؤمنين ) فكأنما صُدِعَ قلبي
وقلت : ( اللهم خُذْ مني لعثمان حتى ترضى )
يتبع
__________________________________________________ __________
ـألـسَـلآمٍ عَـلـيـكُـمٍ و رحـمَــة ـألـلـَّـه و بـَركـآتـُـه
كرم الله وجهه
هو ابـن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولد قبل البعثة النبوية بعشـر سنين
وأقام في بيت النبوة فكان أول من أجاب الى الاسلام من الصبيان ، هو أحد العشرة
المبشرين بالجنة ، وزوجته فاطمة الزهراء ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم-000
ووالد الحسن والحسين سيدي شباب الجنة000
من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن"
" أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله
حديث شريف
الرسول يضمه إليه
كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدق بما جاءه من الله
تعالى : علي بن أبي طالب رضوان الله وسلامه عليه ، وهو يومئذ ابن عشر سنين ،
فقد أصابت قريشاً أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال الرسول الكريم
للعباس عمه : يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من
هذه الأزمـة ، فانطلق بنا إليه فلنخفـف عنه من عياله ، آخذ من بنيـه رجلا وتأخذ أنت
رجلا فنكفهما عنه ) فقال العباس : ( نعم )
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له : ( إنا نريد أن نخفف من عيالك حتى ينكشف عن
الناس ما هم فيه ) فقال لهما أبو طالب : ( إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما ) فأخذ
الرسول -صلى الله عليه وسلم- علياً فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه ،
فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبياً ، فاتبعه علي -رضي الله
عنه- وآمن به وصدقه ، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا حضرت الصلاة خرج
الى شعاب مكة ، وخرج علي معه مستخفياً من أبيه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات
معا ، فإذا أمسيا رجعا
(( منزلته من الرسول ))
لمّا آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه قال لعلي : ( أنت أخي ) وكان
يكتب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وشهد الغزوات كلها ما عدا غزوة تبوك حيث
استخلفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أهله وقال له : ( أما ترضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى )
وكان مثالا في الشجاعة و الفروسية ما بارز أحد الا صرعه ، وكان زاهدا في الدنيا راغبا
في الآخرة قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( من أحب عليا فقد أحبني ، ومن
أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله )
دعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزوجته فاطمة وابنيه ( الحسن والحسين )
وجلَّلهم بكساء وقال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرْهُم
تطهيراً ) وذلك عندما نزلت الآية الكريمة
قال تعالى : ( إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت )
كما قال -عليه أفضل الصلاة والسلام- : ( اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة : إلى علي ، وعمّار
وبلال )
(( ليلة الهجرة ))
في ليلة الهجرة ، اجتمع رأي المشركين في دار الندوة على أن يقتلوا الرسول -صلى
الله عليه وسلم- في فراشه ، فأتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فقال : ( لا تبيت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ) فلما كانت
عتمة من الليل اجتمع المشركون على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما رأى
رسول الله مكانهم قال لعلي : ( نم على فراشي ، وتَسَجَّ ببردي هذا الحضرمي
الأخضر فنم فيه ، فإنه لن يَخْلُصَ إليك شيء تكرهه منهم )
ونام علي -رضي الله عنه- تلك الليلة بفراش رسول الله ، واستطاع الرسول -صلى الله
عليه سلم- من الخروج من الدار ومن مكة ، وفي الصباح تفاجأ المشركون بعلي في
فراش الرسول الكريم وأقام علي -كرّم الله وجهه- بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ
منها لحق برسول الله في قباء
(( أبو تراب ))
دخل علي على فاطمة -رضي الله عنهما- ، ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( أين ابن عمك ) قالت : ( في المسجد ) فخرج إليه
فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن
ظهره فيقول : ( اجلس يا أبا تراب ) مرتين
(( يوم خيبر ))
في غزوة خيبـر قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- : ( لأُعْطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحب
الله ورسوله ، ويُحبه الله ورسوله ، يفتح الله عليه ، أو على يديه ) فكان رضي الله عنه
هو المُعْطَى وفُتِحَت على يديه
(( خلافته ))
لما استشهد عثمان -رضي الله عنه- سنة ( 35 هـ ) بايعه الصحابة والمهاجرين و
الأنصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين ، يعمل جاهدا على توحيد كلمة المسلمين
واطفاء نار الفتنة ، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر الشكوى
ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى مكة المكرمة لتأدية
العمرة في شهر محرم عام 36 هجري ، ولما فرغت من ذلك عادت الى المدينة ، وفي
الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ،
فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام -رضي الله
عنهما- وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص على الذين شاركوا في الخروج على
الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ، وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ،
والانتظار حتى تهدأ نفوس المسلمين ،وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير
أنهم لم يوافقوا على ذلك واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع
أتباعهم
(( معركة الجمل ))
خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك
السيدة عائشة -رضي الله عنها- ، ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ، ولكنه لم
يلحق بهم ، فعسكر بقواته في ( ذي قار ) قرب البصرة ، وجرت محاولات للتفاهم بين
الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم وبذلك بدأت موقعة الجمل في شهر
جمادي الآخرة عام 36 هجري ، وسميت بذلك نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه
السيدة عائشة -رضي الله عنها- خلال الموقعة ، التي انتهت بانتصار قوات الخليفة
، وقد أحسن علي -رضي الله عنه- استقبال السيدة عائشة وأعادها الى المدينة
المنورة معززة مكرمة ، بعد أن جهزها بكل ما تحتاج اليه ، ثم توجه بعد ذلك الى الكوفة
في العراق ، واستقر بها ، وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الاسلامية 0
(( مواجهة معاوية ))
قرر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ( بعد توليه الخلافة ) عزل معاوية بن أبي
سفيان عن ولاية الشام ، غير أن معاوية رفض ذلك ، كما امتنع عن مبايعته بالخلافة ،
وطالب بتسليم قتلة عثمان -رضي الله عنه- ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل
الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ، وحقن دماء المسلمين ، ولكنهم رفضوا
فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة
المسلمين ، والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر
الفرات ، وبدأ بينهما القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري )
وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ، أمر جيشه فرفعوا
المصاحف على ألسنة الرماح ، وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده منها وأمرهم
بالاستمرار في القتال ، لكن فريقا من رجاله ، اضطروه للموافقة على وقف القتال
وقبول التحكيم ، بينما رفضه فريق آخر وفي رمضان عام 37 هجري اجتمع عمر بن
العاص ممثلا عن معاوية وأهل الشام ، وأبو موسى الأشعري عن علي وأهل العراق
، واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام ،
وعادت قوات الطرفين الى دمشق والكوفة ، فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا
ثانية ، وكانت نتيجة التحكيم لصالح معاوية 0
(( الخوارج ))
أعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا -رضي الله عنه- على
قبوله ، وخرجوا على طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم آنذاك حوالي
اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة (النهروان) عام 38 هجري ،
وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب وأصبحوا منذ ذلك الحين
مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية
(( استشهاده ))
لم يسلم الخليفة من شر هؤلاء الخوارج اذ اتفقوا فيما بينهم على قتل علي ومعاوية
وعمرو بن العاص في ليلة واحدة ، ظنا منهم أن ذلك يحسم الخلاف ويوحد كلمة
المسلمين على خليفة جديد ترتضيه كل الأمة ، وحددوا لذلك ثلاثة من بينهم لتنفيذ ما
اتفقوا عليه ، ونجح عبد الرحمن بن ملجم فيما كلف به ، اذ تمكن من طعن علي -
رضي الله عنه- بالسيف وهو خارج لصلاة الفجر من يوم الجمعة الثامن عشر من رمضان
عام أربعين هجرية بينما أخفق الآخران
وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائلا : ( ان أعش فأنا
أولى بدمه قصاصا أو عفوا ، وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين ، ولا تقتلوا
بي سواه ، ان الله لا يحب المعتدين ) وحينما طلبوا منه أن يستخلف عليهم وهو في
لحظاته الأخيرة قال لهم : ( لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم بأموركم أبصر ) واختلف في مكان
قبره وباستشهاده -رضي الله عنه- انتهى عهد الخلفاء الراشدين
يتبع
__________________________________________________ __________
ـألـسَـلآمٍ عَـلـيـكُـمٍ و رحـمَــة ـألـلـَّـه و بـَركـآتـُـه
حواريّ رسول الله
الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-في ( قصي بن كلاب )
كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله ، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان
رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى
مات مدينا
" إن لكل نبي حواريّاً ، وحواريّ الزبير بن العوام "
حديث شريف
((الزبير وطلحة ))
يرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء
والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة
المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ويجتمعان بالنسب
والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا : ( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ) ، و كانا
من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته
(( أول سيف شهر في الإسلام ))
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين
سارعوا بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ،
ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قتل ، فما كان من الزبير
إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ،وفي أعلى مكة لقيه
الرسول -صلى الله عليه وسلم - فسأله ماذا به ؟ فأخبره النبأ فصلى عليه الرسول
ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب
(( إيمانه وصبره ))
كان للزبير -رضي الله عنه- نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير
ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه : ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا
العذاب ) فيجيب الفتى الغض : ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا ) ويهاجر الزبير الى
الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-
(( غزوة أحد ))
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول -صلى الله
عليه وسلم- الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير -
رضي الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ،
حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم
لمكة هاربين
(( بنو قريظة ))
وفي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني
قريظة ؟) فقال الزبير : ( أنا ) فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير : ( أنا ) فذهب ، ثم
قالها الثالثة فقال الزبيـر : ( أنا ) فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- : ( لكل
نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ،
أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان: ( والله لنذوقن
ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم ) ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة
أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه
(( يوم حنين ))
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك
الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده
، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين
العائدين من المعركة
(( حبه للشهادة ))
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول : ( إن طلحة بن عبيد الله
يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ بأسماء
الشهداء لعلهم يستشهدون )
وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش
وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو
وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو
وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب
وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب
وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر
وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد
وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما
(( وصيته ))
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى
ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا : ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي ) وسأله عبد الله :
( أي مولى تعني ؟) فأجابه : ( الله ، نعم المولى ونعم النصير ) يقول عبدالله فيما بعد :
( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه )
(( موقعة الجمل ))
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم
جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت (
وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ،
وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها
بأرض المعركة ، وصاح بطلحة : ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت
عرسك في البيت ؟ )0 ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟0
فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟ فقال لك : يا زبير ، أما
والله لتقاتلنه وأنت له ظالم ) فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله
لاأقاتلك )
وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا
حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل
اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم
أودى بحياته
(( الشهادة ))
لمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل
الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن
عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا : ( بشر قاتل ابن
صفية بالنار ) وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول : (
سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا : ( اني
لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم : ( ونزعنا ما في
صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ثم نظر الى قبريهما وقال : ( سمعت
أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( طلحة و الزبير ، جاراي في
الجنة )
يتبع
__________________________________________________ __________
ـألـسَـلآمٍ عَـلـيـكُـمٍ و رحـمَــة ـألـلـَّـه و بـَركـآتـُـه
طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن
النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه وعاد الى
مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع
الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى
الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من
المسلمين الأوائل
من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض "
" وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة
حديث شريف
(( ايمانه ))
لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد
المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه
وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى
خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ،
فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما
من غنائم بدر كمن شهدها وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير ) وفي
غزوة العشيرة ( طلحة الفياض ) ويوم حنين ( طلحة الجود )
(( بطولته يوم أحد ))
في أحد أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله
عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام
الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -
صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -
رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا : ( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم
أخاكم " ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ،
فأصلحنا من شأنه )
وقد نزل قوله تعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى
طلحة قائلا : ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ،
فلينظر الى طلحة ) ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله
سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب
(( عطائه وجوده ))
وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا
لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته
كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ،
تقول زوجته سعدى بنت عوف : ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما
شأنك ؟ فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني وقلت له : ما عليك ،
اقسمه فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما )
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع
وقال : ( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )
فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما
عنده منها درهما
وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل :
( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله ) ( وكان يزوج
أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم ) ويقول السائب بن زيد : ( صحبت
طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ،
والثوب ، والطعام من طلحة )
((طلحة والفتنة ))
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة
المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى
قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان
كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين
، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر
، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها
بأرض المعركة ، وصاح بطلحة : ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت
عرسك في البيت ؟ ) ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟
فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟ فقال لك : يا زبير ، أما
والله لتقاتلنه وأنت له ظالم ) فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله
لاأقاتلك )
(( الشهادة ))
وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا
حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل
اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم
أودى بحياته
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا : ( اني
لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم : ( ونزعنا ما في
صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ثم نظر الى قبريهما وقال : ( سمعت
أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( طلحة و الزبير ، جاراي في
الجنة )
(( قبر طلحة ))
لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال : ( ألاّ تُريحوني من
هذا الماء فإني قد غرقت ) قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة
وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً
بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة
وقيل أكثر من ذلك
يتبع