عنوان الموضوع : النمو اللغوي عند الطفل رعاية الطفل
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
النمو اللغوي عند الطفل
اللغة: مجموعة من الرموز تمثل المعاني المختلفة، أو هي نظام عرفي لرموز صوتيَّة يستغلها النَّاس في الاتصال ببعض، وهي مهارة اختصَّ بها الإنسان، وتشمل الكلمات، واللَّهجة، والنَّغمة الصوتيَّة، والإشارة، وتعبيرات الوجه والجسم، وأيَّة رموز أخرى تستعمل للتَّعبير.
واللغة: هي وسيلة الاتصال الأساسيَّة بين الأفراد في المجتمع، وإن بعض أخطاء الاتصال الإنساني في العلاقات الاجتماعيَّة هي نتيجة أخطاء في استعمال اللغة، وهي كذلك وسيلة من وسائل النمو العقلي، والتَّوافق الانفعالي والتَّنشئة الاجتماعيَّة، واللغة نوعان لفظيَّة وغير لفظيَّة؛ أي مكتوبة.
إنَّ اللغة تلازمنا منذ الولادة، ونحن نستخدمها في جميع أوجه الحياة، نستخدمها للتَّعبير عن مشاعرنا، أو لنقل الخبر، أو الاستعلام عن أمر ما، كما نستخدمها للزَّجر والنَّهي، ونستخدمها في المراسم الاجتماعيَّة والشَّعائر الدينيَّة، ونستعملها للتَّشجيع أو لتثبيط الهمم، ونستخدمها كذلك للإقناع وللدعاية، والإعلان، وفي الأغاني، والشعر، والخطابة، وفي تنظيم علاقاتنا السياسيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، ونستخدم الشَّكل المكتوب منها لتدوين ما نريد تدوينه من وثائق، ومعاهدات، وأدب، وعلم، وفن، وما شابه ذلك.
إنَّ اللغة - وخاصَّة قواعدها - ميزة إنسانيَّة فطريَّة، ذلك أنَّ الاستعداد للكلام فطري، أمَّا اللغة التي يتحدَّث بها الفرد فهي مكتسبة؛ أي متعلمة.
مراحل تطور اللغة عند الطفل:
تمر أصوات الطفل ولغته عبر تتابع نبنيه في الخطوات التَّالية:
1 - مرحلة ما قبل الكلمة الأولى:عندما يأتي الوليد إلى هذا العالم تكون أجهزته الإدراكيَّة والصوتيَّة غير قادرة بعد على إصدار الكلام؛ ولكن هذه القدرة تكتسب بناءً على عمليَّة نضج الجهاز العصبي المركزي، وتتمثَّل مرحلة ما قبل الكلمة الأولى بالصراخ، ثم المناغاة، وفيما يلي موجز لكل منهما.
أ - الصراخ: يبدأ الطفل تعبيره الأول عندما يبعث بصيحته الأولى عند الولادة، والتي تصدر نتيجة اندفاع الهواء السَّريع إلى الرئتين مع عملية الشَّهيق الأولى في حياة الوليد، ثم تصبح الأصوات، والصراخ بعد ذلك نتيجة انفعال وتعبير عن الضيق؛ نتيجة قضاء الحاجة، أو التَّعبير عن حاجة الوليد للطعام، أو الإعلان عن الضيق والألم الفسيولوجي.
وبالإضافة لما تقدَّم فإنَّ للصراخ وظيفة أخرى؛ ولكنها تأتي عرضًا وهي تدريب عضلات النطق على إصدار الأصوات وصقلها وتطويرها.
وعلاوة على الصراخ هناك أصوات في الشَّهرين الأول والثاني من حياة الطفل، تنتج عن نشاط تلقائي صادر عن الجهاز التَّنفسي والصَّوتي.
ب - المناغاة: المناغاة هي أصوات تخرج لمجرد السرور والارتياح عند الرَّضيع، وهي تظهر في الشهر الثالث، أو منتصف الشهر الثاني من العمر، وتستمر حتى نهاية السَّنة الأولى، وفي هذه المرحلة يناغي الرَّضيع نفسه، دون أن يكون هناك من يستجيب لصوته، والأصوات التي تظهر في المناغاة تكون عشوائيَّة وغير مترابطة.
يبدأ الرَّضيع بالنطق بالحروف الحلقيَّة المتحركة (آآ)، لأن الهواء يمر من تجويف الزور إلى تجويف الفم دون أي عقبة، ثم تظهر حروف الشفة (م م، ب ب)، ثم يجمع بين الحروف الحلقيَّة وحروف الشفة (ماما، بابا)، وبعدها تظهر المرحلة السنيَّة (د، ت)، ثم الحروف الأنفية (ن)، فالحروف الحلقيَّة الساكنة الخلفيَّة مثل: (ك، ق، ع)، وذلك عندما يسيطر الطفل على حركات لسانه، ثم يلي ذلك مرحلة المعاني، وفيها ترتبط بالحروف والكلمات معاني محددة فكلمة: (ماما) تعني الأم، وكلمة (بابا) تعني الأب.
هذا؛ ونستطيع القول بأنَّ المناغاة هي الطريق إلى تعلم اللغة، ففيها يستعذب الطفل إصدار الأصوات وإدراكها، ويحاول أن يحاكي بها ما يصل إليه من أصوات وكلمات الآخرين.
2 - مرحلة الكلمة الأولى:
إنَّ أول نطق لغوي للطفل يكون عن طريق الكلمات المفردة، وليس عن طريق الجُمَل، وقد أجمعت البحوث على أنَّ الطفل يكون قادرًا على نطق الكلمة الأولى فيما بين السنة، والسنة والنصف بعد الولادة، وإنَّ الطفل المتوسط يبدأ باستخدام كلمات مفردة في حوالي السنة، وإن مفرداته تزداد إلى حوالي الخمسين كلمة خلال السنة الثانية.
لا يستطيع الطفل أن يصل إلى المرحلة الكلاميَّة قبل أن يتكوَّن لديه بوضوح مفهوم دوام الشيء، - أي إنَّ الأشياء تظل موجودة حتى لو غابت عن مجاله الإدراكي الحسي - والمعروف أنَّ الطفل يصبح قادرًا على الاحتفاظ بصورة الشيء، حتى ولو غاب عن نظره في سن السَّنة والنصف، إنَّ وضوح دوام الشَّيء عند الطفل يعطيه القدرة على تكوين معنى، أو دلالة للأصوات التي يستمع إليها، ويعتبر هذا ضروريًّا لظهور المرحلة الكلاميَّة، ولتوضيح ذلك نتساءل: كيف يستطيع الطفل أن يقول كلمة: (إمبو) مثلاً - أي أريد أن أشرب ماء - ما لم يكن لصورة الماء وجود لديه بشكل مستقِل عن وجود الماء أمامه، أو غيابه عنه؟ إذًا لا بدَّ من تكوين مفهوم الشَّيء عند الطفل؛ حتى يكون قادرًا على النطق بالكلمة الأولى، مع ملاحظة أن النطق بالكلمة الأولى وتكوين مفهوم الشَّيء يظهران في نفس الفترة الزَّمنيَّة من عمر الطفل، ولا بدَّ أن نشير هنا إلى بعض الفروق الفرديَّة، إذ قد يتأخَّر بعض الأطفال عن نطق الكلمة الأولى حتى نهاية السنة الثانية.
والكلمات الأولى التي يستخدمها الطفل في التَّعبير هي الكلمات التي تتضمَّن الأصوات الأكثر سهولة في النطق، من حيث صوتيَّات الكلمات الأولى، أمَّا من حيث دلالتها فإنَّ الطفل يبدأ ألفاظه بالكلمات التي تعبر عن اهتماماته المباشرة فيما يشبع حاجاته الأوليَّة؛ كالطعام، والشراب، واللعب، وعما يجذب اهتمامه وانتباهه من الأشياء التي تقع في محيط بيئته كالأشياء القابلة للحركة؛ كالقطة، والكلب، وزجاجة الحليب (طعام)، والكرة (لعب) من جهة ثانية؛ أمَّا الأسماء التي تدل على أشياء ساكنة مثل حائط، أو بيت، والكلمات الوصفية؛ مثل: أسماء الألوان، أو الأحجام (كبير، صغير)؛ أو الأحوال الطبيعية (حار، بارد)، فإنها لا توجد من ضمن مفردات الطفل الأولى.
3 - مرحلة الجملة الأولى (الكلمة الجملة):في بداية تعلمهم للكلام يتكلَّم الأطفال بكلمة واحدة يعبرون بها عن جملة، ويظهر ذلك في نهاية السنة الأولى من عمر الطفل، فمثلاً إذا نطق الرضيع كلمة (محمد)، فإنه قد يقصد القول (أريد أن أخرج مع محمد)، أو (محمد أخذ لعبتي)، أو (محمد ضربني)، وعندما يقول كلمة: (باب) فقد يقصد أن يقول: (هذا باب)، أو (أغلق الباب)، أو (هل هذا باب)... وهكذا.
يتبع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
إنَّ الأم تفهم ما يريد الطفل التَّعبير عنه من السياق الذي تظهر فيه الكلمة، فالأم تعرف وبكل بساطة أنَّ ابنها عندما ينظر إلى حذاء والده على الأرض، ويقول: (بابا)، فهو يقصد أن يقول: (هذا حذاء والدي)، كما أن الأم تفهم ما يريد أن يقوله من خلال نبرة الصَّوت، فإذا قال الطفل: (بابا) بنبرة عالية نسبيًّا في حالة غياب والده، فإن الأم ستترجم سؤاله فورًا في هذه الحالة (أين والدي؟)، وخلاصة القول: إنَّ السياق الذي تظهر فيه الكلمة بالإضافة إلى نبرة الصَّوت يساعدان الطفل على التَّعبير عما يريد، باستخدام كلمة واحدة، ويساعد الآخرين على فهم ما يريد الطفل التَّعبير عنه.
هذا عن الكلمة الجملة؛ أما مرحلة الكلمتين فتأتي في السنة الثانية من عمر الطفل، وفي النصف الأخير منها على وجه الخصوص، وفي سن الثلاث سنوات يكون مُعظم الأطفال قد استعمل أنواعًا عديدة من الجمل السَّهلة يصل طول الجملة أحيانًا من 5 إلى 6 كلمات، وفي السَّنة الرَّابعة يكون نظام الأصوات الكلاميَّة عند الطفل قد قارب كلام الكبار، وإذا وصلنا إلى الخامسة والسَّادسة من عمر الطفل، وجدنا أنَّ نضج اللغة عنده قد أصبح في مستوى كامل من حيث الشَّكل، والتَّركيب، والتَّعبير بجمل صحيحة تامَّة، وتكون الجمل متنوعة تتضمَّن حتى الجمل الشَّرطية والفرضيَّة، ويكون استعمال الألفاظ أكثر دقَّة من قبل.
كيف تكتسب الألفاظ معانيها؟
الكلمة الأولى هي: لفظ له دلالة - أي له معنى - سواء كان ذلك المعنى موجودًا في المجال الحسي للمتكلم، أو غير موجود، وسواء كان محسوسًا أو مجردًا، ومعنى ذلك أنَّ معاني الكلمات لا تكتسب إلاَّ بعد أن يكون الطفل قد استطاع أن يكوِّن صورًا ذهنيَّة ثابتة للأشياء والأحداث التي تشير إليها هذه الكلمات، وإلاَّ لما استطاع أن يعبر عن الشَّيء في غيابه.
فالطفل الذي ينطق بلفظ (بابا)، وأبوه غير موجود لا بدَّ من أن تكون لديه صورة ذهنية للأب، وبعبارة أخرى لا بدَّ أن يكون قد تكون لديه (مفهوم دوام الشَّيء)، وباختصار فإنَّ الطفل لا يكتسب معاني الكلمات إلاَّ إذا تكونت لديه المفهومات التي ترتبط بها هذه الكلمات أولاً، بمعنى إذا استطاع أن يدرك أنَّ الشيء الذي يراه مرة بعد مرَّة إنَّما هو (مفهوم دوام الشيء)؛ أي تبقى صورته الذهنيَّة بعد زواله في ذهن الطفل، وتصبح الكلمات في النهاية عبارة عن رموز تشير إلى مفاهيم وعلاقات بين المفاهيم:
تطور دلالات الألفاظ "مراحل اكتساب معاني الألفاظ":
ويمُر اكتساب الطفل لمعاني الكلمات - الألفاظ بالمراحل التَّالية:
أولاً: يرتبط معنى الكلمات الأولى عند الطفل بشيء أو حدث معين واحد، ولا يعمم هذا المعنى على أشياء، أو أحداث من نفس الفئة، فكلمة "كلب" مثلاً ترتبط بكلب واحد فقط، وكلمة "حذاء" ترتبط بحذاء معين، ويرجع ذلك بالطَّبع إلى قلَّة خبرة الطفل المعرفيَّة؛ من حيث ملاحظة أوجه الشبه بين أفراد النَّوع الواحد من الأحداث والأشياء، فيكون بالنسبة للطفل كل من الكلب والحذاء... إلخ فئة مؤلفة من فرد واحد، وليس فردًا من مجموعة أفراد متماثلة.
ثانيًا: يبدأ الطفل بعد ذلك بملاحظة أوجه الشَّبه التي تجمع بين الأشياء، فمثلاً يلاحظ ما يجمع بين الكلاب من أوجه الشبه، فيصبح لديه مفهوم عام عنِ "الكلب"، إلاَّ أنَّه في استخدامه لكلمة "كلب"، يقوم بالتَّعميم على كل ما يمشي على أربع، فتدل كلمة "كلب" لديه على صنف الكلاب وعلى غيرها من الحيوانات، وبذلك فإنَّه يقوم بتعميم زائدٍ بعكس المرحلة السَّابقة حيث كان تعميمه ناقصًا، ومن أمثلة التَّعميم الزَّائد إطلاق الطفل كلمة "بابا" على جميع الرجال، وكلمة "ماما" على جميع النساء، والسَّبب في هذا التَّعميم الزَّائد هو عدم قدرة الطفل على التَّعبير؛ بسبب قلَّة المفردات اللغويَّة لديه.
ثالثًا: وفي هذه المرحلة يصل الطفل إلى التَّعميم الصحيح، فيبدأ في تقليص تعميمه الزَّائد إلى أن يقترب من تعميم الكبار أو يتطابق معه، فقد يكتسب بعد كلمة كلب كلمتي: حصان، وبقرة، ويظل يطلق كلمة "كلب" على القطة والخروف، ثم يكتسب كلمة "قط" فيقصر استعمال كلمة "كلب" على الكلب والخروف، ثم يتعلم كلمة "خروف" فيصبح مدلول كلمة "كلب" عنده كمدلولها عند الكبار، فيطلق لفظ الكلب على مدلوله فقط، وبهذا يكون قد وصل إلى التَّعميم الصَّحيح.
الفروق الفرديَّة في النمو اللغوي:إنَّ المراحل التي يمر بها الطفل في تعلم اللغة واحدة بالنسبة لجميع الأطفال في العالم، وإنَّ السن التي يبدأ بها الطفل في نطق الحروف، وكذلك السن التي يكتسب فيها الكلمة الأولى لا تتغيَّر كثيرًا من ثقافة إلى أخرى على وجه العموم، إلاَّ أنَّ أطفال السن الواحدة لا يتساوون في مقدار النمو اللغوي، ويرجع ذلك إلى العوامل التَّالية:
1 - العلاقات الأسرية:
تشير الدراسات إلى أنَّ الطفل الوحيد أو الأوَّل في الأسرة يتمتَّع بمستوى لغوي أعلى منَ الطفل الذي يعيش مع عدد من الإخوة، والسبب في ذلك أنَّ اهتمام الأم والأب قد يؤدي إلى تنبيه الطفل إلى استخدام الألفاظ، وربطها مع ما يناسبها من معاني.
كما أنَّ نمط العَلاقات السَّائد في الأسرة يلعب دورًا كبيرًا في تحديد المستوى اللغوي للأطفال، فإذا كانت العلاقات الأسريَّة يغلب عليها الانسجام والود، فإنَّ الفرد فيها يستطيع أن يعبر عن أفكاره متى يشاء، فتنمو مداركه العقليَّة واللغويَّة نموًّا سويًّا، وبالعكس إذا كانت العلاقات مبنيَّة على التَّسلط والتَّحكم، فإنَّ الطفل يحاول أن يتجنَّب المواقف، ويبتعد عن التَّعبير عن آرائه خوفًا من اللَّوم والتَّأنيب.
2 - سلامة الأعضاء المتعلقة بالنمو اللغوي:
وهي: الحنجرة، واللسان، والشفتان، وأعضاء السمع، والبصر، والمراكز المخية المسؤولة عن اللغة.
3 - الصحَّة العامَّة للطفل:
إنَّ الصحَّة الجيدة وخاصَّة في السنوات الأولى من حياة الطفل مصحوبة بحب الاستطلاع السَّليم تدفع الطفل إلى تطوير الاهتمام بما يحيط به من ناس وأشياء إلى الرَّغبة في التَّعبير عن ردود فعله نحوهم، وأمَّا المرض فيؤدي بالطفل إلى قلَّة النَّشاط والحيويَّة، والتَّفاعل مع الآخرين، وهذا يعطل نموه اللغوي، ويؤثر التَّعطيل في مرحلة من المراحل الأولى على المراحل المبنيَّة عليها.
4 - الذكاء:تحدد القدرة العقليَّة للطفل درجة إتقانه للغة، فالأكثر ذكاءً يستعملون اللغة في وقت أبكر [مبكر] وبمهارة أعلى، وهم أعلى في مستواهم اللغوي منَ الآخرين سواء كان ذلك في عدد المفردات، أو في صحة بناء الجمل وطولها ودقة معانيها، أمَّا قليلو الذكاء فهم أضعف من غيرهم في قدرتهم اللغويَّة.
5 - جنس الطفل:
تتفوَّق البنات على الأولاد في النمو اللغوي إذا تساوت الظروف الأخرى (الذكاء، الحالة الصحية...)، ويظهر هذا التَّفوق في وفرة المحصول اللغوي من المفردات، وفي تعلم القراءة، وصحَّة النطق، وتركيب الجملة، وسوف نوضح ذلك عند الكتابة عن الفروق بين الجنسين.
يتبع
__________________________________________________ __________
6 - المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للأسرة:
يساعِد ارتفاع المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للأسرة في تدعيم النمو اللغوي من خلال إتاحته لمجال أوسع من الاتصالات والتَّعرض للمثيرات المناسبة من رحلات وموسيقا وكتب وما شابه ذلك، ويدرك الآباء المثقَّفون ضرورة تدريب الطفل على مدارسة اللغة في الحياة منذ البداية، ويدركون كذلك أنَّ الاتكال عليها في تحقيق كل متطلباته قبل أن يطالب بها، وقبل أن يعبر عنها تعطيل لقدراته اللغويَّة، ونموه الفكري.
7 - الخلط بين العامية والفصحى:
يؤدي الخلط بين العاميَّة والفصحى عند الكلام مع الطفل إلى ارتباكه في انتقاء اللفظ المناسب؛ لأنَّ اللغة تحدث عن طريق الاقتران بين الشَّيء ولفظ اسمه.
8 - وسائل الإعلام:
إنَّ لوسائل الإعلام دورًا كبيرًا في إكساب الطفل المفردات والتَّراكيب اللغويَّة من خلال البرامج الموجهة إلى الأطفال.
9 - الحكايات والقصص:
إنَّ سماع الأطفال للحكايات والقصص يزيد من ثروتهم اللغويَّة.
الفروق بين الجنسين في النمو اللغوي:
يؤكد "لويس" أنه توجد فروق فردية بين الجنسين، لصالح البنات، وأنهن أقدر من الأولاد على اكتساب اللغة وإتقانها في المراحل الأولى؛ ولكن هذا التَّفوق سرعان ما يتلاشى بعد السنين الست الأولى، ليكون التَّعادل والتَّماثل بين الأسوياء من الجنسين فيما بعد السادسة، ويرجع تفوق البنات على البنين إلى عوامل بيولوجيَّة وأخرى اجتماعية.
بالنسبة للعوامل البيولوجية: يرى علماء النفس البيولوجيون أنَّ المخ عند البنت ينضج في وقت مبكر عنه عند البنين خاصَّة فيما يتعلق بتمركز وظيفة الكلام في الجانب المسيطر على هذه الوظيفة، ذلك أنَّ النضج اللحائي في هذه الحالة يساعد على الإسراع في إخراج الأصوات وكذلك على معدل اكتساب اللغة.
أمَّا بالنسبة للعامل الاجتماعي: فإنَّ الأمهات يتحدَّثن مع بناتهن في سن الثانية أكثر مما يتحدثن مع أبنائهن عن طريق الأسئلة التي توجه من الأمهات إلى البنات، أو العكس عن طريق الإجابة على أسئلتهن، وتكرار الألفاظ التي ينطقن بها إلى غير ذلك من أشكال التفاعل اللغوي بين الأم وأطفالها، علاوةً على أن الأولاد يسمح لهم بالنشاط الحركي في اللعب، بينما يقتصر نشاط البنت في ألعابها وعلاقتها على الأنشطة التي تعتمد على اللغة.
نظريات في تفسير اكتساب اللغة
اهتم عدد كبير من الباحثين في تفسير اكتساب اللغة وتكوينها لدى الأطفال فتوصلوا إلى ثلاث نظريَّات تفسر هذه العملية:
1 - نظرية التعلم (كما وضعها سكنر Skinner ).
2 - النظرية اللغويَّة (كما وضعها تشومسكي Chomsky ).
3 - نظرية المعرفة (التي ترتبط بأعمال بياجيه Piaget ).
إنَّ أيًّا من النَّظريات الثلاثة السَّابقة لم تنجح في إيجاد تفسير كامل ومقنع لعمليَّة اكتساب اللغة، لذا يجب الاستفادة من الجانب الإيجابي في كل منها؛ لنحصل على تفسير يتَّفق مع الوقائع التَّجريبية والملاحظات الواقعيَّة لما يقوم به الطفل فعلاً، وذلك بالنسبة لنموه اللغوي في مراحله المختلفة، وسنُحاول فيما يلي إعطاء فكرةٍ موجزة عن كل من هذه النظريات:
1 - نظرية التعلم:تعتبر نظرية التعلم كما وضعها "سكنر" أنَّ السلوك مَثَله مَثَل أي سلوك آخر، هو نتاج لعملية تدعيم إجرائي، فالآباء والمحيطون بالطفل بشكل عام يدعمون ما يصدر عن الطفل من مقاطع، أو ألفاظ لغوية دون غيرها، فيظهرون سرورهم للأصوات التي تعجبهم؛ وذلك بأن يبتسموا للطفل، أو يحتضنوه، أو يقبلوه، أو يصدروا أصواتًا تدل على الرضا والسرور، وفي المقابل فإنهم يهملون تمامًا بعض الأصوات التي تصدر عن الطفل؛ ويستجيب الطفل لذلك بأن يكرر ما أعجب الأهل، وحصل من خلاله على الإثابة، ومع الأيام والتكرار يربط الطفل ما تم إتقان لفظه بمدلوله، وبذلك تكتسب اللغة رويدًا رويدًا على هذا الأساس، أما الأصوات التي أهملها الأهل ولم يقوموا بتدعيمها فإنها تختفي، ولا يتشجع الطفل على تكرارها.
إنَّ الأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية هو التَّقليد والمحاكاة من الطفل لألفاظ الكبار، ثم التَّدعيم الإيجابي من قبل الكبار، إضافة إلى التَّدعيم من قبل الكبار لما يصدر عن الأطفال من مقاطع أو ألفاظ لغويَّة في بداية نطقهم للحروف، وتكوين مقاطع منها (اللعب الكلامي)، والمثال التالي يساعد في توضيح هذه النظريَّة:
عندما ينطق الطفل بمقطع من حرفين أو أكثر مثل: (ما)، أو (با)، أو (ماما)، أو (بابا)، فيقوم الآباء بالتَّدعيم الإيجابي، وبتقدم الطفل في السن يستطيع أي طفل أن يدرك الكلمات أو الجمل التي ينطق بها الكبار، ويحاول الطفل أن يقلد هذه الكلمات والجمل، وتستمر عمليَّة التَّدعيم، وتتمثل عملية التَّدعيم عادة في استجابة الفهم من ناحية الكبار عند استعمال الطفل استعمالاً صحيحًا - أي إن فهم الكبار لألفاظ الصغار يعتبر تدعيمًا لهم، وبهذه الطَّريقة لا يكتسب الطفل المفردات فحسب؛ بل إنه يكون مفهومًا عن التَّركيبات اللغويَّة الصَّحيحة من ناحية قواعد التَّركيب اللغوي.
نقد نظرية التعلم Skinner :
من أهم الانتقادات التي وجهت لهذه النَّظريَّة ما يلي:
1 - ما وجهه تشومسكي Chomsky من انتقاد، وهو يتلخص في اعتماد نظريَّة التعلم على أن اكتساب اللغة يعتمد على ملاحظة الصغار لكلام الكبار وتقليدهم له، والنَّقد الموجه لذلك هو أنَّنا لا نستطيع أن نعلل العدد الكبير من الجمل الجديدة تمامًا التي يأتي بها الأطفال، مما لا شبيه له فيما يقوله الكبار، أي إن الصغار يلفظون جملاً لم يسمعوها من الكبار.
2 - وجه كلارك وكلارك Clark and Clark نقدهما لأثر التدعيم الذي تتبناه هذه النظرية، إذ إن الآباء قلما يوجهون اهتمامًا لما يقع فيه أطفالهم من أخطاء في قواعد التركيبات اللغويَّة، ومعنى ذلك أنَّ الآباء لا يقدمون لأطفالهم الحد الأدنى من التَّدعيم الذي تفترض نظريَّة التَّدعيم ضرورة وجوده في أي عملية تعلم.
2 - النظرية اللغوية Chomsky :
يرى تشومسكي Chomsky أنَّ كل طفل يمتلك قدرة لغويَّة فطريَّة تمكنه من اكتساب اللغة، لذلك فسَّر اكتساب اللغة على أساس وجود نماذج أوليَّة للصياغة اللغويَّة لدى الأطفال، أي إن الأطفال في رأيه يولدون ولديهم نماذج للتَّركيب اللغوي تمكنهم من تحديد قواعد التركيب اللغوي في أي لغة من اللغات، حيث إن هناك عموميَّات في التَّراكيب اللغويَّة تشترك فيها جميع اللغات كتركيب الجمل من الأسماء، والأفعال، والصفات، والحروف.
ويرى تشومسكي أنَّ هذه العموميَّات هي التي تتشكَّل منها النماذج الأولية المشار إليها، وهي أوليَّة بمعنى أنَّ الطفل لا يتعلمها، بل تمثل لديه قدرة أوليَّة فطريَّة على تحليل الجمل التي يسمعها ثم تكوين جمل لم يسمعها مطلقًا من قبل، وقد يفعل الطفل ذلك بشكل صحيح تمامًا من البداية، وإما بشكل يكون على الأقل مفهومًا ومقبولاً من ناحية الآخرين.
يتبع
__________________________________________________ __________
3 - النظرية المعرفية Piaget :هذه النَّظرية لبياجيه Piaget ، وهي تقوم على أساس التَّفريق بين الأداء والكفاءة، ويعارض فيها بياجيه فكرة تشومسكي في وجود نماذج موروثة تساعد على تعلم اللغة، كما أنها في نفس الوقت لا تتَّفق مع نظرية التعلم في أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم لكلمات وجمل معينة، ينطق بها الطفل في مواقف معينة.
إنَّ اكتساب اللغة في رأي بياجيه ليس عمليَّة إشراكية (تدعيم)، بقدر ما هو وظيفة إبداعية (كفاءة في الأداء لتحقيق وظيفة)، فهو يفرق بين الأداء والكفاءة، فيرى بياجيه أن الطفل يكتسب التَّسمية المبكرة لأشياء عن طريق المحاكاة، ويقوم بعمليَّة الأداء في صورة تراكيب لغويَّة، إلاَّ أنَّ الكفاءة لا تكتسب إلاَّ بناءً على تنظيمات داخليَّة تبدأ أولية ثم يعاد تنظيمها بناء على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية، ويقصد بياجيه بالتنظيمات الأولية وجود استعداد لدى الطفل للتعامل مع الرموز اللغوية التي تعبر عن مفاهيم تنشأ من خلال تفاعل الطفل مع البيئة منذ المرحلة الأولى وهي المرحلة الحسيَّة الحركيَّة.
تطبيقات تربوية:من أجل أن نوجه مسار النمو اللغوي نحو نمو أفضل، على الكبار أن يشجعوا الطفل على التَّحدث ويتيحوا الفرصة له للتَّعبير عن نفسه، كما أنَّ عليهم أن يقدموا نماذج كلاميَّة جيدة في البيت، وفي المدرسة، وفي برامج التلفزيون الموجهة للأطفال، وهذا يوجب علينا عدم استخدام لغة طفوليَّة عند التَّحدث مع الطفل، والتَّأكيد على استعمال لغة سليمة.
__________________________________________________ __________
شرح بسيط و رائع
متالقه كالعاده حبيبتي ام انفال
ادامك الله دوما بمثل هذا العطاء
__________________________________________________ __________
بارك الله فيكي ام انفال
طرحك جميل اختي