عنوان الموضوع : من منّا يتدبر ؟ من الشريعة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
من منّا يتدبر ؟
إنه لمن العجب أنْ نقرأ سورة سبعَ عشرة مرة، ثم لو سألنا سائل: ... ؟
( التفسير مختصر من تفسير سورة الفاتحة للشيخ / صالح آل الشيخ - حفظه الله - )
أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
حديثُنا الليلة أيها الإخوان الأكارم عن آيات من كتاب الله، نحاول أنْ نلتمس فيها ومنها بعض المعاني، التي تنير القلوب، وتحيي النفوس، وتَلْقَحُ الأفهام، وتنير الأفكار.
يقول الله جل وعلا ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الْأَوَّلِينَ﴾[المؤمنون:68]، وقال جل وعلا في آية سورة محمد ﴿أَ[color="rgb(255, 0, 255)"]فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد:24]، وقال جل وعلا في آية النساء [color="rgb(255, 0, 255)"]﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً[/color]ا﴾[النساء:82]، حقّ علينا أنْ لا نقرأ القرآن قراءة الأمانيّ؛ قراءة الذين لا يعرفون ما تحت كلماته من المعاني العظيمة؛ المعاني التي لو كانت أُلقيت على الجبال لخرت الجبال هدًّا و لتصدعت الصخور منها..
قُرّاء القرآن قد يكونون كثرة، ولكن من منا يتدبر ؟
من منا يؤثر فيه هذا القرآن كما أثر في ذلك الجيل الكريم ؟
تفسير سورة الفاتحه:
الاستعاذة والبسملة
إذا أراد القارئ أن يقرأ القرآن شُرِع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كما قال جل وعلا في سورة النحل ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98].
وهذه الكلمة (أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) معناها ألتجئ وأعتصم وألتصق بجناب الله جل وعلا وبالله جل وعلا من شرّ الشيطان. (الرَّجِيمِ) يعني المرجوم؛ المطرود من رحمة الله، ألتجئ بالله وأعتصم من شر الشيطان أنْ يضرني في أمر من أمور ديني، أو أن يضرني في أمور من أمور دنياي.
البسملة آية من كتاب الله، وقولك (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) معناه أبتدئ، إن كنت تقرأ؛ تتلو القرآن، فمعناها أبتدئ تلاوتي متبركا باسم الله، متبركا بكل اسم لله جل وعلا؛ لأن قولَك (بِسْمِ اللَّهِ) هذه نكرة، (بِسْمِ) نكرة، فدخلت فيها جميع أسماء الله جل وعلا.
[/COLOR]
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
[color="red"](الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وهذا يُورِث في النفس؛ يورث المحبة لمن يُحمد سبحانه وللذي ربى العالمين بنعمه، أليس كذلك؟ تورث المحبة الآية الأولى؛ المحبة لله جل وعلا الذي هو رب العالمين سبحانه.
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) تورث في القلب الرجاء بأن يكون التَّالي؛ بأن تكون أنت وأنت تتلو هذه الآية في الصلاة أو في غير الصلاة أنْ تكون ممن شملتهم رحمة الله جل وعلا في الدنيا والآخرة .
(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يوم الجزاء، يوم الحساب ، يوم يظهر ما استتر به المستترون من المعاصي، يظهر عند ذاك عيانا، يوم تنطق الألسن، يوم تنطق الجلود، وتنطق الأرجل، وتنطق الأيدي بما كان يفعله أصحابها، ذلك اليوم الذي قال الله فيه (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يورث في القلب ماذا؟ يورث في القلب الخوف من الله جل وعلا.
ثم قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وليُقِرَّ في قلبك أيها العبد أنه واجب عليك أن تعبد الله محبة لله، ورجاء في الله، وخوفا من الله، تعبده لهذه الثلاث مجتمعة؛ بالحب والرجاء والخوف، لا تغلب جانبا عن جانب، فإنّ من الناس من تلاعبت بهم الشياطين فعبدوا الله بالحب وحده حتى تركوا الطاعة، ومن الناس من غلّبوا على قلوبهم الرجاء فخاضوا في معاصي الله وفي الآثام، ثم بعد ذلك يقولون ربُّنا أرحم الراحمين ...
[/COLOR]
__________________________________________________ __________
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
(الْحَمْدُ) يقول أهل العلم إنّ الألف واللام تفيد الاستغراق في أول الحمد، معناه أن قولك (الْحَمْدُ لِلَّهِ) قد شمل كل حمد يستحقه الله جل وعلا، كل أنواع المحامد ثابتة لله جل وعلا، تُقِرُّ وأنت تصلي وأنت تتلو هذه الآية تقر بأن جميع أنواع المحامد لله جل وعلا .
ما معنى الحمد؟ الحمد معناه الثناء، الحمد معناه الثناء على الله باللسان، معناه الثناء على الله باللسان مع المحبة والتعظيم، فإنّ الحمد لا يسمى حمدا حتى يكون ثناء فيه المحبة والتعظيم .
ولفظ الجلالة (الله) معناه المعبود، الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ معناه المعبود سبحانه وتعالى، ذلك أنّ الله يعني هذه اللفظة مشتقة في كلام العرب على الصحيح من قول أهل العلم مشتقة من قولهم أله يأله إلهة؛ بمعنى عبد يعبد عبادة، أله يأله إلهة؛ معناها عبد يعبد عبادة ، سواء بسواء، (الله) معناه إله لكن خففت الهمزة لكثرة الاستعمال كما قال أهل العلم، فإذن لفظ الجلالة مشتق من أله يأله إلهة؛ بمعنى عبد يعبد عبادة .
معقول أن يكون مسلم يقول لا إله إلا الله ولا يعلم معنى الإله؟ من الناس من يظن أن معنى لا إله إلا الله يعني لا رب إلا الله، ومنهم من يقول معناها : ربنا موجود ، وقد بلغ الجهل بالمسلمين مبلغا يأسى له ذوو القلوب الحية، كيف تؤول حالهم إلى هذه الحال.
ومعنى لا إله إلا الله معناها لا معبود إلا الله، لا معبود حق إلا الله جل وعلا، ويدله لذلك دلالة ظاهرة أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس ألا تعبدوا إلا الله، فقال جل وعلا : ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1)أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾[هود:1-2]، هذه الكلمة (لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) و (لا إله إلا الله) أليستا متساويتين؟ لا تعبدوا إلا الله، لا إله إلا الله، متساويتين، أليس كذلك؟ إلا أنّ (إله) وضع بدلها (تعبد)، فإذن الإله هو معنى العبادة، الإله بمعنى المعبود والإلهة بمعنى العبادة، هذا هو المعنى .
فإذن الرسل بُعثوا بهذه الكلمة العظيمة؛ لا إله إلا الله؛ ومعناها لا معبود إلا الله، فإننا أيها الإخوان إنما خلقنا لأجل عبادة الله جل وعلا، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56-57]، ما خُلقنا إلا لأجل عبادة الله، ولكن الله سبحانه وتعالى رأفة بنا ورحمة شرع لنا وأباح لنا أن نتمتع ببعض الطيبات في الدنيا أو بالطيبات جميعا في هذه الدنيا دون إسراف ولا مخيلة منة منه وتكرما، وإلا فإننا خلقنا للعبادة.
__________________________________________________ __________
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
(الرَّحْمَنِ)و (الرَّحِيمِ) اسمان من أسماء الله متضمنان بصفة من صفات الله جل وعلا وهي صفة الرحمة، وأهل السنة يثبتون هذه الصفة على حقيقتها لله جل وعلا، مع التنزيه لله أن يكون اتصافه بهذه الصفة مشابها لاتصاف المخلوقين بها، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11] .
فالقلب الذي قرأ صاحبه (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) :
كم سيتعلق به من المشاعر حين يمرّ في ذهنه ويحضر في قلبه سعة رحمة الله جل وعلا ؟
كم سيكون تعلقه بالله طمعا في أن يكون من المرحومين ؟
كم سيكون لهذا الإيمان بهذه الصفة وأن الله رحيم بعباده أرحم من الوالدة بولدها ؟
كم سيثمر هذا في قلبه من الأمور والمعاني الخيرة التي تقوده إلى العمل الصحيح ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال «يضحك ربنا» إلى آخر الحديث، قال له أعرابي أوَ يضحك ربنا؟ قال : «نعم»، قال: لن نعدم من رب يضحك خيرا.
معلوم أن ضحك الخالق جل وعلا ليس كضحكنا وحاشاه جل وعلا، ننزهه سبحانه عن الشبيه والمثيل والنديد، نثبت له سبحانه وتعالى ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسوله مع التنزيه عن المشابهة.
أنظر كيف هذا الصحابي كيف انطبعت هذه الصفة في قلبه وأثنى على الله بها (لن نعدم من رب يضحك خيرا) سبحان الله، كم منا من يقرأ ويسمع الأسماء والصفات ولا تثمر في قلبه، يمر عليه قول الله جل وعلا ﴿ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾[هود:90] فلا يثمر في قلبه، ﴿حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾[هود:73] فلا يثمر في قلبه، يمر عليه اسم الله ﴿الرَّقِيبَ﴾[المائدة:117] فلا يثمر في قلبه، يمر عليه اسم الله العزيز، الحكيم، القدير، فلا يثمر في قلبه، الشعور بعظمة الله جل وعلا... .
__________________________________________________ __________
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يعني نعبدك وحدك لا نعبد معك غيرك.
العبادة ليست كما يفهمها بعض الناس اليوم، ليست هي الشعائر التعبدية أو الأركان الخمسة فقط؛ الشهادة والصلاة، لا، والزكاة والصوم والحج، لا، العبادة أوسع كل ما فيه رضا لله جل وعلا؛ اسم جامع لكل ما يرضاه جل وعلا من الأقوال والأعمال. إذن فأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر عبادة، صلتك للرحم إن أحسنت النية فيها عبادة، دراستك للعلم الشرعي عبادة، دراستك لعلم غيره إن أحسنت النية فيها عبادة، ... .
__________________________________________________ __________
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
الصراط هو الطريق، ووصف الطريق هنا بأنه المستقيم؛ يعني الذي جمع مع وضوحه القرب؛ قرب الوصول إلى البُغية ، كما يقول أهل الرياضيات، يقولون المستقيم أقصر خط يصل بين نقطتين .
وهذا يجعل القلب يتفكر ويسأل: ألسنا مهتدين؟ نحن على خير إن شاء الله، فما فائدة هذا السؤال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) نكرره في كل يوم وليلة كذا وكذا مرة؟ ما فائدة هذا التَّكرار؟
يعلمك ربك أنك لا تظن أنّ هذا الصراط؛ أنك إذا هديت عليه أول الأمر، أنك لا تحتاج إلى تثبت له، فإنّ هذا الصراط المستقيم تحتاج دائما إلى العناية بنفسك عليه، وأن تسأل ربك الثبات عليه ؛ لأن هذا الصراط قد انتصب عليه شياطين الإنس والجن ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ﴾ قول إبليس في سورة الأعراف ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[الأعراف:16-17] إذن هذا الصراط قد انتصب عليه شياطين الإنس يضلوك ويثبطوك عن المُضِي فيه، فاحذر ، اسأل الله دائما الثبات عليه، وأنت تقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) اسأله حقيقة لا لفظا، اسأله مستشعرا حاجتك الملحة للثبات على صراط الله.