الاحترام أساس البيت الإسلامي
أحاديث حول التربية لسماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي في البحرين
)فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ( (النور/36-37)
هل لنا أن ننشئ مثل هذه البيوت في أُسرنا، وهل لنا أن نجعل بيوتنا بيوت الله، وقلوبنا مهبط رحمة الله، وعوائلنا محط بركات الله؟ ترى ما هي هذه البيوت؟ وهل هي مختصة ببيوت الرعيل الأول من المسلمين، أو أن لجوهرها الاستمرار؟ وما هي مسؤولية كل واحد منا تجاه صنع هذه الحقيقة في نفسه؟
وبادئ بدءٍ أقول: إن بيت الإنسان أقرب مملكة منه، وهو الذي يستطيع أن يصنعها حسب إرادته وذوقه وأفكاره وقيمه، وبالتالي لا يحق لأحدٍ أن يبرر تكاسله عن صنع بيته بأعذار؛ قد تكون واهية.
أما كيف يتم صنع هذه المملكة؟
والإجابة باختصار تكمن في التعرف على معالم البيت الإلهي الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في سورة النور المباركة، حيث قال عز اسمه: )اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيِّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ(، حيث يتجلى نور الوجود في مثل هذه البيوت، ولكي نتمكن من أن نجعل بيتنا بيتاً إلهياً ومشكاةً بمصباح الحق علينا التأكد من الأمور التالية ووضعها بعين الاعتبار، وهي:
أولاً: إن هذه البيوت وعاء للاحترام المتبادل.
ثانياً: إن هذه البيوت بيوت الحب والعاطفة والأخلاق.
ثالثاً: إن هذه البيوت بيوت التفاهم والتعاون.
رابعاً: إن هذه البيوت بيوت السعادة والرفاه.
ولتحقيق هذه المعالم في بيوتنا لابد من التركيز - أولاً- على مسألة الاحترام، حيث يكون الإنسان حافظاً لحرمة الطرف الآخر وحقوقه تامة غير منقوصة، وهي - الحقوق - تتمثل في الدفاع عن حقوق الإنسان نفسه وحفظها وصيانتها، وكذلك تتمثل في حفظ وأداء حقوق الآخرين..
إن الحرمة - وهي الاصطلاح القرآني البارز - معيار العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، لأن الحرمة تعني الحق والعدل والقسط، وقد أمرنا الله جل جلاله بالحق، وهو القائل: )وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ( (الانعام/73) فكان أساس مملكة الكائنات قائماً على الحق.
ثم إنه أمر بالعدل، وهو القائل: )اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى( (المائدة/8) .
وهو الذي أمر بالقسط، حيث قال: )وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( (الممتحنة/8).
إن الاحترام والثقة المتبادلة يبدآن باحترام الزوجين لبعضهما. وإذا كانت العلاقة بينهما علاقة عاطفية في بادئ الأمر، ولكن هذه العلاقة علاقة ظاهرية وأولية، من طبيعتها أن تبقى فترة وتتلاشى أو تكون محكومة بالارتفاع والهبوط.. ولكن الاحترام ينشأ - أساساً - من القناعة بالحق عموماً، وبحق وحرمة الطرف الآخر.
فالزوج ملزم باحترام زوجته، وكذلك العكس ، وهما حينما ينشئان بيت الزوجية المقدس يعرفان أن هذا البيت بيت مشترك، وأن لكل واحد منهما حقوق ، وعلى كل منهما واجبات، ودون كل منهما حدود؛ ولابد من حفظ ومراعاة كل ذلك.
ومن هنا؛ كان بيت النور الإلهي قائماً على أساس الحق والعدل والقسط قبل أن يقوم على أساس الحب والعاطفة والمصلحة المشتركة.
وقد عرفنا أن في الإسلام منظومة من الأحكام الشرعية والمبادئ الأخلاقية والأدبية والتعاليم والإرشادات، وكلها تدور حول مدى احترام المرء لنظيره وأخيه، سواء كان زوجاً أو غير زوج، وفي إطار الزوجية أو الإطار الأسري عموماً.
إن علاقة الاحترام وحفظ الحق والحرمة علاقة من سمتها البقاء والاستمرار والنمو المتواصل، لتقوم على أساس هذه العلاقة المتينة مجموعة أمور أخرى تساهم في تشييد صرح البناء المرصوص للأسرة الإلهية الطيبة.
وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين