عنوان الموضوع : علاج الهموم و الكابة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
علاج الهموم و الكابة
السلام عليكم و رحمة الله
الى من تحس بضيق في صدرها وهموم تملأ أيامها وكآبة تملكها ، تعالي يا أختاه نتصفح هذا الملخص الصغير من كتيب : علاج الهموم
للمؤلف : الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق .
لاشك أن للعقيدة الصحيحة تأثيرا بالغا في دفع الهموم و علاجها ، و على العكس ترى كثيراً من الكفار ، وكذلك ضعفاء الإيمان يُصابون بالانهيار ، أو يُقدمون على الانتحار ؛ للتخلص من الكآبة والحبوط واليأس إذا ما وقعوا في ورطة، أو أصابتهم مصيبة . وكم ملئت المستشفيات من مرضى الانهيارات العصبية، والصدمات النفسية !! وكم أثرت هذه الأمور على كثير من الأقوياء ، فضلاً عن الضعفاء !! وكم أدت إلى العجز التام أو فقدان العقل والجنون !! أما من اهتدى بهدي الإسلام فإنه يجد العلاج فيما أتى من لدن العليم الخبير الذي خلق الخلق ، وهو أعلم بما يصلحهم : ["أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ "
( 14 )] سورة الملك .
فهلم إلى استعراض شيء من أنواع العلاجات التي جاءت في هذه الشريعة :
أولاً : التسلّح بالإيمان المقرون بالعمل الصالح
قال الله تعالى::"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"
( 97 ) سورة النحل .
وسبب ذلك واضـح؛ فإن المؤمنين بالله _ الإيمان الصحيح , المثمر للعمل الصالح , و المصلح للقلوب ، والأخلاق والدنيا والآخرة معهم أصول وأسس يتعاملون بها مع كلّ ما يرد عليهم من أنواع المسرات والأحزان .
فيتلقون النّعم والمسارّ بقبول لها، وشكر عليها، ويستعملونها فيما ينفع، فإذا فعلوا ذلك أحسوا ببهجتها ، وطمعوا في بقائها ، وبركتها ، ورجاء ثواب شكرها ... وغير ذلك من الأمور العظيمة التي تفوق بخيراتها ، وبركاتها تلك المسرات.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لِما يمكنهم مقاومته , وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه , والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد , فيحصّلون منافع كثيرة من جراء حصول المكاره، ومن ذلك: المقاومات النافعة ... والتجارب المفيدة ... وقوة النفس ... وأيضا الصبر ... واحتساب الأجر والثواب ... وغير ذلك من الفوائد العظيمة، التي تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار، والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله، وثوابه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ ] رواه مسلم، وأحمد، والدارمي , وهذا النظر الإيجابي إلى الابتلاء ، مما يدفع الهم ، و يعين على الصبر .
ثانياً : النظر فيما يحصل للمسلم من تكفير الذنوب، وتمحيص القلب، ورفع الدرجة ؛ إذا أصابته غموم الدنيا وهمومها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ، وَلا حُزْنٍ ، وَلا أَذًى، وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ )
وفي رواية مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلا نَصَبٍ، وَلا سَقَمٍ، وَلا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ] رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، وأحمد .
فليعلم المهموم ... أن ما يصيبه من الأذى النفسي؛ نتيجة للهمّ لا يذهب سدى، بل هو مفيد في تكثير حسناته، وتكفير سيئاته ...
ليعلم ... أنه لولا المصائب، لوردنا يوم القيامة مفاليس _كما ذكر بعض السلف _ ولذلك كان أحدهم : يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء .
وإذا علم العبد أن ما يصيبه من المصائب يكفّر عنه سيئاته فـرح واستبشر وخصوصاً إذا عوجل بشيء بعد الذنب مباشرة كما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم ، فعن عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه :أَنَّ رَجُلا لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : مَهْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَهَبَ بِالشِّرْكِ ، وَجَاءَنَا بِالإِسْلامِ، فَوَلَّى الرَّجُلُ، فَأَصَابَ وَجْهَهُ الْحَائِطُ، فَشَجَّهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ : [ أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّاً أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ ] رواه أحمد .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ] رواه الترمذي ( وهو في صحيح الجامع رقم 308 ) .
ثالثاً : معرفة حقيقة الدنيا
فمما يدفع الهموم ، و يعين على تحملها علم المؤمن بأن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وما فيها من لذة ، فهي مكدّرة ، ولا تصفو لأحد ... إن أضحكت قليلاً ؛ أبكت طويلاً... وإن أعطت يسيراً ؛ منعت كثيراً ... والمؤمن فيها محبوس ، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ] رواه مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد .
وهي كذلك : نصب، وأذى، وشقاء، وعناء؛ ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها ؛ فعن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ :أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ , فَقَالَ : [ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ] . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ :مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟قَالَ :[ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا ، وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ ] رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، ومالك، وأحمد .
وموت المؤمن راحة له من غموم دار الدنيا، وهمومها، وآلامها كما في الحديث :[ إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِن ُ؛ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً ، مَرْضِيّاً عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ ، وَرَيْحَانٍ ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الأَرْضِ !! فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحاً بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ : مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ ؟ فَيَقُولُونَ : دَعُوهُ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا ، فَإِذَا قَالَ : أَمَا أَتَاكُـمْ ؟ قَالُوا : ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ , وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ ؛ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ ، فَيَقُولُـونَ : اخْرُجِي سَاخِطَةً ، مَسْخُوطاً عَلَيْكِ ؛ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ ، فَيَقُولُونَ : مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ !! حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ ] رواه النسائي ( وصححه الألباني في صحيح النسائي 1309)
إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا : يهوّن عليه كثيراً من وقع المصاب ، وألم الغمّ ، ونكد الهمّ ؛ لأنه يعلم أنه أمر لابدّ منه ، فهو من طبيعة هذه الحياة الدنيا.
رابعاً : التأسي بالرسل والصالحين واتخاذهم مثلاً وقدوة
فهم أشد الناس بلاءً في الدنيا ، والمرء يبتلى على قدر دينه ، و إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ،فقد سأل سعد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟قَالَ : [ الأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الأَمْثَلُ ، فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً ؛ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ؛ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ] رواه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، والدارمي ( وهو في صحيح سنن الترمذي للألباني رقم 1956) .
خامساً : أن يجعل العبد الآخرة همه
لكي يجمع الله له شمله ؛ لما رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ؛ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا ، وَهِيَ رَاغِمَةٌ . وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ؛ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ] رواه الترمذي ( وصححه الألباني في صحيح الجامع 6510 ) .
قال ابن القيم رحمه الله: إذا أصبح العبد، وأمسى ؛ وليس همه إلا الله وحده؛ تحمّل الله عنه _ سبحانه_ حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته. وإن أصبح، وأمسى، والدنيا همه؛ حمّله الله همومها، وغمومها، وأنكادها، و وكله إلى نفسه؛ فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق؛ ولسانه عن ذكره بذكرهم؛ وجوارحه عن طاعته بخدمتهم، وأشغالهم . فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره ... فكلّ من أعرض عن عبودية الله، وطاعته، ومحبته ؛ بلي بعبودية المخلوق، ومحبته، وخدمته، قال تعالى : "وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ"
( 36 ) { سورة الزخرف . ( الفوائد ط. دار البيان ص: 159 ) .
يوجد جزء ثاني .............ولا تنسونا من صالح دعائكم
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
جزاك الله خيرااااااااااااااااااااااااااااااااا
__________________________________________________ __________
مشكورة ياعمري والله يجزاك كل خير
وتسلمى ياغلا على الموضوع الرائع
تقبلى مروري ياعسل
__________________________________________________ __________
جوزيتِ خيراً أختي...
لا عدمناكِ..
__________________________________________________ __________
نكمل اليوم الجزء الثاني من علاج الهموم للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ...
سادساً : ذكر الموت
لقوله صلى الله عليه وسلم : [ أكثروا ذكر هادم اللذات : الموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيَّقها عليه ]
سابعاً : دعاء الله تعالى
وهذا نافع جداً , ومنه ما هو وقاية , ومنه ما هو علاج ...
فأما الوقاية : فتكون بأن يلجأ المسلم إلى الله تعالى، ويدعوه متضرعاً إليه بأن يعيذه من الهموم ، ويباعد بينه وبينها ، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد أخبرنا خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه عن حاله معه بقوله: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول :[ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ] .
وهذا الدعاء مفيد لدفع الهم قبل وقوعه ، والدفع أسهل من الرفع .
ومن أنفع ما يكون في الوقاية من الهموم في مستقبل الأمور : استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به ، وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :[ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ]
فإذا وقع الهم , وألمّ بالمرء ، فباب الدعاء مفتوح غير مغلق... والكريم عز وجل إن طُرق بابه وسُئل ؛ أعطى وأجاب... يقول جلّ وعلا : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
( 186 ) { سورة البقرة .
من أدعية تفريج الكروب
ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج : الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ من سمعه أن يتعلّمه، ويحفظه ، و هو قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ ، وَلا حَزَنٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ : أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ ، وَحُزْنَهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا ] فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : [ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ]
فهذا الحديث العظيم يتضمن : اعتراف العبد أنه مملوك لله ، وأنه لا غنى له عنه، وليس له سيد سواه والتزام بعبوديته، وإعلان الخضوع والامتثال لأمره ونهيه , وأن الله يصرّفه، ويتحكّم فيه كيف يشاء، وإذعان لحكم الله، و رضى بقضائه، وتوسل إلى الله بجميع أسمائه قاطبة، ثم سؤال المطلوب، ونشدان المرغوب
وقد ورد في السنّة النبوية أدعية أخرى بشأن الغم والهم والكرب، ومنها :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ :[ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ] .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ :[ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ] ).
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أَلا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ ، أَوْ فِي الْكَرْبِ : اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ]
ومن الأدعية النافعة في هذا الباب أيضا ما علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : [ دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ] ) .
فإذا لهج العبد بهذه الأدعية بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده في تحصيل أسباب الإجابة، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له ، وانقلب همه فرحاً وسروراً.
ثامناً : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم , فعن الطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ :[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ ، اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ] قَالَ أُبَيٌّ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي ؟ فَقَالَ : [ مَا شِئْتَ ] قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟ قَالَ : [ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ] قُلْتُ : النِّصْفَ ؟ قَالَ : [ مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ] قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ :[ مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ] قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : [ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ] ) .
تاسعاً : التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه
" فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحة العبد من العبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد لنفسه، و أرحم به منه بنفسه، و أبرّ به منه بنفسه.
وعلم مع ذلك : أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه، وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه ؛ فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات , وحمل كل حوائجه، ومصالحه من لا يبالي بحملها، ولا يثقله، ولا يكترث بها؛ فتولاها دونه، و أراه لطفه وبره و رحمته، وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه؛ لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه، وجعله وحده همه ؛ فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه ، وفرغ قلبه منها ، فما أطيب عيشه ! وما أنعم قلبه ! وأعظم سروره وفرحه !
وأما من أبى إلا تدبيره لنفسه، واختياره لها ، واهتمامه بحظه دون حق ربه؛ خلاه وما اختـاره ، و ولاه ما تولى؛ فحضره الهم، والغم، والحزن، والنكد، والخوف، والتعب، وكسف البال، وسوء الحال: فلا قلب يصفو، ولا عمل يزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه، وبين مسرته، وفرحه، وقرة عينه؛ فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش، ولا يظفر منها بأمل ولا يتزود منها لمعاد "
" ومتى اعتمد القلب على الله ، وتوكـل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة ، و وثق بالله ، وطمع في فضله ، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام القلبية والبدنية ، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ، والمعافى من عافاه الله ، و وفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب ، الدافعة لقلقه ، قال تعالى : وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
} ( 3 ) { سورة الطلاق. أي : كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه ؛ فالمتوكل على الله قوي القلب ، لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تزعجه الحوادث؛ لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور، والخوف الذي لا حقيقة له .
ويعلم مع ذلك : أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة؛ فيثق بالله، ويطمئن لوعده ؛ فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا ، فنسأله تعالى العافية، وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل، الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير "
عاشراً : الحرص على ما ينفع ، واجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل ، وعن الحزن على الوقت الماضي
ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها ، والهم الذي يحدث بسببه الخوف من المستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه و وقته الحاضر ، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن .
و النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء ، أو أرشد أمته إلى دعاء ، فهو يحث ـ مع الاستعانة بالله ، والطمع في فضله ـ على الجد ، والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو لدفعه؛ لأن الدعاء مقارن للعمل .
فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده ، ويستعينه على ذلك ، كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ]
فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز - الذي هو : الكسل الضار - و بين الاستسلام للأمور الماضية النافذة ، ومشاهدة قضاء الله وقدره، وجعل الأمور قسمين :
· قسماً يمكن للعبد السعي في تحصيله ، أو تحصيل ما يمكن منه ، أو دفعه، أو تخفيفه : فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ، ويستعين بمعبوده.
· قسماً لا يمكن فيه ذلك ، فهذا يطمئن له العبد ، ويرضى ويسلم . ولاريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور ، وزوال الهم، والغم" .
والحديث المذكور يدلّ على : السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم , وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور ، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وأن ذلك حمق وجنون ، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها، وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته .
فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر، وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيز الحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها ، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ، واطمأن إليه في ذلك صلحت أحواله ، وزال عنه همه وقلقه " .
__________________________________________________ __________
مشكورات عزيزاتي على المرور العسل