عنوان الموضوع : حبيبي يا رسول الله- صلى الله عليه و سلم- من الشريعة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
حبيبي يا رسول الله- صلى الله عليه و سلم-
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام
الغرض من دراسة السيرة النبوية’ أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية فى مجموعها متجسدة فى حياته صلى الله عليه وسلم ’ بعد أن فهمها مبادىء وقواعد و أحكام مجردة فى الذهن .
أى أن دراسة السيرة النبوية ’ ليست سوى عمل تطبيقى يراد منه تجسيد الحقيقة الإسلامية كاملة ’ فى مثلها الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم .
و إذا أردنا أن نجزىء هذا الغرض ونصنف أجزاءه ’ فإن من الممكن حصرها فى الأهداف التفصيلية التالية :
1- فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ( النبوية ) من خلال حياته و ظروفه التى عاش فيها ’ للتأكد من أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد عبقرى سمت به عبقريته بين قومه ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحى من عنده وتوفيق من لدنه .
2- أن يجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلى فى كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة ’ كى يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه
: ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب 21 .
3- أن يجد الإنسان فى دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم ما يعينه على فهم كتاب الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده ’ إذ أن كثيرا من آيات القرآن إنما يجليها وتفسرها الأحداث التى مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وموقفه منها .
4- أن تتجمع لدى المسلم من خلال دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة و المعارف الإسلامية الصحيحة ’ سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة و الأحكام و الأخلاق ’ إذ لا ريب أن حياته صلى الله عليه وسلم إنما هى صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادىء الإسلام و أحكامه .
5- أن يكون لدى المعلم و الداعية الإسلامى نموذج حى عن طرائق التربية و التعليم ’ فلقد كان محمد صلى الله عليه وسلم مربيا فاضلا ومعلما ناصحا لم يأل جهدا فى تلمس أجدى الطرق الصالحة الى كل من التربية و التعليم خلال مختلف مراحل دعوته .
و نظرا لأهمية هذه السيرة العطرة في حياتنا ارتأيت أن أقدم لجميع القراء في كل أسبوع مرحلة من مراحل سيرة الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم-ملخصة بقدر الذي أستطيع ، آملا منكم المتابعة و التفاعل و المناقشة
أما المصادرفهى :
- فقه السيرة لفضيلة الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله –
- فقه السيرة لفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
نرجو منكم الموافقة و الدعاء
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
- الوثنية تسود الحضارة القديمة
منذ هبط آدم وبنوه في الأرض، والناس أخلاط متنافرون، لا تستقيم بهم السبل يوماً إلاّ شردت أياماً.
لقد مرت على الدنيا قرون طوال قبل أن يظهرمحمد (صلَّى الله عليه وسلم) أفادت فيها علماً كثيراً، ووعت تجارب خطيرة، ونمت آداب وفنون، وشاعت فلسفات وأفكار.
ومع ذلك فقد غلب الطيش، واستحكم الزيغ، وسقطت أمم شتى دون المكانة المنشودة لها.
فماذا كان مصير الحضارات في مصر واليونان، وفي الهند والصين، وفي فارس وروما؟.
إن الوثنية الوضيعة اغتالتها؛ فأمسى الإنسان الذي استخلفه الله ليكون ملكا في السموات والأرض، أمسى عبداً مسخراً لأدنى شيء في السموات والأرض.
وماذا بعد أن تُقدَّس العجول والأبقار وتعبد الأخشاب والأحجار وتُطِبق شعوب بأسرها على هذه الخرافة؟
إن الوثنية هَوانٌ يأتي من داخل النفس لا من خارج الحياة، فكما يفرض المحزون كآبته على ما حوله، كذلك يفرض المرء الممسوخ صَغَار نفسه وغباء عقله على البيئة التي يحيا فيها، فيؤلَّه من جمادها وحيوانها ما يشاء.
ويوم يشرق الفكر الخامد، وتثوب إلى الإنسان معانيه الرفيعة، فإن هذه الإنعكاسات الوثنية تنزاح من تلقاء نفسها.
ومن ثَمَّ كان العمل الأول للدين داخل الإنسان نفسه، فلو ذبحت العجول المقدسة، ونكست الأصنام المرموقة، وبقيت النفس على ظلامها القديم، ما أجدى ذلك شيئاً! فيبحث العبَّاد المفجوعون عن آلهة أخرى غير ما فقدوا،
فلما جاء القرن السادس لميلاد عيسى عليه السلام؛ كانت منارات الهدى قد انطفأت في مشارق الأرض ومغاربها؛
فالمجوسية في فارس طليعة عنيدة للشرك الفاشي في الهند والصين، وبلاد العرب وسائر المجاهل..
والنصرانية التي تناوئ هذه الجبهة قبست أبرز مآثرها من خرافات الهنود والمصريين القدامى، فهي تجعل لله صاحبة وولداً؛ وتغري أتباعها في "روما" ومصر والقسطنطينية بلون من الإشراك أرقى مما ألف عبَّاد النيران وعبَّاد الأوثان، شرك مشوب بتوحيد يحارب شركاً محضاً!!!.
ولكن ما قيمة هذه النقائض التي جمعت النصرانية بين شتاتها؟
{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}.
ويظهر أن آصرة الشرك بين المجوسية والديانات السماوية المشوّهة هي التي جعلت هذه الأحزاب إلباً على المسلمين {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
وأي خير يرجى في أحضان وثنية كفرت بالعقل، ونسيت الله، ولانت في أيدي الدجّالين؟
لا غرابة إذا رفع الله عنها يده كما جاء في الحديث "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب".
وهذه البقايا هي التي ظلت مستعصية على الشرك برغم طوفان الكفر الذي طمَّ البقاع والتلاع.
لقد عمّت الدنيا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيرة وبؤس، ناءت بهما الكواهل.
أتيتَ والناس فوضى لا تمر بهم ***إلا على صنم قد هام في صنم
فعاهل الروم يطغى في رعيته *** وعاهل الفرس من كِبْر أصم عَمي
حتى تأذن الله ليحسمنّ هذه الآثار، وليسوقن هدايته الكبرى إلى الأنام، فأرسل إلى الأمة محمداً عليه الصلاة والسلام.
__________________________________________________ __________
بسم الله الرحمن الرحيم
3 - طبيعة الإسلام والرسالة المحمدية الخاتمة
تمتاز بعثة محمد (صلَّى الله عليه وسلم) بأنها عامة ودائمة.
والله عز وجل عندما بعث محمداً عليه الصلاة والسلام لهداية العالم، ضمَّن رسالته الأصول التي تفتِّق للألباب منافذ المعرفة بما كان ويكون.
والقرآن الذي أنزله على قلبه هو كتاب من رب العالمين إلى كل حي، ليوجهه إلى الخير ويلهمه الرشد.
لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام إماما لقبيل من الناس صلحوا بصلاحه، فلما انتهى ذهبوا معه في خبر كان، بل كان قوة من قوى الخير. وإن بعثته لتمثل مرحلة من مراحل التطور في الوجود الإنساني. ثم جاء الخطاب الإلهي إليه -عن طريق محمد (صلَّى الله عليه وسلم) يشرح له كيف يعيش في الأرض، وكيف يعود إلى السماء. فإذا بقي محمد (صلَّى الله عليه وسلم) أو ذهب فلن ينقص ذلك من جوهر رسالته. إن رسالته تفتيح الأعين والآذان، وتجلية البصائر والأذهان، وذلك مودع في تراثه الضخم من كتاب وسنة.
إنه لم يبعث ليجمع حول اسمه أناساً قلّوا أو كثروا؛ إنما بعث صلة بين الخلق والحق الذي يصحّ به وجودهم، والنور الذي يبصرون به غايتهم.
فمن عرف في حياته الحق كان له نور يمشي به في الناس فقد عرف محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) واستظل بلوائه وإن لم ير شبحه أو يعش معه.
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}.
يمكننا بشكل عام تلخيص هذه مميزات وخصائص طبيعة الإسلام والرسالة المحمدية الخاتمة فيما يلي:
* الإنذار النهائي لكافة البشر بترك عبادة غير الله الواحد الخالق العظيم والإلتزام بالطاعة المطلقة له وحده وتنزيهه عن أن يكون له شبيه أو مثل أو ضد أو ولد أو أي صفة من صفات المخلوقات أو أي صفة لا تتناسب مع صفاته الإلهية المطلقة.
* الإنذار النهائي لكافة البشر بترك الشرور والإيذاء والإفساد والأثام حتی يستقيم الكون في صورة منتظمة متكاملة خيرة كما أرادها الخالق العظيم.
* كل من يستجيب للإنذارين الأولين ويعبد الله وحده ويطيعه وينزهه ولا يفسد ويقلع عن الشر والإساءة فإن الله يبشره بالمغفرة والرحمة وجنة عالية. وكل من لا يستجيب ولا يطيع ويُصر علی الشرك والمعصية والشر والإفساد والإساءة فإن الله يحذره ويهدده بالعذاب والخزي والهلاك في الدنيا وفي الأخرة بغضب الله وجهنم والنار خالداً فيها أبداً إلا من يرحمه الله. فالله إذن جنة ونار ، ونعيم وعذاب في الأخرة الأول للمؤمنين المطيعين الأخيار ، والثاني للكافرين المشركين العصاة الأشرار.
* إن الله إرتضی هذه الرسالة الخاتمة وهذا الدين الإسلامي لكل عباده من البشر
* إن يوم القيامة والبعث أتی لا ريب فيه ولا يعلم موعده إلا الله وبعده تبدأ الحياة الآخرة نعيماً كانت أم عذاباً...
* وقد حملت الرسالة الخاتمة تفاصيل كثيرة عن قصة بدء الخلق بآدم عليه السلام وحواء وغواية الشيطان لهما ثم نزولهم الی الأرض مبتلين مختبرين مخيرين وعن قصص الأنبياء والرسل بالتفصيل وبيان الحقيقة من التزييف الذي أدخله البشر بخيالتهم علی هذه القصص...وكذلك تفاصيل قصص أخری كثيرة كلها عظة وعبرة وفوائد لكي يستفيد الإنسان منها في حياته لأخرته.
* وضعت الرسالة القوانين الثابتة في كافة المجالات الحياتية إجتماعية وسياسية ومالية وعقائدية إلخ
*حملت الرسالة منهاجاً واضحاً شاملا ً للتربية والسلوك والأخلاقيات والتعاملات.
* حملت الرسالة علی الكفر والنفاق حملة كبيرة شعواء وهاجمت بشدة لم يسبق لها مثيل الكفار والمعاندين والمشركين والمنافقين والمفسدين والأشرار.
* أوضحت الرسالة بجلاء أن العلاقة التي يجب أن تحكم الإنسان بخالقه هی علاقة تقوم علی الإسلام الكامل لله والإستسلام له ولذلك سُميت الرسالة الخاتمة كلها "الإسلام"
* التركيز علی إفهام الإنسان بأن الله يعلم ما بداخله ويعلم سرائره ويعلم كل ما يعمل ويفعل ويضمر حتی ولو لم يعلمه الأخرين ولذا فهو مضطلع عليه في كل وقت مباشرة ولا يمكن الفرار أو الإختباء منه أو إخفاء شئ عنه ثم أن هناك ملكين مع كل إنسان مكلفين بإحصاء أعماله كلها في كتاب أحد الملكين يسجل حسنات الإنسان والأخر يحصي سيئاته وهما ملازمين له في كل مكان .
* أوضحت الرسالة بأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا يحملها ما لا طاقة لها به.
* الإسلام رساله الله إلی البشر أجميعن فقد قامت علی أساس هام جداً وهو المساواة التامة بين البشر أجمعين....
* أكدت الرسالة علی أهمية القرآن وسنة الرسول والأئمة من أهل بيته علی أنهما لب الرسالة وجوهرها وحامل محتواها فمن تمسك بهما وتفقه فيهما ودرسهما وفهمهما وتعبد بهما وأطاعهما فقد عرف حقيقة الرسالة .* الرسالة الخاتمة كل ٌ لا يتجزأ.
* أكد الله في الرسالة علی أهمية أن يتعارف الناس ويتعاونوا وأن يتأخوا وأن ينبذوا الصراع .
* أوضح الله أنه سيحكم بين العباد والخلق فيما كانوا فيه يختلفون في يوم الحساب وسيرد حق المظلومين ويقتص من الظالمين في ذلك اليوم
* بُني الجزء التعبدي فيها علی خمسة أركان أو قواعد هامة جداً...أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. وثانيها هو إقامة الصلوات وثالثها هو إيتاء الزكاة. ورابعها هو الصيام في شهر رمضان وخامسها الحج إلی بيت الله الحرام في مكة...
* تميزت الرسالة تحريم المعاملات الربوية بكافة صورها وأشكالها .
* دعت الرسالة بوضوح إلی العلم والتعلم وحضت عليه.
*أمر الله المسلمين بأن يحملوا هذه الرسالة الخاتمة ويبلغوها لكل البشر لأنها ملك لكل البشر.
* ركزت الرسالة علی أهمية العمل في حياة الإنسان .
عمل الرسول – صلى الله عليه وسلم - أن يقذف في ضميرك البصر الذي ترى به الحق. ووسيلته إلى ذلك كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مُيَسر للذكر،محفوظ من الزيغ. وذاك سرّ الخلود في رسالته.
فلننظر كيف عالج الرسول عليه الصلاة والسلام البيئة التي ظهر فيها على ضوء هذه الطبيعة المفروضة في رسالته، ولننظر قبل ذلك إلى أحوال هذه البيئة نفسها في الحلقة القادمة ان شاء الله.
__________________________________________________ __________
بسم الله الرحمن الرحيم
4- صفة العرب حين البعثة المحمدية
وهذه أيضا مقدمة هامة لابد من دراستها قبل الخوض فى أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات ’ و الإسلام ليس إلا إمتداداً للحنيفية السمحة التى بعث الله بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ’ وقد صرح في قوله تعالى :
( قل صدق الله فاتبعوا ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
العرب هم أولاد إسماعيل ابن إبراهيم عليهما الصلاة و السلام ’ توارثوا ملّة أبيهم ومنهاجه الذى بعث به من توحيد الله .
فلما إمتدت بهم القرون و طال عليهم الأمد ’ أخذوا يخلطون الحق الذى توارثوه بكثير من الباطل الذى تسلل إليهم ’ شأن سائر الأمم و الشعوب عندما يغشاها الجهل ويبعد بها العهد ويندّس بين صفوفها المشعوذون و المبطلون .
فدخل فيهم الشرك واعتادوا عبادة الأصنام وتسللت إليهم التقاليد الباطلة و الأخلاق الفاحشة ’ فابتعدوا بذلك عن ضياء التوحيد وعن منهج الحنيفية وعمت بينهم الجاهلية التى رانت عليهم أمدا من الدهر ’ ثم إنقشعت عنهم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان أول من أدخل فيهم الشرك وحملهم على عبادة الأصنام عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خزاعة وروى ابن هشام كيفية إدخال عمرو بن لحىّ هذا ’ عبادة الأصنام فى العرب فقال : خرج عمروبن لحىّ من مكة الى الشام فى بعض أموره ’ فلما قدم ( مآب ) من أرض البلقاء ’ وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق ’ ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ’ فقال لهم ما هذه الأصنام التى أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ’ ونستنصرها فتنصرنا ’ فقال لهم أفلا تعطوننى منها صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له ( هبل ) فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .
وهكذا إنتشرت عبادة الأصنام فى الجزيرة العربية وشاع فى أهلها الشرك ’ فانسلخوا من عقيدة التوحيد التى كانوا عليها واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ’ وانتهوا الى مثل ما إنتهت إليه الأمم الأخرى من الضلالات و القبائح فى المعتقدات و الأفعال .
كان أهل مكة ضعاف التفكير أقوياء الشهوات.
كثير من الناس تفوتهم أنصبة رائعة من العلم والفضل ولكن لا تفوتهم أنصبة كبيرة جداً من الاحتيال والتطلع والدس، وقد تستغرب إذ ترى الشخص لا يحسن فهم مسألة قريبة من أنفِه. ومع ذلك فهو يفهم جيداً ألا يكون فلان أفضل منه!!.
من عهد نوح والحياة تجمع أمثلة شتى لهذا الغباء وهذا العناد.
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً....}.
قد كانت "مكة" على عهد البعثة تموج بحركة عاصفة من الشهوات والمآثم :
- كفرٌ بالله واليوم الآخر .
- إقبال على نعيم الدنيا وإغراق في التشبُّع منه، رغبة عميقة في السيادة والعلو ونفاذ الكلمة، - عصبيات طائشة تسالم وتحارب من أجل ذلك .
- تقاليد متوارثة توجه نشاط الفرد المادي والأدبي داخل هذا النطاق المحدود.
من الخطأ أن تحسب "مكة" يومئذ قرية منقطعة عن العمران في صحراء موحشة، لا تحس من الدنيا إلا الضرورات التي تمسك عليها الرمق. كلا، إنها شبعت حتى بطرت، وتنازعت الكبرياء حتى تطاحنت عليها، وكثر فيها من تغلغل الإلحاد في أغوار نفسه حتى عز إخراجه منه. فهم بين عَمٍ عن الصواب أو جاحد له، وفي هذا المجتمع الذي لم ينل حظاً يذكر من الحضارة العقلية بلغ غرور الفرد مداه، ووجد من يسابق فرعون في عتوه وطغواه. مثال عن ذلك :
الوليد بن المغيرة قال لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): لو كانت النبوة حقاً لكنت أولى بها منك! لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً!
ووسط هذه الجهالات البسيطة أو المركبة، والعداوات المقصودة أو المضللة، وسط نماذج لا حصر لها من الضلال والغفلة، أخذ الإسلام رويداً رويداً ينشر أشعته، فأخرج أمة من الظلام إلى النور؛ بل جعلها مصباحاً وهاجاً يضيء ويهدي،
والدروس التي أحدثت هذا التحول الخطير والتي رفعت شعوباً وقبائل من السفوح إلى القمم ليست دواء موقوتاً أو مخصوصاً، بل هي علاج أصيل لطبيعة الإنسان ، وستظل ما بقي الإنسان وبقيت الحياة .
__________________________________________________ __________
بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
5 - بداية الإشاعات بظهور رسول معلم
بـدايـة الإشـاعـات بـظـهـور
كانت الإشاعات أن نبياً قد اقترب ظهوره، ولهذه الإشاعات ما يبررها، فإن عهد الناس بالرسل أن يتتابعوا فلا تطول فترة الانقطاع بين أحدهم والآخر، ولكن الأمر تغير بعد عيسى فكادت المائة السادسة تتم بعد بعثته، ولما يأتِ نبي جديد. فلما اكتظت الأرض بالمفاسد والضلالات زاد التطلع إلى مقدم هذا المصلح المرتقب، وكان هناك رجال ممن ينكرون الجهالة السائدة يستشرفون للمنصب الجليل، ويتمنون لو اختيروا له. منهم "أمية بن أبي الصلت" الذي حفل شعره بالتحدث عن الله وما يجب له من محامد، حتى قال الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) فيه: "كاد أمية أن يسلم". وعن عمرو بن الشريد عن أبيه: ردفت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ قلت: نعم؟ قال: هيه، فأنشدت بيتاً، فقال: هيه حتى أنشدته مائة بيت.
غير أن القدر الأعلى تجاوز أولئك المتطلعين من شعراء وناثرين، وألقى بالأمانة الكبرى على رجل لم يتطلع إليها ولم يفكر فيها:
(وما كنت ترجو أن يُلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيراً للكافرين).
رسـول مـعـلـم
ولا يعلم أقدار النفوس إلا بارئها، والذي يريد هداية العالم أجمع يختار للغاية العظيمة أنفساً عظيمة، وقد كان العرب في جاهليتهم يرمقون محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) بالاجلال، ويحترمون في سيرته شارات الرجولة الكاملة .
مكث الوحي ينزل ثلاثاً وعشرين سنة كانت الآيات تنزل خلالها حسب الحوادث والأحوال، وهذه الفترة الطويلة الحافلة هي : فترة تعلم وتعليم. وقد تساءل العرب. لم نزل القرآن كذلك؟ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا. وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}.
والأسئلة التي توجه للنبي (صلَّى الله عليه وسلم)، كان الإلهام يلاحق الرسول (صلَّى الله عليه وسلم): قل كذا، قل كذا..
إن القرآن رسول حي، تسائله فيجاوبك، وتستمع إليه فيقنعك.
انظر: كيف يؤسس عقيدة البعث والجزاء،:
{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
وقد استوقف الأمر بـ "قل" نظر العلماء إنه تعليم من الله لرسوله؛ وتعليم من الرسول للناس، وقد سيقت بعد هذا الأمر الأقوال التي تضمنت ما شاء الله من النصائح والعظات والأحكام.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. قُلْ هُوَ الرَّحْمَانُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
وقد تكون الغاية منه التعريف بالإسلام ونبيه تعريفاً مشبعاً مقنعاً يستأصل الريب قبل أن تولد:
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.....}.
أما الإسلام فإن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام قولاً تتفتح له الأعين والأفهام:
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.
إن هذه الإستفهامات المترادفة سياط تلدغ الباطل، وتجعل العقل النائم يصحو من سباته، وتحفز الإنسان إلى اعتناق الحقيقة والتسامي بها.
وذلك ما يعلنه ويعمل له رسول الإسلام.
إن الرجال الذين ثبتوا على الحق بعد رحيل نبيهم عنهم هم المسلمون حقاً، فإن الإسلام رباط بمبادىء لا بأشخاص، وقد علم الله نبيه وعلم المسلمين في شخصه أن يلتزموا الحق الذي عرفوا، وأن يتشبثوا به مهما غولبوا وحوربوا.
والآيات الواردة في ذلك هي أوامر للمسلمين تنزلت في شكل خطاب للرسول (صلَّى الله عليه وسلم):
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
فليس الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) مظنة أن يطيع الكافرين والمنافقين حتى ينبه إلى التحرز منهم، ولكننا نحن المعنيون بهذا الإرشاد. ومن ذلك: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}.
لقد كان الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) من بدء دعوته حرباً على الشرك، وعلى الآلهة الأخرى. ومنه تعلم الناس هذه الخصومة ويستحيل أن يتوقع منه غيرها.
ومن ذلك: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}.
{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ. وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
قال المفسرون: خوطبت الأمة في شخص رسولها كما تصدر الأوامر إلى القائد مع أن الجند هم المنفذون. وقيل: بل الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام على طريق الإهاجة واستثارة الهمة، يقال للقوي البادي العزم : لا تهن.... وللعاقل الصحيح الذهن: لا تغفل.
والأوامر التي تنظم هذه المشاعر لن تنقصها الصرامة، وماذا بعد أن يقول الله لنبيه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ. بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ}.
إن الله علم رسوله الكتاب، والإيمان، فكان من عرفان الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) بهذا الفضل الإلهي أن غالى بإيمانه واعتز بقرآنه، فعاش بهما وعاش لهما، وخاصم وسالم فيهما، وطالما تمنى عداته أن يركن إليهم شيئاً قليلاً ولكن هيهات! {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
والأمة الجديرة بالانتماء إليه هي الأمة التي تناضل على الحق فلا تسمح بانتقاص له ولا حيف عليه، ومن خصائصها أنها أمة فكرة ومنهاج، يقوم كيانها المادي والأدبي على ما تبذل في ذلك من جهد وتثمر من نتاج.
__________________________________________________ __________
بسم الله الرحمن الرحيم
6 - مـنـزلـة الـسـنـة مـن الـكـتـاب الـكـريـم
من حق المسلم أن يرتب المصادر التي يأخذ عنها دينه ، وأن يدرك الوضع الصحيح للمحفوظ من قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعله الى جوار السجل الثابت للوحي الإلهي الذي خصت به الرسالة الخاتمة .
إن القرآن روح الاسلام ومادته ، والرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته ،
كان ً قرآنا ً حيا يسعى بين الناس ، كان مثالا فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره ، وأخلاقه وأحكامه ، ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين ، وشريعة للمؤمنين .
والقرآن قانون الاسلام ، وسنة هي تطبيقه ، والمسلم مكلف باحترام هذا التطبيق لتكليفه باحترام القانون قال الله عز وجل: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}النساء80وقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 44وقال: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}الحشر7.
شـروط الإشـتـغـال بالـسـنـة
1 – فلا يجوز أن يشتغل بالسنة من لم يدرس علوم القرآن ويضرب فيها بسهم وافر ، فإن القرآن ، هو الدستور الأصيل للإسلام ، وهو الذي يحدد للمسلم بدقة واجباته ، وحقوقه ويرتب التكاليف المنوطة به .
والمرء الذي يعجز عن تحصيل هذه الحقائق من القرآن لن يعوضه عند فقدانها شىء آخر ، ولذلك حرص أئمة الصحابة على أن يخلو الطريق للقرآن الكريم كي يحتل مكانته الاولى في القلوب ، وحرصوا على ألا يزاحمه في موضع الصدارة شىء .
2- ويجىء بعد فهم القرآن فهم مايرد من السنن على وجه الحق ، فخير لمن فهم السنن أن يحبس لسانه عن فهمه فلا يقول : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم يسوق حديثا فلا يعرف ما المقصود منه ؟ وإن كان يفهم عبارته الظاهرة وحدها يحملها إلى من يحسن الإفادة منه .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – {رب حامل فقه ليس بفقيه ، رب حامل فقه الى من هو أفقه منه } حديث صحيح رواه ابن عبد البر .
3- إن قصر الباع في السنة – على كثرة الاشتغال بها – أضر بتوجيه المسلمين ، وأشاع بينهم التقاليد الضيقة والمفاهيم الخاطئة. ولنضرب لك مثلا يكشف عما يصيب الامم من عقم وضياع نتيجة فهمها الخاطئ .
* كثير من المسلمين يحكمون على المرأة ألا ترى أحدا ولا يراها أحد ، وهذا التقليد السائد يعتمد على حديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كره لنسوته أن يرين عبد الله بن أم مكتوم ، فلما احتججن بأنه أعمى لا يراهما ! قال لهما : { أفعمياوان أنتما ؟} أخرجه ابو داود
فإن علماء السنة تكلموا في معناه ، ومن الجهل بالسنة تقريره عند بيان وظيفة المرأة ، وأسلوب حياتها ، وقواعد اتصالها بالمجتمع العام ولم لا نذكر السنن التي رواها البخاري في ذلك وهي أدق وأصح ؟!
ولنفرض أن البخاري لم يرو هذه الأحاديث الصحيحة أفكان حديث العمياوين يسلط على المجتمع ، ويحجر به على النساء في دورهن فلا يخرجن من هذا السجن أبدا ؟ إن حكما مثل هذا لايعرف من القرآن . بل إن القرآن يجعل هذا الحكم عقوبة للنسوة اللاتي يرتكبن الفواحش قال الله عز وجل{وَاللّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}.النساء 15
إن تطور الفكر الإسلامي ، على هذا النحو وبالا على الإسلام وأهله نتيجة :
هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث .
ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة .
ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين .
ثم هجروا المقلدين وتزمتهم إلى الجهال وتخبطهم .
والحل علينا أن نعود الى القرآن . فنجعله دعامة حياتنا العقلية والروحية ، فإذا وصلنا الى درجة التشبع منه ، نظرنا في السنة فانتفعنا بحكمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسيرته وعبادته وخلقه وحكمه .