عنوان الموضوع : لماذا لا نقوم بمظاهرات..؟ من الشريعة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

لماذا لا نقوم بمظاهرات..؟



حُكْمِ الْمُظَاهَرَاتِ

الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ،،
فَلا يَخْفَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنَّ الشَرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيْلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، فَلا يَجُوزُ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ الْقَلِيلَةِ بِالْمَفْسَدَةِ الْكَثِيرَةِ، وَلا دَفْعُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ. وَإِنَّ مِمَّا مَنَعَتْهُ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ الْجَائِرِ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيْمَةِ التِي تَرْبُو عَلَى مَفْسَدَةِ جَوْرِهِ. وَكَذَا لا يَجِبُ بَلْ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَافِرِ إِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ قُدْرَةٌ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِلا قُدْرَةٍ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلا وَاجِبَ مَعَ الْعَجْزِ، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ.
قال تعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)


من فتاوى فضيلة العلامة ابن باز -رحمه الله-:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز : فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله، أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات، ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شراً عظيماً على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير، وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات، ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب، ولكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم، ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر بالدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله ا.هـ مجلة البحوث الإسلامية العدد 38 ص 210.

من فتاوى فضيلة العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-:
جاء في سلسلة لقاء الباب المفتوح الشريط رقم 189 ما يلي:
بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل وإذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي الحاكم هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟
الجواب:
"عليك بإتباع السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على الأبدان لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول:ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس وهذا ليس من طريقة السلف".

قال ابن القيم -رحمه الله-:
«وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً و بَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ ولاَزَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم».

(مفتاح دار السَّعادة : 1/253)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله:
"أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُم) وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾ وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله و مُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالاَتِ الله إلَيْهِمْ بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولاَ بُخْلاً ولاَ خَشْيَةً لَهُمْ ولاَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله ولاَ يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولاَ عَلَى العَامَّةِ، ولاَ لِلحَسَدِ ولاَ لِلكِبْرِ ولاَ لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولاَ لِلْعَامَّةِ ولاَ يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ"


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


مجموع الفتاوى:35/20

قال معالي فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- :
"الغاية تبرر الوسيلة ليست قاعدة شرعية.
وإنما القاعدة الشرعية:الأمور بمقاصدها وقاعدة أخرى:الوسائل لها أحكام المقاصد، لها أحكام الغايات فليست الغاية مبرّرة للوسيلة،فإذا كانت الغاية محمودة لا تبرر كل وسيلة بل لابد أن تكون الوسيلة إلى المحمود محمودة فيشترط في كون الوسيلة مأذونا بها أن تكون مباحة،فتأخذ الوسيلة حينئذ حكم الغاية، حكم المقصد. فمثلا: المشي من البيت إلى المسجد، حضور الصلاة في المسجد واجب المشي هو وسيلة الوصول، ما حكم هذا المشي؟نقول الوسيلة لها حكم الغاية، فيكون المشي حكمه الوجوب ما معنى كونه واجبا؟يعني أنه يـثاب عليه ثــواب الواجبـات فأحيانا تكون الوســيلة مباحة؛ لكن لكونها توصل إلى واجب صارت واجبة والله جل وعلا جعل الوسيلة إلى الجهاد يؤجر عليها العبد،فقال سبحانه "وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ" هم ذاهبون إلى الجهاد، فكيف يكون قطع الوادي فيه أجر ويكتب له قال العلماء: لأن الوسيلة لها حكم الغاية.فإذن ما ذكر الوسيلة تبرر الغاية هذا باطل وليس في الشرع وإنما في الشرع أن الوسائل لها أحكام المقاصد بشرط الوسيلة مباحة أما إذا كانت الوسيلة محرمة كمن يشرب الخمر للتداوي، فإنه ولو كان فيه الشفاء فإنه يحرم فليست كل وسيلة توصل إلى المقصود لها حكم المقصود ؛بل بشرط أن تكون الوسيلة مباحة.إذا تقرر هذا فمسألة الوسائل في الدعوة ليست على الإطلاق ؛ بل لابد أن تكون الوسيلة مباحة ليست كل وسيلة يظنها العبد ناجحة أو تكون ناجحة بالفعل يجوز فعلها. مثال ذلك: المظاهرات مثلا إذا أتى طائفة كبيرة وقالوا: إذا عملنا مظاهرة فإن هذا يسبب الضغط على الوالي وبالتالي يصلح وإصلاحه مطلوب، والوسيلة تبرر الغاية. نقول: هذا باطل لأن الوسيلة في أصلها محرمة فهذه الوسيلة وإن أوصلت إلى المصلحة لكنها في أصلها محرم كالتداوي بالمحرم ليوصل إلى الشفاء .فثم وسائل كثيرة يمكن أن تخترعها العقول لا حصر لها وتُجعل الوسائل مبررة للغايات وهذا ليس بجيد بل هذا باطل بل يشترط أن تكون الوسيلة مأذونا بها أصلا، ثم يحكم عليها بالحكم على الغاية.... إن كانت الغاية مستحبة صارت الوسيلة مستحبة وإن كانت الغاية واجبة صارت الوسيلة واجبة، وهكذا".

عشرة أوجه لبطلان المظاهرات لعمر بن عبدالرحمن العمر

عشرة أوجه لبطلان المظاهرات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد:
فقد وقع بعض المسلمين وبعاطفة غير منضبطة بضوابط الشرع في وسائل بدعية جاءت من الكفار كالخروج إلى الشوارع جماعات أو ما يسمى بالمظاهرات التي ما أطعمت جائعاً ولا سقت عطشان وما أنزل الله بها من سلطان.
واليك أخي القارئ بيان بطلانها خصوصاً في بلادنا بلاد التوحيد من عشرة أوجه:
الوجه الأول: أنها تعبد لله تعالى بوسيلة غير مشروعة وذلك عند بعض الدعاة الإسلاميين الذين يرونها وسيلة مشروعة للدعوة إلى الله وإظهار القوة ولهؤلاء يقال:
أين السلف الصالح من فعلها؟ فلو كان خيراً لسبقونا إليه، وأما الاستدلال بما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بعد إسلام عمر رضي الله عنه على رأس صفين من أصحابه وعلى الأول منهما عمر وعلى الثاني حمزة رغبة في إظهار قوة المسلمين فعلمت قريش أن لهم منعة فهذا الأثر قد رواه أبو نعيم في الحلية وفي إسناده إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة وهو منكر الحديث لا يحتج به فالرواية إذا لا تثبت.
الوجه الثاني: أن فيها تشبها بالكفار فهذه المظاهرات وسيلة ابتدأها الكفار للضغط على حكوماتهم والمطالبة بحقوقهم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم» رواه الشيخان واللفظ لمسلم وفي مسند احمد قال صلى الله عليه وسلم «ومن تشبه بقوم فهو منهم».
الوجه الثالث: أن القيام بها مخالف للنظام ومعصية لولاة الأمر في بلادنا خاصة، وهذا يتضح من خلال تصريح كبار المسؤولين في منعها وعدم السماح بها.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: «وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم»أ.ه.
الوجه الرابع: زعزعة الأمن وإثارة الفوضى والغوغائية ولا يخفى على كل عاقل أن حفظ الأمن مطلب مهم تشترك فيه جميع الأمم ومن الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها وإذا أردت أن تعرف قدر هذه النعمة فانظر حال من فقدها نسأل الله العافية والسلامة.
الوجه الخامس: إيقاع العداوة والتصادم والتقاتل بين رجال الأمن والمتظاهرين.
الوجه السادس: إن المظاهرات فرصة خطيرة لا اندساس المفسدين والمجرمين لتحقيق مآربهم وأغراضهم السيئة فليس كل من دخل في صفوف المتظاهرين يسعى ما يسعون إليه ويهدف إلى ما يهدفون إليه.
اليوم السابع: تعطيل مصالح الناس بما تحدثه هذه المظاهرات بجموعها الغفيرة من إغلاق للمحلات وتعطيل حركة السير، فقد يموت إنسان مصاب أو تتضاعف إصابته بسبب عدم وصول سيارة الإسعاف إليه والسبب في ذلك جموع المتظاهرين.
الوجه الثامن: ترك السنة وإحياء البدعة:
فالناس إذا انشغلوا بالمظاهرات ظنوا أنهم قدموا كل شيء ويكتفون بذلك عن الوسائل الشرعية النافعة المجدية كالتبرع بالمال والتضرع إلى الله بالدعاء.
الوجه التاسع: أن القول بجوازها ذريعة لأهل البدع والأهواء وأصحاب الأفكار المنحرفة للقيام بها والوصول إلى ما يريدون من مقاصد سيئة.
الوجه العاشر: ما يحدث في هذه المظاهرات من محاذير شرعية كالاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المحاذير بل حدثني من أثق به أن مظاهرة أقيمت في دولة عربية ابتدأت من قبل صلاة العصر إلى أن غربت الشمس وكثير من المتظاهرين قد ضيع صلاة العصر والله المستعان!!
وأخيراً ولأجل تجلية حكم المظاهرات فهذه فتاوي بعض العلماء في شأنها فقد سئل سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال:
س: هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة...؟
فأجاب رحمه الله بقوله: (لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج ولكني أرى أنها من أسباب الفتن ومن أسباب الشرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق) أ.ه.
ولما سئل عنها العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله قال: «لا نؤيد المظاهرات لا نؤيدها إطلاقا».
وسئل شيخنا العلامة صالح الفوزان حفظه الله هذا السؤال:
س: هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل ومآسي الأمة الإسلامية؟ فأجاب حفظه الله بقوله: «ديننا ليس دين فوضى ديننا دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها إلى أن قال: حفظه الله والمظاهرات هذه تحدث فتناً تحدث سفك دماء تحدث تخريب أموال فلا تجوز هذه الأمور» أ.ه.
وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله: المظاهرات هذه ليست من أعمال المسلمين هذه دخيلة ما كانت معروفة إلا من الدول الغربية والدول الكافرة..»أ.ه.
كما قرر شيخنا صالح آل الشيخ حفظه الله في أحد دروسه أن المظاهرات مثل الوسائل الممنوعة وان كانت غايتها سليمة وان مثلها كمثل التداوي بالمحرم للوصول إلى الشفاء.
وبعد هذا البيان أسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين وان يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: عمر بن عبدالرحمن العمر
جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض


__________________________________________________ __________

المظاهرات عدو المصالح و الإصلاح
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نَبِيَّ بعده، أما بعد: إن النزول إلى الشوارع، والتجمع في الأماكن العامة، وتسيير الحشود البشرية، ما هو إلا نوع تمرّد على الدولة ونظامها – حقاً كان ذلك النظام أو باطلا – وخُرُوجٌ علَى جماعةِ المُسلمينَ، مهما كان ذلك الشعار المحمول، فلا تغترَّ بلمعانه وبريقه، فالأمر أكبر والشَرُّ يقدم زاحفا.وما في التجمهر والتظاهر من الفتن والفساد، فإنما يدرك بأدنى تفطن وتأمل، فيما يشاهد من الأقوال والأفعال.
والمظاهرة معناها: المعونة والنصرة.قال تعالى: {وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا} [التوبة: 4]، والمظاهرة: المعاونة، وقال تعالى: {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، أي: عوناً ونصيراً. وروى البخاري في «صحيحه» (4596، 7085): أن محمد بن عبدالرحمن أبو الأسود قال: قُطع على أهل المدينة بَعثٌ فاكْتُتِبْتُ فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السَّهم فيرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله ﴿ إن الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾.الآية قال أهل العلم: (يكثرون سواد المشركين): جماعتهم، أي مع أنهم لا يوافقونهم في قلوبهم كانوا ظالمين، لأنهم أفادوهم قوة بوجودهم معهم.وذكره البخاري في موضعين أحدهما: (كتاب الفتن - باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم) وهذا من فقهه رحمه الله.
وفال الحافظ في «الفتح«: وفي هذه القصة دَلالة على براءة عكرمة مِمَّا يُنْسَب إليه من رأي الخوارج لأنه بالغ فِي النهي عن قتال المسلمين وتكْثِير سواد من يُقاتلهم.وغرض عكرمة: أن الله ذَمّ من كَثَّرَ سواد المشركين مع أَنَّهم كانوا لا يُريدون بقلوبهم موافقتهم، قال: فكذلك أنت، لا تُكَثِّر سواد هذا الجيش، وان كنت لا تُرِيد موافقتهم.اهـ
كيف نشأت ولماذا نشأت ومتَى نشأت
كيف ولماذا؟! لابد من التساؤل عن النشأة لمعرفة الدليل فهل أصله يعود إلى وحي من الكتاب والسنة أو إلى غيره، ولذا سيجد الباحث والمتتبع ولمن يسبر الأدلة وما عليه سلف الأمة، أن السبب الحقيقي والرئيس لتلك الفوضى (المظاهرات) هو عصيان بشري لأنظمة المكان الذي يعيش فيه، والموطن والبلد الذي يقطن فيه أو ينتمي إليه، سواءٌ كان الحق له أو عليه.
متى نشأت
وحول نشأَتِها نذكر اختصاراً:
أولا: في تاريخ المسلمين نجد أن فرقة الخوارج هم أول من أظهر هذه الفتنة، فخرجوا علَى ولاة الأمر وأمراءُ المسلمين، ولا يخفَى ذاك التجمع والتجمهر حول بيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين المهديين، والذي انتهى بسفك دمه واستشهاده، وبدأت الفتَنُ تتابع فِي بلاد المسلمين.فقد روى الترمذي في سننه (2194) عن بسر بن سعيد: ان سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي«، قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني قال: «كن كابن آدم» .قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن.قلت: وهو كما قال.
ثانيا: فِي التاريخ الغربِي نجد أن شعار الديمقراطية الذي أعلنوه منهجاً إصلاحيا، وسعوا إلى تصديره فِي كل أنحاء المَعمورة، يُفاجئهم ويقلقهم بالشغب الديمقراطي فالمُظاهرة والعصيان المَدَنِيِّ عندهم هِي من الحريات التِي كفلها شعار الديمقراطية، ومازالت هذه الدول تعانِي من ويلات الانقلابات الديمقراطية، التِي جعلت الدولة غير مستقرة، دائمة التغير، كل يوم هي في حال، ونظام التشريع يتبدل ويتقلب كتقلب الليل والنهار، فكيف تستقر للناس مصالح، وكيف السبيل إلى بيئةٍ وعالمٍ توجد فيه الطمأنينة والهدوء والراحة، وهذا ما ينشده الناس من كل تشريع.
ملاحظة: اصطلاح الديمقراطية: لفظ مجمل قد يحمل معاني نافعة وقد يحمل معانِي ضارة، لذا لا نقبله كله ولا نرده كله، بل نطلب التفصيل في لفظه ومعانيه، فما وافق الكتاب والسنة أخذنا به، وما خالف ما جاء من عند الله رددناه، وما تعرض لأمور إدارية وتنظيمية من غير مخالفات شرعية، فالأمر لواضع النظام أن يأخذ ما يناسب مصالح الرعية.
المظاهرات ضياع لمصالح الأمة
إن المظاهرات من الفساد فِي الأرض لِما فيها من:
(1): نزع هيبة الدولة والنظام عند المواطنين.
(2): بث الشعور الخاطئ بين الدول المحيطة بذلك التجمهر والتشهير بأن النظام الحاكم غير مرضِيٍّ عنه.
(3): فِي المتظاهرين من هو حسن النية، وان كان التظاهر عمل غير صالح من أصله، ولكنه يفتح مجالا للدخلاء بين الصفوف والقيام بإطلاق بعض العبارات المسمومة التِي توغر الصدور، وفِي ذلك شق لصفِّ المسلمين.قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ الا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47].ومن يضمن عدم إطلاق رصاصة أو قذيفة فِي الاتجاه الآخر أو فِي الهواء، ليدفع بالفريقين إلى مقتلة ومذبحة، وكم قرأنا وسمعنا الكثير من ذلك مِمَّا لا يستطيع أن يرفضه عقل صحيح، والرصاصة إذا انطلقت لَن يوقفها أحد وستبلغ مداها، وتترك أثرها، ولا نَمْلك إلا علاج الأثر، هذا إذا تمكنا من ذلك.
(4) تحريك شهوات النفوس الشريرة الداخلية لمحاولة الوثوب علَى النظام الحاكم، والإطاحة به، عندما يرون بعضاً من الشعب يتجرأ علَى النظام، ولا تتخذ الدولة إجراء حازماً يوقف هذا الشغب، ويمنع تكرار هذه الفتن، ومشاهد التاريخ القديم والمعاصر تخبرنا عن ذلك.
(5) إثارة الشهية لبعث الشرور الخارجية، لابتلاع الدولة التي لا تستطيع إخماد فتن الداخل.
والفتن أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم روى البخاري (3602)، ومسلم (2886) في «صحيحهما» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فِتَنٌ القاعد فيها خيرٌ من القائم والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي والماشي فيها خير من السَّاعي ومن يُشْرِف لَها تَسْتَشْرِفْه ومن وجد مَلْجَأً أو مَعاذاً فلْيعُذْ به».وأثر عن كثير من الصحابة الابتعاد عن مواقع الفتن.وروى عبد الرزاق في «المصنف» بسند صحيح (11/450) عن طاووس قال: لما وقعت فتنة عثمان قال رجل لأهله: أوثقوني بالحديد فاني مجنون، فلما قتل عثمان قال: خلّوا عني، فالحمد لله الذي شفاني من الجنون وعافاني من قتل عثمان.
كيف العلاج وأين الحل
انه في الطاعة والصبر قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ ان اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، وقال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] والمظاهرة خروج عن الطاعة لذا أُمِرنا بالطاعة والصبر، لما روى البخاري (3792)، ومسلم (1845) في صحيحيهما من حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله! ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: «ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض«.والمراد بالأثرة في قولة: «ستلقون بعدي أثرة»، أي: استئثار الأمراء بالحظوظ وكل شيءٍ لأنفسهم دون غيرهم من الناس، فلم نجد في النص توجيهاً إلى مظاهرة أو مسيرة أو اعتصام. وروى البخاري (3603)، ومسلم (1843) في صحيحيهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها «، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم«، أي: ولو مُنِعْنَا حُقُوقُنَا فالواجبُ الصَّبرُ بلا اعتصامٍ أو مظاهرة.فقد أمرنا في الشرع بأداء الحقوق التي علينا والصبر حتى يأتي نصر الله.
لا يشرع القتال على الملك
لقد استقر عند السلف أن ترك القتال في الفتنة من الدين، وكذا الاقتتال على الدنيا، ومعلوم أن أول القتال شرارة تبدأ من زلات اللسان وفلتات الكلام:
فان النار بالعودين تذكي وان الحرب مبدؤها الكلام
وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لا يرى القتال على الملك فقد روى البخاري في «صحيحه»(4651، 7095) من طريق سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبدالله بن عمر، فرجونا ان يحدثنا حديثا حسناً، قال: فبادرنا اليه رجل فقال: يا أبا عبدالرحمن! حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}، فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك.
د/عبدالعزيز بن ندَى العتيبي


__________________________________________________ __________

كشف شبهات مجوزي المظاهرات
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .......... أما بعد،،،
فإن فقد علماء السنة رزية، وتترتب عليه مفاسد جلية، ومن أعظمها: تجاسر أهل البدع في الدعوة إلى بدعهم وضلالهم، قال الآجري في كتابه أخلاق العلماء: فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا ا.هـ
ومن الأمثلة على ذلك: ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء عن يحيى بن أكثم قال: قال لنا المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون، لأظهرت القرآن مخلوق. فقيل: ومن يزيد حتى يتقى ؟ فقال: ويحك إني لأرتضيه لا أن له سلطنة، ولكن أخاف إن أظهرته، فيرد علي، فيختلف الناس، وتكون فتنة .وفي هذا ما يدل على أن حياة أئمة السنة حماية للشريعة ولعموم البرية من البدع والضلالات الردية ، وهذه القصة وإن كانت في رد بدعة من الحاكم، فهي كذلك في عموم أهل الضلالة، سواء كانوا حكاماً أو محكومين، وبعض من ربي على الثورة والتحزبات البدعية قصر فهمه على أن الشجاعة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقول كلمة الحق أمام الحكام فقط دون غيرهم .
والواقع أن الأمر أعم وأشمل، بل إن الشجاعة حقاً في مصابرة النفس على مخالفة الجماهير؛ لنصر سنة، وقمع بدعة، وما أكثر الذين وجدوا في مواجهة الحكام سوقاً رائجاً في جمهرة الناس حولهم، وبعضهم اتخذه سبيلاً لتحقيق مأربه، فإذا تجمهر الناس حوله ساوم الحكام تصريحاً أو تعريضاً على مصالح مادية ونحو ذلك.
وإننا لما فقدنا في هذا العصر أئمته الثلاثة الإمام عبد العزيز بن باز، والإمام محمد ناصر الدين الألباني، والإمام محمد بن صالح العثيمين – رحمهم الله رحمة واسعة -.
أظهر كثير من أهل البدع والضلالة وغيرهم أقوالهم الضالة بعد أن كانوا لها مستترين خوفاً من شهب هؤلاء الأئمة الثلاثة على أن بعضهم ظن الأمر سهلاً، فأظهر مقالته الضالة، ففجع بشديد تفرق الناس عنه، وإنكارهم عليه على إثر كلام هؤلاء الأئمة الثلاثة أو بعضهم فيه، كما جرى لعبد الرحيم الطحان، ويوسف القرضاوي، إلا أن الثاني كان يسانده حزبه الإخواني، كما قال تعالى: (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ )، ومع ذلك كان النفور منه شديداً، ولم يتقو إلا بعد موتهم .
وممن رد عليه العلماء عبدالرحمن عبد الخالق -رأس السرورية في الكويت، وهو التابع لجمعية إحياء التراث، ومن تبرعات المسلمين التي تجمعها الجمعية يقتات، وعلى يده تخرج السروري حامد العلي وأمثاله-، فإنه لما رد عليه الإمام عبد العزيز بن باز في تجويزه للمظاهرات بادر بإظهار توبته، ثم لما توفي الإمام ابن باز نكص على عقبيه، وشارك في عدة مظاهرات بالكويت، مما يدل على أن توبته كانت تقية، وأكد ذلك بعض أنصاره.
وعلى إثر موت هؤلاء الأئمة الثلاثة، وتوالي الفتن، تقوى الحزبيون والمتأثرون بهم في إظهار القول بشرعية المظاهرات، فلما رغبوها، واستحسنتها نفوسهم أرادوا مسلمتها، فأخذوا يتكلفون للتدليل عليها بما فيه شبهة للدلالة عليها، وما لا شبهة فيه، فاعتقدوا أولاً، ثم استماتوا للاستدلال عليها ثانياً، كما هي عادتهم في كثير من الوسائل المحدثة، كالأناشيد المسماة إسلامية، والتمثيل المسمى إسلامياً، وهكذا ...
وإليك ما وقفت عليه من شبهاتهم، وجوابها، وكشفها، ليثبت السلفي على الحق الذي كان عليه أئمة العصر الثلاثة، ويجتنب البدع المضلة وأهلها.
وقبل إيراد شبهاتهم، وكشفها -بحول الله وقوته -، إليك الأدلة على حرمة المظاهرات:
إن المظاهرات قسمان:
القسم الأول / المظاهرات التي يراد منها أمور شرعية دينية.
القسم الثاني/ المظاهرات التي يراد منها أمور دنيوية، وهذه نوعان:
النوع الأول: المظاهرات لإسقاط حاكم؛ لدافع دنيوي لا ديني .
النوع الثاني: المظاهرات لتحصيل ما سوى ذلك من أمور الدنيا .
أما القسم الأول/ المظاهرات التي يراد من ورائها تحقيق أمور شرعية دينية، فهذه بدعة في الدين؛ لأنها محدثة، والقاعدة الشرعية النبوية: أن كل بدعة ضلالة، كما أخرج ذلك مسلم في صحيحه عن جابر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل: إن هذه من الوسائل، والأصل في اتخاذ الوسائل الجواز ما دامت مباحة.فيقال: هذا حق، لكن في غير الوسائل المؤدية إلى العبادات، فإن للوسائل أحوالاً ثلاثة:
الحالة الأولى: الوسائل الملغاة؛ وهي الوسائل التي جاء النهي عنها بدليل خاص، ولا إشكال في بدعية اتخاذ هذه الوسائل، كاتخاذ التمثيل وسيلة من وسائل الدعوة؛ لأنه محرم؛ لكونه متضمناً الكذب.
الحالة الثانية: الوسائل المعتبرة؛ وهي التي نص الشرع على جوازها بنص خاص، مثل: جعل الأذان وسيلة للإعلام بدخول وقت الصلاة، ولا إشكال في شرعية هذه الوسائل .
الحالة الثالثة: الوسائل التي لم يأت نص خاص بجوازها، ولا حرمتها، وهذه تردد بين المصالح المرسلة، والبدع المحدثة . والضابط في التفريق بين هذين النوعين دقيق، حرره تحريراً بديعاً شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان يردده كثيراً العلامة الألباني – رحمه الله -، وخلاصة ذلك أمران:
الأول: أن ينظر فِي هذا الأمر الْمُراد إحداثه لكونه مصلحة, هل الْمُقتضي لفعله كان موجودًا فِي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والْمَانع منتفيًا؟
أ- فإن كان كذلك ففعل هذه الْمَصلحة -الْمَزعومة- بدعة؛ إذ لو كانت خيرًا لسبق القوم إليه فإنَّهم بالله أعلم, وله أخشى, وكل خير فِي إتباعهم فعلاً وتركًا.
ب- أما لو كان الْمُقتضي -أي: السبب الْمحوج- غير موجود فِي عهدهم، أو كان موجودًا، لكن هناك مانع يَمنع من اتِّخاذ هذه المصلحة، فإنه لا يكون بدعة، بل يكون مصلحة مرسلة, وذلك مثل جَمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن الْمُقتضي لفعله غير موجود؛ إذ هو بين أظهرهم لا يُخشى ذهابه ونسيانه, أما بعد موته فخشي ذلك لأجل هذا جَمع الصحابة الكرام القرآن.ومن الأمثلة أيضًا: الأذان فِي مكبرات الصوت, وتسجيل المحاضرات في الأشرطة السمعية, وصلاة القيام في رمضان جماعة, فكل هذه الأمور كان يوجد مانع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعلها, أما الأمران الأولان: فعدم إمكانه لعدم وجودها في زمانه, أما الأمر الثالث: فإنه ترك الفعل خشية فرضه, وبعد موته لم يكن ليفرض شيء لَم يكن مفروضًا من قبل.
الثانِي: إن كان المقتضي غير موجود فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فيُنظر فيه هل الداعي له عندنا بعض ذنوب العباد؟ فمثل هذا لا تُحَدثُ له ما قد يسميه صاحبه مصلحةً مرسلةً، بل يؤمرون بالرجوع إلَى دين الله والتمسك به؛ إذ هذا الْمَطلوب منهم فعله، والْمَطلوب من غيرهم دعوتُهم إليه, ويُمثل لِهذا بتقديْم الخطبة على الصلاة فِي العيدين؛ لأجل حبس الناس لسماع الذكر، فمثل هذا من البدع الْمُحدثة لا من الْمَصالِح الْمُرسلة, وإليك كلام الإمام الْمُحقق ابن تيمية فِي بيان هذا الضابط:قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/598): والضابط فِي هذا -والله أعلم-: أن يُقال: إن الناس لا يُحدثون شيئًا إلا لأنَّهم يرونه مصلحةً؛ إذ لو اعتقدوه مفسدةً لَمْ يُحدثوه, فإنه لا يدعو إليه عقلٌ ولا دينٌ, فما رآه الناس مصلحةً نظر فِي السبب الْمُحوج إليه, فإن كان السبب الْمُحوج أمرًا حدث بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا، فهنا قد يَجوز إحداث ما تدعو الْحَاجة إليه, وكذلك إن كان الْمُقتضي لفعله قائمًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن تركه النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِمعارضٍ زال بِموته. وأما ما لَمْ يَحدث سببٌ يُحوج إليه، أو كان السبب الْمُحوج إليه بعض ذنوب العباد، فهنا لا يَجوز الإحداث؛ فكل أمرٍ يكون الْمُقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودًا لو كان مصلحةً، ولم يُفعل يُعلم أنه ليس بِمصلحةٍ, وأما ما حدث الْمُقتضي له بعد موته من غير معصية الخلق, فقد يكون مصلحة – ثم قال: فأما ما كان الْمُقتضي لفعله موجودًا لو كان مصلحةً, وهو مع هذا لَمْ يشرعه, فوضعه تغييرٌ لدين الله, وإنَّما دخل فيه من نسب إلَى تغيير الدِّين من الْمُلوك والعلماء والعباد، أو من زلَّ منهم باجتهاد, كما روي عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وغير واحدٍ من الصحابة:" إن أخوف ما أخاف عليكم: زلَّة عالِم, وجدال منافقٍ بالقرآن, وأئمةٌ مضلُّون ".
فمثال هذا القسم: الأذان في العيدين, فإن هذا لَمَّا أحدثه بعض الأمراء, أنكره الْمُسلمون؛ لأنه بدعةٌ, فلو لَمْ يكن كونه بدعةً دليلاً على كراهيته, وإلا لقيل: هذا ذكرٌ لله ودعاءٌ للخلق إلَى عبادة الله, فيدخل في العمومات, كقوله: (اذكروا الله ذكرًا كثيرًا) وقوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعآ إلَى الله وعمل صالِحًا)...الخ ا.هـ .
وبعد هذا التحقيق البديع من شيخ الإسلام ابن تيمية، فإن فعال الصحابة والسلف دالة على دخول البدع في الوسائل، كما تدخل في الغايات، ومن نازع في ذلك نازع سلف الأمة وهم خصمه، ومن الأمثلة الدالة على ذلك:
ما روى البخاري في قصة جمع المصحف وأن عمر بن الخطاب أشار على أبِي بكر بالْجَمع, فقال له أبو بكر: كيف تفعل شيئًا لَمْ يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبِمثل هذا أجاب زيد بن ثابت أبا بكر الصديق لَمَّا عرض عليه جَمع الْمُصحف.
ففي هذا دلالة واضحة على أن البدع تدخل فِي الوسائل كما تدخل فِي العبادة ذاتِها ؛ وذلك أن جَمع الْمُصحف من الوسائل, ومع ذلك احتجوا بعدم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: لِماذا إذن جَمعوا المُصحف مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يفعله؟
فيقال: لأن مقتضى -أي: سبب- الْجَمع وجد فِي زمان أبِي بكر t, ولَمْ يكن موجودًا فِي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو حي بين أظهرهم فبوجوده لا يُخشى ذهاب القرآن.
ومن الأدلة أيضًا: ما ثبت عند الدارمي وابن وضاح أن ابن مسعود أنكر على الذين كانوا يعدون تكبيرهم وتسبيحهم وتَهليلهم بالْحَصى, واحتج عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لَمْ يفعلوا, مع أن عدَّ التسبيح راجع للوسائل.وبعد أن تبين أن المظاهرات التي تفعل لأمور شرعية دينية بدعةٌ محدثةٌ،لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته مع إمكان فعلها، فلا يصح لأحد بعد هذا أن يعترض بأن الأصل فيها الإباحة، فلا تمنع إلا بدليل؛ لأنها عبادة، والأصل في العبادات الحرمة. وهذا مثل من لم يقنع بالمنع من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ بحجة أنه لا دليل يدل على المنع.
فيقال: إن الدليل على منعها كونها عبادة، ولا دليل على شرعيتها، فتكون بدعة؛ لأن الأصل في العبادات الحضر، والمنع .
أما القسم الثاني/ المظاهرات التي يراد منها تحقيق أمور دنيوية، وهذه نوعان -كما تقدم-؛ أما النوع الأول: وهي المظاهرات لإسقاط حاكم لدافع دنيوي لا ديني، فهذه محرمة بدلالة كل نص على وجوب السمع والطاعة للحاكم، ولو كان فاسقاً غير عدل، فمع تكاثر الأدلة في حرمة هذا الفعل -وهذا كاف-، فكذلك السلف أجمعوا على حرمة هذا الفعل، وتضليل من خالف فيه، ودونكم ما شئتم من كتب الاعتقاد السلفي، ومن حاول المنازعة في هذا فقوله مردود، وهو ضال قد خالف ما عليه دلائل السنة وآثار السلف، وبمثله ضلل السلف أقواماً .
وتزداد حرمة هذا النوع إذا فعل لأجل الدين أيضاً، فإنه بالإضافة إلى كونه محرماً يكون بدعة، ثم كل ما سيأتي من الأدلة في النوع الثاني يصلح دليلاً على حرمة هذا القسم، وللشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم – رحمه الله – كتاب نفيس فيما يتعلق بهذا النوع، قد أثنى عليه شيخنا العلامة ابن عثيمين في شرحه على السياسية الشرعية لابن تيمية، واسم الكتاب: معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة.
أما النوع الثاني: المظاهرات لتحصيل ما سوى ذلك من أمور الدنيا، فهي محرمة لأوجه كثيرة، منها:
الوجه الأول/ أن المظاهرات، ولو كانت سلمية، خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الحكام الذين اغتصبوا الحقوق، كما أخرج الشيخان عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ستكون أثرة ( حكام يؤثرون أنفسهم عليكم في أخذ حطام الدنيا )، وأمور تنكرونها (حكام عندهم معاصي شرعية ) " . قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال:" تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم " وفي الصحيحين عن أسيد بن حضير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " فنحن مأمورون بالصبر، لا بالمظاهرات للضغط على الحكام، وقد أمر أئمة السنة بالصبر وقالوا: حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر .
الوجه الثاني/ أن فيها فتح باب شر بتحكيم الشعوب، فكلما أراد الشعب أموراً تظاهروا للمطالبة به، فإذا أراد أهل الشهوات أمراً من أمور الشهوات المحرمة تظاهروا للمطالبة به، فاستجيب لهم، وإذا أراد العلمانيون والليبراليون أمراً تظاهروا للمطالبة به، فاستجيب لهم، وهكذا ... ومن المعلوم أن أهل الاستقامة والديانة أقل من غيرهم بكثير في المجتمعات الإسلامية قال تعالى: (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون)
الوجه الثالث: أن أكثر المظاهرات إن لم يكن كلها متضمنة على اختلاط الرجال بالنساء، الاختلاط المحرم، وما خالف ذلك فهو قليل لا حكم له، والواقع المشاهد خير برهان .
الوجه الرابع: أن جور الحكام بسبب ذنوب المحكومين، والذنوب لا ترفع إلا بالتوبة والاستكانة إلى الله لا بالمظاهرات، قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (4 / 315): وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ). وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى ... ا.هـ
هذه الأوجه الأربع في المظاهرات التي يقال إنها سلمية، أما غير السلمية فهي زيادة على ما تقدم تحتوي على قتل للنفوس وإهلاك للأموال، وانتهاك للأعراض، وغير ذلك.
وبعد هذا كله إليك شبه المجيزين للمظاهرات، وكشفها، وأؤكد أن واقع حالهم اعتقدوا، ثم سعوا ليستدلوا، فتكلفوا وحرفوا نصوص الشريعة .
الشبهة الأولى/ ادعى مجوزو المظاهرات أن فعل المتظاهرين قد دلت عليه السنة، فقد أخرج أبو نعيم في الحلية(1/40): أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بعد إسلام عمر - رضي الله عنه - على رأس صفين من أصحابه، وعلى الأول منهما عمر - رضي الله عنه -، وعلى الثاني حمزة - رضي الله عنه - رغبة في إظهار قوة المسلمين، فعلمت قريش أن لهم منعة ا.هـ
وهذا لا دلالة عليه من وجهين؛ دراية، ورواية:
الوجه الأول رواية: فإن إسناده ضعيف؛ لأن فيه إسحاق بن أبي فروة، قال الإمام أحمد: لا تحل عندي الرواية عنه. وقال: ما هو بأهل أن يحمل عنه، ولا يروى عنه. وقال الإمام ابن معين عنه: كذاب. ( تهذيب التهذيب )
الوجه الثاني دراية: أنه لا ولاية في مكة، وكان أعداؤهم حربيين، فلما تقووا استعملوا القوة في مقدار ما يستطيعون. فأين هذا من تجمع أناس على حكامهم؛ لإظهار سخطهم على فعل ما!؟
الشبهة الثانية/ ادعى مجوزو المظاهرات أنه قد دل على جواز المظاهرات: أنها وسيلة قد جربت، فوجد نفعها بأن حصل المطلوب، وكشف هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول: أنها أيضاً جربت في مواطن كثيرة وكثيرة جداً، فلم تنفع، فهي وسيلة مظنونة، وليس حدث تظاهر المسلمين في فرنسا ضد قرار منع الحجاب عنا ببعيد، فلم ينفع، والأمثلة كثيرة، وما كان كذلك، فلا يجوَّز به المحرم، وقد تقدم ذكر الأدلة على منعها وحرمتها .
الوجه الثاني: أنه لو قدر حصول النتيجة من هذه الوسيلة، فإنه لا يدل على حلها ولا صحتها بحال، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة.
الشبهة الثالثة: استدل مجوزو المظاهرات بأنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جارًا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات – " اصبر " ثم قال له في الرابعة أو الثالثة: "اطرح متاعك في الطريق " ففعل. قال: فجعل الناس يمرون به ويقولون: ما لك؟ فيقول: آذاه جاره فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره فقال: رد متاعك، لا والله لا أوذيك أبداً . وفي رواية فجاء – الذي آذى جاره - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما لقيت من الناس؟ فقال: "وما لقيت منهم؟ " قال: يلعنونني، فقال: " لقد لعنك الله قبل الناس " قال: إني لا أعود، فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:" ارفع متاعك فقد كُفْيت"
وفي رواية قال: فاجتمع الناس عليه .
واستدلالهم بهذا الحديث مما يدل على أنهم اعتقدوا، ثم تكلفوا الاستدلال، ولو بما لا دلالة فيه، كهذا الحديث.
وجه الدلالة هو أنهم اجتمعوا على إنكار هذا الفعل .وكشف هذه الشبهة من أوجه :
الوجه الأول: : إن رواية " فاجتمع الناس عليه " مخرجة في الأدب المفرد؛ وهي رواية ضعيفة لأنها من طريق محمد بن عجلان عن أبيه .
الوجه الثاني: أن اجتماعهم هذا جاء وفاقاً لا قصداً للضغط والإنكار، بخلاف المظاهرات التي نحن بصددها .
الوجه الثالث: أنه لو سلم بأن الرواية صحيحة، وأن الاجتماع كان مقصوداً، فأين هذا من تجمع أناس للضغط على الحاكم، كما هو فعل المتظاهرين .
الوجه الرابع: أنه لو سلم بأن الرواية صحيحة، وأن الاجتماع كان مقصوداً، فغاية ما في الاستدلال أنه من باب القياس، ومن المتقرر عند العلماء قاطبة: أن القياس إذا صادم نصاً صار قياساً فاسداً، فلا يحتج به. وتقدمت الأدلة على حرمة المظاهرات .
الوجه الخامس: إن هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم خطورة فعل هذا الجار، فيتعظون، فهو ذو سلطان يستطيع الإنكار باليد .
الشبهة الرابعة/ استدلوا بأن الشريعة دعت لصلاة العيد بالمصليات، وحثت الرجال والنساء حتى ذوات الخدور والحيض على شهود العيد، فدل هذا على مشروعية المظاهرات؛ لأن فيه إظهار قوة المسلمين، والمظاهرات كذلك . وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: لم تشرع صلاة العيد في المصليات؛ لإظهار قوة المسلمين، وإنما لإظهار هذه الشعيرة لحكمٍ، منها: إظهار تآلف المسلمين، والاجتماع في مكان واحد؛ لإظهار الفرح والسرور بهذا العيد. ويؤكد ذلك أنه فعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا في قوة، وهكذا في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وكان وقتها وقت قوة، لاسيما في المدينة النبوية، فليسوا في حاجة لإظهار قوة المسلمين .
الوجه الثاني: إن غاية ما في هذا – إن سلم به – أنه قياس، والقياس إذا صادم الأدلة الشرعية صار قياساً فاسداً.
الوجه الثالث: أين هذا من التجمهر لإظهار السخط على نظام أو قرار؟
عجباً من هذا الاستدلال أفلا تعقلون .وبهذه الأوجه يرد على استدلالهم بصلاة الجمعة والجماعة في المساجد وهكذا ...
الشبهة الخامسة/ استدلوا بأن الشريعة دعت إلى إنكار المنكر، وهذه المظاهرات من إنكار المنكر، وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: أنه لا يسلم جواز إنكار المنكر بهذه الطريقة -لما تقدم ذكره من الأدلة على حرمتها-، فلا يصلح الباطل بالباطل، وطرق الإصلاح المشروعة كثيرة لمن ابتغاها .
الوجه الثاني: أن تحقق المصلحة من هذه الطرق مظنونة، وهي لم تنفع في حالات كثيرة، فما كان كذلك لا يجوّز به المحرم، لا سيمت وقد ترتب على كثير من المظاهرات منكر أكبر .
الوجه الثالث: إن الشريعة شرعت طرقاً لإنكار المنكر، فمن سلكها فحصل المراد، فالحمد لله، وإذا لم يحصل المراد برأت الذمة، وأدى الذي عليه .
الشبهة السادسة/ استدلوا بأن العز بن عبد السلام وغيره قد فعلوا أمثال هذه المظاهرات.
وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: أنه لو سلم فعل هؤلاء العلماء لها، فإن أقوال وفعال العلماء يحتج لها ويعتضد بها، لا يحتج بها، فليست حجة بالإجماع، والأدلة دلت على عدم مشروعية هذه المظاهرات كما تقدم .
الوجه الثاني: أن كثيراً مما يحكونه عن أهل العلم في هذا الصدد ليس من المظاهرات في شيء، وإنما توسعوا تحججاً بالقياس الفاسد، فقاسوا على المظاهرات .
الوجه الثالث: أن كثيراً من البدع قد وقع فيها من يسمون علماء، فالعز بن عبد السلام مثلاً يرى أنه بإمكان الأولياء أن يطلعوا على اللوح المحفوظ (قواعد الأحكام (1/140))، وهو من الطاعنين في اعتقاد السلف في صفات الله، وقد بين ضلال اعتقاده شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى .
يتبع.....


__________________________________________________ __________

الشبهة السابعة/ استدل بعض المتكلفين أن العلماء منعوا من المظاهرات سداً للذريعة؛ لما يترتب عليها من المفاسد، فإذا قدرت مظاهرات بدون هذه المفاسد، فإنها تجوز .
وكشف هذه الشبهة أن يقال: إنه ليس كل ما منعه العلماء سداً للذريعة معناه أنه مؤد للذريعة، وإنما قد يؤدي إليها غالباً أو كثيراً، فمنعوه وإن كان قد لا يؤدي إلى الذريعة أحياناً، وهذه هو معنى سد الذرائع الذي دلل عليه ابن تيمية في كتابه ( بيان الدليل على بطلان التحليل ) بأكثر من ثلاثين دليلاً، وزادها ابن القيم في كتاب ( أعلام الموقعين ) إلى تسعة وتسعين دليلاً، ومن الأدلة على حجية دليل سد الذرائع: تحريم الشريعة خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية؛ حتى لا يقعوا فيما حرم الله مع أنه قد تقع خلوة بدون فعل لمحرم، ومع ذلك فإنه يمنع ويحرم، ومثل هذا كل ما منع سداً للذريعة، فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات .
وأذيل هذا المقال بنقل فتاوى جماعة من علمائنا في حرمة المظاهرات ليقارن بينها وبين كلام الحركيين والحماسيين العاطفيين في هذه المسألة التي تذرع الحركيون الثوريون بها للتهييج على الولاة، وإشاعة الفوضى؛ مستغلين عاطفة عامة الناس:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز : فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله، أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات، ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شراً عظيماً على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير، وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات، ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب، ولكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم، ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر بالدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله ا.هـ مجلة البحوث الإسلامية العدد 38 ص 210.
وقال الشيخ الألباني في سلسلة الهدى والنور شريط رقم 210: صحيح أن الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة، فهي الأصل فيها الإباحة، هذا لا إشكال فيه، لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية، فمن هنا تصبح هذه الوسائل غير شرعية، فالخروج للتظاهرات أو المظاهرات، وإعلان عدم الرضا، أو الرضا وإعلان التاييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض القوانين، هذا نظام يلتقي مع الحكم الذي يقول الحكم للشعب، من الشعب وإلى الشعب، أما حينما يكون المجتمع إسلامياً فلا يحتاج الأمر إلى مظاهرات، وإنما يحتاج إلى إقامة الحجة على الحاكم الذي يخالف شريعة الله .- ثم قال- أقول عن هذه المظاهرات ليست وسيلة إسلامية تنبئ عن الرضا، أو عدم الرضا من الشعوب المسلمة؛ لأنه هناك وسائل أخرى باستطاعتهم أن يسلكوها – ثم قال- وأخيراً، هل صحيح أن هذه المظاهرات تغير من نظام الحكم إذا كان القائمون مصرين على ذلك؟ لا ندري كم وكم من مظاهرات قامت، وقتل فيها قتلى كثيرون جداً، ثم بقي الأمر على ما بقي عليه قبل المظاهرات، فلا نرى أن هذه الوسيلة تدخل في قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة؛ لأنها من تقاليد الغربيين ا.هـ
وقال في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (14 / 74): لا تزال بعض الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن كونها من عادات الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب، وتتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم : "خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ". ا.هـ
وسئل الشيخ محمد ابن عثيمين: هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة الشرعية؟
فقال: فإن المظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة - رضي الله عنهم -.
ثم إن فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمرا ممنوعاً؛ حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها، ويحصل فيه أيضاً اختلاط الرجال بالنساء، والشباب بالشيوخ، وما أشبه ذلك من المفاسد والمنكرات، وأما مسألة الضغط على الحكومة فهي إن كانت مسلمة فيكفيها واعظاً كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا خير ما يعرض على المسلم، وإن كانت كافرة، فإنها لا تبالي بهؤلاء المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهراً وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى أن المظاهرات أمر منكر.وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر، أو في أول مرة، ثم تكون تخريبية، وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أثنى على المهاجرين والأنصار وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان ا.هـ انظر: الجواب الأبهر ص 75.
وسئل الشيخ صالح الفوزان هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل الأمة الإسلامية؟ فقال: ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام ودين سكينة، المظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة لا فوضى فيه، ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام والحقوق يتوصل إليها دون هذه الطريقة بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، هذه المظاهرات تحدث فتناً، وتحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال فلا تجوز هذه الأمور ا. هـ الإجابات المهمة في المشاكل الملمة محمد الحصين ص 100.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ/عبد العزيز بن ريس الريس


>>>دعواتكم لمن جمع ورتب<<<<


__________________________________________________ __________

الف شكر ع الموضوع وحسبي الله ع من ارادللبلاد الفتن اللهم من اراد للملك اوللوطن بسو فاشغله في نفسه واجعل تدميره بتدبيره امين والله انا عايشين بخير بحكم ربي ثم ال سعود اقلها يتدبرو اهل الفتن نعمه الامان اللي ربي خلاها ع ايديهم والدول الاخر عايشه حتى بخيرهم الف حمد وشكر لك يارب الله يديم ابو متعب واخوانه ذخرلناويكفيهم شر من له شريارب