عنوان الموضوع : * تزكية النفوس *
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

* تزكية النفوس *



بسم الله الرحمن الرحيم


تُعَد معرفة النفس الركن الثاني من أركان تربية الإنسان لنفسه وتزكيتها ؛ لأنها الطريق الموصلة لمعرفة الإنسان بربِّه سبحانه وتعالى ، كما يقال "مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ ، عَرَفَ رَبَّهُ"، ألم ترى نفسك بصفات العيب والنقصان ؟

فاعرف أنك عبدٌ ذليـــل لله ...

والله تعالى يقول : {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات : 21]
نرى صفات الإنسان التي وردت في القرآن الكريم ؛ لنتوصل لفهم أنفسنا ومعرفتها ونتمكن من علاج آفاتها ، وتلك الصفات موجودة في نفس كل واحدٍ منا إلا من هدى الله ، ولا يمكن استبدالها بصفات صالحة إلا بالإيمـــان .

الصفة الأولى : ضعيـــف .

قال تعالى : {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء : 28]
فالأصل إنك ضعيف ولن تستطيع أن تتخذ أي قرار وتنفذه بحولك وقوتك ، بل عليك أن تستقوي بالله وتطلب منه أن يمدك بالعون والقوة ، فإذا أردت أن تقلع عن ذنبٍ ما ، لابد أن تركن إلى الله سبحانه وتعالى ؛ لتستمد القوة من القوي جلَّ جلاله .

الصفة الثانية : جحــــود .

فالإنسان يجحد النِعَم وينساها ، يقول الله تعالى : {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس : 12] فإذا مر بك أي ابتلاء تجتهد في الدعــاء وأنت مُنكَسِر القلب مُخبت لله ، فإذا كشف الله عنك الضر نسيت ما كان منك وجحدت نعمة ربِّك عليك .

الصفة الثالثة : يئــــــوس .

يقول تعالى : {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} [هود : 9]
فالإنسان سريعًا ما يتسلل إلى نفسه الإحباط والقنوت ، يقول الله جلَّ وعلا : {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء : 83] فإذا أنعَم الله على الإنسان بنعمة فَرِحَ بها وأعرض عن ربِّه ، فلا يشكره ولا يذكره ، أما إذا ابتلاه الله بمرض أو فقر أو نحوه ، يأس من الخير وقطع رجاءه من ربِّه .

الصفة الرابعة : كفور .

وهي من أكثر الصفات التي وردت في القرآن عن الإنسان ، قال تعالى : { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} [الشورى : 48] أي : طبيعته كفران النعمة السابقة ، والتسخط لما أصابه من السيئة .
ولهذا لابد أن تتذوق مرارة هذا الإحساس في حيــاتك ، فتجد من أحسنت إليهم ومددت إليهم يد المساعدة يردون إليـــك الإحســان بالإســاءة ، فإذا كنت تشعر بصعوبة كفران الآخرين بحقك أنت
فمن أنت أيها الإنسان حتى تتكبَّر في الأرض وتكفر بنِعَم الله التي أسبغها عليك ؟!

الصفة الخامسة : ظلوم .

قال تعالى : {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم : 34]
فالإنسان كثير الظلم لنفسه ، يعلم طريق الحق والهداية الذي قد بيَّنهُ له الله سبحانه وتعالى ومع ذلك شهوات نفسه تغلبه وتجعله يسير في طريق الغواية والضلال .

الصفة السادسة : جهـــول .

ومهما أوتي الإنسان من علم يظل جهولاً ، كما في قوله تعالى : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (*) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم : 6,7] وليس معنى هذا عدم طلب العلم الدنيوي ، وإنما كلما إزداد الإنسان علمًا في الدنيـــا ينبغي أن يزداد معرفةً بربِّه ،
وأعظم جهل الإنســان : جهله بربِّه وجهله بنفسه .
وما من مشكلة تقع فيها في حيــاتك إلا وسببها : عدم الفهم عن الله تعالى .

الصفة السابعة : خصيــــم .

قال تعالى : {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس : 77]
فقد خُلِقَ الإنسان من ماءٍ مهين ومع ذلك ينسى قدر نفسه وأنه لا يساوي شيئًا في هذا الكون الفسيـــح ، وكلما أتاه أمرٌ من خالقهِ فإنه يُجـــادل ويُطالب بالأدلة كأنه يُخـــاصم ربَّه ، مع أنه يجب عليه أن ينصـــاع لشرع ربِّه ويقول : سمعنا وأطعنا .

الصفة الثامنة : عجــــــول .

قال تعالى : {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء : 37]
خُلِقَ الإنسان عجولاً يبادر الأشياء ، ويستعجل بوقوعها ، ويتعجَّل قطف الثمرات ، فإذا لم يَجِد حلاوة الإيمان في عبادة من العبادات يملَّ ويتوقف عنها ، والعجلة قد تؤدي لنتائج سلبية في كثير من الأمور ، فعليه أن يتأنى .
ومن جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير ، ولكن الله بلطفه يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [يونس :11] [تفسير السعدي]

الصفة التاسعة : قتـــــور .

قال تعالى : {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء : 100]
فالإنسان مطبــوع على الشُح والبخل ، يبخل أن يُصَرِّف نِعَم الله تعالى عليه في مرضاته ، ولو كانت معه خزائن الله التي لا تنفد ولا تبيد ، لأمْسَك خشية أن تنفد .

الصفة العاشرة : جَدِل .

قال تعالى : {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف : 54]

عَنْ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ لَيْلَةً ، فَقَالَ "أَلَا تُصَلِّيَانِ ؟" فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا ، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ : {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [متفق عليه]
وهكذا الإنسان دائمًا ، يُجادل ويبرر أفعاله ويتحدث كثيرًا دون أن ترى منه أفعالاً .

الصفة الحادية عشر : مُتَكَبِّـــــر .

قال تعالى : {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر : 49]
فالكِبر من آفــات الإنسان الأساسية ، يرى نفسه بعين الكمال وإذا أنْعَم الله تعالى عليه يحسَب أن ذلك لكرامته على الله وهو في الأصل مسكيـــن .

الصفة الثانية عشر : موسوس .

قال تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق : 16]
عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ" [صحيح مسلم]
فيسْهُلُ للشيطــان أن ينفُذ إلى باطن الإنسان ويوسوس إليــه بأحاديث النفس ، ولكن حين يَعْتَصِم الإنسان بربِّه ويستعِذ به من الشيطان ، سيحميه من وسوسة الشيطان ويحرس قلبه .

الصفة الثالثة عشر : هلــــوع .

قال الله تعالى : {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (*)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (*) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج : 19,21]
وللهلع عدة معاني ، منها :
إنه شديـــد الجزع ، عندما يصيبه شرًا ما لا يصبر عليه ، وإذا أنْعَم الله تعالى عليه كان منوعًا بخيلاً .
ومنها : شدة حرصه على الدنيـــا ، عن كعب بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" [رواه الترمذي وصححه الألباني] أي : إن الحرص على المال والشرف أكثر إفسادًا للدين من إفساد الذئبين الجائعين للغنم . [فيض القدير]
ومنها : أنه دائـــم الضجر ، يملَّ سريعًا حتى عند قيـــامه بالطاعات ، ينصرف قلبه عنها ويبحث عن التغيير .

الصفة الرابعة عشر : فجــــور .

قال الله تعالى : { بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (*) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة : 5,6]
فمن طبع الإنسان أنه يحب المخالفة والمرواغة ، يَعجَل بالذنوبَ ويُسوِّف التوبة .

الصفة الخامسة عشر : مغرور .

يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الإنفطار : 6]
يغتَر بحلم ربِّه الكريـــم وسترهِ عليه ، ولا يدري أن العقوبة قد تأتيــه بغتةً .

الصفة السادسة عشر : شقي .

قال تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد : 4]
فالحيــاةُ الدنيــا دار شقــاء وتعب ، ولا راحة إلا في الجنـــة ، كما في قوله تعالى : { فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه : 117]
فإن كنت تكابد الشدائد لأجل الله وحده ، ستجده ربٌّ شكـــور .
أما إن كان لغيره ، فستلقاه وهو ربٌّ عزيـــز .

الصفة السابعة عشر : طاغيـــــة .

قال تعالى : { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (*) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [العلق : 6,7]
فالإنسان لجهله وظلمه يحْسَب أنه قادرٌ على الاستغناء عن ربِّه جلَّ وعلا ، فطغى وبغى وتجبَّر عن الهدى ، ونسي أن إلى ربِّه الرجعى .

الصفة الثامنة عشر : كثيــــر النسيـــان .

قال تعالى : { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر : 23]
فمن صفات الإنسان الأساسية أنه كثيـــر النسيـــان ، يبدأ بنسيان أوامر ربِّه له شيئًا فشيئًا حتى تُحيــط به الغفلة من كل مكــان فيسيـــر في الأرض تائهًا حيرانًا ، ولن يفيق من تلك الغفلة حتى بعد أن يقوم يوم القيــامة وتظهر الحقائــق لجميــع الخلائــق .
قال تعالى { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم : 39]

الصفة التاسعة عشر : كنـــــود .

قال تعالى : {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديــات : 6]
والكنــود هو الذي يَعُد المصائب ، وينسى نِعَم ربِّه عليه ، فهو دائم اللوم لربِّه ، يتسخَّط على قدره ويتسائل عن سبب إصابته بالمصائب ، وخيرهُ لا يتعدى نفسه .

الصفة العشرون : خــــاسر .

قال تعالى : {وَالْعَصْرِ (*) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر : 1,2]
فالإنسان خـــاسر لا محالة مهما أوتي من مكاسب دنيــويـــة .
إلا من حقق الثلاثة شروط للفلاح في الحيــــاة ، وهي :
علم وعمل ودعوة إلى الله تعالى ..

{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر : 3]

تلك عشرون صفة تتصف بها نفس الإنســان بطبيعتها ، ولن نستطيــع التخلُّص منها إلا بتربيـــة نفوسنـــا بالإيمــان ..


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================




__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________