عنوان الموضوع : نصيـــــــــــــــــــــــــب.......من روائع توفيق الحكيم رواية جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

نصيـــــــــــــــــــــــــب.......من روائع توفيق الحكيم






السلام عليكم حبيباتي واخواتي عضوات منتدى سيدتي الرائع
لقد ذكرت في نهاية قصة*ليلة الزفاف* اني ساضع القصة الثانية في منتدى *القصة القصيرة* غير انني غيرت راي بعد ان رايت ان القصص الموجودة فيه جد قصيرة ولا تتناسب مع حجم هذه المجموعة القصصية واترككم الان مع القصة الثانية من المجموعة القصصية ليلة الزفاف لتوفيق الحكيم
* نصيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــب*



في حياة كل رجل لحظة يشعر فيها فجاة بانه مثل غطاء الطبق الذي لا يجد طبقه والويل لمن يفطن الى هذا الشعور الا متاخرا انه يترك عندئذ كل شيء وينقلب مجنونا بتلك الفكرة المسيطرة " البحث عن شطره الاخر".....كان بطل هذه القصة من هذا النةع من الرجال.....شاب مجد طموح.... تخرج في الجامعات مهندسا بارعا....درس في مصر ثم الخارج وكان في مقدمة اقرانه دائما....لا يعرف غير العمل ولا تنظر عيناه غير طريق مستقبله الناجح.... وقد ركض في هذا الطريق بالفعل حتى بلغ درجة *مدير اعمال* وكاد يشرف على الخامسة والثلاثين وهو مستغرق هذا الاستغراق في عمله الهندسي واذا بغتة تدهمه هذه اللحظة الحاسمة ....واذا هذا الغطاء الذي كان يجري على "سنه" ناهبا الارض كانه كل شيء قد اصطدم بجدار تلك اللحظة العجيبة فوقف ودار حول نفسه دورات ثم انبطح على ظهره و رن معدنه رنينا مكتوما وكانه يهمس "ما انت الا غطاء الطبق"........وافاق المهندس بعدئذ وليس في رلسه غير فكرة واحدة " الزواج"
دهش اصدقاؤه لرنين هذه الكلمة في فمه فهم لم يسمعوها قط منه ما الذي حدث!....وهم الذين طالما فاتحوه من قبل في هذا الامر فلم يجدوا منه غير الصدوف و عدم المبالاة لقد كان كلما ذكرت امامه "الزوجة" او النصف الاخر او شريكة احياة يبدو عليه كان الموضوع لا يعنيه ولا يفهم مغزاه و يبسم احيانا ابتسامة المتعجب لغلو الناس في الوصف واسرافهم في التعبير ..........لقد كان يحس احساسا اكيدا انه كامل بنفسه...وانه واحد صحيح لا نصف ولا ثلث ولا كسر من عدد...انه درس الحساب والجبر والرياضيات العليا فمن ذا يقنعه بانه اقل من رقم وانه نصف فقط وان هنالك نصفا آخر في مكان ما ينقصه ليكون الناتج واحدا صحيحا.... هذه المسالة الحسابية الآدمية من الذي وضعها...ولماذا...ولمصلحة من......لا...لا....انه لا يظن الطبيعة مشغوفة لهذا الحد هي الاخرى بعلم الحساب لتجعل من الرجال والنساء ارقاما او كسورا من ارقام تجمع بينها وتطرح.....كان هذا كلامه فيما مضى ....اما الان فهو يقول لاصحابه "صدقتم...الحياة حساب...الحياة مسالة حسابية ....انا كسر...انا نصف...اجمعوني من فضلكم على النصف الاخر"......لكن بقيت المعضلة الكبرى كيف العثور عىل ذلك النصف....وهل يترك الامر للمصادفة او عليه هو بالسعي........هل القدر هو الذي يخط على لوح الوجود-بالطباشير- جامعا الانصاف بعضها الى بعض...او ان على الرقم المشطور ان ينفلت هو بنفسه من تحت اصبع القدر ز طباشيرته ويسرع زاحفا على اللوح باحثا عن بقيته!...ولبث المهندس اياما لا يلقي على معارفه المتزوجين غير هذا السؤال الذي لا يتغير "كيف عرفت زوجتك" وكانت الاجابات مختلفة فمنهم من يقول "رايتها في سهرة عند بعض الاقارب او الاصدقاء" ومنهم من يجيب "قابلتها في سوق خيرية فاعجبتني فسالت عنها" ومنهم من يذكر "كانت على البلاج فتبعتها وعرفت عنوانها" ومنهم-وهم الندرة في هذا الزمان ممن يؤمنون بالنصيب او اليانصيب ولا يرضون بطرائق الاختيار الحديثة-من همس له "والله البركة في الخاطبة ام شلبي"....وحار المهندس في هذه الاساليب جديده وقديمها لكنه لم ينكر ولم يرفض ولم يعترض ...لقد قبلها كلها ....كل سبيل يؤدي الى شطره الاخر لن يتردد في سلوكه ...لقد فتح عينيه واسعتين وذهب بهما يجوس خلال السهرات والطرقات والشواطىء والاسواق..........


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


...لقد فتح عينيه واسعتين وذهب بهما يجوس خلال السهرات والطرقات والشواطىء والاسواق..........
لكن...وا أسفاه..ام هذه فقصيرة واما تلك فطويلة...والاولى انفها لا يروقه والثانية فمها لا يعجبه...ثم اذا هو اغضى عن المظهر فمن يدريه بالمخبر!...لقد جند كل اصدقائه و زوجاتهم للبحث معه...ذلك انه لم يكن له اقارب في القاهرة....فان اهله في الريف... و ليسوا ممن يحسنون فهم ما يريد... ولم تكن صلته بهم تبيح لهم التدخل في شؤونه فقد كانوا اقارب من درجة بعيدة...لان والديه ماتا بعد تخرجه من الجامعة بقليل...لذلك كان اعتماده على معارفه.. و اغلبهم كان يرتاب في انه ياخذ الامر اليوم على سبيل الجد...فكانت معاونته له ضئيلة فاترة في اكثر الاحيان ثم زلدهم فتورا وانفضاضا من حوله ما راوه من تردده في الاختيار و عدم بته في الامر ونبذه كل فتاة عرضت عليه بحجج مختلفة ...على انه لم يكن في الحقيقة متعنتا ولا متعللا انما هو ذهنه كان قد صور له امراة بملامحها وخصالها واوهمه ان تلك هي نصفه الذي لا يرضى عنه بديلا....فهو لا يريد ان ينتفي الا طبقا للنموذج الموضوع في راسه... و طال بحثه عبثا و ذهب جريه سدى.. فقعد ذات مساء يائسا و نظر الى السماء قائلا "تعبت ايها القدر..الكلمة لك انت الان...ساغمض عيني و امد يدي فضع فيها من تشاء.." وما جاء الصباح حتى ارسل في طلب الخاطبة ام شلبي ...نعم...و لم لا...ما دام قد نزل عن نماذجه و صوره و قنع بالنصيب المكتوب في اللوح و اسلم قياده للقدر يخط بيده ما يريد ...فماذا يصنع غير ذلك!...اليست ام شلبي من عملاء القدر او من ادواته?..من يدري...لعلها هي الطباشيرة في اصبعه...اذ لا يمكن للقدر ان تكون له وسيلة اخرى يفرض بها في مثل هذا الامر ارادته السماوية....و اقبلت تلك "الطباشيرة" فاذا هي امراة ضخمة بدينة سمينة جسيمة كانها فيل... و هل ينتظر ان يملا يد القدر او يليق باصبعه حجم اقل من هذا الحجم!?..


__________________________________________________ __________

..و عرض المهندس الخاطب طلبته ووصف لها على قدر الامكان بغيته ..فمضت المراة و اختفت اياما ثم عادت و معها سجل حافل باسماء الاير و منديل كبير يضم عددا من الصور الفوتوغرافية لفتيات على كل طراز ..فوقع في حيرة جديدة ..كيف يتخير وايها يختار!!....و حدثته الخاطبة فيما حدثت عن فتاة تصلح له...و لكن -يا خسارة-!...تقدم اليها خاطب طيب ليس من السهل رفضه...تصلح لي!!!..و اين صورتها... و خيل الى المهندس في تلك اللحظة ان هذه الفتاة هي امراته و نصفه و حلمه و ان عليه ان يختطفها من منافسه اختطافا....و اين صورتها..فقالت الخاطبة ان اهلها رفضوا كل الرفض ان يعطوها اية صورة لها....و لكنها جميلة و اي جمال فتشبث المهندس باذيال الخاطبة وصاح"لا بد من الصورة"... ففكرت مليا ثم نظرت اليه نظرة دهاء فمثلها لا يعجز عن الحيلة ...لقد لمحت في بهو الدار صورة الفتاة معلقة على الحائط...فهي ستذهب اليهم لتخبرهم بامره...ثم تغافلهم و تخطف الصورة المعلقة و تاتي بها اليه...نهضت من فورها و ذهبت و تركت المهندس فريسة ذلك الاحساس...انه هي...انها هي.. لقد وجدها اخيرا ما سر هذا الشعور!..اتراه الغموض الذي يشملها...انه لم يرها و ينازعه فيها منذ الان منازع ... كيف هي ....و هل يفوز بها...انه واثق ان صورتها هي صورة المراة التي بحث عنها...و لبث يفكر في ذلك طول مسائه...و تقدم الليل و اراد ان ياوي الى فراشه...و لكن النوم استعصى عليه فقام واضاء المصباح الكهربائي الصغير فوق راسه وتناول كتابا يهدىء من اعصابه الثائرة.."واذا نظره يقع على صفحة تحتوي قصة قديمة لرجل من بلاد السند كان يبحث هو ايضا عن زوجة احلامة فكان بحثا ممضا على غير طائل


__________________________________________________ __________

.."واذا نظره يقع على صفحة تحتوي قصة قديمة لرجل من بلاد السند كان يبحث هو ايضا عن زوجة احلامة فكان بحثا ممضا على غير طائل فقال له قائل "لا تيأس...ابحث عن الزوجة و لو في الصين" فلم يبطىء الرجل...و ركب في الحال البحر الى بلاد الصين فكسر المركب به وبمن معه في وسط البحر...فنجا مع بعض القوم على خشبة من خشب المركب و وقعوا في مكان لا يدري اي مكان هو فأقاموا فيه اياما لا يجدون قوتا حتى اشرفوا على الموت فقال بعضهم لبعض "تعالوا نعاهد الله على انفسنا ان ندع له شيئا فلعله يرحمنا و يخلصنا من هذه الشدة" فقال بعضهم "اصوم في كل عام شهرين" و قال البعض "اصلي في كل ساعة ركعتين" و هكذا...الى ان قال كم منهم شيئا و الرجل طالب الزوجة ساكت فقالوا له "قل شيئا"... فحار ولم يجىء على لسانه الا قوله "لا آكل لحم فيل ابدا" ....فصاحوا به..."الهزل في مثل هذا الحال"!!!.... فاجابهم "والله ما تعمدت الهزل و لكني منذ بداتم و انا اعرض على نفسي شيئا ادعه لله فلا يخطر على بالي غير الذي لفظت به"... و مرت اللحظات بهم فقال احدهم "لم لا نطوف في هذه الارض متفرقين بحثا عن القوت فمن وجد شيئا انذر به الباقين و الموعد هذه الشجرة.." فتفرقوا في الطرق و اذا احدهم يرجع بعد قليل بولد فيل صغير فلوح بعضهم لبعض فاجتمعوا ....و اخذوا الفيل الصغير و احتالوا فيه حتى شووه و قعدوا يأكلون و قالوا للباحث عن الزوجة "تقدم و كل معنا" فقال "انسيتم اني منذ ساعة تركته لله...اني لن ارجع في شيء تركته لله ابدا...و لو كان في ذلك موتي جوعا.." و اكل اصحابه بدونه و اقبل الليل فتفرقوا الى مواضعهم التي كانوا فيها يبيتون ...و اوى هو الى اصل شجرة كان يبيت عندها فلم يكن الا لحظة واذا بفيل عظيم قد اقبل و هو ينعر و الخلاء كله يندك بنعيره وهو يطلب القوم.. فقال بعضهم "قد حضر الاجل" فاستسلموا و تشهدوا و اخذوا في الاستغفار والتسبيح و طرحوا انفسهم على وجوههم فجعل الفيل يقصد واحدا واحدا فيشمه من اول جسده الى آخره فاذا لم يبق فيه موضع الا شمه شال احدى قوائمه فوضعها عليه ففسخه ثم تركه كالعجين و قصد آخر ففعل به مثل ما فعل بالاول ...الى ان لم يبق من القوم غير الباحث عن الزوجة و هوجالس منتصب يشاهد ما يجري و يستغفر و يسبح ويقول "قاتل الله ذلك الذي نصحني هذه النصيحة الشؤم و اخرجني من بلادي في طلب............" و لم يتم كلامه.....فان الفيل لم يمهله و قصده للفور...فارتمى الرجل على ظهره مستقبلا الموت و جعل الفيل يشمه كما شم اصحابه من قبل ثم اعاد شمه مرتين او اكثر و لم يكن فعل ذلك باحد من الاخرين و روح الرجل في خلال ذلك تكاد تخرج فزعا...ثم لف خرطومه عليه فشاله في الهواء فظنه الرجل يريد قتله بقتلة اخرى فجهر بالاستغفار و لكن الفيل رفعه بخرطومه و اجلسه فوق ظهره وانطلق به يهرول تارة و يتهادى اخرى...الى ان طلع الفجر و اشتد ضوؤه فاذا الفيل قد انزله عن ظهره و تركه على الارض امام باب قصر فخم...و رجع الى الطريق التي جاء منها... و لبث الرجل في موضعه لا يعقل ولا يعي من الفزع و الجزع .... و لم يثب الى رشده الا و هو داخل القصر...فانتبه لنفسه...فاذا هو في فراش وثير و ثياب جديدة و الى جواره فتاة كالبدر هي ابنة صاحب الدار.....طفقت تعني به و هو ينظر اليها و هو يهمس قائلا "أمن الموت الى الحياة ....و اي حياة......انها هي ......هي.!.." نعم.... كانت هي ضالته التي تجشم من اجلها السفر و البحر و الخطر..فقد تزوجها بعد ذلك و كانت نعم الزوجة و الخدين و الشريك...
و انتهى المهندس من مطالعة هذه القصة القديمة وهو يقول لنفسه "..ام شلبي ...هذا الفيل الادمي ...من يدري ..لعلها هي الاخرى تحملني غدا الى تلك الاسرة التي اجد في فتاتها ضالتي!!!


__________________________________________________ __________

و انتهى المهندس من مطالعة هذه القصة القديمة وهو يقول لنفسه "..ام شلبي ...هذا الفيل الادمي ...من يدري ..لعلها هي الاخرى تحملني غدا الى تلك الاسرة التي اجد في فتاتها ضالتي!!!....و طلع الصبح .و انتصف النهار....و جاءت الخاطبة تحمل في ملاءتها صورة في اطار امسك بها المهندس متلهفا و تفرس فيها مليا...ثم طفق يقول كالمخاطب لنفسه" نعم...لا بأس..حقيقة اني اردت امرأتي هكذا.." و سحبت ام شلبي الصورة من يده برفق قائلة له انها ستقع في الحرج اذا تفقدوا الصورة قبل ردها ..و ان عليها الآن ان تعود بها فورا لتضعها في مكانها.. و ان ما يجب عليه عمله منذ الساعة و قد راقته الفتاة ان يمضي قدما الى اهلها فيعرض طلبه قبل ان يرتبطوا بالخاطب الاخر و اذا شاء فانها تدبر له موعد المقابلة مع ابيها في اقرب وقت...فقال لها" نعم ...اسرعي...الخيرة فيما اختاره الله..."
لم يمض يوم حتى عادت ام شلبي تلهث و تدعوه الى زيارة والد العروس عصر ذلك اليوم و توصيه ان يكون حريصا على الذهاب في الموعد المحدد بغير ابطاء و لا تأخير فان اهل الفتاة رفضوا بادىء الامر الكلام في شأن اي خاطب جديد فهم قد رضوا عن الخاطب الاول ولم يروا مبررا لترك هذا الباب مفتوحا بعد ذلك و لكن الخاطبة بذلت اعظم الجهد في اقناعهم بمقابلة المهندس الكفء فمن يعلم اين النصيب... و ما ضرهم ان ياذنوا له في زيارة قصيرة لقد احتالت و صنعت ما استطاعت لتفتح له ذلك الطريق المغلق فلم يبق الا ان يصنع هو ما يستطيع ليقنع والد البنت و هو شيخ وقور متقاعد من رجال الجيش دقيق في نظامه صارم في احكامه فقال المهندس للخاطبة " لا تخافي...في الساعة الخامسة بالضبط اكون هناك.."
و قد بر بوعده فما ازفت الرابعة والنصف حتى كان قد تهيأ و تجهز و ارتدى خير ثيابه و وقف امام المرآة يضع منديله الحريري في جيب الصدر و ينظر اليه و قد تدلى و تهدل فراى ان يخفي بعضه و لا يبرز غير طرفه اعتدالا في ادعاء الاناقة و اقتصادا في ابداء الخيلاء و رضي عن مظهره ...فنزل الى الطريق قاصدا بيت العروس و سار في الشارع و كل شيء فيه مبتهج فرح و قد غمر الاطمئنان قلبه فبدد حيرته لقد انتقى له القدر شريكته فلم يبق الا ان يتقبلها منه شاكرا آه للانسان....ما اشد عجزه...هنالك مسائل لا يرتاح الى حلها الا اذا سقط عليه المفتاح من السماء....و هنالك مواقف يواجه فيها الانسان مفرق طرق فلا يسعفه الا دفعة في ظهره من يد القدر نحو احداها......كانت مثل هذه الخواطر تجول في ذهن المهندس و هو يواجه مفرق طرق "ميدان سليمن باشا" و اذا هو فجاة يحس دفعة في ظهره شديدة قاصمة قد طرحته على الارض و اذا شيء كالعجلات يمر فوق جسمه...و كان هذا مبلغ وعيه لكل ما حدث...


__________________________________________________ __________

ليس يدري على التحقيق كم من الزمن مضى عليه و هو في اغمائه لكنه عندما تنبه وجد نفسه على فراش وثير في سرير مستشفى و جسمه كله مغلف بالاربطة الصحية و قد سمع من يهمس حوله قائلا "لا تتحرك" فحول بصره جهة الصوت فرأى طبيبا و ممرضة في ثيابهم البيضاء و قد علم منهم انه قد أجريت له "عملية جراحية" و انه قد كسر له ضلع و انه في هذا المستشفى منذ ايام و ان حالته كانت خطرة بادىء الامر و لكن الخطر زال عنه الان ...و انه سائر في طريق الشفاء...و أراد المريض ان يتكلم و ان يستفسر فمنعه الطبيب من بذل اي حركة او جهد...و لم يسمح له الا بالرد المقتضب على اسئلة رجال الضبط الذين جاءوا لسماع اقواله في الحادث و قد اجابهم بانه لم ير شيئا ...لا السيارة التي صدمته و لا لونها و لا سائقها... فجتموا محضر تحقيقهم وانصرفوا عنه و تأمل هو حاله لحظة و اكتفى بالهمس في اعماق نفسه
"ضلع مكسور ....هذا كل ما وصلت اليه ....انا الآن كسر بحق....دون ان اظفر بتلك التي تكملني.."
ثم ذكر آخر يوم كان فيه صحيحا...و كان سائرا الى بيت العروس...ترى ماذا تم في هذا الامر...أترى الفتاة ما برحت من نصيبه ...ام ان الخاطب الاول قد سبقه اليها بينما هو طريح كالجواد الذي سقط في ميدان السباق....كيف السبيل الى معرفة النتيجة...لو استطاع على الاقل ان يبعث في طلب "ام شلبي" ليعلم منها.. و لكن ما الحيلة في هذا الطبيب الذي يمنعه من الكلام والحركة...فليصبر يوما آخر او يومين..يا لسوء الحظ اذا كان قد فقدها بسبب هذا الحادث....الويل للجاني الذي صدمه عند ذاك...انه لن يغتفر له ابدا....لا كسر ضلعه بل تلك الطامة الاخرى"ضياع نصفه الآخر بعد ان عثر عليه".....
و حانت منه التفاتة الى ما حوله فوجد ما ادهشه....باقات من الوردوالازهار الغاليةفي الآنيات و قارورات فاخرات من ماء 'الكلونيا' و كتب مجلدة مذهبة لقتل الوقت و صناديق ثمينة مفعمة بالحلوى و مملوءة بالسجائر...و كل ما يمكن ان يهدى الى مريض معزز مدلل...عجبا!!...من هذا الذي يهتم بترفيهه كل هذا الاهتمام و يعنى بشخصه كل هذه العناية...و سأل طبيبه بايماءة من عينه عمن احضر كل هذه الهدايا...فلم يزد الطبيب على ان قال بسرعة و بلهجة من يقول شيئا معرفا للجميع
- ***الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــت***...