عنوان الموضوع : حالنا لايعجبني من كتاب مذكرات مراهقة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

حالنا لايعجبني من كتاب مذكرات مراهقة






حالنا ... لا ... يعجبني


* امتعضت لذلك الاقتراح الذي ارتأته أختي سمية وهي تتحدث إلى أمي ذات صباح ، فقلت باعتراض :
- ماذا .. ماذا قلت يا سمية .. هل جننت .. كيف تدعين صديقاتك إلى بيت مثل بيتنا ؟

سألتني أمي بضيق وهي تنظر إليَّ بغير رضا :
- وما به بيتنا يا سارة ؟

قلت أتنهد بعجرفة وأنا أشير في كل مكان :
- انظري إليه يا أمي .. انظري إلى أثاثه الذي لم نغيره منذ سنوات .. وسجادة القديم .. انظري إلى طلاء الجدران ولون الستائر والأرائك المتناثرة هنا وهناك .. إنها مجرد أنتيكات قد انتهى عصرها ..




علَّقت أختي على فظاظتي وقد لاحظت سخط أمي :
- احمدي الله يا سارة ، فمنزلنا يظل أفضل من منازل كثير من الناس ، ثم إني لا أراه بهذه القباحة التي تتخيلينها .. فما زال أثاثنا راقي وجميل .. وليس كما تدعين ..

قلت بغرور أشاكس أختي :
- طبعاً لأنك لا تفقهين شيئاً في فن الديكور .. ولا ترين ما أراه ..

قالت أختي بحدة أقل :
- أنا أظن أنك لو نظرت إلى الجانب المشرق من حياتنا .. وإلى نعم الله علينا لخجلتِ من أن تقولي مثل هذا الكلام .






لم يروقني منطقها .. فقلت أستفزها من جديد :
- أنت تقولين ذلك لأنك لا تتابعين ما يحدث حولك في العالم من تطورات ورُقي .. فأنت منغمسة فقط في دراستك وقراءاتك المتعددة للكتب التي لا أعرف بما تفيدك .. وكأنك تعيشين في دنيا أخرى غير دنيانا ..


أجابتني أختي وهي تحاول أن تكتم غيظها :
- مطالعاتي للكتب تنير عقلي .. وتصقل ثقافتي ومواهبي .. قراءاتي تعلمني أن أنظر إلى العالم بنظرة عقلانية صائبة .. بدلاً من الانسياق وراء أوهام لموضة وصيحات الأزياء الزائفة .. وعلى الأقل أنا مقتنعة بما أفعل لأنني أقوم بعمل مفيد قد يخدمني في دراستي ومستقبلي ..

قلت ساخرة :
- نعم هذا واضح .. هذا واضح ..



نهرتني أمي بغضب قائلة :
- سارة .. كفى .. تذكري بأنك تتحدثين إلى أختك الكبرى .. فلا تسيئي الأدب ..






هكذا كانت أخلاقياتي باستمرار فظة ومتعالية .. لم يكن يعجبني شيء أبداً ..
فقط أتذمر وأولول حظي العاثر الذي أنشأني في أسرة متوسطة الحال ، وأحياناً كنت أتعمد وبقسوة أن أجرح أمي وأبي بحديثي عن حياتنا الجدباء وعن صديقاتي اللائي يسافرن في كل عام ويشترين أجمل الملابس من الخارج ، وعندما كنت أستمع إلى زميلاتي النمتغطرسات في المدرسة .. وأرى آثار النعمة والثراء عليهن ، كنت أعود للبيت لأختلق مشكلة جديدة كل يوم ، فمرة أطلب كراسات وأدوات باهظة الثمن أو أصر على الحصول على إكسسوارات وأحذية على أحدث طراز ، ومرة أخرى أرغم أمي على تفصيل ثوب مدرسي جديد رغم الأعداد منها التي أملكها من تلك الأثواب وذلك كي أتباهى وأستعرض غير حقيقتي أمام زميلاتي .. فعلت كل ذلك دون أن أراعي ظروف ذلك الرجل المسكين .. أبي .. الذي كان يتغيب طيلة النهار خارج المنزل ليحصل عل المال كي يحقق السعادة لنا ، أبي .. الموظف البسيط .. والرجل الطيب الذي لم أرحمه يوماً من طلباتي واحتياجاتي التي لا تنتهي .





في ذلك اليوم حضرت صديقات أختي " سمية " لزيارتنا بناءً على دعوتها .. وجلستُ إليهن أرقبهن بصمت وأنا أشعر بخجل شديد من بيتنا وأثاثنا ومن ملابسنا التي خلتها أقل مما ينبغي ، بينما كانت تقوم سمية بين الحين والآخر بتقديم واجبات الضيافة إليهن ووجهي يزداد احمراراً وشحوباً لتواضع حالنا ، غير أن الذي أدهشني أني لم ألاحظ إمارات النفور والتعالي كما توقعت على صديقات أختي رغم أن بعضهن كنَّ من عائلات ثرية ومعروفة .. وكنَّ أيضاً على مستوى اجتماعي مرموق ، بل أكاد أقسم بأنهن كنَّ في غاية السعادة بزيارتنا وإلى أقصى حد كنت أتخيله ، وعندما أسررت لسمية باستغرابي أسألها عن السبب .. قالت ببساطة :
- هذا لأنهن فتيات عاقلات لا تغرهن المظاهر – ولا يسعين إليها .. لهذا فإني أعتبرهن من خيرة صداقاتي ..





وبعد يومين جاء أبي يخبرنا بأننا مدعوين على مائدة الغداء لدى أحد أقربائه من رجال الأعمال الذي كان يعمل طبيباً في الخارج وعاد للاستقرار في الوطن ، فثارت ثائرتي .. ووجدتها فرصة مناسبة لأطالب أبي بمبالغ كبيرة كي أشتري ثوباً باهظاً وإكسسوارات راقية تليق بهذه المناسبة ، وتمسكت بموقفي وأصررت عليه حتى لبَّى أبي كل رغباتي .. فقد تخيلت حينئذٍ بأني مدعوة إلى قصر يعج بالخدم والحشم .. منزل فاخر تحيطه حديقة غناء .. ويزينه أثاث من أرقى البيوت العالمية ، مملكة خلابة تتربع على عرشها امرأة حسناء وسيدة مجتمع رفيعة كما كنت أقرأ وأشاهد في بعض المجلات والجرائد ولكن كانت صدمتي بالغة حين لبينا الدعوة وتوجهنا إلى منزل مضيفنا حيث وجدت أبي يصعد بنا إلى إحدى الشقق الكائنة في بناية عادية مما جعلني أسأله باستياء :
- إلى أين تأخذنا يا أبي ؟؟ ..

قال أبي لاهثاً :
- إلى وليمة الغداء يا سارة ..



وكان استقبالاً رائعاً من مضيفتنا صاحبة الوجه الطلق والابتسامة الودودة التي خيبت ظني بمظهرها وملابسها العادية .




وأثناء تناولنا الطعام على المائدة العامرة بشتى أنواع المأكولات ، رحت أحدق حولي بذهول .. حيث كان المنزل وديكوره عادياً وعلى عكس ما توقعت حتى خيل إليَّ أن منزلنا يُعد أفضل بكثير من منزل الطبيب ورجل الأعمال ...

قالت مضيفتنا وهي تقدم الحلوى لأمي رداً على ثناء أختي لكرم السيدة ومهارتها في الطهي :
- أنا إنسانة بسيطة للغاية لا أحب البذخ والإسراف .. ولكني أحب النظام والنظافة ..
وأضافت وهي تحتسي القهوة :
- علمتني التجارب الصعبة في الحياة .. أنه كلما تواضع الإنسان في الدنيا .. كلما رفعه الله درجات عديدة .




سألتها أمي بفضول :
- وهل زوجك يشبهك في هذه الناحية .. أم أنه يحب المظاهر والتبذير ؟

قالت السيدة ضاحكة :
- بل إنه على شاكلتي تماماً ، وغالباً ما كان يقول : ( من أراد أن يعرفني لشخصي فمرحباً به .. ومن أراد أن يصادقني من أجل منصبي وأموالي .. فهو غير جدير بصداقتي ) ...





في تلك الليلة ساورني القلق والحيرة ، حيث شعرت بندم وخجل لقناعتي الغريبة التي كنت أعتنقها في الحياة .. وما مرَّ بي من مواقف مع صديقات أختي ومع زوجة الطبيب علمني أن الإنسان العاقل والواثق من نفسه ليس بالضرورة أن يظهر بمظهر باذخ حتى وإن كان ثرياً ، وتبينت كذلك الفرق بيني وبين أختي سمية .. سمية التي كانت تفوقني فطنة وحكمة وعقلانية بينما كنت أنا مغرورة وساذجة وسليطة اللسان ، وكان من السهل أن تبهرني قشور المظاهر الزائفة التي رحت ألهث وراءها وأنغصَّ على من هم حولي حياتهم بكلامي القاسي دون أن أراعي شعورهم ودون أن أستمع للحظة واحدة لصوت الحق في نفسي الذي كان يدعوني إلى الكياسة والتواضع والقبول بالأمر الواقع ، لأن الله وحده سبحانه هو مقسم الأرزاق بين عباده ...


من كتاب ( مذكرات فتاة مراهقة )
سحر الناجي


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


رائع اختي ما قدمت هنا
فعلا ما هي الا مظاهر ويبقى الجوهر هو الاهم


__________________________________________________ __________

صحيح من تواضع لله رفع والله هو من يقسم الارزاق رغم اننا احيا نا نخجل من ان يرانا الناس افل لكن الا ييمكن ان يكون تفكير بعضهم مثلنا اذا لقينا اقل منا ماديا فنحن نتقبلهم ولانحكم على الناس من مظهرهم انا نفسي والله شاهد علي احب البساطه والناس البسطاء مع اني احب اللباس الانيق يعني ليست ساذجة


__________________________________________________ __________

السلام عليكم سلمت يداك ماكتبت وانتقت لنا لقد ابحرت مع هذه القصة الثرية والرائعة بصراحة بسيطة ومعبرة ومؤثرة جزاكى الله عنا كل خير ربى يجعل مثواكى ومثوا من ذكرتى بالقصة فى الفردوس الاعلى تقبلى مرورى اختى الفاضلة


__________________________________________________ __________

سلمت يداك


__________________________________________________ __________

الله يزاكم خير على الردود الحلوة الي زيكم