عنوان الموضوع : حينــما تشــاء الاقــــدار...
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

حينــما تشــاء الاقــــدار...






جلست تلملم بقايا الروح المتناثرة هنا و هناك ؛ تتذكر الماضي البعيد و تحاول نسيان الجروح الغائرة في القلب.تنهدت بعمق و اسندت راسها الى الحائط و شريط الذكريات يمر امامها..
سنين طويلة انقضت منذ ذلك الوقت.سنين طويلة نست فيها نفسها او حاولت ان تتناسى.
و ما هي الا لحظات حتى غرقت في دوامة الذكرى ؛ كانها طوت السنين طيّا و عادت من جديد ابنة العشرين عاما.
و هي في ريعان شبابها كانت فراشة فتية تحوم وسط بساتين الحياة و الكل يمدح فيها و في ذكاءها ..
اعتادت على ان تحتلّ الصدارة في كل ما تفعله و عشقت الدراسة و اصبحت شديدة التمسك بالكتب.كانت هوايتها القراءة و صديقها القلم..
و تعودت صديقاتها ان تحمل لهم كل فينة و اخرى قصصا جميلة تكتبها من وحي خيالها ؛تقراها على مسامعهن و هنّ متجمّعات حولها ؛ و سابحات في بحور كلماتها.
كانت بثينة الاولى في مدرستها ؛ احبها اساتذتها لنشاطها الغير معتاد و لسرعة بديهتها و ذكاءها ...و كانت تكتب اشعارا و قصصا يقراها استاذ اللغة العربية فيبهر بها و يتنبأ لها بمستقبل واعد..
و تمضي الايام على بثينة لتجد نفسها في السنة الاخيرة من دراستها ؛ تستعد لامتحانات آخر السنة و التي من خلالها ستطأ صرح كلية الطب التي كانت تحلم دوما بها.
سهرت الليالي و لم تشكو ابدا تعبا او قلة حيلة ؛ كان كل امانيها ان تصبح في يوم ما دكتورة ..و شجعها صديقاتها و اساتذتها..و جاء يوم الامتحان..سارت بخطى ثابتة ؛ يحذوها الامل و تلازمها الثقة ؛ فهي توقن ان جهدها لن يضيعه الله و ان ثمرة هذا العمل المتواصل لا بد ان تكلّل بالنجاح..
استغرب الكل منها ؛ ابتسامتها لم تفارق محياها لحظة ؛ و بعد ان انهت امتحاناتها ؛ عادت الى البيت و هي تطير فرحا و كلها ثقة بالنتيجة الحتمية لايجاباتها ..
و مرت الايام و هي تهيا نفسها لدخول عالم آخر ؛ عالم الطب الذي طالما تاهت في ثناياه و غاصت في خباياه..
و حين ظهرت النتائج اسرعت الى الثانوية لتشارك فرحتها مع صديقاتها ؛ حين وصلت كانت الوجوه جاهمة ؛ ضحكت برقة و قالت (ما بكن ؛ الم تنجحن ؟ اكيد الفرحة اقوى من انكن تستحملنها ) ثم اقتربت من القائمة و جالت بنظراتها تبحث عن اسمها ؛ مرات و مرات و لكن دون جدوى...
اصابها ذهول عارم و لكنها استجمعت قواها لتعود الى البيت و هي متاكدة ان خطا ما قد حدث.
حين دخلت منزلها كان الكل في انتظارها و خاصة والدها..لم تستطع ان ترفع عيناها و انفجرت باكية ؛ و هي تقسم لهم ان شيئا ما حدث..اصيب والديها بخيبة امل كبيرة ؛ كان والدها محبا للعلم ؛يبذل كل ما اوتي لتعليمها ..
صرخ اخوها الكبير في وجهها متهما اياها بالاهمال و عدم التركيز و حاولت هي الدفاع عن نفسها و لكن لم تكن لكلمتها اية قيمة امام كلماته هو لانه طبيب و يعرف الكثير و كلامه مسموع و مطاع..
جلس هو و زوجته في ردهة البيت مع ابيها و سمما افكاره باتهامات زائفة و جعلاه يعتقد انها اهملت دروسها و تنكّرت لرغبته الملّحة..و لم تملك هي الا الدموع تداوي بها هذه القسوة المستفحلة في حقها..
و مرت ايامها و لياليها كئيبة ؛ حزينة لم تنعم فيهم براحة بال او طيب عيش..الى ان كان يوم دق جرس الهاتف..و جاءت اختها مسرعة اليها ( بثينة انها مديرة المدرسة )
هرولت بثينة بكل قوتها لتجيب على الهاتف و لم تصدق ما سمعته حين اخبرتها المديرة ان خطا جسيما وقع في ملفها و انها نجحت بتقدير جيد جدا يدخلها اي كلية تشاء..
جنّ جنونها و ركضت الى والدها و اخبرته بالامر و الكلمات تخرج مشوهة من فمها من فرط سعادتها..احست للحظات قليلة انها ارتاحت من كابوس كان يكتم انفاسها و يسحبها الى دائرة سوداء توشك ان تخنقها..
نامت ليلتها تلك كما لم تنم في حياتها ؛ دست راسها في وسادتها و اطلقت العنان الى احلامها الوردية تاخدها الى ابعد الاماكن و اجمل الاحاسيس.
لم تكن تعلم ان الدهر يحيك لها من خيوطه شباكا سرعان ما تكبت احلامها و عنفوان صباها.
و لعبت زوجة الاخ لعبتها بدهاء و مكر ؛ و اقنعت زوجها ان بثينة فتاة صغيرة و ان دخولها الى الكلية سيجعلها تنغمس في الانحراف و يدفعها الى السقوط بيد الشبان المستهترين..و لان اخاها كان ضعيفة الشخصية وافق على كلام زوجته و سارع الى والده ينصحه بان يبعدها عن دخول الكلية بل و يفرض عليها البقاء في البيت.
صحت بثينة على واقع مرير ؛ اخ لا يرحم و والد لا يفهم ؛ لم يستمع احد الى توسلاتها و لم يهتم احد بدموعها ...و نفيت من مساحة هي احق بها ؛ و حرمت من ان تختار ما تفعله في مستقبلها...
ظلموها و لم يعيروها اهتماما ؛ لكنها لم تفهم ابدا كيف لطبيب و طالب علم ان يتصرف هكذا...وأدوا احلامها و خنقوا صرخاتها بالنكران...
سجنوها في البيت و حاصروا افكارها ؛ فبعد الاحلام الكبيرة صارت كل ما تتمناه ان تنكسر قيودها و تجد مخرجا مما هي فيه...لم يعد مقدر لها ان تكون ما احبت ان تكون و لم يعد مسموح لها ان تتنفّس طموحاتها و ان تسهر على بلوغها و بعبارة ادق لقد صادروها دون استئذان.
و فجاة قطع عليها شريط ذكرياتها الاليمة صوت ابنتها و هي تناديها ( امي ؛ لقد تاخّر الوقت و لازلت ساهرة )
هزت راسها كانها تريد ان تطرد ما علق به من مآسي ( و انت ؛ لماذا ما زلت مستيقظة حبيبتي )
اجابتها الفتاة الوسيمة بابتسامة ( انسيتي امي ؛ غدا امتحاناتي الاخيرة في كلية الطب )
تنفّست الام الصعداء و هي ترى احلامها تتحقّق في ابنتها ...من حرموها الحق قديما لن يتمكنوا ان يحرموا ابنتها من النجاح...ايتسمت ابتسامة الرضى لانها و رغم كل ما عانته ؛ استطاعت بفضل المولى ان تغرس في ابنتها حب ما حرمت منه و ها هي اليوم تجني ثمار الصّمود و التحدي....
من عمق الواقع المّر اخترت لكم قصتي ...ذبذبات بين السقوط في الهاوية و التشبّث بخيوط الامل الرفيعة..
و صراع بين قتل المواهب و زرع بذور النجاح..
احلامنا ليست مستحيلة طالما نرويها بكل قطرة من تضحياتنا ...و الاماني ممكنة حين يصبح لرب الخلق يد في اعادة ما خربشته يد الانسان الى وضعها الصحيح..
و بين امّ محرومة و ابنتها المرتوية من بئر الحب و الحنان قصة اخرى عن الكفاح المتواصل من اجل ان يكون لنا وجود يرضينا في الحياة...لا استسلام طالما وجدت الارادة التي تصنع المعجزات و التحدي الذي يدفعنا الى ابعد الحدود...
لا استسلام طالما لنا رب رحيم ؛ ما يمنعنا شيئا الا اعطانا اشياء..
لا استسلام ما دامت قلوبنا تنبض بالحياة و عقولنا تنعم بالصفاء..
فبين براثين الضياع يولد فجر الانتصار على قيود القهر و الجهل..
فلنكن بثينة التي صنعت من حرمانها جسرا عبرته الى الضفة الاخرى لتجعل من ابنتها ناجحة بكلّ المقاييس.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


جزاك الله خيرآ أختي زهور


__________________________________________________ __________

جزيتي الجنة اخيتي.....


__________________________________________________ __________

قلوب خضراء
قرات قصتك بكل استمتاع والتى تميزت باسلوب راقى شيق
واحداث مكتوبه بمنتهى الروعه عبرتى فيها عن احساس
ومشاعر وذكريات وقهر ونجاح فى تحقيق احلام كلها احداث برعتى فى سردها
شكرا لك على قصتك الجميله وفى انتظار المزيد


__________________________________________________ __________

عزيزتــــــــــي♥

قلمك فياااض ...وعباراتك سلسة وواضحة..
زادك الله من فضلة علوا ورفعة


لكن ..استوقفك.. لحظة!!
المشيئة صفة من صفات الله جلﱠ وعلا
لاينبغي ان تطلق ع الاقدار


__________________________________________________ __________

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنين المااضي1986
جزاك الله خيرآ أختي زهور

شكرا لمرورك حبيبتي...