عنوان الموضوع : فكر قبل ان تعمل -قصة قصيرة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

فكر قبل ان تعمل






روي أن أحدَ الولاةِ

كان يتجول ذات يوم في السوق القديم

متنكراً في زي تاجر ،

وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ

ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ،

كانت البقالة شبه خالية ،

وكان فيها رجل طاعن في السن ،

يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ،



ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات

التي تراكم عليها الغبار ،

اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ،

ورد الرجل التحية بأحسن منها ،

وكان يغشاه هدوء غريب ، وثقة بالنفس عجيبة ..




وسأل الوالي الرجل :

دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟

أجاب الرجل بهدوء وثقة :

أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!

قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..

فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :

هل أنت جاد فيما تقول !؟

أجاب الرجل :

نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ،

أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!




دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة ..

وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثم قال :

ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!

قال الرجل :

أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير ،

وانتفع بها الذين اشتروها ....!

ولم يبق معي سوى لوحتين ..!




قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!

قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة :

نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيراً ،

فلوحاتي غالية الثمن جداً ..!




تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ،

فإذا مكتوباً فيها :


( فكر قبل أن تعمل )


تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال :

بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟

قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!



ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه ،

وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئاً ،

وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز ..

قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!!

هل أنت جاد ؟

قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!




لم يجد الوالي في إصرار العجوز

إلا ما يدعو للضحك والعجب ..

وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ،

فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن ،

فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..

والرجل يرفض ،



فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة

حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار ..

والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ،


ضحك الوالي وقرر الانصراف ،

وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ،

ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ،

وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..



وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!

لقد كان ينوي أن يفعل شيئاً تأباه المروءة ،

فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )

فتراجع عما كان ينوي القيام به !!

ووجد انشراحا لذلك ..!!



وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ،

ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،

قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!



ومن هنا وجد نفسه يهرول

باحثاً عن دكان العجوز في لهفة ،

ولما وقف عليه قال :

لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!

لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ،

وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ،

ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ،




وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :

بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!

قال الوالي : وما هو الشرط ؟

قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ،

وعلى أكثر الأماكن في البيت ،

وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!

فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !





وذهب الوالي إلى قصره ،

وأمر بكتابة هذه الحكمة

في أماكن كثيرة في القصر ،

حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه

وكثير من أداواته !!!

وتوالت الأيام وتبعتها شهور ،




وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند

أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية ،

واتفق مع حلاق الوالي الخاص ،

أغراه بألوان من الإغراء

حتى وافق أن يكون في صفه ،

وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!




ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي

أدركه الارتباك ،

إذ كيف سيقتل الوالي ،

إنها مهمة صعبة وخطيرة ،

وقد يفشل ويطير رأسه ..!!

ولما وصل إلى باب القصر

رأى مكتوبا على البوابة :


( فكر قبل أن تعمل !! )



وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ،

وداخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ،

وفي الممر الطويل ،

رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :



( فكر قبل أن تعمل ! )

( فكر قبل أن تعمل !! )

( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !!



وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه ،

فلا ينظر إلا إلى الأرض ،

رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!

وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ،

فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ،

وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجهاً لوجه !!


( فكر قبل أن تعمل !!) !!



فانتفض جسد ه من جديد ،

وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !


وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب

الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :


( فكر قبل أن تعمل !! ) ..



شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة ،

بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خطط له !!

وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ،

أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :


( فكر قبل أن تعمل ).. !!




واضطربت يده وهو يعالج فتح الصندوق ،

وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،

وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس

فرآه مبتسما هادئاً ،

مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!



فلما هم بوضع رغوة الصابون


لاحظ الوالي ارتعاشة يده ،


فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس

،

وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه ،

فصرف نظره إلى الحائط ،

فرأى اللوحة منتصبة أمامه


( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!



فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي

وهو يبكي منتحبا ،

وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!



وذكر له أثر هذه الحكمة

التي كان يراها في كل مكان ،

مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!

ونهض الوالي


وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه ،

وعفا عن الحلاق ..



وقف الوالي أمام تلك اللوحة

يمسح عنها ما سقط عليها من غبار ،

وينظر إليها بزهو ، وفرح وانشراح ،

فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ،

وشراء حكمة أخرى منه !!


لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ،

وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!

= =



انتهت القصة .. ولكنها عندي ما لم تنته ..


بل بدأت بشكل جديد ، وفي صورة أخرى .!

سألت نفسي :


لو أن أحدنا كتب هذه العبارة مثلا :

الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي

( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك..

الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)



كتبها في عدة أماكن من البيت ،

على شاشة جهاز الكمبويتر مثلاً ،

وعلى طاولة المكتب ،

وعلى الحائط الذي يواجهه

اذا رفع رأسه من على شاشة الحاسوب ،

وفوق التلفاز مباشرة يراها

وهو يتابع ما في الشاشة !!

وعلى لوحة صغيرة يعلقها في واجهة سيارته ،

وفي أماكن متعددة من البيت ، وفي مقر عمله ...!!

الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي



بل لو أن هذه العبارة لكثرة ما فكر فيها ،

وأعاد النظر فيها ،

استقرت في عقله الباطن ،

وانتصبت في بؤبؤ عينيه ،

واحتلت الصدارة في بؤرة شعوره ،

وتردد صداها في عقله وقلبه ،

حيثما حملته قدماه ،

رآها تواجهه ..ونحو هذا ..


الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي

أحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه ،

سيجد له اثراً بالغا في حياته ،

واستقامة سلوكه ، وانضباطاً في جوارحه ،

وسيغدو مباركا حيثما كان ..!!




ها أنا أقدم لكم هذه الحكمة

ومجاناً لا أريد منكم جزاء ولا شكورا ..

اللهم إلا دعــوة بظــهـر الغـيب ..


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


ابدع قلمك ووفقك الله


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________