عنوان الموضوع : شمعة ودمعة ..... -خواطر
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

شمعة ودمعة .....



شمعة و دمعة

هناك .. بعيدًا .. حيث يقبل الشجر الشفق .... و يلتقي المرج و الأفق ...... و تتربع الشمس وسط بساط السماء الزرقاء .... وتعود لتختفي خلف السحاب في حياء ... هناك ... بعيدًا حيث لم ترو الدماء الأراضي ... أو تنزف السواقي ... هناك بعيدًا ... حيث يمسح القمر دموع المظلومين ... و تناجي النجوم هموم المغتربين .... و يضم الليل إلى صدره كل المقهورين ....... وقفت ... أحدق في السماء حيث لا نهاية لها ، و تلألأ النجوم عليها كأنها عقد ألماسي ... أو كأنها دموعي التي لم يكترث بها أحد ، و لا أظن أحداً سيكترث ما دام في يده مفاتيح السعادة ....

- لم كل هذه الدموع ؟ - أي دموع .. عم تتكلم ؟- لا تحاول إخفاءها عني فأنا أعرفك منذ سنوات طوال .- لم يبق لي في الحياة أي معنى ... لم أعد أطيق كل هذا .- هون عليك يا صديقي .. فلم يتركاك ضعيفاً جباناً ... انظر إلى نفسك ... أقسم و كأني حينما أسمعك تتكلم أو أراك تتصرف أي تصرف فكأنما أرى ابن الثلاثين عاماً أمامي .- و ماذا يفيد... لا أزال في السابعة عشر .. و لا يزال أمامي درب طويل أشقه لأخوض معركة الحياة ....استمر القمر يستمع إلى حوار الشابين حتى ودعته الشمس .. - (( لن أنسى ذلك اليوم .. لن يغيب عن مخيلتي و لو لحظات .. لن أنساه أبداً .. أشعر و كأنه حصل قبل أيام فحسب ، لا قبل عشر سنوات .. عشر سنوات من الصراع و العذاب و الكفاح و العيش المنكد و العمل المضني ... عشر سنوات لأعرف من أنا .. لم أنا هنا .. من أين أتيت .. كل هذه الأسئلة لم أعرف جوابها إلا بعد أن عببت من الحنظل عباً ، بعد أن توسدت الشوك لأجد مأوىً يقيني عذاب الحياة الجهنمي ، بعد أن انتشل وسرق قلبي ... بعد أن فقدت كل سعادتي و سببي الوحيد للبقاء على قيد الحياة ... إنها تلك الزهرة التي ترعرعت في قلبي ليودعنا والدانا و هما مطمئنان ... رويتها بدمائي ، أضمها إلى صدري لأقيها برد الحياة القاسية و صقيع تجاهل الناس لنا .. إنها هي .. أختي .. أختي الحبيبة التي تصغرني بسنتين .. أرجوكِ .. سامحيني .. اغفري لي .. في ذلك اليوم كنت سعيداً لأن المدرسة وعدت بتكريم الطلاب الأوائل في مدرستنا .. تلك المدرسة التي امتلأت بإبداعات و ضحكات طفولية لا تكاد تتجاوز السبع سنوات ... لم أنم الليل و أنا أفكر بهذا التكريم فهو سيكون الأول في حياتي ... طال تفكيري كثيراً حتى تأخر الوقت كثيراً ، فبالتالي .. لم ألحق الركوب بالحافلة المدرسية صباحاً . فاضطر أبي العودة من مكتبه لإيصالي إلى المدرسة ، و عودته من مكتبه إلى المنزل تستغرق وقتاً لأن منزلنا كان بعيداً نسبياً عن المدينة ، عندما أتى أبي و ركبت السيارة لاحظت الساعة فوجدت أن الوقت قد تأخر و أنه وقت الطابور الصباحي ، فألححت على والدي بالإسراع .. سلك والدي الطريق السريع ، كان الضباب يسابق السيارة المنطلقة كالريح و فجأة رأيت و كأن طيف جبل أمامنا ، كانت شاحنة مطفئة أضواءها ، لم يستطع أبي السيطرة على السيارة ، ضغط بكل قوة على المكابح ، فدارت السيارة دورات واسعة حول نفسها و استقرت أمام الشاحنة ، لم يستطع سائق الشاحنة أن يوقف شاحنته العملاقة ، فتابعت مسيرها باتجاهنا ، كنت أصيح و أصيح ولم أعرف ماذا سأفعل و في خلال لحظات انتهى كل شيء ، الشاحنة ملقية على جانبها فوق سيارتنا التي أصبحت ككتلة لا شكل لها ، و أبي ضامني إلى صدره و ممسك بي بذراعيه المضرجة بالدماء و أنهار الدماء التي تجرى من جبينه و تسيل على وجهه و تنهمر على ملابسي البيضاء .... نعم لقد كان يحميني ، فضل حياتي على حياته ، انزلقت من عيني دمعات و أنا أنظر إلى وجهه الساكن الذي كان شفائي من الهم و الحزن كلما نظرت إليه .. كان منقذي من الموت المحتم .. ضحى بحياته و هو في عز رجولته ... لم أستطع التحمل فأغمى علي فلم أر نفسي إلا و أنا على فراشي في منزلنا و أمي مرتدية الثياب السوداء و جالسة في طرف الغرفة ، هرعت إلى أمي فضمتني إليها بعطف و قالت لي : الحمد لله على سلامتك يا بني لقد بقيت في غيبوبتك أسبوعاً كاملاً . و بعد ثوان ، قرع جرس الباب فتحت الباب فدخلت امرأة إلى أمي و قالت لها بكل خشونة و لامبالاة : من الأفضل لكم أن تدفعوا الإيجار فقد أجلناه لكم شهراً كاملاً. ردت أمي : و لكني لا أملك مالاً كافيا ،ً لم يبق لي إلا ما أطعم به ابني و ابنتي . قالت المرأة : و ما دخلي ؟ إما أن تدفعي و إما أن تجدي مكاناً آخر . ............ - إنا لله و إنا إليه راجعون .. اسمع يا بني لقد اتصل المستشفى و ....- ماذا يا أستاذ ؟ أرجوك أخبرني .- لا أعرف كيف أقولها لك ..- لا تقل شيئاً .... شكراً لك يا أستاذ لأنك أخبرتني - اسمع يا بني ... ســـ ...- شكراً على كل حال .لا أعرف كيف قلتها ؟ قلتها بجرأة و كأني أعي الحياة بكل عقباتها .أخذني اختصاصي المدرسة الاجتماعي إلى المستشفى لأرى أمي .. وصلنا .. ركضت إلى غرفتها ... أبعدت الغطاء عن وجهها .. قبلتها ، ثم قرأت الفاتحة ثم أعدت الغطاء إلى وجهها .......... تصور هذا السلوك يسلكه طفل في السابعة من عمره !! بعد أن عدت من المدرسة .... وجدت أختي جالسة على عتبة الباب و هي تبكي و تبكي بألم .. حينما رأتني هرعت إلي و ضمتني و قالت لي و الدموع تخنق صوتها الدافئ : لقد .. لقد أخذوها ... أخذوا ماما . ضممتها إلى صدري ثم أردفت قائلة : لم أستطع أن أمنعهم .. لقد كنت ممسكة بذراعها و لكنهم أبعدوني جانباً .. كنت أصرخ و أستغيث فأمسكتني جارتنا و حملتني بين ذراعيها و أنا أحاول النزول لألحق بأمي و أمنعهم من أخذها ....أي رؤية طفولية للموت .. الموت الذي يفقدنا أحبابنا .. الموت الذي يجعل بيننا و بين أحبابنا حاجزاً من الثرى .. الموت الذي يخنق العبرات و يسيل الدمعات لتجف على الوجنات .. فتنهمر الدموع على الثرى محترقة من ألم الفراق .... و التفرقة ......... فتحت جفني على الحياة قبل خمسة أعوام لأرى نفسي قد عشت في منزل عمي منذ وفاة والديّ تنفيذاً لما جاء في الوصية ..هناك حيث أدركت قيمة الوالدين ... لم أشعر قط و كأن عمي يعرفني ، كان دائم التجاهل لي .. كانت قبلاته لولديه تسيل دموعي اليتيمة .. و كانت كلمة : ماما أو بابا تغرس في قلبي ألف سكين فتنهمر دماء حزني على أرض ذلك المنزل الذي لا يعرف العطف أو الشفقة .. لم أر منهم سوى القسوة و العنف .... ها هي الأيام تمضي .... تجري سريعة .... و تدور عجلة الحياة تحت أشعة الشمس و رائحة دخان السيارات ... العمر يمضي ... أنا أكبر و أختي تكبر في وسط دوامة اللامبالاة و الزجر و العيش المنكد .... تمضي الأيام تتبعها الأيام ... و ها هي أختي تفتح عينيها كالزهرة الفواحة لتجد عشرات الخاطبين ، و لكني لم أتخيل أختي الطفلة الصغيرة - ذات الاثني عشر عاماً التي لم يفارق الحجاب رأسها و لم تر خصال شعرها الضوء أمام أي رجل أو شاب أو حتى أي طفل منذ أن نعومة أظفارها – أن تتزوج أو حتى أن تفكر في ذلك إلى أن سمعت ذات يوم زوجة عمي تقول لزوجها :- إلى متى سنبقى هكذا ؟ - ماذا تقصدين ؟- أقصد أن ما تخرجه بجهدك يذهب لابني أخيك ..- و ماذا عساي أن أفعل ؟- يا رجل ... لم لا تخفف عن نفسك هذا المصروف على ابنة أخيك ؟ - و ماذا سأفعل ؟- ألم ترَ عدد الخاطبين لها ... - لا .. لن أزوجها لأي أحد من هؤلاء - و لماذا ؟- ابننا البكر أولى بها .. أليس الأقربون أولى بالمعروف ؟ لم تمض سوى أيام حتى تزوجت أختي رغم كل محاولاتها المكبوتة ... حينها أحسست أن الحياة قد سدت أبوابها في وجهي بدأت أشعر بألم جسدي خفيف ما لبث أن تضاعف و أصبح الألم لا يحتمل ، أخذني عمي و لأول مرة منذ ثماني أعوام بنفسه إلى المستشفى ... و من بين الردهات البيضاء و القاعات النظيفة خرج طبيب ، وقف أمامي و قال لي : - يؤسفني أن أقول لك هذا ... تفضل اقرأه بنفسك ...- و لكني لا أعرف القراءة يا حضرة الطبيب ...- حسناً سأخبرك يا بني ... أنت مريض بمرض خبيث .. - مــ ـــر ض خـــ ـبـــ ـيــــ ـــــــــــث ؟ تمالك نفسي و سألت الطبيب : - و هل له علاج ؟صدمني صدمة أقوى عندما أخبرني عن تكلفة العلاج فخرجت من المشفى أجر أذيال البؤس و التعاسة خلفي .... مشيت في الشوارع على دون هدى و دون أن أرى الطريق أمامي .. اصطدمت برجل فتراجعت إلى الوراء خطوتين ثم وقعت أرضاً ، مد ذلك الرجل يده إلي بملابسه البيضاء ... فساعدني على النهوض .... النهوض عن الأرض التي ضاقت ذرعاً ببحثي عن الحياة الكريمة فوقها ... و النهوض لأقف منتصباً شامخاً فوق تلك الأرض الكريمة التي لم أعرف فضلها عليّ إلا بعد عمر طويل .. ذلك الرجل الذي كان من هيئة الشؤون الاجتماعية الذي استمع إلى قصتي و معاناتي ساعدتني تلك الهيئة الخيرة على أن أقف على قدمي بعد أن فتك بي المرض فعولجت على حساب الهيئة و قدمت لي العمل الشريف لأعيش حياة كريمة ..... أعطتني تلك الهيئة الشمعة التي أضاءت دربي الطويل الذي بنته أيادٍ بيضاء ... شموع مضاءة متوهجة طول الطريق تظلها نجوم خلود الأعمال الخيّرة التي تدلنا على الخير و العز و الكرامة .....

لم لا يكون البشر كهؤلاء ؟؟

لم لا يمسحوا دمعة حزن رفاقي ؟؟

لم لا يضعوا شمعة مضاءة في يد البؤساء ؟؟

لم لا يأخذوا بيد من يحتاجهم ؟؟

لم لا يطبقوا قول الرسول صلى الله عليه و سلم : " أنا و كافل اليتيم في الجنة كهاتين و أشار بإصبعيه السبابة و الوسطى "

أين العالم من كفالة الأيتام ؟؟


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


الله يسعدك يارب


__________________________________________________ __________

يعطيكـ الف عافيه عزيزتي ..


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________