عنوان الموضوع : عندما تموت الغيرة -اسلاميات
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

عندما تموت الغيرة



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بينما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير ليلاً في أزقة المدينة لتفقد أحوال الرعيّة طرق سمعه صوت امرأة تنشد وهي تتغزل بأحد شبّان المدينة ! قائلة :

هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أو من سبيل إلى نصر بن حجاج

إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل ** سهـل المحيا كريم غير ملجاج


فعمر الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم { بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته وولّيت مدبرا } ؛ لم تمر عليه هذه الحادثة مرور الكرام فقد قضى ليلته دون أن يغمض له جفن ، فعاصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قالت عن نسائها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، عندما نزل قول الله تعالى: [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ] {النور:31} ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح متعجرات كأن على رؤوسهن الغربان .. يسمع فيها خليفة المسلمين امرأة تتغزل بشاب قد سلب عقلَها جمالُه ! فهذا أمر في منتهى الخطورة بمنظور أبي حفص ، فبقي يتقلب على فراشه حتى أذّن المؤذن لصلاة الفجر ، فيؤمّ الناس بالصلاة ويصعد بعد انتهاء الصلاة على المنبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي ويسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم ، معلنا بعد ذلك حالة الاستنفار بالمدينة لإحضار ذلك الشاب الذي تهتف به النساء في بيوتهن . وعلى الفور ينعقد مجلس الشورى المكوّن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم ، فيتقدم من بينهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قائلا : يا أمير المؤمنين نصر بن حجاج أعرفه فهو شاب من شباب المدينة اشتهر بجماله فإن أردت أن تراه أحضرته إليك ، قال أمير المؤمنين: إليّ به يا ابن عوف ، فيحضر نصر بن حجاج إلى أمير المؤمنين ، ولمّا رأى من جماله قال : والله لا تساكني في بلدة يتمناك بها النساء ، فخذ من بيت المال ما يصلحك وسر إلى البصرة .فقال نصر : لقد قتلتني يا أمير المؤمنين ، فإن فراق الأوطان كقتل النفس ، قال تعالى:[وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ] {النساء:66}

قال الخليفة : ولكني أقول ما قال الله على لسان نبيه شعيب عليه السلام [ُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ] {هود:88} فأعراض المسلمين عند عمر تأتي في مقدمة اهتماماته ، فكيف لا وهو الذي قال :{ يا رسول الله لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر ، فنزلت بعد ذلك آية الحجاب موافقا رأيه لأمر ربه من فوق سبع سموات } .

إن الرجال الناظرين إلى النساء **مثل الكلاب تطوف باللحمان

إن لم تصن تلك اللحوم أسودها ** أكلــت بلا عوض ولا أثمان


فأولئك النساء هن اللاتي أنجبن القادة الذين تحطمت تحت سنابك خيولهم عروش الفرس والروم والعلماء الذين حفظ الله بهم ربقة الإسلام ، وما ذلك إلا بتوفيق الله لعمر أن جعله حصن الفضيلة المنيع الذي تتحطم على جنباته سهام دعاة الرذيلة .

تروي لنا كتب السير: أن رجلا من السلف التحق بجيوش الفتح الإسلامي في خراسان وترك زوجته الحامل بالمدينة ولديها مبلغ ثلاثون ألف دينار هي كل ما يملك عدا سيفه وجواده الذين خرج بهمـا للجهـاد ، وبقي هذا المجاهد يحرس ثغور المسلمين مدة عشرين عاما, يقرر بعدها العودة إلى زوجته التي لم تصله أخبارها منذ فارقها ولا يعلم ما صنع الله بالجنين الذي كانت تحمله في بطنها ، فيؤمم وجهه شطر مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتطيا صهوة جواده الذي أخذ ينهب الأرض ويطوي المسافات وكأنه يعلم ما يجول بين جوانح صاحبه من حنين لتلك الديار وساكنيها بعد هذه الغربة الطويلة ، ولما بلغ أسوار المدينة اتّجه إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليسلم على هادي هذه الأمة ومعلمها محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، ويصلي لله ما شاء أن يصلي قبل الذهاب إلى أهله وقد وافق مجيئه وقت صلاة المغرب وبعــد أن أديت الصلاة تحلق طلبة العلم حول شيخهم ذلك الفتى المعمم الذي يشع وجهه بنور الإيمان ، فجلس الرجل إلى تلك الحلقة رغبة في فضل مجلس الذكر وللاستزادة من العلم الشرعي لا سيما أنه كان منشغلا بالجهاد ولم يحضر مجالس العلماء إلا نادرا ، ويبدأ الشيخ ربيعة بن فروخ المكنى ( ربيعة الرأي ) الدرس بشرح كتاب الجهاد لأحد علماء السلف رحمهم الله ولشدة إعجاب الرجل بهذا الشاب عاد به الخيال إلى ما قبل عشرين سنة متمنيا لو بقى بالمدينة وقام على تربية ابنه الذي كان وقتها حملا في بطن أمه لعل الله أن يجعل منه عالما تنتفع بعلمه أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل هذا الشاب ، ولم ينتبه إلا لصوت المؤذن معلنا دخول صلاة العشاء ، وبعد أداء الصلاة مكث جالسا بالمسجد حتى تفرق الناس وذهب كلّ إلى بيته ، عندها توجه إلى داره القريبة من المسجد ثم ربط جواده أمام الدار وتقدم إلى الباب وطرقه طرقا خفيفا حتى لا يزعج الجيران ، وكانت المفاجأة العظيمة عندما خرج عليه من الدار ذلك الشاب الذي كان يلقي الدرس بالمسجد ، فما كان منه إلا أن يمتشق سيفه ليفتك بهذا الوغد الذي لم يحترم مبادئ الإسلام التي كان يعلمها للناس ، ودخل داره وخلا بزوجته مستغلا غيابه عن أهله ، ويرد الشاب على هذا التصرف العدواني قائلا :ما ذا تريد يا عدو الله تدخل داري وتشهر عليّ سلاحك ، فتتدخل الأم التي أتت بعد سماعها الجلبة التي حصلت بين ابنها وذلك الرجل الذي طرق الباب ، فقالت على رسلكما (سلم يا بني على والدك ) وبعد أن هدأت المشاعر واستقرت النفوس المشحونة بالعواطف سجد الجميع شكرا لله سبحانه وتعالى الذي منّ عليهم بلم الشمل بعد طول فراق ، ومن بديهيات الأمور أن يسأل الرجل زوجته عما بقي من المال الذي أودعه عندها أثناء سفره فقالت بقي منه العلم الذي أودعه الله في عقل ابنك ، فعلم إنها قد صرفت كل المبلغ ولكن ليس فيما تهوى الأنفس البشرية من المشرب والمأكل وأدوات اللهو وإنما صرفته على تربية ابنها وتعليمه فحمد الله على ذلك وأثنى عليه ودعا لها بحسن العاقبة .

فهذه الأم التي استطاعت أن تصمد كل هذه المدة التي غاب عنها زوجها وتنذر نفسها وما تملك لتربية ابنها وتعليمه حتى أصبح من كبار علماء عصره ولم يتجاوز عمره العشرين سنة لو لم تكن في بيئة اجتماعية صالحة وولاية راشدة تعتني بأخلاقيات الأمة وتغار على محارم الله لربما جرفها التيار وانزلقت في مهاوي الرذيلة كما انزلق غيرها من بنات جنسها اللاتي عشن في مجتمعات تحكم سلوكها الأهواء والشهوات بحجة أن سلوكيات الأفراد خاصة بهم وتعتبر من الحريات الشخصية التي لا يجوز للآخرين المساس بها ، بعكس المجتمع الإسلامي السليم الذي يعتبر أن رعاية الفرد وتربيته على الأخلاق الفاضلة وحمايته من ما ينافيها حتى وإن كان الفاعل هو نفسه ، هي من أهم واجبات من ولاه الله أمر الأمة, وهذا المنهج الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وسار عليه من بعده خلفاؤه الراشدون وسلف الأمة الصالح .

وعندما ضعفت الأمة وسلبت منها الإرادة وسلط عليها من أبنائها المؤتمرين بأمر عدوها ليفرضوا عليها اتباعه حذو القذة بالقذة تنازلت عن أهم موروثاتها الحضارية وصارت تردد كالببغاوات ما يسميه الأعداء حرية المرأة ومساواتها بالرجل .

وفي هذا المضمار محطات في تاريخ الأمة حالكة السواد ، لعلي أذكر منها على سبيل المثال أيام حكم ملوك الطوائف بالأندلس حيث كانت بنات الملوك يجاهرن بفسقهن مع من يردن ولا أحد ينكر عليهن هذا العمل الشنيع ، فتاة مع وزير أبيها ابن زيدون عندما شعرت أنه مال إلى جاريتها وهي التي تظن أنها الوحيدة التي استطاعت سلب لباب عقله فقالت له معاتبة :

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا **لــم تهــو جــاريتي ولم تتخير

وتـركت غصـنا مثمــرا بجمــاله ** وجنحت للغصن الذي لم يثمر


فولادة بنت المستكفي التي كانت تكتب بالذهب على طرازها الأيمن :

أنا والله أصلح للمعالي * وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وعلى طرازها الأيسر :

وأمكن عاشقي من صحن خدي * وأعطي قبلتي من يشتهيها

قد قضت حياتها باللهو والمجون وماتت بعد أن تجاوز عمرها الثمانين عاما ولم تتزوج وليست هي المسئولة الوحيدة عن ما آلت إليه حالها ، بل هي ضحية من ضحايا الانهيار الذي أصاب الأمة بأسرها كنتيجة حتمية لتبعية ملوك الطوائف الذين كان والدها أحدهم لملوك النصارى، فلو قدر لولادة بما عرف عنها من الذكاء أن تكون حياتها بعصر عمر ابن الخطاب لربما كانت أما لأحد قادة الفتح الإسلامي ، فالإنسان جبل على الخير والشر معا فإن وجد من يوقظ نزعة الخير التي بداخله كان خيّرا بإذن الله تعالى وإن كانت الأخرى صار شريرا نعوذ بالله من ذلك .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أويمجسانه ) رواه مسلم .

إن الناظر إلى عصرنا الحالي يرى التشابه الكبير بينه وبين عصر الطوائف بالأندلس من حيث الدعوة النشطة لخروج المرأة من خدرها وتنحيتها عن المهمة التي وجدت من أجلها وجعلها لا تكتفي بمزاحمة الرجال لما كلفوا به ولكن تتجاوز ذلك إلى أمور تفقدها دورها كربة بيت ومربية أجيال . وهذا ورب الكعبة هو الذي أراده أعداء الأمة من الكفار وأذنابهم المنافقين ، ولكن المسئول أمام الله ثم أمام الأمة هو من أتاه الله سلطة تغيير المنكر بدرجته الأولى ولم يفعل .

{ إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن } .

_______________________

المصدر : شبكة نور الإسلام


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


جزاك الله كل خير


__________________________________________________ __________

طرح قيم وهادف

جزاكِ الله خير

وبارك الله فيكِ ووفقكِ

دمتي بحفظ الله ورعايته


__________________________________________________ __________

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العفو عند المقدرة
جزاك الله كل خير


وجزاكِ مثله أختي


__________________________________________________ __________

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سما المجد
طرح قيم وهادف

جزاكِ الله خير

وبارك الله فيكِ ووفقكِ

دمتي بحفظ الله ورعايته


وجزاكِ مثله بارك الله فيكِ اخية


__________________________________________________ __________