عنوان الموضوع : رواية” اللص والكلاب تتمة -رواية
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

رواية” اللص والكلاب تتمة






يعتبر نجيب محفوظ من أهم الروائيين العرب الذين أرسوا دعائم الرواية العربية تجنيسا وتجريبا وتأصيلا إلى جانب محمد حسين هيكل وسهيل إدريس ويحيى حقي ويوسف إدريس وعبد الحليم عبد الله وعبد الرحمن الشرقاوي والطيب صالح وجمال الغيطاني وحيدر حيدر وحنامينه وإدوار الخراط وعبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم وطاهر وطار ومحمود المسعدي وواسيني الأعرج وجبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي وغسان كنفاني وبنسالم حميش ومحمد برادة ومحمد شكري…
وقد تميز نجيب محفوظ عن هؤلاء الروائيين بتعدد أشكاله السردية وتعدد المواضيع والقضايا التي تناولها في إطار رؤى فلسفية مختلفة في تصوير مصر و تشخيص فضاء القاهرة عبر امتداد تاريخ السلالات المالكة للسلطة والحكومات المتعاقبة. وبذلك، يكون نجيب محفوظ الناطق المعبر عن تاريخ مصر، كما كان عبد الكريم غلاب ناطق التاريخ المغربي، ونبيل سليمان ناطق التاريخ السوري، وطاهر وطار ناطق التاريخ الجزائري، وغسان كنفاني ناطق التاريخ الفلسطيني…
ومن أهم الروايات التي دبجها نجيب محفوظ رواية” اللص والكلاب” التي اتخذت طابعا رمزيا وذهنيا على مستوى المقصدية المرجعية والرسالة الفنية.
إذاً، ماهي العناصر المناصية والنصية التي تتكئ عليها هذه الرواية؟ وماهي بنياتها القصصية والسردية التي تزخر بها؟ وماهي الأبعاد المرجعية التي تتضمنها الرواية؟ وماهي طبيعة القراءات التي ظفرت بها الرواية على مستوى التقبل والتلقي؟

مدخل إلى الرواية العربية:
عرفت الرواية العربية مجموعة من المحطات التاريخية والفنية لايمكن تجاهلها عند دراسة رواية عربية ما. ويمكن حصر هذه المحطات والمراحل فيما يلي:
1. مرحلة المحكي العربي القديم:
تعتبر الأشكال السردية الحكائية القديمة ( ألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة بن شداد، وسيرة سيف بن ذي يزن، وسيرة الظاهر بيبرس، ورسالة حي بن يقظان،والمنقذ من الضلال للغزالي، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري…) أنماطا روائية تراثية بمقياسنا العربي الأصيل، لا بمفاهيم الرواية الأوربية الحديثة التي أوقعتنا في التقليد والانبهار والتلفيقية والتجريب رغبة في الحداثة. وإن كان ذلك قد تم على حساب مقوم الأصالة والتراث والذات والهوية والفهم الحقيقي للشخصية العربية وتمتين التواصل الحضاري بين الشرق والغرب وربط الماضي بالحاضر لتحقيق قفزة حضارية صحيحة أساسها: التوازن بين الماديات والأخلاقيات الإسلامية.
1. مرحلة الجهود الروائية الأولى:
تعد هذه المرحلة امتدادا للمرحلة التراثية الأولى كما نجد ذلك في أعمال كل من حافظ إبراهيم ” ليالي سطيح“، والمويلحي عيسى بن هشام“،ورفاعة الطهطاوي” تخليص الإبريز في تلخيص
باريز“، ومحمد بن المؤقت المراكشي في” الرحلة المراكشية أو
مرآة المساوئ الوقتية“. وما هذه الجهود في الحقيقة إلا امتداد لألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وسيف بن ذي يزن ومقامات بديع الزمان الهمذاني ومقامات الحريري وكتابات كل من ابن المقفع” كليلة ودمنة“، وابن بطوطة” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب
الأسفار“.
وتؤكد هذه الجهود الروائية التواصل الحضاري والفني وربط الماضي بالحاضر. لكن صدمة النهضة والحداثة والانبهار بالحضارة الغربية والتهافت على الجديد الأدبي ( لا التقني والعلمي)، وتقليد رجل الغرب في طقوسه وشكلياته ( لا في عقليته العملية واختراعه العلمي والتكنولوجي)، سبب في القطيعة الإبداعية والانفصام الحضاري وانفصال الحاضر عن الماضي على مستوى التخييل الحكائي والإبداع السردي.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


ج- مرحلة التجنيس الفني للرواية العربية:
تم تجنيس الرواية العربية منذ أوائل القرن العشرين مع رواية” زينب” لمحمد حسين هيكل، و” الأجنحة المتكسرة” لجبران خليل جبران على غرار القواعد والأنماط الشكلية الأوربية، أو ما يسمى بالرواية الكلاسيكية في تياراتها التاريخية والرومانسية والواقعية التي تذكرنا بروايات فلوبير وإميل زولا وبلزاك وستندال وتولوستوي وماكسيم گوركي ودويستفسكي.
ويلاحظ على هذه المرحلة تقليد الرواية العربية لنظيرتها الأوربية في مضامينها وأشكالها الفنية والجمالية وتقنياتها السردية؛ مما أوقع الرواية العربية في التقليد والاقتداء الأعمى والتجريب والاستهلاك والانقطاع عن التراث الروائي والعزوف عن تطويره امتدادا وتواصلا وإبداعا إن شكلا وإن مضمونا.
د- مرحلة الرواية العربية الجديدة:
استهدف أصحاب الرواية العربية الجديدة أو الطليعية إما التحديث على غرار الرواية الفرنسية الجديدة التي من أقطابها: آلان روب گرييه وكلود سيمون وريكادو وميشيل بوتور….، وإما السير على خطى رواية تيار الوعي أو ما يسمى بالرواية النفسية أو الرواية المنولوجية كما عند مارسيل بروست أو ڤرجينيا وولف وإرنست همينگواي ودون باسوس وكافكا وجيمس جويس.
هـــ- مرحلة التأصيل الروائي:
ظهرت مرحلة التأصيل بعد كساد التجريب الروائي الذي تحول إلى مجموعة من التمارين السردية المملة البعيدة عن هويتنا وحضارتنا الأصيلة، مما جعل بعض الروائيين يفكرون في التخييل التراثي والتأصيل والبحث عن شكل روائي عربي، فعاد الروائيون العرب إلى التراث قصد استلهامه وتحويله محاكاة وتحريفا وتخييلا وحوارا، وإعادة بنائه في أشكال تناصية وأنماط تخييلية تعزف على إيقاع التراث و أساليب السرد العربي القديم كما نلفي ذلك عند نجيب محفوظ وجمال الغيطاني ومحمود المسعدي وبنسالم حميش ورضوى عاشور وواسيني الأعرج….
تلكم –إذاً- أهم المراحل التي عرفتها الرواية العربية ضمن مسارها التاريخي والإبداعي والفني…
• عتبات النص الموازي:
1. عتبة المؤلف:
ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا في حي الجمالية بالقاهرة عام 1911م، ونشأ في أسرة متوسطة الحال. فتلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة الحسنية، ثم الثانوي بمدرسة فؤاد الأول إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا، وتخرج بعد ذلك من كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة.
وقد شرع في الكتابة والإبداع منذ المرحلة الثانوية، ونشر عام 1934م أول نص قصصي له حمل عنوان” ثمن الضعف“، وانخرط بعد ذلك في سلك الوظيفة العمومية بإدارة جامعة فؤاد الأول، فوزارة الثقافة ليعين عضوا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ثم مستشارا لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة…
وأحيل نجيب محفوظ على المعاش عام 1971م، ومن يومها وهو يواصل الإبداع والكتابة الروائية والقصصية والمسرحية إلى أن حاز على جائزة نوبل في الآداب عام 1988 م.
ولقد اعتدى عليه بعض المتطرفين من أجل إسكاته نهائيا، في حين صودرت روايته” أولاد حارتنا” من الساحة الثقافية المصرية بصفة خاصة والساحة الثقافية العربية بصفة عامة.
هذا، ولقد عايش نجيب محفوظ جميع ماشاهدته مصر في تاريخها الحديث من هزات مست مختلف مكوناتها ابتداء بالثورة العرابية سنة1882م، وثورة سعد زغلول سنة 1919م، وما عاشته من أزمات اقتصادية خاصة أزمة مابين


__________________________________________________ __________

1930و1934م ، وما رافق الحرب العالمية الأولى والثانية من استبدادات إقطاعية واستعمارية وأزمات سياسية وفكرية واجتماعية، عمل نجيب محفوظ على تجسيد أثرها على المجتمع العربي، فكانت قصصه رحلة عبر الأزمات المادية والروحية.
وتأثر نجيب محفوظ إلى جانب انجذابه إلى المحيط الذاتي والاجتماعي والعصري بمؤثرات التراث العربي والغربي حيث تأثر قديما بالتأمل الفلسفي عند أبي العلاء وبالروح الشعرية التأثرية عند ابن الرومي. فبدأ تجاربه الأولى بنظم القصائد حتى عد نفسه رائد المدرسة الحديثة في الشعر، وحديثا تأثر بالحس الاجتماعي الرهيف عند المنفلوطي، والعلم والاشتراكية عند سلامة موسى، كما تأثر في الجامعة بالدراسات الفلسفية التي وجهت تفكيره إلى القضايا الفكرية،كما تأثر بمختلف الاتجاهات الروائية الغربية كالاتجاه التاريخي والواقعي والنفسي والعبثي والطبيعي. فبرز أثرها في تنوع الأشكال الروائية عنده بين التاريخية والاجتماعية والفلس
وقد كتب نجيب محفوظ كذلك (12) مجموعة قصصية و(7) مسرحيات. فمن مجموعاته القصصية: همس الجنون(1938)، ودنيا الله(1962)، وبيت سيء السمعة(1965)، وخمارة القط السود( 1969)،وحكاية بلا بداية ولانهاية(1971)، وشهر العسل(1971)، والجريمة (1973)، والحب فوق هضبة الهرم(1979)، والشيطان يعظ(1979)، ورأيت فيما يرى النائم(1982)، والتنظيم السري(1984)، وصبح الورد (1987)، والفجر الكاذب(1988).
ومن نصوصه المسرحية: تحت المظلة(1969)، ويحيي ويميت، ومشروع للمناقشة، والتركة، والنجاة، والمهمة.
واستدراكا على ماسبق، هناك من يقول: إن أول نص روائي لنجيب محفوظ ظهر سنة 1939م، وفي هذه السنة بالذات صدرت رواية “عبث الأقدار“. وهناك من يؤرخ لها بسنة 1938م، وهناك أيضا من يشير إلى ” مصر القديمة ” التي ظهرت سنة 1932م من تأليف جيمس بيكي، ومن ثم، فهي ترجمة عن اللغة الإنجليزية.
ج- عتبة التجنيس:
تتحدد روايات نجيب محفوظ في مجموعة من المراحل الفنية والجمالية يمكن إجمالها في:
• المرحلة التاريخية1930- 1938 م):
كان نجيب محفوظ في هذه المرحلة يعبر عما يعانيه المجتمع العربي من استغلال في ظل الحكم العثماني والأنظمة الفردية الطاغية، ومترجما لشعور المجتمع المصري الاجتماعي والوطني الثائر.
• المرحلة الاجتماعية( 1939-1952م):
تصبح للمأساة نكهة اقتصادية وتربوية، ويتحول نجيب محفوظ من مصر القديمة إلى مصر الحديثة بهمومها الحاضرة حيث يلخص محور أدبه في هذه المرحلة في هذه القولة المشهورة:” إن ظروف الفقر تفسد الأخلاق”.
• المرحلة الفلسفية(1959-1975م):
يصبح وعي الإنسان في روايات هذه المرحلة الفلسفية مصدر عذابه وشقائه، عذاب المعرفة والاطمئنان والانتماء.
• المرحلة التراثية : (1977 – 1983م):
يستلهم نجيب محفوظ في هذه المرحلة الموروث الجمالي والسرد العربي القديم وفضاءاته الفانطاستيكية وأجوائه التاريخية وتقنياته الفنية والتعبيرية ، ويقول جورج طرابيشي:”… وأعمال نجيب محفوظ ينطبق عليها بشكل خاص، قانون التطور المتفاوت والمركب، فقد بدأ بالرواية التاريخية في “كفاح طيبة” و”رادوبيس” وغيرها، وانتقل إلى الرواية الواقعية متوجا ذلك بالثلاثية ، ثم بدأ انطلاقا من “اللص والكلاب” يطور أشكال أخرى وصولا إلى توظيف التراث في الرواية. وهو سباق إلى هذا بخلاف ما يزعم… إذ جميع ما حققته الرواية العربية خلال قرون استطاع روائي عربي أن يصل إليه خلال سنوات من حياته الخاصة…”
ويمكن تدقيق هذه المراحل بهذه الطريقة التوضيحية:
ومن هنا، نفهم بأن رواية اللص والكلاب رواية فلسفية وجودية تتغنى بالعبث والملل والسأم الوجودي، وتعبر عن الفوضى في الواقع ، والتسيب في المجتمع ، وانحطاط الإنسان ، وتردي القيم الأصيلة في واقع المسخ الغرائبي والامتساخ الفانطاستيكي.
د- بنية العنوان:
من يتأمل عنوان الرواية ( اللص والكلاب)، فإنه سيجده عبارة عن جملة اسمية بسيطة مركبة من المبتدإ ( اللص)،والخبر محذوف وهو النص بأكمله، وجملة العطف تتكون من حرف عطف والمعطوف عليه. وتتكون البنية العنوانية من كلمتين بينهما رابط واصل( عطفي). وينبني العنوان على الاختصار والاختزال والحذف الدلالي.
ويحمل العنوان على الرغم من حرفيته بعدا رمزيا فانطاستيكيا قائما على المسخ والامتساخ المشوه، إذ يشبه الكاتب عليش سدرة ونبوية ورؤوف علوان بالكلاب الماكرة واللصوص الخادعة الزائفة، ويوضح هذا الطرح ماكتبه نجيب محفوظ في المقاطع الأخيرة من الرواية:” وانهال الرصاص حوله فخرق أزيزه أذنيه، وتطاير نثار القبور. وأطلق الرصاص مرة أخرى وقد ذهل عن كل شيء فانصب الرصاص كالمطر. وفي جنون صرخ:
• ياكلاب!
• وواصل إطلاق النار في جميع الجهات.”
هــــ- الوصف الطيبوغرافي:
إن الرواية التي نشتغل عليها صدرت في طبعتها الأولى سنة1961م إبان الثورة الناصرية الاشتراكية ، عهد جمال عبد الناصر الذي أمم قناة السويس وقاوم العدوان الثلاثي وشيد السد العالي. وطبعت الرواية في حجم متوسط مقاسه ( 19.5سم/ 13.5 )، أي إن هذه الرواية مستطيلة الشكل تتداخل فيها الأبعاد الثلاثة( الطول والعرض والحجم). أما عدد صفحاتها، إذا اعتمدنا الطباعة التجارية الصادرة عن مطبعة مكتبة مصر ( الفجالة) بالقاهرة، فهي 143 صفحة. وتخلو الرواية من الفصول والنجيمات البصرية (***) التي نجدها مثلا في رواية “ بداية ونهاية


__________________________________________________ __________

الغلاف الخارجي:
يحتوي الغلاف الخارجي الأمامي للرواية على بوسترPoster ملون بألوان مختلفة تتداخل فيها الألوان الباردة كاللون الأزرق واللون الأخضر، والألوان الساخنة كاللون الأحمر واللون البرتقالي ، كما يتقاطع فيه البياض مع السواد. وتعبر هذه الألوان المتناقضة عن جدلية الحياة والموت، والحب والانتقام، والفرح والحزن، والشقاء والسعادة.
هذا، ويحيل المسدس على الرواية البوليسية أو رواية الجريمة، كما تحيل المرأة على الحب والجنس والإباحية وتردي القيم الأخلاقية وتفسخ المجتمع وانحطاط الإنسان.
وأظن أن رسام هذه اللوحة التشكيلية هو جمال قطب الذي صور الكثير من اللوحات الواقعية التي تصدرت بها أغلفة روايات نجيب محفوظ الروائية والقصصية.
إذاً، فاللوحة ذات تشكيل واقعي بعيد عن التجريد وأشكاله، فهو يشير إلى أحداث القصة أو على الأقل إلى مشهد مجسد من هذه الأحداث. وعادة ما يختار الرسام موقفا أساسيا في مجرى القصة يتميز بالتأزيم الدرامي للحدث. ولا يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص والتشكيل بسبب دلالته المباشرة على مضمون الرواية. وببدو أن حضور هذه الرسوم الواقعية تقوم بوظيفة إذكاء خيال القارئ ودغدغة عواطفه، لكي يتمثل بعض وقائع القصة وكأنها تجري أمامه.
ويمكن اعتبار العناوين وأسماء المؤلفين وكل الإشارات الموجودة في العلاف الخارجي الأمامي داخلة في تشكيل المظهر الخارجي للرواية. كما أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات، لا بد أن تكون له دلالة جمالية أو قيمية. فوضع الاسم في أعلى الصفحة، لايعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في الأسفل. ولذلك غلب تقديم الأسماء في معظم الكتب الصادرة حديثا في الأعلى إلا أنه يصعب على الدوام ضبط جميع التفسيرات الممكنة وورود فعل القراء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات الخفية التي يمارسها توزيع الموقع في التشكيل الخارجي للرواية، إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانية.
ويمكن اعتبار حيثيات النشر عناوين فرعية إلى جانب العنوان البصري والتعيين الجنسين، بيد أن رواية” اللص والكلاب ” إذا كانت قد ذكرت المطبعة ومكانها، فإنها لم تحدد زمنها وعدد طبعاتها.
3- المتن الحكائي:
تصور رواية” اللص والكلاب” سعيد مهران بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه سنوات عدة، أربع منها كانت غدرا، كان وراءها المعلم عليش سدرة وزوجته نبوية اللذين تآمرا عليه ودبرا له مكيدة للتخلص من وجوده العابث وتهديداته الطائشة، فأصبحت بنته سناء في كنف أمها ورعاية عليش منذ عامها الأول. بينما غيّب سعيد مهران بين قضبان السجون يندب حظه التعيس وأيامه النكداء بسبب مبادئه الثورية الزائفة التي لقنها إياها معلمه رؤوف علوان:
” مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لايطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحدا. ها هي الدنيا تعود، وها هو باب السجن الأصم يبتعد منطويا على الأسرار اليائسة. هذه الطرقات المثقلة بالشمس، وهذه السيارات المجنونة، والعابرون والجالسون، والبيوت والدكاكين، ولاشفة تفتر عن ابتسامة… وهو واحد، خسر الكثير، حتى الأعوام الغالية خسر منها أربعة غدرا، وسيقف عما قريب أمام الجميع متحديا. آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق، وللخونة أن ييأسوا حتى الموت، وللخيانة أن تكفر عن سحنتها الشائعة. نبوية وعليش، كيف انقلب الاسمان اسما واجدا؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب”
يشكل هذه المقطع الاستهلال الروائي الحدثي بؤرة الرواية وتمفصلها الأساسي ؛ لأنه يلخص كل الأحداث التي وقعت والتي ستقع داخل الرواية، كما توجز حبكة الرواية وعقدتها الجوهرية التي تتمثل في الانتقام من الخونة والثأر من الذين غدروا به وهم: المعلم عليش وزوجته نبوية ورؤوف علوان.


__________________________________________________ __________

وبعد ذلك، يلتجئ الروائي إلى تمطيط هذا الاستهلال وتوسيعه وتبئيره سردا وتحبيكا وتشويقا عبر مسار المتن الحكائي، لتكون النهاية سلبية تنتهي باستسلام سعيد مهران وموته وفشله في إنجاز مهمته وأداء البرامج السردية التي أنيط بترجمتها وتنفيذها. ومن ثم، تصبح شخصية سعيد مهران شخصية إشكالية غير منجزة بسبب فشلها الذريع في الانتقام من أعدائه الخونة؛ بسبب السقوط في شرك الأخطاء والظنون والتوهمات العابثة التي جعلت الحياة في منظورها بدون جدوى ولا معنى .
وإذا كان الاستهلال الروائي ينبني على حبكة حدثية مسبقة، فإن المتن أو المركز الوسطي هو تنفيذ للانتقام والثأر. بيد أن هذا الفعل كان مجانيا وعشوائيا لايصيب إلا الأبرياء من البوابين وضحايا المستغلين البشعين. أما نهاية الرواية، فقد ركزت على فعل المطاردة وسحق المجرم تحت ضربات وطلقات الرصاص التي حولت مكان اختباء سعيد مهران إلى مقبرة مصيرية له.
وبهذا، تتخذ الرواية طابعا سينمائيا حركيا Action ، لأن المتن الروائي كتب بطريقة السيناريو القابل للتشخيص السينمائي والإخراج الفيلمي الدرامي. وفعلا، فقد تم إخراج هذا الفيلم سينمائيا منذ سنوات مضت في مصر؛ نظرا لتوفر الرواية على لقطات بصرية وحركية تستطيع جذب المتفرج.
وعلى أي، فبعد خروج سعيد مهران من زنزانته العدائية المغلقة، لم يجد أحدا من عائلته وأقربائه وأصدقائه في انتظاره خارج السجن، وهذا يشير إلى كونه مكروها من الجميع ومنبوذا بسبب سلوكياته المنفرة. بيد أن ماكان يسرقه من منازل الأغنياء وڤيلاتهم كان يعتبر فعلا بطوليا عند رؤف علوان، إنه نتاج التفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء. ولم يلتجئ سعيد مهران إلى هذه السرقة الطبقية إلا بعد موت أسرته الفقيرة ، أبيه البواب الذي مات مريدا سالكا مؤمنا حامدا لله، والأم التي عبث بها الفقر والنكد حتى ماتت طريحة الفراش في البيت المنهوك من شدة الفاقة و فوق سرير المستشفى الذي بقيت فيه بدون عناية ورعاية صحية إنسانية.
ولم يبق أمام سعيد مهران في هذه الظروف الصعبة إلا بالجمع بين دراسته والاشتغال بوابا، ليستكمل حياته بسرقة طلاب العلم وممتلكات الأغنياء. وكان أستاذه رؤوف علوان يشجعه على ذلك؛ لأن مصر الثورة كانت تتصارع جدليا مع الأسياد الأغنياء الذين حولوا الشعب المصري إلى عبيد ومستضعفين. وقد أشاد رؤوف علوان بهذه السرقات التي كان يعتبرها فعلا بطوليا و إنجازا ثوريا للقضاء على الطبقة الإقطاعية الغنية


__________________________________________________ __________

يعطيك ألف عافية
موفقه

ينقل للقسم المناسب