عنوان الموضوع : ***التحفة السنية "شرح منظومة ابن أبي داود الحائية* في الاسلام
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

***التحفة السنية "شرح منظومة ابن أبي داود الحائية*



التحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية

الاعتصام بالكتاب والسنة ومجانبة البدع

(تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك بدعيًا لعلك تفلح ُ)
(ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربحُ)


بدأ الناظم منظومته في الاعتقاد بهذين البيتين العظيمين، وهذان البيتان فيهما الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة والتحذير من البدع، وقد بدأ بهما قبل بيان الاعتقاد ومسائله على طريقة أهل السنة في كتب الاعتقاد وقد جرت عادتهم في الغالب على البدء بهذا الأمر، وهذا منهم تحديدٌ لمصدر التلقي في أصول الدين وفروعه؛ ليكون بناء المعتقد وقيامه على أسس سليمة وأصول صحيحة قويمة، وعندما يحدد العبد مصدره في التلقي، ويكون مصدره من المنبع الأساس وهو الكتاب والسنة، فإنه يرى ما سواه من المنابع كدراً، فلا يأخذ منها شيئاً ولا يجعلها مصدراً له في دينه وعقيدته، وإنما يتلقى من المنبع الصافي والمعين النقي الذي لا شائبة فيه ولا كدر، فيسلم له بذلك معتقده ويصح إيمانه.
وأهل السنة مصدرهم في التلقي هو: الكتاب والسنة، بهما يأخذون، وعنهما يتلقون، وعليهما يعولون، لا يحيدون عنهما قيد أنملةٍ بل هم كما قال الأوزاعي: "ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا"، ولا يحدثون شيئاً من قبل أنفسهم.


يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "ليس الاعتقاد لي ولا لمن هو أكبر مني، الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم".
فمن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق والتسليم.
ولذا نجد كتب أهل السنة تبدأ بتحديد المصدر قبل بسط الاعتقاد، وهذا نستفيده مما كان يداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة، فكان دائماً يقول في مقدمتها: "أما بعد ,فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها...."1 الحديث. وتكراره صلى الله عليه وسلم لذلك كل جمعة فيه تأكيد على أهمية العناية بهذا المصدر وضرورة رعايته والمحافظة عليه.
قوله: (تمسك) التمسك في اللغة الأخذ بالشيء والاعتصام به، وهذا مأخوذ من قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران:103)
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (لأعراف:170)
(حبل الله) للعلماء فيه أقوال، وأكثرها عند المفسرين: القرآن كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، وهو مراد الناظم هنا؛ لأنه ذكر السنة بعده،


1 أخرجه مسلم برقم (867) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

والناظم رحمه الله بقوله: "تمسك بحبل الله" يخاطب السني ويقول له: ليكن مرجعك دائماً وأبداً كتاب الله، ومع تمسكك به: (اتبع الهدى) أي: السنة.
و (الهدى) في الكتاب والسنة يطلق على أمرين:
1- التوفيق والإلهام. 2- الدلالة والبيان والإرشاد.
ومن خلال السياق يمكن معرفة المراد. فقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص:56)
وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (البقرة: من الآية272)
وقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف:178)
وقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة:6)
كل هذه الآيات في هداية التوفيق، وليست لأحد غير الله تعالى وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستهدي ربه فيقول في دعائه: "اللهم إني أسألك الهدى والسداد" 1
فالذي يشرح الصدر ويوفق ويهدي هو الله ولذلك قال سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص:56)


1 أخرجه مسلم برقم (2725) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


والأخرى: هداية الدلالة والبيان.
قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (فصلت:17)
ولو كان من باب هداية التوفيق لما استحبوا العمى على الهدى.
قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10)
وهذه الهداية تكون كذلك للأنبياء والصالحين والعلماء، ومن ذلك قوله تعالى في حق رسوله صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى: من الآية52) ، وقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ" (السجدة:24)
(اتبع الهدى) أي ألزم طريق الهدى والرشاد الذي بينه ودل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خير هديٍ وأكمله، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم "وخير الهدى هدى محمد" 1، وفي رواية:"وخير الهدي" الهدى: لدلالة والإرشاد، والهدي: الطريق، وهديه صلى الله عليه وسلم ما بينه للناس ودلهم عليه مما أوحى إليه ربه، فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهديه صلى الله عليه وسلم هو خير زاد ليوم المعاد، والوقوف بين يدي رب العباد. وفي حثه رحمه الله على التمسك بالسنة إبطال لقول الطائفة الضالة الذين يتسمون بـ (القرآنيين) الذين يقولون: نحن لا نأخذ إلا بالقرآن، ومن
كان كذلك فهو ليس بآخذٍ حتى بالقرآن؛ لأن الله قد أمر في كتابه في آيات عديدة بالأخذ بالسنة والتمسك بها، ولذا لا يكون العبد متمسكاً بالقرآن إلا إذا أخذ بالسنة، فلا بد من الأخذ بالأمرين معاً.
قال الله تعالى آمراً أمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (الأحزاب:34)
وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: من الآية7)
الشطر الأول من البيت وهو قوله: (تمسك بحل الله واتبع الهدي) فيه تحديدٌ للمصدر في التلقي، ولما حدده حذر من مخالفته فقال: (ولا تك بدعياً) .
وهو بهذا السياق يشير إلى أصل مهم وهو: أن من نخلى عن حبل الله وتخلى عن السنة فهو آخذ بسبيل بدعة وضلالة؛ ولذا عرف بعض أهل العلم البدعة: بما ليس بالسنة.
فالناظم رحمه الله يقول: ولا تك بدعياً بترك الكتاب والسنة، وهو بهذا يشير إلى الهُوَة العميقة التي سقط فيها المبتدعة جميعاً، وهي تركهم للكتاب والسنة، وإلا كانوا أهل سنة وجماعة، ولما كانوا أهل أهواء وبدع، فالبدعي هو: من ترك الكتاب والسنة ولم يتلق عنهما، ولم يأخذ دينه منهما.

ومن نظر إلى عامة أهل البدع وجد أن منشأ ضلالتهم هو عدم التمسك بالكتاب والسنة، إما بالاعتماد على العقول والآراء، أو المنامات، أو الحكايات، أو غير ذلك مما جعله أهل الأهواء مصدراً لهم في الاستدلال.


يتبع التكملة القيمة


__________________________________________________ __________

وقوله: (لعلك تفلح) هذه نتيجة التمسك بالكتاب والسنة واجتناب البدع.
و (الفلاح) كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وقد قيل لا كلمة في اللغة أجمع للخيرات من كلمة الفلاح، والفلاح لا يكون إلا بالتمسك بالكتاب والسنة والابتعاد عن البدع، ومن لم يتمسك بالكتاب والسنة، وذهب إلى شيء من تلك المصادر لم يفلح؛ ولهذا جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: "ما ارتدى أحدٌ بالكلام فأفلح"؛ وعندما ناظر الشافعي بشراً فتغلب عليه وخرج بشرٌ قال الشافعي: "لا يفلح".
وهذا المعنى دل عليه القرآن الكريم كما في أول سورة البقرة في قوله تعالى: {الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:1-5)
و (لعل) عند الناظم هنا ليست للترجي؛ لأن من اعتصم بالكتاب والسنة ففلاحه متحقق، إلا إن قصد فعل العبد بتحقيقه لهذا المقام وتتميمه لهذا الاعتصام.
ثم قال رحمه الله مؤكداً على لزوم التمسك بالكتاب والسنة:
(ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربح)

(دن) فعل أمر من الفعل دان يدين ديناً.
والمعنى: أقم دينك على الكتاب والسنة وآمن وأطع وامتثل ما جاء فيهما، بتصديق الأخبار وفعل الأوامر وترك النواهي.
وقوله: " والسنن التي أتت عن رسول الله " السنن: جمع سنة، والمراد الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، فقوله: "أتت عن رسول الله" هذا تقييد وإرشاد إلى أن السنن لابد أن تصح حتى يؤخذ بها وتكون مقبولة، فإن صحت سواء بطريق التواتر أو الآحاد فهي حجة وعمدة في أمور الدين كلها العقيدة وغيرها.
قوله: (تنجو) لم يذكر من أي شيء؛ ليعم النجاة من كل شر وبلاء في الدنيا والآخرة. وقوله (وتربح) هذا زيادة على النجاة، فالنجاة رأس المال وفوقه أرباح متعددة بحسب قوة اعتصام المرء بالكتاب والسنة أرباح دنيوية وأرباح أخروية.
قال الله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:38)
وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (طه: من الآية123)
جاء عن ابن عباس ـرضي الله تعالى عنهماـ أنه قال في معنى هذه الآية: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة".


اختيار من كتاب " التحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية"
الاعتصام بالكتاب والسنة ومجانبة البدع

نواصل بإذن الله في الكتاب الرائع و بقية المنظومة وشرحها إذا جمعنا الله مرة أخرى"وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"


__________________________________________________ __________



__________________________________________________ __________



__________________________________________________ __________

جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر وأنار الله قلبك بنورالإيمان