عنوان الموضوع : تذكرة لمن اتقى في الاسلام
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

تذكرة لمن اتقى



تذكرة من اتقى
الحمد لله الذي جعل القرآن هدى للمتقين وذكرى للمؤمنين وحجة على المعاندين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي أرسله رحمة للعالمين وضمن الجنة والهداية لمن أطاعه وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.
أما بعد: فهذه كلمة وجيزة في التقوى وبيان ثمراتها وحسن عاقبتها دعاني إلى كتابتها الشفقة ومحبة الخير لإخواني المسلمين، والخوف عليهم من سوء عاقبة ما وقع فيه أكثرهم من مخالفة هذا الدين ومعصية رب العالمين، فالإسلام يوجب على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، وأن يكون المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. إننا لو وجدنا غريقًا
لرأينا من واجبنا إنقاذه، ولو شاهدنا حريقًا لوجب علينا#
إطفاؤه، إذًا فمعصية الله أعظم وأدهى، وعذاب الله أشد وأبقى، وكيف يرضى المسلم لنفسه أو لولده أو لأخيه بالعذاب الأليم في نار السموم والحميم الذي يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء، وسميت هذه الكلمة [تذكرة من اتقى] لأن غير المتقي لا يتذكر نعيمًا ولا عذابًا ولا يرجو ثوابًا ولا يخاف عقابًا والله الهادي إلى سواء السبيل.
[التقوى] تقوى الله طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه رغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه وهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ{([1]) وقال تعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{([2]) وذلك بأن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر، والمعنى استمروا على الإسلام والإيمان والتقوى والعمل الصالح حتى تموتوا عليه لأن من شب على شيء شاب عليه ومن شاب على شيء مات عليه في الأغلب.
والتقوى تثمر سعادة الدنيا والآخرة والسلامة من شقاوة الدنيا والآخرة قال الله تعالى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{([3])}وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{([4])}وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا{([5]).
وفاقد التقوى قد خسر نفسه ودنياه وآخرته وذلك هو الخسران المبين قال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{وهذه السورة العظيمة على#
اختصارها جمعت أصول الخيرات، فهي ميزان للمؤمن يزن بها نفسه فيعرف ربحه من خسرانه وسعادته من شقاوته، فقد تضمنت ما يجب من القول والاعتقاد والعمل، ولذا قال فيها الإمام الشافعي لو فكر الناس فيها لكفتهم.
أقسم الله فيها بالدهر المتضمن لأعمال بني آدم إن الإنسان خاسر إلا إذا اتصف بالإيمان بعد العلم به وصدَّقهُ بالعمل الصالح المثمر وأوصى غيره بلزوم الحق علمًا وعملاً واعتقادًا ودعوة، وأوصاه بفعل ما يجب وترك ما يحرم فقد تضمنت هذه السورة منهاج السعادة فيستفاد منها.
1 – وجوب الإيمان والعلم والعمل به والدعوة إليه والصبر على ذلك.
2 – عدم استقامة الإيمان بدون عمل.
3 – عدم فائدة العمل إلا إذا كان صالحًا خالصًا لله موافقًا للسنة.
4 – أن الدين يشمل قول اللسان واعتقاد القلب وعمل الجوارح.
5 – خسر الإنسان الذي لم يتصف بما ذكر في هذه السورة من العلم والعمل والدعوة والصبر على ذلك.
فإن الله تعالى ذم من يعلم ولا يعمل كاليهود حينما كلفهم العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها وضرب لهم المثل بالحمار يحمل أسفار الكتب ولا ينتفع بها وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم سمعنا قولك وعصينا أمرك، فغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابًا أليمًا. فإياك أيها المسلم أن تسلك طريقهم فتترك الحق مع علمك به وترتكب الباطل فيصيبك ما أصابهم. وإن لنا عظة وعبرة بمن سبق من الأمم الطاغية الكافرة كقوم نوح وعاد وثمود وفرعون بما حصل لهم من الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة حينما كفروا بالله وعصوا رسله قال الله تعالى: }فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{سورة العنكبوت (الآية:40).
فالمعاصي هي السبب في زوال النعم وحلول العقوبات والنقم وهلاك من سبق من الأمم والسعيد من وعظ بغيره.#
ومما دلت عليه سورة العصر وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ذلك كما قال تعالى:}وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ سورة لقمان (الآية: 17) كما وصف الله بذلك الأمة المحمدية ومدحهم به وبذلك صاروا خير أمة أخرجت للناس قال تعالى: }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ{ سورة آل عمران (الآية: 110) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم واجبات الإسلام وأكبر قواعد الأديان وهو من أشق ما يحمله المسلم لأنه مقام الرسل حيث ينقل صاحبه الناس من الطباع وتنفر منه نفوس العصاة، وهو إحياء للسنن وإماتة للبدع، ولو سكت المحقون وتكلم المبطلون لتعود النشء ما شاهدوا وأنكروا ما لم يشاهدوا فمتى أراد المؤمن إحياء سنة أنكرها الناس عليه فظنوها بدعة فالقائم بها يعد مبتدعًا. ولقد ذم الله الذين كفروا من بني إسرائيل ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم قال تعالى:}ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{ سورة المائدة (الآيتان 78 – 79) فاتق الله أيها المسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عقابه اتق الله بفعل ما أمر وترك ما نهى لتفوز برضاه وجنته وتسلم من عذابه وسخطه، فاحفظ الله يحفظك فإن الجزاء من جنس العمل، واتق الله حيثما كنت فإنه تعالى يراك ويسمعك ويعلم سرك وعلانيتك. فقد أوجب الله عليك واجبات وحرم عليك محرمات. أوجب عليك إخلاص النية لله في القول والعمل وعلى حسب نيتك تثاب أو تعاقب: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، وأوجب عليك الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة بخشوع وخضوع ورغبة ورهبة وجعلها عماد الدين وآكد أركان الإسلام بعد الشهادتين والفارقة بين الإسلام والكفر، وجعلها مكفرة للذنوب والآثام ناهية عن الفحشاء والمنكر، أوجبها على كل مسلم بالغ عاقل غير المرأة الحائض والنفساء أيام الحيض والنفاس، أوجبها على المسلم في كل حال من#
الصحة والمرض والإقامة والسفر والأمن والخوف على قدر استطاعته}إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا{ سورة النساء: الآية 103
وتارك الصلاة لا يقبل منه صدقة ولا صيام ولا حج ولا جهاد ولا أي عمل وهو أعظم جرمًا من الزاني والسارق وشارب الخمر وهو كافر بالله العظيم ومأواه جهنم إلا من تاب فإن الله يتوب عليه. قال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح. وقال تعالى: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{ سورة المدثر: (الآية: 42 – 43).
كما أوجب الله عليك أيها المسلم الزكاة في مالك ليطهرك بها، وأوجب عليك صوم رمضان وحج بيت الله الحرام مع الاستطاعة ليكونا كفارة لما مضى من ذنوبك والقيام بهذه الفرائض على الوجه الأكمل هو السبب في حفظك في دنياك وآخرتك وفوزك بالجنة ونجاتك من النار، وشرع الله لك إلى جانب هذه الفرائض نوافل مكملة لها وجابرة لما نقص منها والنوافل أيضا وسيلة إلى محبة الله لك وحفظه لك من كل مكروه وإجابة دعائك وزيادة حسناتك ورفع درجاتك ومحو سيئاتك وأوجب الله عليك بر الوالدين والإحسان إليهما بكل أنواع الإحسان وجعل رضاه منوطًا برضاهما وصلة الأقارب وإن قطعوك والإحسان إلى الجيران وعدم أذيتهم.
هذا ولا ينفع الإتيان بالواجبات إلا باجتناب المحرمات وأعظمها الشرك بالله شيئًا في القول أو الاعتقاد أو العمل كدعاء غير الله والذبح لغيره والتوكل على غيره في جلب نفع أو دفع ضر أو حصول نصر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله قال تعالى:}إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ{ سورة المائدة (الآية: 72) وحرم الله الزنا والسرقة وشرب المسكرات والمخدرات وقذف المحصنات وشهادة الزور، حرم ذلك حفظًا للعقول والأنساب والأموال والأعراض والحقوق، وحرم الله عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والغيبة والنميمة، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره.#
والنميمة نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم، والكذب على الله أو على رسوله أو على الناس في البيع والشراء والصناعات، وإخفاء العيب والنجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها. وحرم الله النقص والتطفيف في الكيل والوزن والذرع قال تعالى: }ويل للمطففين{ سورة المطففين (الآية:1) وفي الحديث من غشنا فليس منا ([6])، وحرم الله ظلم العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحرم الله أكل الحرام وتناوله على أي وجه كان سواء كان من غصب أو سرقة أو ربا أو غش أو خيانة أو غير ذلك قال تعالى:}وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ{([7]) وفي الحديث الصحيح «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»([8]) وفي الحديث «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به»([9]) وآكل الحرام لا يستجاب له دعاء ولا يقبل منه عمل قال الشاعر:

وطاعة ممن حرامًا يأكل



مثل البنا فوق موج يجعل



ومن المحرمات شرب الدخان الضار بالدين والبدن والصحة والمال، والضار بالجليس من الآدميين والملائكة الكرام لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهو ممنوع بيعه وشراؤه وشربه في الشرع والعقل والفطرة السليمة، ولكن النفوس الأمارة بالسوء والهوى المضل والشيطان المغوي والتقليد الأعمى تسيطر على عقل الإنسان فيعمى عن الحق فيضر نفسه ويحرق نفسه بنفسه ويعذب نفسه بنفسه فيفعل بنفسه ما لا يفعله الأعداء كما قيل:

ما يبلغ الأعداء من جاهل



ما يبلغ الجاهل من نفسه




([1]) سورة النساء (الآية: 131).

([2]) سورة آل عمران (الآية:102).

([3]) سورة الطلاق (الآية: 2 – 3).

([4]) سورة الطلاق (الآية: 4).

([5]) سورة الطلاق: (الآية: 5).

([6]) رواه مسلم.

([7]) سورة البقرة (الآية: 188).

([8]) رواه البخاري.

([9]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في الحلية


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================



__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________