العفو عند المقدرة.. عبادة مهجورة أجرها عظيم
كثيرا ما نتعرض لإساءات متكررة من الآخرين.. فهذا قد يؤذيك بكلمة أو يتهمك في أهلك ودينك، وقد لا تتصور من أين قد يأتيك الأذى، وربما لا تتوقعه أيضا من أن يكون من أقرب الناس إليك.. في هذه الحالة يكون الجرح عميقا، وغالبا ما ينعدم العلاج لذلك.......
حينها يعيش المرء صراعا مع الشر لا سيما وإن كان له قرينا يهتف في أذنه ” يجب أن ترد الصاع صاعين .
العفو عند المقدرة من صفات الله
من أعظم الأخلاق رفع العفو عند المقدرة فهذه عبادة مهجورة, وهي من صفات الله وأسمائه الحسنى فهو سبحانه “العفو القدير” أي يعفو بعد مقدرته على الأخذ بالذنب، والعقوبة على المعصية، فالعفو بدون مقدرة قد يكون عجزاً وقهراً, ولكن العفو مع المقدرة والانتقام فلا شك أنه صفة عظيمة لله فيها الكمال، فهو سبحانه يحب العفو، ويحب أن يرى عبده يعفو عن الناس.. قال تعالى”خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (لأعراف:199)ويقول “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” (الشورى: الآية40
مستريح البال **
يجب ان يكون المسلم هيناً ليناً سمحاً تقياً, عفواً قريباً إلى الناس, متودداً إليهم, باذلا لهم, ناصحا لهم, ملتمسا لهم الأعذار في جميع تصرفاتهم نحوه, ويقول إذا صدر منهم ما يغضبه” هذا من الشيطان وليس منهم بل الشيطان هو الذي نزغ بهم, وهو الذي شجعهم على ذلك فمن حاول أن يربي نفسه على هذه العبادة عاش مستريحاً, ينام ويستيقظ وهو في راحة.
عفو الرسول**
يتجلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال: (لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا) .
الجزاء من جنس العمل**
وانستشهد بقول الإمام ابن القيم : (يا ابن آدم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو, وإنك تحب أن يغفرها لك الله, فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده, وأن وأحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده, فإنما الجزاء من جنس العمل، تعفو هنا يعفو هناك, تنتقم هنا ينتقم هناك.
قصص روعة عن “العفو”
“طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟
قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}. قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم: {والعافين عن الناس}.قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.
عفو الرسول
ونروى قصة رسول الله مع المرأة التي دست له السم بين الأكل: وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك.. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الله ليسلطكِ علي
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. .
سعادة حقيقية**
السعادة في الحلم والصبر على الآخرين”السعادة الحقيقية هي تحمل الأذى من الآخرين والعفو عنهم مع المقدرة والحلم والصبر عليهم وأخذهم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة.