عنوان الموضوع : الروح والجسد -للمتدينات
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

الروح والجسد



الشيخ صالح بن عواد المغامسي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . أراد مالعباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه . وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد .

موضوع حلقة اليوم من برنامجنا مجمع البحرين (( الروح والجسد )) .

على أننا نقصر في الحديث عنهما عن روح وجسد بني آدم عليه السلام ولا نعرض لغيرهما من الكائنات الحية .

فنقول وبالله التوفيق :
إن الله تبارك وتعالى هو خالق الروح وهو خالق الجسد بل هو جل وعلا خالق كل شيء كما قال سبحانه ذلك في كتابه العظيم : (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )) الزمر 62. ومما خلقه الله جل وعلا أرواحنا وأجسادنا . والروح والجسد الكلام فيهما والحديث عنهما حديث ذو شجون .

بداية نقول :
إن كلمة الروح في القرآن تطلق على أشياء كثيرة لكنها إذا أطلقت وعرفت إنما يراد بها ما يمتزج مع الجسد ويشكل منه النفس الإنسانية . فإن الروح وهو بداخل الجسد كما سيأتي تفصيله لا يقال لها روح وإنما يقال لها جسد .
قال الله جل وعلا : (( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} )) الشعراء . هذا إجماع أن المقصود به جبريل عليه السلام . وقال جل وعلا : (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) الشورى 52 . وإنما المقصود به ما فيه حياة الناس وهو الإسلام والقرآن على احد التفسيرين .
أما الروح التي هي مرتبطة بالجسد وهي التي نحن معنيون بالحديث عنها الآن هي الروح التي لا يدري أحد كنه ذلك عنها شيئا إلا الله تبارك وتعالى . قال الله جل وعلا : (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً )) الإسراء 85 . يقول العلماء من المفسرين عند تفسير هذه الآية إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة مر على ملأ من يهود ومعه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال بعضهم لبعض أي اليهود : سلوه سلوه ترددوا , ثم قالوا يا أبا القاسم : " مالروح ؟ " فاتكأ صلى الله عليه وسلم على عسيب نخل , قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فعلمت أنه يوحى إليه , ثم تلا عليهم قول الله جل وعلا في سورة الإسراء : (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً )) . فجاء الجواب القرآني أن علم الروح وكنهها أمر اختص الله جلا وعلا به ورده تبارك وتعالى إلى علم ذاته العلية ولم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلا . وإلى اليوم رغم التقدم العلمي كما هو معلوم لكل أحد إلا كنه هذه الروح لا يعلم عنه شيئا .
نقول : أما الجسد فإنه ذلك التكوين البدني الذي يحمله بنو آدم كلهم على اختلافهم في هيئة ذلك الجسد من الطول والقصر وما إلى ذلك .


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


ولفظ الجسد في القرآن إذا أطلق الله جل وعلا الكلام عن البدن مقروناً بالروح فإن لغة القرآن تسميه " جسم " وإن كان معزولاً عن الروح لا روح فيه فإن لغة القرآن تسميه " جسد " .
وبيان هذا أن الله جل وعلا مثلا ذكر طالوت فلما تكلم الله جل وعلا عنه في سورة البقرة قال : (( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )) ولم يقل بسطة في العلم والجسد وإنما قال في الجسم لأنه يتكلم عن جسد مقرونٍ بالروح فعبر عنه في لغة القرآن بالجسم .
وقال الله جل وعلا عن المنافقين : (( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ )) المنافقون 4 . فعبر الله جل وعلا عن أجسام هؤلاء المنافقين بالجسم ولم يقل بالأجساد لأنها آنذاك ممزوجة بالروح .
في حين أنه جل وعلا لما ذكر الإله المسموع المفترى الذي صنعه السامري لقوم موسى عليه السلام قال الله جل وعلا : (( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ )) طه 88 . فعبر عنه بكلمة جسد لأنه لا روح فيه .
وقال الله جل وعلا عن النبيين في نفي أن يكونوا بلا أرواح قال : (( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ )) الأنبياء 8 .
والمقصود من هذا كله أن لغة القرآن تفرق ما بين الجسد والجسم باعتبار اتصالها بالروح أو عدم اتصالها بالروح .
كذلك الروح إذا اتصلت بالجسد لا يقال لها روح . الروح إذا اتصلت بالجسد فلغة القرآن تسميها " نفس " . فإذا انفصلت الروح عن الجسد تسمى روح .

وقد أسند الله جل و علا لهذه النفس القول : (( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ )) الزمر 56 . أسند الله جل وعلا إليها العلم : (( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) السجدة 17 .

والإنسان يتكون من جسد وروح . إذا مزجت وروحه بجسده تسمى نفس . وهذه النفس هي التي أقسم الله جل وعلا بها في سورة الشمس فقال : (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} )) وتعبدنا الله بتزكيتها .


__________________________________________________ __________

أيهما أسبق خلقاً الروح أم الجسد ؟
بالنسبة لأبينا آدم عليه السلام جسده خلق قبل روحه . أما بالنسبة لنا فإن أرواحنا خلقت قبل أجسادنا .
وبيان ذلك أن الله جل وعلا خلق أبانا آدم عليه السلام من قبضة قبضت من الأرض خلق جسداً ثم بعد أن خلق جسداً عليه السلام نفخ الله جل وعلا فيه من روحه . بعد أن نفخ الله فيه من روحه امتزجت تلك الروح التي خلقها الله جل وعلا في جسد آدم فأصبح آدم كائناً حياً ينطق خلق منه بعد ذلك زوجته وأدخل الجنة كما هو معلوم . الذي يعنينا أن خلق آدم كجسد مقدمٌ على خلقه كروح . أما بالنسبة لنا معشر بني آدم عليه السلام فإن أرواحنا خلقت قبل أجسادنا . وذلك أن أجسادنا إنما خلقت ونحن أجنة في بطون أمهاتنا . أما أرواحنا فقد خلقت من قبل والله جل وعلا مسح على ظهر آدم فأخرج من ظهر آدم كل نسمة من ذرية من خلقه إلى يوم القيامة . كما في الحديث فرأى في أحدهم وبيصاً من نور بين عينيه فكان هذا داوود عليه السلام . الذي يعنينا الله جل وعلا يدل ظاهر القرآن على أنه أخذ العهد والميثاق من بني آدم وهم في عالم الأرواح , ويدل عليه قول الله جل وعلا : (( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )) الأعراف 172.

وبعض أهل العلم يقول : " إن هذا العهد والميثاق الذي أخذه الله جل وعلا من بني آدم في عالم الأرواح الأول ألقم في الحجر أي الحجر الأسود " . ولذلك شُرع وهذا من الآثار المنقولة أن الإنسان يقول عند طوافه بالبيت : ( اللهم إيمانا بك وتصديقاً بكتابك واتباعاً لسنة رسولك ووفاء بعهدك ) . فالعلماء بعضهم يقول إن هذا راجع إلى ذلك العهد الذي قطعه بنوا آدم عليه السلام على أنفسهم يوم خلقهم الله جل وعلا في عالم الروح . ثم يتممون الحديث فيقولون : " إن هذا الحجر كما يدل صالح السنة له يوم القيامة لسان ينطق به فيشهد بمن استلمه بصدق " وهذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
والجمع ما بين الحديث الصحيح والآثار المنقولة وآيات الكتاب جمعنا لهذه المادة العلمية بعضها إلى بعض يجعلنا نقرب إلى أن نقول إن هذا ممكن أن يكون حقاً كله ولا نجزم به لعدم وجود دليل صريح صحيح في ذات الموضوع لكن هذه من النقول التي تقبلها النفس لوجود كثير من الأدلة التي تعضدها من هنا وهناك من كتاب أو سنة أو أثر عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .


__________________________________________________ __________

يأتي ثمة إشكال هنا :
يقول النصارى دائماً إن من حججهم على أن عيسى عليه السلام ابن الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا , يقولون إن الله لما تكلم عن عيسى عليه السلام قال : (( ورُوحٍ مِّنْهُ )) و (( مِّنْهُ )) الهاء فيها عائدة إلى رب الجلالة . من أحسن الأجوبة هنا أن يقال : أن الله لما خلقنا في عالم الأرواح الأول وأخرجنا من ظهر أبينا عليه السلام ورآنا أبونا آدم بين يديه فينا الصحيح والمعافى والمبتلى , فقال : ( أي رب لو سويت بين عبادك ) قال الله جل وعلا : ( أحب أن أشكر ) . المقصود أن الأجوبة على هذا السؤال الذي طرحه النصارى أن يقال : أن الله رد هذه الأرواح في ظهر آدم ليكون منه بعد ذلك الذرية إلا روح عيسى عليه السلام استبقاها الله جل وعلا عنده ثم إن الله أعطى هذه الروح إي روح عيسى عليه السلام أعطاها جبريل عليه السلام لينفخ فيها في درع أو في جيب درع مريم عليه السلام ليكون بعد ذلك حملها وولادتها لعيسى بن مريم . فيصبح يقطع بهذا القول الطريق على النصارى في قولهم أن المسيح ابن الله , وإن كان هذا الطريق مقطوع بذاته لأن الله عز وجل قال عنهم في سورة آل عمران : (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) . وافتراء النصارى أو غيرهم من الأمم على الله الولد من أعظم الفرية وهذه نزه الله جل وعلا ذاته العلية عنه قال تبارك وتعالى في سورة مريم : (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً{88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً{89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً{90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً{91} وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً{92} إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً{93} )) . فالخلق جميعاً عبيدٌ لله تبارك وتعالى , والله جل وعلا مستغنٍ عن كل أحد منزه عن الصاحبة والولد مقدس لم يلد ولم يولد تبارك وتعالى .

نعود للحديث عن الجسد والروح وإنما استطردنا فيه بالحديث على أن هذا من الأجوبة التي نراها مستحسنة والعلم عند الله في القطع على النصارى بعض حججهم في زعمهم أن المسيح ابن لله .


__________________________________________________ __________

فنقول : أن اتصال الأجساد بالأرواح فإن الله جل وعلا كتب للجسد أن ينشأ أولاً قبل الروح ونحن أجنة في بطون أمهاتنا . والنبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ( أن الإنسان يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة وأربعين يوماً علقة وأربعين يوماً مضغة ثم يأتيه الملك فينفخ فيه الروح ) التي هي مخلوقة من قبل فإذا اتصلت الروح بالجسد دبت الحياة في ذلك الجنين فيتحرك وتشعر به الم وهي حامل فإذا اتصلت الروح بالجسد أصبح نفساً ولا يقال لها روح .
فهذه النفس الإنسانية وإن كانت جنين في بطن أم فإنها نفس معصومة لا يجوز قتلها لأي سبب كان .
فنقول : هذه النفس المعصومة يختلط فيها الروح بالجسد وتصبح نفساً يحصل نوع من الامتزاج حتى يخرج الإنسان من بطن أمه قال الله جل وعلا في سورة المؤمنون : (( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) .
ثم يمكث الإنسان ما شاء الله له أن يمكث في هذه الحياة , هذا يطول عمره وهذا يقصر , أي كان الأمر طال العمر أو قصر فإن هناك امتزاج بين الروح والجسد الذي اصطلحنا على تسميته بالنفس .

ومن الأدلة على أن تسميته بنفس قلنا قول الله جل وعلا : (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا )) . وأمر الله جل وعلا لعباده أن يزكوا أنفسهم . أما الأدلة على أنها إذا صعدت تسمى روح فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أحد أصحابه وقد توفي وهو عثمان بن مظعون رضي الله عنه فأغمض بصره أي النبي صلى الله عليه وسلم أغمض بصر عثمان رضي الله عنه ثم قال لمن حوله من أهل الدار : ( إن الروح إذا صعدت يتبعه البصر ) . فسماها صلى الله عليه وسلم روحاً ولم يسمها نفساً لانفصالها من الجسد . ولهذا هذه الروح لا يختارها الإنسان وإنما تمتزج ببدنه . والله جل وعلا خلق الأرواح كما قلنا يأتي الملك فينفخ الروح في الجسد , ولهذا في قصيدة فلسفية لابن سينا وهو الطبيب المعروف يقول :

هبطت إليك من المحل الأرفع * ورقاء ذات تعزز وتمنع
هبطت على كره إليك لربما * كرهت فراقك وهي ذات توجع
يتحدث عن امتزاج الجسد بالروح وعن كرهها لفراقه الجسد لأنها آيسته عند الممات , وهذه قصيدة عليها صبغة فلسفية بحتة وقد عارضها شوقي ببيت مشهور وهو :


__________________________________________________ __________

ضمي قناعك يا سواد أو ارفعي * هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
لكننا إذا أردنا أن نتكلم شرعياً عن اتصال الروح بالجسد فنقول :
الاتصال الأول في عالم الأجنة ثم الاتصال الثاني في عالم الحياة الدنيا يستمر حتى يكون الانفكاك , فإذا انفكت الروح عن الجسد وخرجت تخرج من الحلقوم وهذا نص الله جل وعلا عليه بقوله : (( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ{85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{87} )) الواقعة .
(( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ )) أي الروح (( وَأَنتُمْ )) أي من حول الميت (( حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ )) تنظرون إلى الميت (( وَنَحْنُ )) هذا قرب الله في ملائكته (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ )) أي لا تبصرون الملائكة حال قربها من الميت . ثم يتحدى الله سائر البشر (( فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ )) تقولون لا جزاء لا بعث لا نشور (( فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{87} )) أعيدوا الروح إن كنتم صادقين .
هذا الانفكاك بين الجسد والروح وخروج الروح من الجسد هو الذي اصطلحنا على تسميته بالموت وهو الذي قال الله جل وعلا عنه : (( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
والإنسان إذا فارقت نفسه جسده وخرجت روحه منه سمي ذلك موت , يتعلق به أحكام لا تخفى منها غسله ومواراته كفرض كفاية وانفكاك حبل الزوجية بينه وبين زوجته وتقسيم ميراثه وما إلى ذلك من الحكام التي تتعلق بالإنسان بعد موته . ولا يقال هذه الأحكام لا تمشي ولا تمضي حال كون الروح متصلة بالجسد ولو اتصالاً لا حركة فيه , لكن ما دامت متصلة بالجسد ولو اتصالاً ضعيفاً عن مرض أو وهن أو غيرهما لا نصطلح على تسميته بالميت وإنما الموت هو خروج الروح من الجسد .

هذا الانفكاك الأول بين الجسد والروح ثم تعود الروح مرة أخرى إلى الجسد وظاهر السنة أنها تعود أول ما تعود إلى الجسد محمول على أعناق الرجال ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الجنازة إذا حملت على أعناق الرجال تنادي إن كانت صالحة قدموني قدموني وإن كانت غير ذلك تقول يا ويلها أين يذهبون بي ) وهذا لا يكون إلا باتصال الجسد بالروح .

كما أنه يتم الانفصال بصورة أكبر فيما يبدو والعلم عند الله عندما يأتي الملكان ليسألا المقبور : ( من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ ) فهذه الثلاثة التي هي أصول الدين عندما يسألها الميت يجيب عليها وقد اتصلت روحه بجسده , وهذا يدل عليه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه ( أن الروح ترتفع فإن كانت صالحة تفتح لها أبواب السماء وإن كانت غير ذلك تغلق ) وعليه يحمل قول الله جل وعلا : (( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ )) الأعراف . نعوذ بالله من ذلك كله .
والمقصود أن الروح تعود إلى الجسد وأن الله جل وعلا يقول لملائكته فإني قد وعدتهم (( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )) طه . فتعود الروح إلى الجسد حتى تكون قادرة على إجابة الملكين سواء وفقت للإجابة أم لم توفق عياذاً بالله .