عنوان الموضوع : لا تكن منهم
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
لا تكن منهم
لا تكن منهم!
البخل داء خطير إذا استحكم في شخص الفرد وأبناء المجتمع.. وإن كان البخل المادي أكثر شيوعًا وانتشارًا إلا أن الإنسان تستحكم في نفسه أنواع أخرى من البخل!
من أسوأ تلك الأنواع: الشح بالفكر والرأي! وكثير من الناس لديهم الآراء النيرة والأفكار الجيدة لكنهم لا يطرحونها لأهل الاختصاص، ولا تعرض على أصحاب الشأن، وآخرون يطرحونها على شكل ملاحظات وانتقادات ولكن في المجالس تفاخرًا وادعاء! وترى البعض يردد: ليتهم فعلوا.. وليتهم تركوا...!
والله -عز وجل- ذكر الجهاد في آيات كثيرة ولم يقصرها على القتال فحسب، بل الأمر أوسع وأشمل... فهو بالسنان والبنان وبالقلم والرأي والفكرة والمال! وكلَّ بحسبه. ومن أعظم الأفكار التى طرحت خلال سنوات مضت ونفع الله بها نفعًا عظيمًا، اقتراح من شخص واحد لا يعرف من هو حتى الآن قام بطرح فكرته على أحد الدعاة ووجهه على شكل سؤال وعتاب! وقال: لماذا لا يفتح لدينا في (المملكة) مكاتب لدعوة الجاليات خصوصًا مع كثرة الأمم الوافدة إلينا؟! طرح رأيه وألقى بفكرته ثم مضى! ومع إلقائه للفكرة بدأت تصول وتجول في رأس وفكر الداعية الموفق، حتى أصبحت شغلة الشاغل وهمه المتصل، فسار خطوات واستشار وسعى لدى الجهات المختصة حتى أذن بفتح أول مكتب للجاليات فكانت نواة مباركة وشجرة مثمرة... ومع الأيام نمت مكاتب للجاليات وترعرعت حتى تجاوزت مائة وعشرين مكتبًا في أنحاء المملكة... وكان من حصاد عملها طبع ملايين الكتب المترجمة إلى العديد من اللغات وأسلم على يديها وبجهودها المباركة ألوف الأشخاص، ولها جهود مشكورة في تربية من اسلموا حديثًأ بإقامة دورات شرعية لهم، وتنظيم زيارات شهرية لأداء العمرة، وإقامة موائد إفطار للصائمين... وهناك أعمال أخرى كثيرة جدًا! لكن نعود للفكرة التي طرحت وأدت هذه الثمار الكبيرة والعظيمة! ترى لو بقيت حبيسة رأس صاحبها هل تنفع أحدًا؟
والحديث متصل عن مكاتب الجاليات... دعونا نبحر في حال من أسلموا حديثًا ونرى بعضًا من الإشراقات العجيبة والإضاءات المتوالية... وإلا فحياتهم تشبه واقع الصدر الأول في الإسلام من صبر على الأذي وتحمل للمشاق وفراق الأهل والزوجة.
أولى تلك الإشراقات: شاب من الجالية الشرق آسيوية دخل الإسلام قلبه وعمر الإيمان جوانحه فكان مثالاً للمسلم الذي يبحث عن الحق، فتراه يحرص على الحضور إلى المحاضرات وأحيانًا يسافر إليها، وكلما سمع أمرًا شرعيًا ائتمر به أو نهيًا انتهى عنه.. فكان بحق ممن يعملون بما يعلمون... وأذكر هنا له موفقًا واحدًا فحسب... لما علم أن حلق اللحية حرام بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ترك حلقها، وأهل تلك البلاد لا يخرج في وجوهم سوى شعرات قليلة متفرقة وكان هو من أولئك، فلا ترى في وجهه سوى شعرتين اثنتين فقط بينهما مسافة تزيد على سنتيمتر وطول كل شعرة ما يقارب من خمس سنتيمرات، قال: فطلبت مني زوجتي وكانت لا تزل كافرة أن أتجمل لها وأحلق هاتين الشعرتين، فرفضت، وقلت لها هذا حكم الله ولا أريد أن أعصيه، وقد من علي وأكرمني بهذا الدين العظيم... ثم قال: لعل الله أن يطلع عليّ ويرى ضعفي وانكساري، وإني أبقيتها طاعة له واستسلامًا لأمره فتكون سببًا في دخولي الجنة.
قلت: كم الدنيا من أهل اللحى الجميلة ويخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ويعصونه في حلقها مع جمالها حتى إن عائشة - رضي الله عنها - كانت تقسم بقولها: «والذي جمل الرجال باللحى».
ثم تأمل كيف هو ثبات هذا المسلم الجديد على دين جديد، وهو يُحارب من أهل وزوجته، ومع هذا فهو ساع جاد في تلمس الأوامر والنواهي التي يعملها من دينه ويسير على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما الآخر ممن أسلموا حديثًا: فقد ذكر لي أحد الشباب قصة طريفة توحي بشح أنفسنا وقلة إنفاقنا لهذا الدين فقال: جلست يومًا في صالة أحد الفنادق في الرياض فإذا الذي بجواره رجل وافد إلى هذه البلاد... وأخذت الخواطر تتقلب في صدري: لماذا لا أدعوه للإسلام وأحدثه عن الإسلام؟! حتى أقنعت نفسي بمشقة وحادثته بعد طول تردد، فإذا به قد أسلم حديثًا.
وأخذ الحديث يتشعب ذات اليمين وذات الشمال، حتى قال بي: أنا أقوم ببناء مسجد في بلدتي وما زال في بدايته وذكر عدد المسلمين في قريته، وأن هذا هو المسجد الوحيد في المنطقة كلها، وأسهب في الحديث عن المسجد وفرحه به، قال محدثي: أخذني الحماس وتحركت مشاعر الخير عندي فأدخلت يدي في جيبي وأخرجت من محفظة نقودي ورقة نقدية، فإذا بها من فئة الخمسمائة ريال؛ ولما رأيت بريقها... أركض الشيطان علي بخيله ورجله، وقال: يا رجل لا تكن إبلة، قد يكون كاذبًا، وقد لا يوجد مسجد أصلاً، دع العواطف السريعة وأعد دراهمك إلى مكانها.
قال محدثي: ولكن الرجل قد رأى المبلغ فخجلت أن أعيده واستحييت أن أرجعه، وقلت له: هذه مشاركة مني في بناء المسجد، قال وهو يشير بيده ويبعدها عني: لا أريد أي مبلغ لهذا المسجد فأنا استقطع من راتبي كل شهر لبناء هذا المسجد ولا أريد أن يشاركني فيه أحد، إني أريد به بيتًا في الجنة.
أعدت مبلغي وأنا أحاسب نفسي ألهذا الحد نحن نائمون وغافلون؟ كيف سنحمل الإسلام وهكذا قلوبنا وعواطفنا واستجابتنا؟ ولا يزال البعض بخيلاً بالفكرة شحيحًا بالمال.. ولا تعرف مكاتب الجاليات أنه ساهم في دعمها ولو بريال واحد... فلا تكن أيها القارئ منهم([1]).
* * *
([1])نشرت في مجلة الأسرة العدد (67) شوال 1419هـ.
بقلم الشيخ: عبدالملك القاسم.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
الله يجزاك خير
ويجعله في موازين حسناتك
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________