عنوان الموضوع : قصص أدبية رائعة -قصة جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
قصص أدبية رائعة
الحمار المحظوظ
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
- انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
- ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
- لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
للمؤلف الأديب الفلسطيني احمد حامد صرصور
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
الاستشهادي
"تصيون" شاب صهيوني حاقد يقود عصابة تتبع للمدرسة الدينية المتمترسه في احد أحياء مدينه القدس. يغيرون يوميا على الأحياء المسلمة بغيه التخريب والترهيب، لحث السكان العرب على الهجرة أو بيع ممتلكاتهم لعصابات السماسرة اليهود.
علاء ابن احد هذه الأحياء ضاق ذرعا بأعمالهم وما يسببونه من الم للعرب فقرر الانتقام بوسيلة أو أخرى. حصل على بندقية من نوع رشاش وسار في اتجاه المدرسة ساعة الغروب متسارع الخطى لايلوي على شيء سوى هدفه المنشود انه سيفاجئهم وقت صلاتهم ليحصد اكبر عدد ممكن منهم انه يريد أن يقضي على هذه البؤرة التخريبية في عكر دارها.
تمت عمليه علاء بنجاح ولكنه فشل في ضم "تصيون" لضحاياه فقد اخترقت رأسه رصاصة الشهادة وأصابته قبل أن تطال رصاصاته جسد "تصيون" الذي لم يكن متواجدا في المدرسة.
حزنت أم علاء اشد الحزن فأنشدت تعزي نفسها
ذهب عني علاء فلا طعم من بعده لبقاء
اليوم انهي عمري وغدا في الجنة لنا لقاء
أدعو الله في علاه رافعه يداي إلى السماء
ربي عوضني خيرا عنه أصدقاء مثله أوفياء
صابرة على حكمك فانا هنا وهناك الخنساء
بدأ "تصيون" بإعداد العدة للانتقام وخاصة من عائلة علاء ولكنه اضطر لتأجيل نواياه بعد أن أبلغته وزارة الصحة بوجود متبرع قلب من اجله. لقد كان "تصيون" يعاني من مرض القلب وكان ينتظر وفاة احدهم تكون فيها مواصفات القلب ملائمة لجسده وهاهي الفرصة أتت فالقلب أولا والانتقام مقدور عليه.
لم يكن يعرف "تصيون" إن القلب الذي سيزرع بين جنباته ما هو إلا قلب علاء ولم يكن احد يقرر ذلك سوى إدارة المستشفى ووالداه فالأمور في هذه الحالة سريه.
تمت عمليه زرع القلب بنجاح وتماثل "تصيون" للشفاء وبدأ أصدقاؤه يستعجلونه بالانتقام. لكن "تصيون" لم يلق لهم بال بل ذهب إلى ابعد من ذلك انه لا يذهب إلى مدرستهم فاعتقدوا إن ذلك بسبب مرض القلب، لكن الحقيقة ليست كذلك فمدرستهم وصحبتهم لم تعد تعنيه لقد تغير "تصيون" وأصبحت تراوده أفكار جديدة ذات طابع جديد حيره….قلق…تعجب…. انه لا يعي ما جري عليه من تغيير. يهيم في شوارع المدينة بلا هدف. ما الذي حدث؟
وذات يوم وبينما هو في حيرته يسير في أروقة القدس القديمة. سمع صوت الأذان يقول "محمد رسول الله" وما إن سمع هذه الجملة حتى اخذ قلبه يضطرب وشعر انه يريد القفز من بين ضلوعه فخا ف على نفسه معتقدا أنها ارتدادات لعمليه الزرع .
وسرعان ما هدأت نفسه مع انتهاء المؤذن من الأذان.
زادت تساؤلاته تساؤلا آخر لماذا وعند سماعي محمد انتفض قلبي بقوه . ولماذا كان شعور حلو في القلب رغم ما حدث له من اضطراب. انه شعور لذيذ سأذهب كل يوم إلى هناك لأتمتع به.
لم يكتف "تصيون" بالذهاب فقط بل قرر الدخول إلى المسجد. انتظر خروج المصلين ودخله ليفاجئ المؤذن بوجوده والذي كان على دراية بشخصيته انه يعرفه حق المعرفة انه "تصيون" الحاقد الذي يسبب الأذى للسكان العرب في المدينة. ما إن لمحه المؤذن حتى هرع إلى "ميكروفون" السماعة ليطلب النجدة عبرها ولكن "تصيون" كان أسرع منه وامسك بيده قائلا: أحلفك بمحمد أن تهدأ وتسمعني.
قص "تصيون" للمؤذن قصته وقال له: أريد أن اعتنق الإسلام على يديك ماذا افعل؟
لا عليك سوى الاغتسال ولفظ الشهادتين.رد عليه المؤذن.
دخل "تصيون" الإسلام وأطلق على نفسه اسم محمد تيمنا بالمصطفى عليه السلام. وبدأ يتتلمذ على يد المؤذن. وفي إحدى محادثاته اليومية مع الشيخ قال له: كنت أتساءل دائما كيف يقتل المسلم نفسه لكي يقال عنه شهيد أما الآن فقد فهمت ذلك وأريد أن استشهد أيها الشيخ.
رد عليه الشيخ قائلا :يا ابني الشهادة تهدى من الله ولا تطلب .فخذ مثلا أنا ادعوا الله يوميا منذ ثلاثون عام لكي استشهد ولم استجاب حتى ألان .
علم والدا "تصيون" بالأمر فجن جنونهما ولكن لم يدر بخلدهما ربط قلب علاء بموضوع إسلامه. قال له أبوه : أتترك دين آبائنا وتتبع دين محمد ويحك لئن فعلت ذلك سأتبرأ منك إلى يوم الدين. وقالت الأم: يا ابني هداك رب موسى ويعقوب أن تعدل عما فعلته ونعود إلى دينك القديم.
اجتهدا والداه بكل ما أوتيا من قوة للتأثير عليه وردعه لكن باءت جهودهما بالفشل. وخاصة بعد إن ترك البيت وانتقل للسكن مع المؤذن.
حدث يوم إنه كان يسير في الشارع وإذا به يبصر فتاة تلف جسدها بملاءة سوداء، تسير أمامه لم ير منها إلا قوامها من الخلف ولكن شعر بشيء يجذبه نحوها واخذ قلبه يهتز كما اهتز في المرة الأولى عند سماع المؤذن. في المرة الأولى عرف السبب وكان المسجد الذي أطلق الآذان أما الآن فالسبب فتاة لم يرّ حتى وجهها. فما الذي جذب قلبه نحوها يا ترى. إنها فتاة مجهولة بالنسبة له اسما ومكانا فإذا لم يعرف عنوانها تكون قد غابت عنه إلى الأبد. وبعد تفكير ليس بطويل لان مضيعه الوقت ليس في صالحه قرر وفورا اللحاق بها مهما كلف الأمر. دخلت الفتاة احدي البيوت المجاورة ولشدة شوقه لمعرفتها انصاع وراء قلبه المضطرب وبدون ترو، دق الباب خلفها، لم يكن انتظاره طويلا إذ فتح الباب وبانت منه امرأة. فما أن رآها حتى اهتز قلبه بعنف اكبر ولكن اهتزاز من نوع آخر رافقته صرخة من محمد: أمي…..
استغربت السيدة من هذا الأمر وحملقت عيناها في الشخص الواقف أمامها الذي ناداها أمي. ففغرت فاها عندما تعرفت إليه انه "تصيون"…. الحاقد.
صرخت في وجهه: ماذا تريد يا "تصيون"جئت للانتقام مما فعله علاء؟
وكان الاستغراب اكبر عندما قال لها: السلام عليك يا أمي. أنا ادعى محمد وليس "تصيون" وقد اعتنقت الإسلام والحمد لله على يد شيخ المسجد القريب. ولك أن تسأليه. وإذا أردت أن تعرفي سبب وقوفي أمام بيتك فاني والله لا اعلم. وكل ما في الأمر إن قلبي اهتز في داخلي عندما رأيت فتاة تسير في الشارع دخلت منزلك واهتز أكثر عندما رأيتك في الباب ولم أجد الراحة حتى ناديتك أمي…. وصدقيني إنني لا اعرف السبب.
التتمة بالتعليق التالي...
__________________________________________________ __________
تكملة...
استدعي الشيخ للمنزل وشرح للمرأة حاله محمد وخفقان قلبه وكيف أعلن إسلامه وربما يحدث الله أمرا بعد رؤية الفتاة ورؤيتك على الباب
قام محمد بتكليف الشيخ بطلب يد الفتاة للزواج التي بدورها اعتذرت للموجودين بحجه أنها وفيه للعهد الذي قطعته على نفسها لخطيبها السابق الذي هو ابن خالتها الشهيد علاء.
تفهم محمد الوضع واكتفى بوعد من السيدة أم علاء أن تسمح له مناداتها "بأمي ".
كان محمد يذهب اسيوعيا للمستشفى ليخضع لفحوص قلبيه بشأن تقبل جسده للقلب. ومن خلال الفحص ظهرت الاهتزازات التي حصلت معه على شاشه المنوتور وكانت اهتزازات عنيفة بالنسبة للأطباء عقدوا على أثرها اجتماعا ليعرفوا سببها.
عرف الأطباء هذه الأسباب فأيقنوا أن قلب علاء قد سيطر على "تصيون"
استدعى الأطباء والدي "تصيون" واخبروهما بما حدث، كان اقتراح الأب بتبديل القلب في أسرع وقت ممكن رغم خطورة ذلك على حياة المريض. أما الأم فقد هددت الزوج بوضع السم له في الطعام إن حاول مجرد التفكير في ذلك وقالت فليبق الحال على ما هو عليه.
قرر الأطباء إنه لا بد من زواج محمد من الفتاة التي كانت تجيب على اسم فاطمة حفاظا عليه
استدعوا الأطباء فاطمة لإقناعها بالزواج من محمد بعد أن اخبروها بالقصة بشرط أن لاتخبره بذلك كي لا يؤثر خبر كهذا على حياته أو في اتخاذ قرارات خطيرة كنزع القلب أو طلب تبديله. لكنها رفضت العرض وبصدق فهي تريده أن يعلم أنها لم تحنث بعهدها لخطيبها الأول إلا بسبب قلبه الذي زرع في قلب محمد.
احتار الأطباء في الأمر وقرروا إن يخبروا محمد وأوكلوا هذه المهمة للشيخ، الذي استدعاه يوما بعد صلاة عصر وقال له: محمد أنا بصدد إخبارك سرا إن علمته قد تغير مصير حياتك.
قاطعه محمد بقوله: دعني أخمن وافقت فاطمة على الزواج مني ولك علىّ زيارة النبي سويا إن صدق حدسي قال له الشيخ: يا محمد. القصة أنهم زرعوا لك قلب علاء الذي هاجم المدرسة.
ما إن سمع محمد هذه الجملة حتى قفز من مجلسه مستقبلا باب المسجد بكل ما أوتي من سرعه والشيخ يناديه يا محمد........... يا"تصيون"........ولكن بدون مجيب فقد ابتلعته أزقه القدس. وبدت على الشيخ انه يكلم نفسه، لعله عاد إلى أمه وأبيه.
عاد محمد إلى أمه ولكن ليست الأم البيولوجية بل إلى أم قلبه أم علاء. دق الباب وهو على أحر من الجمر في انتظار فتح الباب. الآن عرف سبب خفقان قلبه بشده وما إن فتحت السيدة الباب حتى انكب على أرجلها يقبلها ويصرخ بأعلى صوته: أمي ...أمي....
هون عليك يا محمد. ما الجديد؟ سألته أم علاء.
أتعلمين ماذا يوجد بين ضلوعي وفي صدري. أنهم زرعوا لي قلب علاء
تغيرت ملامح وجه أم علاء التي أخذت بالصراخ والبكاء بل النحيب. تحتضن محمد بكل ما أوتيت من قوه تقبل صدره ووجهه وهو مصر على تقبيل أرجلها والدموع تنهمر من عينيهما. منظر محزن ترقبه فاطمة من الطرف الثاني للبيت وهي تبكي بصمت كي لا تفسد عليهما ما هما فيه من مشاعر. مرت فترة طويلة حتى انتبه محمد لفاطمة فسل نفسه من حضن أمه وسار إليها وامسك بيدها قائلا لها: أتقبلينني زوجا لك؟
هرعت الأم إليهما واحتضنتهما بشده وهي تجيب على سؤاله: نعم.. نعم ..يا ابني.
حمل محمد هاتفه ليتصل بالشيخ ويستدعيه في الحال لعقد قرانه على فاطمة. وما إن حدث الاتصال حتى سمع صوت الشيخ من الطرف الثاني للهاتف يصرخ: أين أنت يا.... واحتار كيف يناديه .. محمد امن"تصيون".
قطع عليه محمد حيرته وقال له أنا عند أمي.قال الشيخ :عرفت انك ستعود لأهلك.
فرد عليه محمد أنا عند أمي وخطيبتي فاطمة وأريدك أن تحضر حالا لتعقد قراني عليها.
سر الشيخ بالخبر وبارك لهما الزواج وقال لمحمد أعرفت ألان سبب خفقان قلبك هو إن الله اهداك قلب شهيد وخطيبة شهيد وأم شهيد.
رد عليه محمد قائلا: وسأطلب من الله أن يهديني هديه رابعة ألا وهي أن يرزقني طفلا ادعوه علاء.
المؤلف احمد حامد صرصور
__________________________________________________ __________
الحمار المحظوظ
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
- انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
- ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
- لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
__________________________________________________ __________
العميل رقم........7
حمدي خليل مصطفى كراجة.
في إحدى القرى(الفلسطينية) يقع بيت صغير في أطراف القرية، تحيطه أشجار الصنوبر من كل مكان وتكسوه بعض الأعشاب التي تنمو بين أحجار ذاك البيت(الصامت)، ولد طفل صغير في ليلة باردة شديدة الظلمة على أصوات العويل والرصاص، التي تطورت مع تحول ذاك الصغير إلى شخص يواجه واقعاً مريراً كغيره من(الفلسطينيين) ألا وهو الاحتلال، لكنه وكبقية الخلق حاول ممارسة حياته بشكل طبيعي، إلا أنه وجد نفسه وحيداً يواجه واقعاً مختلفاً غير كل خطوة مرسومة قد تمنحه فرصة تحقيق جزء من حلم، فما بقي من تلك الأحلام سوى الذكرى، فأصبح ذلك بالنسبة له كورقة صفراء تنتظر نسمات البحر كي تريحها من مقارعة الرياح، فانهارت قواه وأصبح انساناً هشاً هزيلاً لا يقوى على مواجهة(ذبابة)، والأبلى من ذلك أنه كلما حدثت حادثة في القرية صغيرة كانت أم كبيرة كان هو المتهم الأول، فضاقت الدنيا عليه وأصبحت تحاصر كل بارقة أمل قد تثلج صدره،
وتحولت إلى سجان يحكمه قائلاً لا تحاول فهو(مكتوب عليك)، فينظر إلى نفسه في المرأة متسائلاً؟أكل ذلك لأني (فلسطيني) وبعد لحظة يصحح نفسه قائلاً لكن غيري ما زال يحقق، فتوصل في النهاية لقناعة بأن الدنيا قد أدارت له ظهرها ولم يتبقى شىء مرجوا تقدمه، فلم يجد سوى أحلام الليل علها تزرع ابتسامة على شفتيه ولو برهة لكنه لم يرى غير الكوابيس التي تقلقه بين الفينة والأخرى فيصيح بأعلى صوته، ماذا فعلت؟
فلا من مجيب سوى أصداء الصوت التي تترامى بين جدران البيت المتعرق، ففي يوم من الأيام وفي ليلة تشبه إلى حد ما الليلة التي ولد فيها وفي تمام الساعة(3:30) فجراً أحد ما يقرع الباب بدقات متلاحقة، وما كان منه إلا أن ذهب معانقاً زاوية الغرفة ظاناً منه بأنها ستحميه من خطر مرتقب، وفجأة اختفى الصوت فتنفس(الصعداء) فهم متوجهاً إلى الفراش، فما أن وضع جسده الهزيل على ذاك السرير المهترئ إلا وعادت الأصوات من جديد، فقال بصوت بائس(من الطارق)؟ فلا من مجيت، فتوجه مسرعاً إلى شق صغير في وسط الباب عله يتعرف مصدر الصوت, فما كان منه إلا أن رأى جنوداً تلتف على أكتافهم بنادق محشوة برصاص متفجر، فسقط على ركبتيه قائلاً، أتركوني وشأني أنا لم أفعل لكم شيئاً، فسمع صوتاً واثقاً افتح لن(نؤذيك).
فسار إلى الباب بخطوات ثابتة ومد يده المرتعشة إلى مفتاح البيت فبدأ يفتح الباب بتردد حتى وجد نفسه واقفاً وجهاً لوجه أمام(خمسة) جنود يتقدمهم(ضابط)، بوجه شاحب يدل على تعاسة هذا المخلوق، وبعد وقوف(صامت) دام بضع دقائق دخل الضابط إلى وسط الغرفة ينظر إليها يميناً وشمالاً حتى استقرت عينيه على وجه الرجل قائلاً بتهكم واشمئزاز، أهذا مكان يسكنه بنو البشر حتى أنه لا يصلح أن يكون ملجأ لقط هارب، فرد الرجل متناسياً قوة ذلك الضابط وما شأنك أنت؟فضحك الضابط ضحكة مصطنعة مشيرا الي بيت قريب مكون من طابقين سأجعلك تملك ضعف ما تراه فما أن أكمل الضابط كلامه إلا وملأت ضحكات ذاك الرجل زوايا الغرفة الفارغة ثم توقف عن الضحك سائلا باستغراب، هل يعقل للسجان أن يصبح قاضيا؟ فأجاب الضابط بثبات(ولم لا)، ثم قال الرجل ما الذي تريدونه بالتحديد؟ أجاب الضابط اتبعنا وستعرف الإجابة، فلم يكن من الرجل سوى انه وافق على ذلك لأنه يعلم جيدا بان رفضه سيوقعه في حفرة لها أول ما لها آخر، لكنه لم يصدق ما تحدث حوله الضابط فظن انه سيجد نفسه ممدا على أرضية زنزانة معتمه متعفنة تنهش جسده الهزيل رطوبة المكان، ولكن بمجرد دخوله غرفة رئيس(الموساد) تبدد كل ما اعتقد بأنه سيراه من ألوان العذاب، فرأى شيئا لم يكن يراه حتى في الأحلام الكاذبة، كوب دافئ من اللبن، وتحية جندي، إضافة غالى رزمة من المال لا يستهان بها موزعة على زوايا المكتب فكان ينظر إليها متلهفا نتيجة ما رآه من ظلم وحرمان، لكنه تذكر بان كل ما يراه له ثمن، فبدون مقدمات وجه سؤالا خاطفا لرئيس الموساد قائلا ما هو(الثمن)؟
فرد الرئيس وهو يضع قدميه على أطراف المكتب ويداه مشبوكتان خلف رأسه(نريد ..تعاونك)، ولك كل ما تتمنى حتى إننا سنميزك عن بقية أصدقائك، ونطلق عليك(العميل رقم 7) وفيما بعد سنعينك قائدا لفرقة المستعربين، فرد الرجل قائلا امنحني فرصة قصيرة للتفكير، ولكنه في الحقيقة كان قد حسم هذا العرض المغري منذ البداية، ولكنه طلب التفكير كي يجد طريقة للتخلص من ذلك الكابوس دون أن يثير انتباه تلك الذئاب، إلا انه لم يجد سوى الرفض الصريح ومن دون تردد، وما هي إلا لحظات قليلة إذ يتحقق ما قد توقعه، فما كان ما رآه من نعيم ليس إلا سراباً كما الصحراء فلما اقترب منه تبين له بأنه وهم متبدد، ثم بدأت ألوان العذاب تنهال عليه من كل صوب واتجاه كي يغير قراره، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا مع إصرار ذاك الرجل حتى غاب عن الوعي، فما كان من رئيس الموساد إلا أن أمر بوضعه في غرفة تملؤها وحوش رخيصة، فاستفاق من غيبوبته يشاهد جسده المترهل في وسط غرفة تحوي مجموعة من الذئاب التي تنتظر فريستها بلهفة كبيرة،
فأدرك الرجل بأن هناك مكيدة مدبرة ضده لإكراهه على التواطؤ، ثم حاول أن يفعل شيئا لكنه لا يقوى على الحراك من شدة ما حل به من عذاب، فلم يكن منه إلا أن يرى جسده عاريا تفترسه تلك الوحوش، ثم غاب عن الوعي مجددا، وبعد سويعات من ذلك المقطع، نقل إلى غرفة رئيس (المخابرات)وإذ به يرى هذه المرة صورا(قذرة) تنتشر على سطح ذاك المكتب بدلا من رؤية تلك الأوراق الثرية، فقال الرئيس بكل غيض(الم يثنك كل هذا)، فرد واثقا(لا..والموت أفضل) فتبسم الرئيس قائلا بصوت هادئ إذن فأنت لا تبالي بان تعلق هذه الصور على أسوار القرية، فأجاب الرجل والحسرة تظهر في صوته(لن يصدقها احد)، فلم يكن بوسع الرئيس إلا أن قال(متبجحا) وكيف للسمكة أن تعرف ما وراء الطعم، فنهض الرجل عن الكرسي مادا يده كي تفك السلاسل قائلا لا يبالي(افعل ما يحلو لك)، فنقل الأخير بجيب عسكري وألقي به في احد زوايا البيت كأنه كيس من القمامة, فلم يكن أمامه إلا أن يزحف بجسده الموشى باللون الأحمر إلى باب البيت حالما بذاك السرير المتقوس, لكن حلمه قد راوح مكانه ممددا على فراش اخضر، وفي المقابل الدقائق تمر بسرعة لتكشف في اليوم التالي عن حقيقة مزيفة، فما أن صاح الديك مبشرا بيوم جديد وشق شعاع الشمس نوره مارا من فوق عيني الرجل إلى وسط القرية موقظةً قلوبا لا ترحم، ولم يكد ذاك الرجل أن يصحو من ليلة كان لكل دقيقة فيها ثمن إلا وبه يشاهد نفسه محاصرا بين وجوه عابسة وجباه مشدودة، وإذا به يقف ثابتا كشجرة تصارع قوة الرياح مدافعا، أرجوكم لا تظلموني، ولكن من يصدق، فبدأت الأصوات تعلو والكل يدلي برأيه،
فأحدهم نادى بقتله، والبعض نادوا بدفنه حيا، ولكن كان هناك من يشعر بصدق هذا الرجل ولحسن الحظ كان مختار القرية، فاقترب منه بتعابير وجه تدل على التعاطف مع هذا الرجل، ثم توجه بنظره إلى جموع الناس، حاكما بنفي هذا الرجل لقرية حدودية لم يسمع بحروفها، فأثار ذلك استهجان الحاضرين، ولكنه القرار، ومن هنا تحول إلى منعطفا جديدا في مسيرة هذا الرجل وغلب عليه طابع من الشؤم والنفور والانعزال الكلي عن كل من يحيطه من كائنات، فبعد سنتين من الحادثة وفي يوم مشمس وجميل، نشرات الأخبار تعلن والصحف تكتب، عن وقوع عملية(انتحارية) في احد الثكنات العسكرية راح ضحيتها ستة جنود اضافة للمنفذ، والفاجعة الكبرى وبعد ساعات من وقوع العملية تم الكشف عن المنفذ فكان هو(العميل رقم7) فكانت كصاعقة تنزل من السماء، صعقت عقول أهل القرية التي نشا فيها، فلكثير ما زال يشكك، لكن يبدو بأنه حان لتلك الشيفرة المعقدة أن تنفك كاشفة صورة المنفذ على وسائل الإعلام وعرض شريطاً عن تفاصيل الإكراه التي تعرض لها، وتم تسريبه من خلال نفس الضابط الذي طرق بابه بسبب خلاف بينه ورئيس المخابرات، فثبتت الحقيقة وتبين الظالم من المظلوم، وكانت المكافأة أن شيع جثمانه شهيدا بمشاركة لم يسبق لها مثيل، حتى انه سطر في التاريخ اسما وكتب عنه المفكرون والأدباء وأصبحت قصته أسطورة حقيقية تتناقلها كل الأجيال...
__________________________________________________ __________
المهاجرة
عمل عتالا في ميناء يافا، يافا ما قبل النكبة، يافا العرب، يافا بساتين الحمضيات، يافا الاستجمام، يافا البحر.
كان كل يوم يسبق الشمس في الظهور على الرصيف. تراه واقفا ينتظر رزقه، ينتظر ما تجود عليه السماء في هذا الميناء.
أطراف دمايته المخططة مقفوعة للخلف لتظهر سرواله الأبيض، وعلى رأسه يحمل رمز العروبة الكوفية البيضاء. يقف شامخ الرأس معتقدا أن هذا الرمز يحميه من أخطار المستقبل المجهول. لن يستطيع احد أن يزحزحه عن بيته ما دامت هذه العروبة على رأسه.
تزوج ثم أنجب طفلة رائعة الجمال، ممشوقة الجسد، رفيعة الوسط، طولها فارع، رأسها عانق جنوب لبنان، ارجلها امتدت لتطال البحر الأحمر، تحتضن بحر يافا، قلبها حنون تشد إليه الرحال.
طلبوا منه أن يدعوها يافا. أجابهم: كلا هذه اكبر من ذلك.هذه ابنه هذا الرمز وأشار إلى رأسه.إنها فلسطين. فلسطين العروبة.
لم يدم الحال أكثر من سنة وإذا بيافا الصامدة أول من تسقط في أيدي المغتصبين لتهوي خلفها اللد والرملة ويصبح اسمها "يافو".
هجرها أهلها بعد حرب حامية الوطيس، استعمل فيها المحتل اعتى أنواع الاسلحه الفتاكة، انه يبحث عن ارض بلا شعب لشعب بلا ارض.
رحل عنها أهلها يحملون معهم مفاتيح بيوتهم. وهاجر أبو فلسطين، هاجر هو وزوجته ولم يتسنى لهما أن يأخذا فلسطين معهما. لقد اضطرا إلى الرحيل بدونها. تركوها لوحدها في البيت. اعتقد أبو فلسطين أن أمها حملتها وخرجت بها. واعتقدت أم فلسطين أن أباها فعل ذلك. لم يتنبها إلى عدم وجودها معهما إلا بعد أن تركوا يافا. لقد أراد العودة لإحضارها لكن أزيز الرصاص ودوي القنابل منعه من ذلك. رحلا على أمل العودة بعد عدة أيام.
تركوا أراضي فلسطين النكبة ولجئوا مع اللاجئين إلى مخيم يقع في أراضي فلسطين النكسة مستقبلا. ينتظرون العودة، فهذه الأيام المعدودة والموعودة طالت على مدار تسعة عشر سنة
كان أبو فلسطين يعد الايام والشهور والسنين لهذه العودة. انه يعيش أسوأ حالات العمر وكل هذا من اجل عيونك يا فلسطين. كان يذهب لأقرب نقطة على الحدود قبالة يافا وكانت سفاح الجبال الشرقية لكفرقاسم وينظر إلى الغرب، إلى هناك حيث ترك ابنته فلسطين. ويناجيها من بعيد. ما عساك فاعلة يا ابنتي، إني اشتم رائحتك أيتها الحورية، صبرا يا ابنتي سيعيدك هذا الرمز إلى أحضاني (وأشار بيده على رأسه).
مرت السنوات في مخيلة أبي فلسطين متزاحمة يناجي ابنته من الحدود الشرقية واذناه مرهفة السمع للمذياع، مذياع الرمز مذياع صوت العرب الذي كان يصرخ ليل نهار: إنا راجعون إنا راجعون. لن نتأخر..... فلسطين. وهذا كان سلوان أبي فلسطين، كان المخدر الذي يهدئ أعصابه.
ومضت تسعة عشر سنوات، دقت طبول الحرب وارتفعت شعارات رمز العروبة. هنيئا لك يا سمك، يا أبا خالد يا حبيب..بكرة سندخل تل أبيب... وخرجت صواريخ الظافر والقاهر من المذياع فقط لتدق المحتل، وتهيىء الطريق لعودة أبي فلسطين، الذي هرع إلى مكان المناجاة على الحدود. يهتف باسم العروبة وكله شوق وحنين لمعانقة فلسطين، يحمل في يده المذياع الذي كان يبث له بشرى عودة فلسطين إلى أحضانه ولكن.......سرعان ما انطفأت ابتسامته ......ما هذا المذياع اللعين، يصرخ بأعلى صوته إننا منتصرون، وعيناي ترى المحتل يحدث لنا النكسة. من الصادق أنا أم هذا الصندوق اللعين؟
رفع أبو فلسطين صندوق العروبة الكاذبة بكلتا يديه إلى أعلى، ورمى به بكل ما أوتي من قوة إلى هاوية التاريخ. لم يتأثر أبو فلسطين من الصدمة. وليكن نكبة.....ونكسة..... ولا مانع أن يكون أكثر من هذا....... فانا صابر ومرابط.
انتهت حرب النكسة. وصحى اامنكوسون من ذهولهم. واستصدر المسكين أبو فلسطين تصريح زيارة له ولزوجته من السلطات المختصة لزيارة بيته في يافا، للبحث عن ابنته فلسطين.
تسعة عشر عام خلت والحنين والشوق يلازمه لمعانقة ابنته. وهاهو الآن يعود لأراضي النكبة. ليس منتصرا بل بعطف السلطات وتكرمهم عليه. سار في شوارع فلسطين وعيناه تتلقف كل شجرة، بيت، جبل، سهل. يحاول أن يجمع في مخيلته ذكريات مرّ بها هذه البلد الفلانيه. يا للعجب إنها أطلال!!!!! أين سكانها؟ وكان يجيب نفسه بنفسه. إنهم سكان مخيم الفارعة. وتلك القرية سكان مخيم الجلزون. وتلك وتلك وتلك....
أقبلت السيارة على مشارف مدينة يافا، وكان متخيلا انه سيشم رائحة أشجار الحمضيات. لكن هيهات!!!!!!! كيف ذلك وقد قطعت، ونبت على أنقاضها بيوت مدينة تل أبيب.
بدأت السيارة تغوص في أعماق يافا، واعين أبو فلسطين وزوجته تتنقلان ذات الشمال وذات اليمين. ليستوعبا ما حل ليافا في التسعة عشر سنة الماضية. يحاولا رؤية كل منظر وربطه بسلسلة الذكريات، فكانا في كل لحظة يطلبان من السائق التمهل.
هاهي رائحة البحر ما زال يروجها من حوله، انه اقوي من جبروتهم. هاهو برج ساعة يافا ما زال صامدا أمام أمواج البحر، يرقب المسجد الكبير الذي تحول لمركز شرطة مخمرة ومتاجر. تحولت أسماء الشوارع إلى العبرية، فأصبح شارع يافا الرئيس "ييفت"
وفجأة صرخ أبو فلسطين في اتجاه السائق " ادخل من هنا!!!! ادخل من هنا!!!!!!! هذا الزقاق يؤدي إلى حينا. هاهو مرتع الطفولة وراعي الشباب . هنا أقيمت أفراح زواجي سبعة أيام. قف أيها السائق فخلف هذه البناية يقع بيتي ولا أريد أن آتيه راكبا.
ترجل أبو فلسطين واقفا غير واقف فقد بدلت كل أعضاء جسمه وظائفها. القلب يخفق بشدة، الارجل لا تستطيع حمله، الأيدي ترتجف والعين تذرف الدموع. في هذه اللحظة بعث البحر بهوائه ليعانق ذلك الصديق القديم، فأصابه بقشعريرة باردة اصطكت لها الأسنان وارتجفت الابدان.
سارت الارجل تحمل ما عليها من جثث في اتجاه القلب المنشود والبيت الموعود. لطالما حلم برؤيته وهو في مكان المناجاة. هاهو الآن على بعد خطوات معدودة عن اعز ما ملك. في أي حال سيرى بيته؟ وأين سيجد ابنته؟
ما أن أصبح البيت في مرمى النظر حتى رأيت أبي فلسطين يركض في اتجاهه. فقد شحن بقوة غير طبيعية استمدها من قوة صموده. وصل البيت ليخرج مفتاحه ويلجه في باب بيته. لكن المفتاح يأبى الدخول. تغير مصراع الباب، فليس باستطاعته الانتظار كل هذه المدة.
التتمة بالتعليق التالي...