عنوان الموضوع : كغيمة في سماء بلادي -قصة جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

كغيمة في سماء بلادي






كغيمة في سماء بلادي

بقلم: رجاء محمد الجاهوش


لمْ تكن يومًا قويّة كقوتّها اليوم!

فمنذ أنْ ارتبطت به وهي تسمع له وتُطيع، تناقشه أحيانًا، تُبدي رأيها بأدَب ودون وَجَل، لكنّها في نهاية المطاف تتبع رأيه، فهو ربّ الأسرة وقائدها، وقد علّمتها أمّها أنّ الزوجة الصّالحة لا تعاند، ولا تصرّ على رأي إنْ رأى زوجها خلافه، بلْ توطّن نفسها على تقبّل رؤاه في هذه الحياة لتنعم أسرتها بحياة هادئة هانئة!

كانت تثق به، فهو شخص خلوق وطموح، يسعَى بكلّ جدّ لتحقيق أحلامه، يرعَى أسرته بحبّ وحزم، ولا يقبل الخسارة!

وقفتْ تبثّه قرارها فتداعتْ صورة شجرة الزّيتون التي غرستها بيدها ـ ذات يوم ـ في جنينة بيت والدها في مخيّلتها، فقالت بإصرار: لنْ أغادر، لنْ أترك أرضي / وطني!

- ألا ترين وحشيّتهم؟ هل نبقَى لنُعْتَقَل.. لتُغْتَصَب بُنيّاتنا.. لنموت؟!

- بلْ نبقَى لنحيا وتحيا بنا بلدنا.. الموت حقّ، وهنيئًا لمَن كتب الله له الشّهادة في سبيله مُجاهِدًا أو مُرابِطًا..!

- أنت تدركين جيّدًا أنّني لا أحسن استخدام السّلاح!

- لديك ما يُضاهي السّلاح أهميّةً، عِلمك وخبرتك الطّويلة في مجال الطّب، إنْ لمْ يكنْ هذا وقت الاستفادة الحقيقيّة منها فمتى يكون؟!

- الطّبيب لا يستطيع أنْ يُنجِز وهو خا...!

لمْ يُكمِل اعترافه، شَعَرَ بوخزة في رجولته.. فسكت!

التزمتْ الصّمت، فقد كانت تشعر منذ اندلاع الثّورة بأنّه خائف، إلا أنّها أبَتْ أنْ تصدّق!

رفعت نظرها إلى السّماء، فرأت تلك الغيمة، غيمتها البيضاء النّاصعة!

ثمّة إحساس يخبرها بأنّها قريبة رغم بعدها.. تظلّلها أينما توجّهت، تمطرها بالحبّ والحنان كلّما ضاقت عليها الأرض بما رحبت.. سبحان مَن أبدعها!

كانت ابنتهما الكبرى تنصت إليهما مِن بعيد، اقتربتْ وبادرتْ بالحديث قائلة:

- نحن في خطر حقيقي يا أمّي، فهل يحق لكِ أنْ تقرّري عن الجميع؟!

- وهل يجب عليّ أنْ أضحّي دومًا مِن أجل الجميع؟!

- نحن نريد حمايتك، نريد أنْ نحتفظ ببعضنا لنكمل مشوار العُمْر معًا بحبّ وتراحم كما تعوّدنا!

- أين سنكمله! في خيمة لللاجئين، أمْ في شقّة في برج عالٍ أيضًا في أرضٍ غريبة!

عندما اقتلعني أباكِ مِن قريتي حاولتُ الحفاظ على جذوري لأغرسها في تربة المدينة، لكنّني لمْ أستطعْ!

فقد اختار لي والدك منزلا مُعلّقًا بين الأرض والسّماء في برج سكنيّ راقٍ، وجذوري المقطّعة كانت أقصر مِن أنْ تصل إلى الأرض.. فعشتُ عُمرًا كريشة تخشَى هبوب الرّيح!

- أعجبُ مِن أمرك يا أمّي! هلْ تفضّلين العيش في قرية متواضعة على السُكنى في مدينة مُزدهرة؟!

- بلْ أفضّل العيش في أرضي ومع أهلي، أمنحُ تلك القرية المتواضعة عِلمي، وآخذ بيد أهلها نحو التّقدّم والازدهار.. ماذا منحتني المدينة؟!

منزل فاخر، مدارس وجامعات راقية، بضائع متنوّعة ذات ماركة عالميّة، ما قيمة كلّ هذا إنْ كانت تنظر إليّ بتعالٍ وفوقيّة، وأهلها بالكاد يُلقون عليّ التّحيّة؟!

الحياة قنطرة، سنعبرها ونمضي بعد ذلك للوقوف بين يديّ الملك العَلّام!

المال فيها وسيلة للعبور، للعيش بعزّة وكرامة، ولتنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى:

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ...}

لمْ يكنْ يومًا غاية مَن عرف ربّه، وأدرك حقيقة مسؤوليّته!

الحياة مبدأ.. معانٍ سامية.. هدف نبيل يبذل المرء وسعه في الوصول إليه!

نظرَ إليها مليّا كأنّه يراها لأوّل مرّة، وسؤال في أعماقه يتردّد: هلْ ظلمتكِ أمْ ظلمتُ نفسي؟!

ساد صمت مَهِيب، فتساقط الدّمع مِن مآقي مُتعبَة كقطرات مطر فاضت بها غيمتها المُثقلة مُودّعةً شتاء قارس!

كشجرة الزيتون الشّامخة، كرّرت قولها بإصرار أكبر:

- لنْ أغادر.. فالرّبيع لمْ يخلف يومًا موعده، ولولا دموع الشّتاء لما أزهر!

لنْ أترك أرضي لغاصب حاقد.. سأقاوم، سأرابط، وعلى ضوء القمر سأخيط علم الاستقلال، وأتسربل به!

سأعصب جَبيني براية «لا إله إلا الله».. سأحمل مُصحفي في يميني، وفي اليُسرَى حليب لأطفال قريتي!

سأظلّ أزرع الياسمين وأنثر زهره في الطرقات.. على الشرفات.. فوق مَخادع المُحبّين!

سأشعل شموع أملٍ واثقةٍ بنصر الله وأزيّن بها الدّروب، لعلّ نورها يبدّد ظلمة القلوب!

لنْ أغـادر!



◦˚ღ حبر و مطر ღ˚◦
www.facebook.com/7br.Matar


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


رائعة ومميزة أنت يــآآرجاء
أبجديتك التي صغتي منهـــآ هذه القصة الفريدة أسرتني وجعلتني أغوص
بين مفرداتـــها المطعمة بأسلوب جميل من قلمـ مبدع وذهبي حق للجميع أن يقرأ ويصفق لما ينزف من جمــآل
اسأل ان ينصــر أهلنــا في سوريا ويرحم شهدائهم ويبرئ جرحاهم ويخفف المصاب عنهم
ولله در بطلتنــآ في هذه القصة قالت وقولهــا الحق وأنا متأكدة بأنه توجد العديد أمثالها من حرائر سوريــا
سلمت لنــا وسلم قلمك وإبداعك على جميل ما نثر وينثر
تستاهلي التثبيت + النجوم + التقييمـ
وبأنتظــآر جديــدك بفــارغ الصبر..


__________________________________________________ __________

انسابت الكلمات لترسم لوحة حقيقية لماساة امراة سورية...
كنت مبدعة و رائعة غاليتي..
و اوصلتي لنا الاحساس و المرارة التي تعيشها...
دام نبض قلمك و لا حرمنا الله من جمال اطروحاتك...
لك كل الحب و التقدير...
و موضوعك معانا في الحملة..


__________________________________________________ __________



__________________________________________________ __________

احسنت حبيبتي في الاختيار
تألقت واصبحت نجمة من هذه القصة
رائع جدا ما كتبته
وما كتبه قلمك السحري
لا تحرمينا من جميل ابداعك عزيزتي
حفظ المولى يا ورد


__________________________________________________ __________