عنوان الموضوع : الجــــــــــوع /قصة قصص
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

الجــــــــــوع /قصة









منذ سنوات والظلام يسدل ستارة على تلك المدينة الجرداء .حيث خراب المنازل وشحة الماء والغذاء وبكاء الأطفال وأصوات الطيور الجارحة .الظلام اسود تسوده الوحشة ألا من وهج نور يرى من بعيد .ها هم يأتون ويحاصرون المخبز متدافعين والأفكار السوداء تختمر في الطوابير الطويلة الثائرة والشحاذين واللصوص في كل مكان يتسللون على الأصابع لانتهاز ابخس الفرص، واللص الكبير ألا وهو الفقر اللعين تحول وحشا هائجا والتهم كل الأزقة والأحياء .فأهل المدينة في قعر بطن الفقر يتضورون جوعا ,والخبز الأسود مر المذاق المملوء بالطين لا يقدر على شرائه حتى الأغنياء ,وهذه السنوات العجاف كشرت عن أنيابها وأبدت رغبتها بالمزيد بكل قسوة بعد أن أزهقت مئات الأرواح ....وفي جوف الليل كان يأتي من أقصى المدينة رجل حكيم هائجا صائحا بأعلى صوته المبحوح
:مصابيح المنازل الصفراء أغشاها الغبار, ويبست الأرض وجفت ومات الخضار, واختلط الليل مع النهار, وأصبحت الأخلاق والعادات والتقاليد والموروث على غير المسار, وغلب الشيب الشعر وأذاقني المرار, وأي مرار؟ وأصبحت الدنيا ملكا لنفسها على غير عادتها, وسرحت أصحاب الكروش والتجار. وبات الجيب خاليا ألا من جبروت الموت ,وتشابهت الأقدار, ورأيتها مرة تبيع بناتها بثمن بخس ومرة أخرى تقدم نفسها للجوع قربانا مستثارا, هاهي الدنيا يوم لك ويوم عليك, وما أطول الأيام التي ترقص فيها الشياطين على الأرض لعذاب البشرية ...شعرة الطويل المتشعث, هندامه الممزق ,قدماه المتعريتان وعصاه المتآكلة كلها علامات الفقر والفاقة كما هو حال المدينة ,فكم تمنى أن يخلصها من العذاب والحرمان, وان يصنعها تاجا ويلف به على هامات الأسياد ,وان يشبعها عسلا ولبنا وخبزا ......
وحيث الجفاف, ما عاد صوت المطحنة الحجرية صوتا غريبا,حيث كانت تطحن حبات القمح بدورات منتظمة والتشققات أخذت طريقها بالاتساع على أناملها المتيبسة ,وعينيها الذابلتين تراقب تناثر حبات القمح وهي تطحن, ووليدها يلوذ على الأرضية الترابية باكيا مستنجدا يلوح بيديه وقدميه .لم يكن في منزلها سوى سرير متسخ يتوسده رجل هزيل أخذت منه الدنيا كفايتها وقدر نحاسي يغلي فيه الماء على نار الحطب الهادئة .وكانت حصرتها تعتصر صدرها فتلقي بها إلى السماء حتى يتلقفها سقف المنزل الهشيم ويرسلها مع البخار المتصاعد... تجعدت ملامحها وهي تصرخ على طفلها المصروع داعية ربها أن تشق الأرض وتبتلعه كي تتخل من جزء بسيط من معاناتها المزمنة ,ولكنها سرعان ما عادت إلى رشدها حين تذكرت انه طفل صغير وبطنه الغائر للداخل فارغ منذ يومين, تناولت قدح الماء ورفعت رأسه وبللت شفتيه, ثم اتجهت بالقدح صوب زوجها طريح الفراش ورطبت وجهه الشاحب, لم تفهم كلماته التي كان يهذي بها لكنها أدركت احساسه بالخسارة منذ زمن, فهمست في أذنه
:هل تعلم ما حل بنا ؟
الفقر والجوع تحالفا مع الزمن حتى تعادلت الكفة وانتشر الخوف وساد الصمت وأصبحنا نستغيث وما من مجيب..... وفجأة طرق الباب خفيفا ودخل الحكيم بهدوء تتقدمه عصاه. تناول عدة أحجار صغيرة من على الأرض ورماها في القدر النحاسي ,وبعد أن غرقت في الماء الساخن وتصاعدت منها الفقاعات وجه سؤاله لها
:متى تنضج ؟متى تنضج؟متى تنضج؟
فلم تكن تجيب ,,حيث انه شيء لا يعقل, ثم أجاب
:سوف لا تنضج أبدا
الجوع أكل اللحم ودق العظم وتغير سلوك السكان والغرائز والقيم النبيلة والشخصية هدمها الجوع واحدث انحلالا كبيرا فيها ففقد السكان توازنهم وتكاملهم واستخف العقل بالتدريج ,والسكان مستعدون لفعل أي شيء للحفاظ على حياتهم .............انظري كيف استحال الإنسان هنا أكثر مما يستحيل في أي وقت آخر حيوانا ضاريا سيطرت عليه الحاجة القصوى إلى إثبات وجوده ,وبذلك فهو مستعد للقتال ولو كان ذلك على حساب التخلي من الفضائل .اخرجي يا ابنتي ,ولتكن صرختك إيذانا بالقضاء على الظلم وهذا الوضع السيئ اخرجي.
أخذت منه عصاه بقوة وخرجت مسرعة تدق الأبواب, فخرجت معها النسوة والصغار ,,وبدأت النار تشتعل حين سارت جماعة النسوة في الأحياء الفقيرة مطالبن بالخبز.
ثم انضم إليهن المتشردون, وخرج معهن الرجال من المساجد هاتفين ,وفتحت الأبواب الموصدة منذ زمن وتغنت بالأناشيد,, ورويدا رويدا اعتلى الهتاف ,وأفصحت الحناجر عن حرقتها ,وسارت الجموع الغفيرة نحو مركز المدينة ,حتى ساد الشغب والعنف .لم تصدهم المواجهة أو جبروت الطغاة حتى اسقطوا التمثال العظيم ...وكان سقوطه إيذانا بانقضاء عهد اسود وبزوغ فجر جديد، أما الحكيم فكان يراقب الحجارة التي أخذت تتقلب بالقدر فبدت وكأنها تنضج .فأدرك النصر متخيلا الخبر واللبن والعسل وزهو المدينة وفرح النساء ولعب الصغار.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


الله يعطيكي العافية حبيبتي
واااااااي زمان عن القصص اللي من هالنوع
أحبها الله يسعدك يارب


__________________________________________________ __________

رائعةة قصتك فعلا التغيير لن يأتي بنفسه
بل نحن من نخلقه من العدم لنحسن أوضاعنا وتعلى أصواتنا أن لا للفقر والـأحتكار
كل الشكر لك عزيزتي على طرحك المفعم بروح التعاون والـأمل
لك نجوما تزين قصتك الجميلة وتقبلي مني تقييم
بأنتظــآر جديــدك..


__________________________________________________ __________

ممتااااااااز يا حبيبتي تسلم ايدك نورتي المنتدي بابداعك


__________________________________________________ __________

يسلمووو ع المرور يااحلى بنوتات


__________________________________________________ __________

قصة ممتازة غاليتي...
و تعبير عن الانتفاضة ضد الاوضاع المزرية بطريقة رائعة...
سلمت يمناك حبيبتي..و دام نبض قلمك...
و موضوعك معانا في الحملة...