عنوان الموضوع : نهايةنوال حافظةالقرآن؟!!! -قصة قصيرة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
نهايةنوال حافظةالقرآن؟!!!
نهاية نوال حافظة القرآن؟!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
نشأت وترعرت في بيت ساكن هادئ .. يسوده الودْ والاحترام ..
يشع من بين جدرانه نور الصلاح والهداية ..
بفضل صلاح الوالدين .. استمر شعاع النور الى الأبناء ..
ثلاثة من الذكور وابنة واحده ..
بلغت من العمر احدى وعشرون عاما .. فتاة يافعه .. وشابة متوهجه ..
مقبله على الحياة بكل تفاؤل وأمل ..
تعود لوالدتها في كل آنٍ وحين في جميع أمور حياتها..
والدها موظف بسيط وراتبه بالكاد يغطي متطلبات الأسرة الصغيره ..
المنزل ورثه من والده وتنازلت أخواته عنه ..
أموره الدنيويه تمضي الى ما يُيسره الله له .. دون منغصات شديدة عدا مايحصل من أمور بسيطة يتجازها بيسر وسكينة ..
فهو رجل جاوز الخمسين من العمر بدأ البياض يداعب لحيته من سنوات .. لكن الوقار يعلوه وما تلبث أمامه إلا أن تصمت إذا نطق لحسن منطقه وسلاسة عبارته .. ثقافته بسيطه متفتحه .. خبرته في الحياة كبيرة وهذا ما جعله أحياناً مرجعاً ومستشاراً لأكثر زملائه يستشيرونه في أمور حياتهم ومايجدون من منغصات ..
يذهب الى المسجد قُبيل الأذان حتى إن رأيته تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم .. ( سبعة يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. [وذكرمنهم ] رجل معلق قلبه في المساجد ....)
أما والدة الفتاة فهي امرأة في نهاية الثلاثينيات من العمر محافظة على صلاتها تأثرت كثيرا بزوجها الذي تكنُّ له كل المحبة والاحترام .. والتقدير ..
كيف لا ؟
وقد عاشت معه أكثر من عشرون عاما ولم تجد يوماً منه غضاضةٌ في الكلام ولا شدّةٌ في المعامله .. ولا ترهيبٌ في الحياة .. بل وجدت قلباً أبيضا لا يحمل بين جوانحه إلا كل محبه للجميع ..
على الرغم من أنها زُوّجت وهي كارهه لأنها كانت تريد أن تواصل مشوارها التعليمي بعد أن نالت الثانوية العامه في عام 1407هـ لكن والدها أجبرها على الزواج الذي حمدت الله وشكرته فيما بعد على ان اختار لها والدها هذا الرجل الصالح طمعاً في أن تكون ابنته في يدٍ أمينه ..
الأسرة بشكل عام متفاهمه في ظل هذه الأجواء ..الروحانية الجميلة فالأب حافظٌ للقرآن الكريم والأم تحفظ منه عشرة أجزاء أما الأولاد الثلاثة فكلهم في دور حلقات التحفيظ ولكن لم يُتمّوا حفظ القرآن الكريم ..
أما (نوال) فتحفظ القرآن كاملاً ..
بعيد صلاة المغرب يبدأ برنامج الأسرة في مراجعة الحفظ خاصة الوالدين وابنتهم ..
الأبناء الثلاثة جميعهم أصغر من فتاتنا هذه ..
كانت نوال لديها أُمنية في الحياة لكنها تعلم أن ظروف والدها المادية صعبه والراتب بالكاد يغطي متطلبات الأسرة .. وليس هناك دخل آخر كما أنه لايمكن توفير مبلغ لأي غرض كان..
فتاة هادئة خلوقه .. يجملها الأدب والأخلاق الحسنة ، ليست كباقي بنات جنسها ممن فتنتهنّ الدنيا بزينتها الزائفه ولا ميعتها مغريات الحياة الفارهه .. تحب نعم..!!
وتتمنى نعم ..!!
وتتأمل نعم ..!!
وتتخيل نعم ..!!
لكن الإيمان في أعماقها قد أخذ منها مبلغه .. فقد أمدها كلام الله سبحانه وتعالى بنورٍ لم يعرفه كثير من بنات جنسها ..
تحاول جاهدة وبكل ما أوتيت من قوة أن تفعل أي خيرٍ تستطيع وأي عبادة تقوى عليها ..
تصوم ما اسطاعت من الأيام ..
تقوم الليل ولو بالقليل ..
تقرأ القرآن وتهيم بتلاوته ..في الثلث الأخير من الليل .. وحين يتزل المولى جلّ في عُلاه ..
ويبدأ الليل يسدل أستاره على من أباح لنفسه عصيان الله ..
بينما غُرفةُ نوال يصدر منها صوتاً غضاً طرياً لآيات الله تخرج من صدر من آمن بالله وعلم لمَ خُلق .. وأيقن أن الدنيا إنما هي دار ممر فعلاً ..
وإنما هي ساعات وتنقضي ثم إما إلى جنّـة وأما إلى نار تلظى ..
والموت لايأتي الكبير ولكن قد يُسقط الشاب الزاهي المتعافي ويترك الشيخ الهَرِم .. لأنها آجالٌ محددة وأيام وزائلة ..
هذه هي نوال ....
حصلت نوال على أمنيتها الأولى في الحياة وهو حفظ القرآن الكريم .. لكنها كانت تتنظر أن تتحقق أمنيتها الثانية التي لطالما تمنتها وأطرقت تنظر في التلفاز في كل وقت تتسمّر أمامه لكي تشاهد حبيبها التي تمنت أن تراه على الطبيعة .. كانت تهيم بحبه .. و تبكي لأجله .. ومع هذا كانت تخفي هذا الحب عن والديها .. خجلاً منهم .. وخوفاً من والدها حين يعلم عنها وعن حبيبها ...
كانت نوال تعلم أن السفر من الأمور التي لايمكن أن تتحقق في ظل هذه الظروف .. إلا أن يتحقق لها أمرين إما أن يُيسر الله لوالدها مبلغاً من المال يستطيع به أن يشتري سيارة تؤهل الأسرة ككل للسفر ومتطلباته أويرزقها الله بالزوج الصالح الذي يستطيع أن يُريها حبيبها التي طالما كانت تتمنى أن تراه عيانا بيانا .. لكن كيف؟؟
تضحك كثير من زميلات نوال في الجامعة حينما تبوح لهنّ بالأمنية هذه .. فتقول إنني أتمنى أن أُشاهد المسجد الحرام والكعبة المشرفة على الطبيعه .. أراها بعيني هاتين أراها أمامي لأسجد لخالقي ..
أطوف وأسعى بين جنباتها .. تمدني بنورها وشعاعها الروحاني الذي يسري الى القلوب فيغذي القلب والعين والجوارح بنور الإيمان..
كانت هذه أمنية نوال الثانية.. !!!!
أن تزور الحرم المكي الذي لطالما تسمّرت أمام قناة (السعودية للقرآن الكريم ) تنظر للحرم المكي وتُمنّي النفس بتلك المشاعر المقدسة ..
كثيرا ما كانت تنتقل مع الطائفين والساعين تتخيل نفسها هناك تسير على تلك الأرض المباركة .. تمشي هناك ..
تسير في الطواف ..
في المسعى ..
تقف أمام الكعبة الشامخه .. تتأملها وترفع يديها الى الخالق جلّ في علاه وتدعوه .. وإن تيسر لها قبّلت الحجر الأسود .. ترى نفسها في ذلك المكان فتدخل في جوٍّ روحاني بهيج تداعب فكرها هذه الخيالات الجميلة ..
فكانت تتقاطر دموعها حيناً لهذه الأمنية ..
يوم الاربعاء 5 محرم 1437-1436هـ رأت المطر ينزل بغزارة على الطائفين هناك في الحرم وأقبل ميزاب الكعبة ينثر درراً من الماء كحبات اللؤلؤ
ورأت البشر والسعادة تغمر المصلين هناك .. الى درجة أن المصور وقف عند صورة هي ما جعلت نوال تجهش بالبكاء حين رأت أحد الداعين وقد وقف أمام الكعبة غير آبه بالمطر يدعو ربه ويرفع ببصره نحو السماء والمطر يتساقط على رأسه وقد ابتل منه كل شيئ .. لكن الروحانية كانت حاضرة هناك .. فروحانية في الحرم وروحانية تجللت داخل جسد هذه الفتاة التي أحبت هذا المكان فبكت متمنيةً لو أنها هناك وتسعد بهذه اللحظة الجميلة ..
كانت تخجل من أن تبوح لوالدها بهذه الأمنية الغاليه لعلمها بأن ظروف والدها لاتسمح ..
بقيت تدعو الله أن يرزقها الزوج الصالح الذي يسافر بها الى هناك فتُشّبعُ عينها وتُقرُّ فؤادها برؤية الحرم المكي..
مضت الأيام ولاتزال الأمنية تكاد تنفجر في صدر البنت الصالحه وماتزال تلهج بالدعاء لله سبحانه وتعالى أن يُيسر لها زيارة مكة المكرمة ..
في دبر الصلوات تدعو..
عند نزول الغيث تكثر من الدعاء ..
عند قيامها لصلاة الليل تبكي وتدعو الله ..
هكذا هي إذاً نوال .. إنها قيمة إنسانية إسلامية رائعه ..
بنت صالحة من منبتٍ طيب ..
همها لم يكن كهم بنات اليوم .. على الرغم من أنها تفوق أكثرهنّ
إشراقا .. وأخلاقا .. وعلما ..
توجهت لله بكل جوارحها تدعوه وتطّرح بين يديه ..أن يحقق لها هذه الأمنية ..
وفي أحد الأيام رأت ....!!!!
وفي أحد الأيام رأت والديها يهمسان في الكلام فتقدمت إليهم .. وعلمت الخبر السعيد الذي تنتظره كل فتاة ..
علمت من والدتها أن أحد زملاء والدها في العمل تقدم لخطبتها لولده ..
لم تمضِ أيام إلا والأسرتين قد اتفقتا على كل شيئ وحدد يوم الجمعة 12/ 3/ 1437-1436هـ الموافق 26 فبراير 2017م موعداً للزفاف ..
ولازال قلب البُنَيّـه ينبض ويرقص فرحاً .. هي في وادْ وغيرها في وادْ ..
هكذا هو الانسان حين يريد الله له الخير وحين يحقق الله سبحانه وتعالى له دعوة مستجابه ..
قبل الفرح بأسبوع رنّ الهاتف الجوال لوالد نوال فإذا المتصل العريس سلم على نسيبه وبعد حديث طويل ألمح الزوج بأن سبب الإتصال يريد أن يستشير عروسه بأي الدول تريد ماليزيا أو تركيا أو المغرب ..لقضاء خمسة عشر يوما هناك حتى يتسنى له أن يتمم إجراءات الحجز وخلاف ذلك .. فطلب الوالد منه مهله حتى يتشاور مع ابنته التي لم تغادر الاراضي الاماراتيه منذ ولدت وهي الآن تُخير ما بين أفضل الدول سياحة .. صُدمت نوال بهذه الخيارات التي لم يكن من بينها مكة المكرمة ..
فطلبت من والدها على استحياء أن يطلب من زوجها بأن يكون السفر أولاً للعمرة وبعدها الى أي دولة يختارها العريس ..
هو يريد ماليزيا وهي تريد مكة ، طلب من والديها إقناعها بأن العمرة عند العودة من السفر ، فتحججت بأن تكاليف السفر هناك مكلفة وهي لاتريد أن تكلف على الزوج فالسفر الى مكة قد لا يحتاج إلا إلى نصف النفقة الى ماليزيا أو أقل بكثير من ذلك ..وأخيراً ومن هذا الباب اقتنع الزوج وألغى فكرة السفر ..أو لعله فضّل أن يستجيب لطلب عروسه ومن ثمّ يغادر إلى أي جهةٍ شاء فيما بعد..
يالله .. تمضي الساعات ويمضي القدر الى حيث تشاء هذه البنت الصالحه .. فؤادها وقلبها معلقٌ بالبيت الحرام ..
كيف لا ؟؟
وهو مهوى الأفئدة ومحط أنظار المسلمين ..
ماشعورك ايها المسلم وأيتها المسلم حين تكون هناك ..
في الساعة الحادية عشر ليلاً وأنت أمام الكعبة المشرفة تتلو ماشاء الله لك أن تتلوه من الآي الحكيم ..
أما ينفتح قلبك وكأنما تعيش في بقعة من الجنّـة..
أما تنسى الدنيا ومشاغلها ...!!
بل تنسى همومها .. وعذاباتها ..
هو البيت الآمن ..
يلجأ إليه المهموم فبإذن الله يزيل همه ..
يلجأ إليه المريض فبإذن الله يكون بُرْءوه..
يلجأ إليه المحتاج فبإذن الله تنقضي حاجته..
هو هذا ما أشعل فتيل قلب هذه الشابة الصالحه ..
إن كنت لست معي فالذِّكر منك معي = يراك قلبي وإن غُيّبت عن بصري
العين تبصر من تهوى وتفقدهُ = وناظِرُ القلب لا يخلو من النّظَرِ
يامن هناك لك في كل يوم نظرة الى الكعبة المشرفة ..
يامن يصلي الصلوات الخمس وناظره للكعبة المشرفه ..
يامن يمرّغ وجهه في أطهر بقعة على وجه الأرض ..
ابلغها سلامنا وحبنا لها ..
أبلغ تلك الأماكن الطاهرة شوقنا واشتياقنا لها ..
قبِّل تلك الأماكن عنـّا ..
اشرب من ذاك الماء زمزم ففيه البركة والخير الكثير ..
اسجد وطُف ولاتنسى الصفا والمروة من السعي .. مابدا لك .. !!
فبذلك المكان يحلو الكلام..
يحلو الدعاء..
يحلو التهجد..والصيام..
يحلو الذكر والتسبيح وقراءة القرآن ..
يحُنُّ إلى أرضِ الحِجازِ فؤادي ×× ويحدوا اشتياقي نحو مكةَ حادي
ولي أملٌ مازال يسمو بهمتي ×× الى البلدةِ الغراء خيرَ بـلادِ
بها كعبةُ الله التي طاف حولها ××عِبادٌ هُمُ لله خير عبادِ
أطوفُ كما طاف النبيون حوله ×× طواف قِياد لاطواف عِنادِ
واركع تلقاء المقام مصلياً ×× صلاةً أرجّيها ليوم معادِ
وأسعى سبوعاً بين مروة والصفا××أُهلّ لربي تارةً وأنادي
فياليتني شارفتُ أجبلَ مكةَ ×× فبتُّ بوادٍ عند أكرم وادي
وياليتني رويت من ماء زمزم ××صدا خاله بين الجوانحِ صادي
إنها روحانية عجيبة تأخذ بالألباب ما إن تدخل حدود مكة المكرمة ..
مضت الأيام وتمّ الزواج وبقيت نوال في أحدِ فنادق الشارقة مُدّةَ خمسة أيام وسط ابتهاج العائلتين .. كانت إجراءات السفر تسير على مايُرام ..
وفي اليوم الخامس من الزواج غادرا مطار الشارقه بعد أن ودّعت والديها بدموعٍ حـرّى ....
ساعات والطائرة قد حطّت رحالها في مطار جدة .. نزل المسافرون من عليها ..
القلب في شوق .. واضطراب ..
سيارة الأجرة تشقّ الطريق باتجاه مكة المكرمة ..
الصمت خيّم على قائد السيارة وزوجها بعد حديث عابر ..
اليوم الخميس 18 / 3 / 1437-1436هـ = 4 مارس 2017م الوقت الساعة الخامسة و عشرين دقيقة عصرا .. حيث تبقى ساعة و7 دقائق على أذان المغرب ..فتح السائق الإذاعة على اذاعة القرآن الكريم فإذ بإمام الحرم المكي الشيخ
علي جابر[1] رحمه الله يتلو سورة التوبة على الآيه ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ....)
زاد خفقان قلبها إنها قريبة من أرض الحدث ..
إنها تعيش أروع لحظاتها .. لم تستطع حبس دموعها وهي تقول في نفسها صلى الله عليه وسلم ..
هاهي البلاد وهاهي الأرض وذاك الجبل وتلكم الغار المعني بالآيه
أي نعمةِ تعيشها نوال الآن ..
أي شيئ يقفز في ذهنها .. أهي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ..
أم الاستعداد لرؤية الأمنية الثانية في الحياة ..
أهو التفكير في هذا الرجل الذي يجلس أمامها كيف ستكون حياتها معه ..!
أي شيئ هي فيه نوال ..
هاهي اللوحة الارشادية على الطريق تقول مكة المكرمة 2كم
سعادة غامرة .. وروحانية تملأ الفؤاد اطمئنانا وراحة ..
في هذه الأثناء تحشرج صوت الشيخ وبكى وهو يواصل التلاوة ....(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنت تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ..)[الأعراف:72]
فزاد من روحانية اللقاء .. فانهمرت عينيها بالدموع ..
وفجأة توقفت السيارة عند أحد المساجد حيث أشار عليهم قائد السيارة بأن يغتسلوا ويتوضؤا هنا قبل أن يصلوا لمناطق الزِّحام فقد لايمكنهم من الوصول الى دورات المياة التابعة للحرم المكي ..
واصلت السيارة طريقها وزاد ولع نوال بالمكان حيث أنهم دخلوا أجواء مكة الآن ..
انتهى كل شيئ .. أصبحت لاتستطيع أن تسيطر على نفسها من البكاء فالتفت إليها زوجها مهدئاً وطالباً منها الهدوء ..
الساعة الآن السادسة وعشرين دقيقة والمسافة لاتبعد سوى اكم ..
الفرحة لا يمكن تخيلها .. وهي ترى لوحة كتب عليها الحرم المكي وبعدها سهم يشير الى الاتجاه الصحيح للحرم ..
زاد البكاء وزادت اللهفة وزاد الشوق .. وارتفع منسوب المحبة ..
القلب في السماء ..والعين للأمام .. كأنما هي تسير للجنة الآن ..
كأنما السهم يشير لطريق الجنـة..
هي ترى ذلك .. هذا هو طريق ابراهيم الخليل
ومنه الى مواقف حافلات النقل الجماعي .. ثم ستتوقف السيارة .. ثم تخطو نوال أولى خطواتها للحرم ..
ياله من موقف رهيب .. وموقف عجيب .. قد يمر على البعض لاشيء لكنه عند البعض مهم كأول مرة يرى مهوى الفؤاد ومقصد المسلمين ..
مع ارتفاع السيارة ورؤية منارة الحرم شهقت نوال شهقة انتبه لها السائق وخاف أن يكون شيئا ما حدث. لولا تطمين الزوج له ..بأن الأمر عادي ..
توقفت السيارة ونزلت نوال وزوجها .. ثم وقفت تنظر للمكان حولها غير مصدقة .. وأخذت تسير بخطى سريعة ..
يــاّ أرضَ مكةَ ماهــذا النــدى العَــطِرُ
مـا ذَلِكَ النـــور في قُطـْـرَيّكِ مُنّتَشِــرُ
مـا ذَلِكَ النُــورُ فِي وَا دِيــّـكِ مُبّــتعِثُ
بِطَـاحُـكِ الغُبـرُّ فِيْهـــا يَبّسِمُ الحَجَـرُ
الساعة الآن السادسة و24 دقيقة ثلاث دقائق على أذان المغرب ..
كانت نوال تسير بجانب زوجها الذي قبض على يدها وهي تنظر للناس فرحة مسرورة .. بل أخذ منها الفرح مبلغه .. تظن أن الناس بنفس شعورها ..
الشوارع ازدحمت ..فوقت الآذان قد قرُب .. هاهو باب الملك فهد (رحمه الله ) أمام ناظري نوال .. وهاهي المنارات شامخة في السماء ..
الفرحة كبيرة .. واللقاء ممتع وشيق .. والسعادة لاتعدلها سعادة .. واللسان لاهج بذكر الله.. وتردد بين الفينة والأخرى (الحمد لله ) (الحمد لله ) ..
اقتربت من الباب والساعة تشير الى السادسة و26 دقيقة ، دقيقة واحدة تفصل عن الآذان ..
دخلت نوال وزوجها باب الحرم .. وهي تنظر الى الأمام تتراءى الكعبة المشرفة ..
الأصوات الآن اختلطت .. فمن قارئ للقرآن .. ومن ساجد .. ومن راكع .. الجو العام اختلف والروحانية طغت وزادت ومنسوب الايمان يجبرك على أن يرتفع طبقاً لمعايشة المكان ..
الناس يمشون باتجاه الكعبة .. 10 ثوان على الآذان ..
وقفت نوال .. ثم مشت وتوقفت .. فكبرت .. وهللت .. وحمدت الله .. هذه الكعبة المشرفة .. هذه الطيور الصغيرة .. الجميلة .. الحبيبة .. تطلق تلك الأصوات المحببة لكل مسلم ..
الآن انطلق محمد علي مُلا بصوته العذب الجميل يملأ الأركان .. ويصدح في السماء .. الله أكبر .. الله أكبر ..
تلكم لحظات لايمكن لمثل نوال أن تنساها .. لقاءها بالكعبة على التكبير ..
على نهاية يوم وبداية يوم آخر وأي ليلة !!
ليلة الجمعة..
استمر الآذان .. ونوال الآن تعيش في جوٍّ آخر .. توقفت وتوقف معها زوجها ينظران للناس في جوٍّ مهيب .. ومنظر رهيب .. صحن الكعبة امتلأ بالطائفين .. وصدى الآذان يعود مرة أخرى فيستقر في القلب لعذوبته وحلاوته ..
أبطحاءُ مكّـةَ هذا الذي ... أراه عياناً وهذا أنا ..!؟
لم تستطع نوال أن تمسك نفسها .. سقطت .. وخرّت باكية ساجدة ..شاكرة لله أن رأت البيت الحرام .. أن شاهدت الكعبة المشرفة عيانا بيانا ..
ثم رفعت رأسها عن الأرض فجلست كأنما هي بين السجدتين .. وزوجها ينظر لروعة المكان وبهاءه .. ثم رفعت نوال رأسها للسماء .. وهي تبكي اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي اللهم اغفر .. فخرّت ساجدة .. وهي تلهج بالدعاء ..
ثم رفعت .. وجلست تنظر للمكان حولها ..
بقي شيئ واحد .. إنه زمزم .. فطلبت من زوجها كوباً من ثلاجة زمزم .. فناولها شربت .. ثم أخرى فشربت .. ثم قالت له .. سقاك الله من نهر الكوثر ..
ثم خرّت ساجدة .. حينها أقيمت الصلاة .. وغاصت نوال في بحر الغائبين .. وغادرت الروح الطاهرة هذا الجسد المبارك .. لقد تحقق لها كل شيئ ..
نعم غادرت وانتهى كل شيئ .. ماتت نوال .. لم تتمتع بشبابها .. غادرت نوال ولم تبلغ الثانية والعشرين عاما .. غادرت وهي في أطهر بقعة على وجه الأرض .. ذهبت الروح الى خالقها من أمام البيت العتيق .. لم تتحمل الفرحة فماتت ساجدة .. لكنها عاشت للحياة الأبدية هي عرفت حق الله عليها فعملت به .. تجنبت المعاصي والآثام .. ورغم عمرها القصير لكنها استعملته بما يرضي الله وبما يحقق لها المكان الأبدي في جنّة عدن نحسبها والله حسيبها ..
وكان الموعد الأخير دخلت نوال من الغدْ يوم الجمعة 19 /3/1437-1436هـ الحرم المكي لكنها دخلت على نعش الموتى فصُلي عليها أمام الكعبة المشرفة ودفنت في مكة المكرمة في أطهر البِقاع ...
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________