عنوان الموضوع : وسَهمٌ للصَّـدَقـة -قصة جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
وسَهمٌ للصَّـدَقـة
رجاء محمد الجاهوش
الشَّريكُ الخامِس
كانت تتحدَّثُ بانفعالٍ يَشوبه حبّ وفخر وحبور ...
فنبَراتُ صوتِها تنسابُ كنغمٍ عَذب ، ويَداها تتمايَلان كأغصانِ شجرةٍ يانِعةٍ داعَبها الهواءُ العليلُ ، وبريقُ عينيها يَشعُّ كومضَةِ نجم في أعالِي السَّماء ، حتى خلتُ نفسي في واحةٍ غنّاء بين وَردٍ وزَهرٍ وجَداولِ ماء !
قالت : بالأمس اجتمعَ والدي الحبيب وإخواني الأعزّاء مع المُحامي من أجلِ إرساء قواعد شركتهم الجَديدة على ضوء القوانين المعمول بها ، فسَألهم المُحامي : كَم عدد الشّركاء ؟
فأجابَهُ والدي ـ حَفظهُ الله ـ : خمسَة .
فاندهشَ إخواني !
فعَددُهم ثلاثة وبإضافةِ والدي يُصبحونَ أربَعة ، فمَنْ هو شريكهم الخامِس ؟!
راحَت النَّظرات تتبادل الأحاديثَ الصَّامتة ، ومَلامِحُ الوجوهِ تطرحُ أسئلة حَيرَى !
فيُباغتهم والدي بسؤاله : مَن تظنونَ أن يكون شريكنا الخامس ؟
يبتسِمون دونَ أن تنبسَ الشّفاه بكلمَةٍ ، فيتابع : - أتحبّون ـ يا أبنائي ـ أن يُباركَ الله لكم في رزقكم ؟
- هذا ما نرجوه من الله دائمًا .
- أتطمعونَ برضا الله سبحانه ؟
- بكلِّ تأكيدٍ ، فرضاه غاية كلّ مُسلِم .
- أترغبونَ بظلٍّ ظليل ، وصحَّة وعافيَة ، ونقاء مِن ذنوبٍ ؟
- بَلى ، بَلى .
- إذا رحبّوا معي بشريكِنا الكَريم ، صاحِبَ السَّهم الخامِس : الصَّـدقـة .
ثمَّ تَلت بصوتِها النّديّ قولَ الله تعالى: "إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ" - [الحديد:18]
وقوله سُبحانه وتعالى: "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" - [البقرة:245]
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
حَصَّـالـة
أقبَلت علينا تتلمَّسُ مكانها بين الصُّفوف، فالتَفَتَت إليها أنظارُنا متفحِصَّة العضو الجديد الذي سينضَم إلى أسرة "فصلنا" ...
ملامُحها لطيفة، تشي بروح طيّبة تستتِر بين الحَنايا، وحديثها مهذّب يدلُّ على حُسْنِ تربيَة وتوجيه ، استطاعَت في غضونِ أيامٍ قليلةٍ أن تكسبَ حبّنا واحترامَنا بحُسنِ تعاملها ورِقَّّته .
ذاتَ يوم ـ مِن أيّام شهر رمَضان المُبارك ـ وزَّعَت علينا وَرَقة و"حَصّالة"، أخذناهما ونحنُ في حيرَة من أمرنا !
لقد اعتدنا على توزيعِ الأوراقِ التي تحمِلُ بين طيّاتِها وعظًا طيّبًا، وعلى إهداءِ "الشّريط" الدَّعوي، أمّا أن يُقدَّم لنا "حَصَّالة" فهذا أمرٌ جديدٌ !
نظرتُ إليها، وكلّي فضول لمعرفةِ سرّ هذه "الحَصَّالة"، فأومَأت أنَّ السِّرَّ يَكمُن فيما كُتبَ على الوَرقةِ، فشَرَعتُ أقرَأ :
[ هل بينكَ وبين الله صِلة ؟ ...
والصِّلة التي أقصدُها هي اتخاذكَ عمَلا صالحًا تداوِم عليه دونَ أن يعلمَ بكَ أحدٌ، فهوَ العَهدُ الذي بينكَ وبين الله سُبحانه .
لا تستغرب سُؤالي، ولا تستثقله ...!
فقد تنوَّعَت الطاعات التي فرَضها الله علينا، واختلفت الأعمال الصَّالحة التي حبّبنا الله فيها، فلمَهْ كان هذا الاختلاف والتنوّع ؟!
أيكون أحدُ هذه الأسبابِ أن تجدَ كلَّ نفسٍ الوسيلة التي تناسِبها في التَّقربِ إلى الله، فيسهلَ عليها إيجاد تلك الصِّلة بينها وبينه ـ سبحانه وتعالى !
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ"، فقليلٌ دائمٌ خيرٌ مِن كثير مُنقطِع .
سأبوحُ لك بسرّ، ولا جُناح عليك إن أذعته ...
إنّني أستقطعُ ـ كل شهر ـ من راتبي مبلغًا زهيدًا، وأصرفه إلى فئة " العشرين فلس "، ثمَّ أضعُ تلك العشرينات في علبة خاصَّة، وبجانبها "حصَّالة" للصَّدقات ـ تلكَ التي توزّعها اللّجان الخيريَّة ـ، وأقوم كلّ صباح بوَضعِ "عشرين فلسًا " في "الحصَّالة" كصدقة عن نهاري، ثم أمضي إلى متابعة يومي وأنا مطمئنة إلى أنَّ الله سيحفظني، و"عشرين فلس" أخرى في المساءِ صدقة عن ليلتي لأشعرَ بذاتِ الطَّمأنينة، فصنائعُ المَعروفِ تقي مَصارعَ السُّوء، وصَدقة السَّرّ تطفئ غضبَ الرَّب ... ]
ثمَّ ختِمَت الوَرَقة بدعاء: اللهمَّ يا واصلَ المُنقطعين أوصلني إليكَ .
__________________________________________________ __________
إيمانٌ
كنتُ صَغيرًا عندَما كانت ترسِلني أمِّي بطعامٍ إلى جارتنا العَجوز، وإلى ذلكَ العامِل ـ الشَّيخ المُسنّ ـ الذي يَقوم على تنظيفِ مسجدِ حيّنا، كان واجبًا يوميًا أقوم به بعدَ عودتي من المَدرسةِ، لم تتأخَّر أمُّي يومًا عن موعدِها، وكنتُ لا أمانِع بالذهابِ، فجارتنا العَجوز طيّبة القلبِ، كانت تعطيني قطعة من الحلوى، ثم تشكرني وتطلب مني أن أهدي أمُّي السَّلام، وذلكَ العامل كان يُصافِحني كرجلٍ رِشيدٍ ويشدّ على يَدي وهو يقول: جزاكم الله خيرًا، فأفرحُ أيَّما فرحٍ وقد غدَوتُ رجلا وأنا لم أبلغ الثامِنة مِن عُمري بَعد !
ذاتَ ليلةٍ أصابتني وعكة صحيّة، فلزمْتُ السَّرير ولم أذهب إلى المَدرسة، وخضَعتُ للعلاج الذي وصَفه الطبيب لي، معَ ما كانت تعدّه أمُّي الرَّؤوم مِن عصائر طبيعيّة ومشروبات دافئة .
جاءت خالتي الحَبيبة للاطمئنانِ عليَّ، وهي جارة لنا، لا يفصلُ بينَ بيتنا وبيتها سِوى شارع ضيّق وبعضَ المَباني، وبينما هي تسامِرني نادت عليَّ أمُّي:
- يا يوسُف ، اقبل إليَّ يا بنيّ .
- حسنًا يا أمُّي .
ساعدَتني خالتي الحَبيبة بالنُّهوضِ، ثم مَضيتُ وحدي نحوَ المَطبخ حيث أمُّي .
- يوسُف أيا حبيبي، هل أنت قادرٌ على أداءِ مهمَّتك اليوميَّة ؟
- أشعرُ بتعَبٍ يا أمَّاه !
- إن جاهدت نفسَك قليلا، وسَارعتَ في فعل الخيرات فقد يكون ذلكَ سببًا في شفائكَ العاجل .
وقبلَ أن أجيبَ، أقبلت نحونا خالتي، وسألت أمّي باستنكار: إلى أينَ تريدينَ إرسالَ هذا الصَّغير؟ ألا ترَين حاله !
- هو بخيرٍ بإذن الله، وفي أداءِ مهمَّتهِ هذه كلّ الخيرِ .
- دعيهِ يذهبَ ليستريحَ في فراشِهِ، سأقومُ بمهمّته نيابَة عنه حَتى يتمِّمَ الله شفاءَه .
- لا بأس، جزاكِ الله خيرًا .
عانقتُ خالتي وقبّلت وجنتها بامتنانٍ ثمَّ مضيتُ إلى سَريري، فتلحَّفتُ بلحافي وغططت في دفء ودِعَة .
صوتُ أمُّي وخالتي مُرتفع، والبيتُ ضيّق، و حوارَهما مَسموع بوضوح، قالت خالتي : - أعجبُ منكِ يا أختي !
- وممّا العَجب ؟
- أعلمُ جيدًا أنّكم تعيشونَ عيشة الكَفافِ، فمَا الذي يُلزمُك بإرسالِ جزء مِن طعام أهلِ بيتك إلى الآخرين؟ أيتصدّق فقيرٌ على فقيرٍ ؟
- سأجيبُكِ، لكن عليكِ أن تسمَعي القصَّة مِن أوَّلِها .
- كُلي آذانٌ مُصغيَة، فتفضّلي ..
- حضرتُ ذاتَ صباح حلقة ذِكر، تحدَّثت فيها الدَّاعية الفاضلة عن الصَّدقة وفضلها، فتألمتُ وكتمتُ دمعًا كادَ أن يسقط مني رغمًا عني ، ثمّ انفضَّ المجلسُ وعدتُ إلى بَيتي ، لأستقبلَ زوجي وأولادي لكنّني لم أكن كعادتي، فقد اختفت ابتسامتي، وسَكنَ الحُزن عينيّ، فلاحظ زوجي العزيز تغيّر حالي، فانتهزَ فرصة وجودِنا وحدَنا ليسألني: - ما بكِ ؟ لمَهْ كلّ هذا الحزن في عينيكِ ؟
لم أستطع هذه المرّة الإمساك بدمعتي فقد سبقتني وسَقطت ، فزادَت حيرة زوجي، وراحَ يلحّ بالسّؤال: ما بكِ ؟ هل هناك ما يسوء ؟
- لا؛ لا تقلق، الأمرُ ليسَ كما ظننتَ، إلا أنّني حزينة كوني لا أستطيع أن أبرهِنَ على صدق إيماني .
- أنا لا أفهمُ شيئًا !
- كنتُ اليوم في حلقةِ الذكر، وتحدَّثت الدَّاعية الفاضلة عن الصَّدقة وفضلها، فقالت : يقولُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "والصَّدقة بُرهان" فهي دليلٌ على صدق العَبد وإيمانه، فتألمتُ وكادَت عيناي تفيضانِ بدمعِها حزنًا ألا أجدُ ما أنفِق .
- ألم تخبركنّ أن الصّدقة نوعان ؟
- كلا؛ حثَّتنا على بذلِ المال فقط .
- إذن لا تحزني، وكفكفي دَمعك، فأنتِ قادرة ـ بإذن الله ـ على أن تبرهِني على صِدق إيمانكِ .
- أخبرني ـ بربّك ـ كيفَ، كيفَ ؟!
- عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أنَّ ناسًا من أصحابِ النَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا للنَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا رسول الله ! ذهب أهل الدُّثور بالأجورِ ! يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون بفضول أموالِهم . قالَ: "أو ليسَ قد جعلَ الله لكم ما تصدَّقون؟ إنَّ بكلِّ تسبيحةٍ صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروفِ صدقة، ونهيٌ عن منكرٍ صدقة، وفي بضعِ أحدكم صدقة " . قالوا : يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرًا" – (رواه مسلم)
فالصَّدقة نوعان : صدقة بالمالِ، وصدقة بغيرِ المال، وهذه أيضا تنقسم إلى قسمين .
- ما هما ؟
- الأول : ما فيه تعديَة الإحسانِ إلى الخلق ، كتعليم العلم النَّافع، وإزالة الأذى عن الطريق، والسَّعي في جلبِ النَّفع للنّاس، ودفع الأذى عنهم، وغيرها ...
والقسم الثاني : ما كان نفعه قاصرًا على فاعلِهِ، كأنواعِ الذّكر من تسبيح وتهليل وتحميد، وكذلك المشي إلى المساجدِ صدقة .
- كريمٌ ربِّي كريم ، وهو أرحم الرَّاحمين .
ومنذ ذلك الوقت ـ يا أختي الحبيبة ـ عقدتُ العزمَ على أن يكونَ لي نصيبٌ مِنَ الصَّدقة بما أستطيع، فأنا أملكُ صحَّة ووقتًا وشبابًا وعلمًا نافعًا، فلمَ لا أتصدَّق بجزءٍ ممَّا أملكُ لأبرهنَ على صِدق إيماني ؟!
اغرَورَقت عينا خالتي الحَبيبة بالدّموع، ورفعت رأسَها لتقبّل جبينَ أمُّي ـ أختها الكبرى ـ وهي تعِدها بأن تحذو حذوَها، وأن تبلّغ غيرها بما تعَلَّمته منها، ثمَّ استأذنت بالانصرافِ كي لا يتأخر الطعام على جارتنا العَجوز، وعامل المَسجدِ ذلك الشَّيخ الوَدود .
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________