عنوان الموضوع : لقـــآء لا يُنسى
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

لقـــآء لا يُنسى









في قرية صغيرة.. بين أحضان الجبال الشاهقة تعرفت

إليه.. كنت اصطاف مع أسرتي في تلك القرية الجميلة حينما رأيته لأول

مرة.. كان شاب وسيما وسامة تبهر الأعين وتلفت إليه الأنظار.. تقدم لأبي

عارضا المساعدة بعد أن تعطلت بنا السيارة في طريق جبلي وعر، تحف

به الخضرة من كل جانب.. ترجلنا جميعا من السيارة ليحاول ذلك الشاب

الشهم إصلاحها.. رمقته بطرف عيني بإعجاب متزايد، فقد جمع بالإضافة

لوسامته وشبابه مهارة في الأعمال اليدوية يندر وجودها.. كان لا ينظر

نحونا أبدا وأبى منهمك معه في إصلاح السيارة.


التفتّ لأرى جمعنا قد تفرق.. ذهبت أمي وشقيقاتي الصغيرتان ليداعبا

صغار الغردة التي تنتشر حولنا في كل مكان، بينما انشغل شقيقاي

الصغيران بجمع بعض الأعشاب والحشائش. نظرت إلى الهوة العميقة

التي تقع أسفل الجبل.. أحسست بدوار وإعياء شديدين يلف كل أعضاء

جسدي.. صرخت مرغمة.. التف الجميع حولي.. أبلغت أمي بصوت خافت

بأنني لا أستطيع الوقوف وأشعر بغثيان شديد ودوار.

دست أمي في فمي قطعة حلوى، سرى مذاقها الرائع في كياني بقوة..

لكنني لم أتحسن.. أخبرت أمي بذلك بصوت متداع.

همست أمي لأبي بكلمات لم استطع سماعها وأن تفتني نظراتها القلقة.

تناقش أبي وذلك الشاب الوسيم لفترة من الوقت، وبعد ذلك جاءني أبي

هاتفا في حنان:

ــ ستذهبين الآن يا ندى إلى المستشفى مع هذا الشاب.. تسارعت

نبضات قلبي.. لا أدري مرضا أم فرحا.. وهتفت مرغمة:


وحدي؟


أجابني برقة:


ــ بالطبع لا.. فقد استقر رأينا على أن أبقى أنا بجوار أمك وشقيقاتك

والسيارة المعطلة وتذهبين أنت مع شقيقيكِ وهذا الرجل الشهم.

ثم أردف بعد هنيهة صمت:

ــ لا تخشى شيئا يا ندى انه شاب أصيل وابن عائلة، وقد كشفت لي

المصادفة أنه يمت بصلة قرابة لأحد أصدقائي في مدينتنا.

أحسست بالدوار مرة أخرى يقعدني عن القيام.. اسندتني أمي إلى

ذراعها وأجلستني في سيارة ذلك الشاب الذي عرفت اسمه من مناداة

أبي له"عبد الله"..


همست لي أمي:


ــ لا تنسي.. أخبري الطبيبة بكل شيء.. اعلمها بأن لديك مرض السكر

في الدم وانك تتعاطين حقنا يومية..

أوشكت على البكاء وأنا أجيب أمي بـ "نعم".. اتخذ الشاب مقعده خلف

المقود وإلى جواره شقيقاي الصغيران اللذان لا يتعدى أكبرهما الثامنة

من العمر.. وانطلقنا بسرعة لم أعهدها في أبي بصورة لم تمكنني من

رؤيتها على الوجه الصحيح..

سألني الشاب بصوت كأنه خرير المياه:

ــ هل أنت بخير؟

أجبت بصوت خافت وقلبي يهتف بجنون:

ــ نعم..

قال أخي الصغير: اتركها لا تسألها شيئا إنها دائما مريضة ومزعجه وفي

البيت تضربنا دائما وتطردنا من حجرتها..


ضحك الشاب طويلا وأنا أشعر بقلبي يغوص داخلي وغضبي يشتعل من

أخي الصغير الذي يكبره قليلا:


ــ أتصدق إنها ضربتني ذات يوم لأنني سكبت على شعرها الصابون.. ان

شعرها طويل جداً ومزعج..

واستمر الشاب الوسيم يضحك.. وددت لو احطم أضراسة.. هنا لم استطع

السيطرة على مشاعري وصرخت غاضبة:

ــ اصمتا أيها الأحمقان و إلا اخبرت والدي.. ثم هذا ليس نكتا لتضحك منها

أيها الشاب.. المفروض ألا تشجعهما على قلة الأدب.

تجمدت الابتسامة على شفتيه وتمتم بكلمة "آسف".. أشفقت عليه

وعلى ملامحه الوادعة من كلماتي السامة ولكنني لم أتراجع..

بعد فترة من الصمت سألته بقلق:

ــ ألا يزال المستشفى بعيدا؟

قال بهدوء:


ــ خلال ربع ساعة سنصل إن شاء الله..

لكنني لم استطع التماسك أكثر واغمي علي وأنا في السيارة.. افقت

وأنا في المستشفى وحولي الطبيب والممرضات والشاب الوسيم، وفي

كل ذراع من ذراعي إبرة مغذية، ووجهي مكشوف وشعري ينساب على

جوانب السرير بدون غطاء أو حجاب..


صدرت مني آهة فزع على الرغم مني.. اقترب مني الطبيب باسما وهو

يقول:


ــ هل أفقت؟.. الحمد لله.. هل تشعرين بأنك الآن أحسن؟.


لقد كان شقيقك ذكيا فأخبرنا بما تعانين..


تلعثمت بالإجابة وأنا غارقة في حيائي، فهذا الشاب قد رآني مرأي

العين.. ولم تخف عليه أي خافية.. لم استطع التفوه بكلمة لشدة الخجل..


قال الطبيب:


ــ الفضل لله ثم لهذا الشاب.. لقد حملك على ذراعيه فترة طويلة حينما

لم يجد موقفا لسيارته..

اندفعت الدماء إلى وجهي وأنا اشعر بحرارتها اللاهبة، ولم استطع أن ارفع

عيني بعد ذلك في العيون المتطلعة لي.. غادر الجميع بعد ذلك الحجرة

بعد أن قال الطبيب:

اطمئني ستغادرين المستشفى حالما ينتهي هذا المغذي..

اقترب مني الشاب الوسيم قائلا باستحياء:

ــ أعذريني لم استطع أمام حالتك إلا أن أعمل ما في وسعي لإنقاذك..

وحينما لمح ابتسامة الخجل على وجهي تابع بمرح:

ــ وقد كنت خفيفة للغاية ككيس من القش..

وحينما خرج الجميع تنهدت براحة كبيرة، ولكن شيئا ما بقى عالقا في

أعماقي.. ربما نظرات هذا الشاب.. بريق عينية وهو ينظر لي باعجاب.. أنا

أنكر جمالي الباهر ولكن ترى ها أعجبته؟ وهو عرف من الطبيب بقصة

مرضي؟ ترى أكانت نظراته تعبر عن حنان ورقة أم شفقة مرة..؟

خرجنا من المستشفى لنعود للمكان الذي تركنا فيه أهلي فوق الجبل..

كنا أقل مرحا وأكثر صمتا وقد توطن شيء ما في القلوب الصغيرة.. لم

نعد كما كنا من قبل ابدا.. انشقل شقيقاي في الحديث مع بعضهما عن

معالم الطريق.. انتهز هو الفرصة ووضع شريط كاسيت وانسابت أغنية

حالمة.. من حنجرة احدى المطربات تقوقعت في مقعدي وأنا ارتجف

بعنف.. قال بصوت رقيق:


ــ ما رأيك في هذه الأغنية؟..


ثم سأل بنعومة: ألا تناسبك؟..


غرقت في الصمت وانفعالات شتى تجوب كياني وتحلق بي في عوالم

فاتنة لم يطرقها سوانا، أصبحت السماء أكثر زرقة والطبيعة أشد اخضرارا

والبلابل تغرد في كل مكان.. ثم انسابت الاغنية التالية أشد وقعا وأكثر

تأثيرا من آلاف الكلمات..

طفرت عيناي دموعا لم أدر لأي سبب كانت.. أهي حب.. أم خوف.. أم

استحالت اشفاقا مما هو آت؟

ومضى الوقت بسرعة غريبة وأنا غائبة عن كل ما حولي في دنيا أخرى

وعالم آخر لم أعرفه من فبل.. قد سمعت كثيرا عن الحب من أحاديث

صديقاتي ومغامراتهن.. لكنني لم أتصوره بهذا الطعم الحلو اللاذع، الذي

يمتزج فيه كل شيء بأي شيء.. تمتزج فيه المرارة بالحلاوة بالخوف

بالفرح بالدموع.. رباه ما هذه المشاعر العاصفة التي تمور داخل نفسي

الحائرة وتعبث بقلبي وبنبضاته التي باتت غير منتظمة..


أيقظني صوته الدافىء وهو ينادي باسمي.. ازدادت نبضات قلبي حتى

خلته سيقفز من مكانه سألني برقة:


ــ أيمكن.. أقصد أن نلتقي بعد ذلك؟..


وفي لحظات استبد بي غضب مفاجىء.. ماذا يظنني هذا المعتوه؟ لعبة

بيديه يلهو بها ثم يحطمها.. أو فتاة من أولئك اللاهيات العابثات اللاتي لا

هم لهن سوى التنقل من شاب لآخر..

عزمت على أن اوقفه هند حده.. هتفت بحدة متجاهلة وجود شقيقيّ:


ــ ماذا تظنني أيها الشاب؟ آسفة فلست من أولئك..


معذرة يا آنسة.. فأنا الذي يجب أن أتأسف..


انبرى شقيقي الأصغر قائلا:

ــ دعها ولا تتأسف لها.. إنها لا تستحق كل هذا التعب من أجلها، إنها

تستحق الضرب.

خُيل لي من صفحة وجهه الجاذبية أنه يبتسم.. أحسست وكأن قلبي

ينقبض فجأة وقد أدركت أخيرا بأن الحب تسلل إلى قلبي..

وصلنا إلى مكان أهلي.. استقبلتني أمي بحرارة وهي تسألني عن نتائج

الفحوصات.. وانطلق أبي يتحدث مع الشاب حديثا طويلا، فهمت منه أن

سيارتنا لن يتم إصلاحها بسهولة، وسيوصلنا هذا الشاب إلى مقر اقامتنا

في الفندق على أن يعود هو وأبي لاحقا لسحب السيارة المعطلة.. ركبنا

سيارة الشاب، ورغم اتساعها فقد بدت ضيقة وهي تقل العائلة بأسرها..

لم يتحدث احد طوال الطريق سوى أبي وهذا الشاب النبيل مما أتاح لي

أن أعرف الكثير عن حياته وأهله وطموحاته..


مضت عطلتنا كأجمل ما تكون.. وهذا الشاب يرافقنا في تنقلاتنا الكثيرة

دون أن يهمس لي ولو بكلمة..

وعرّفنا بأهله ذات يوم.. فأذهلتني بشاشتهم وحسن ضيافتهم، وكانوا

مبهورين بي طوال فترة الضيافة..

لذلك لم أفاجأ حينما انتحى بي أبي جانبا ذات يوم وهو يقول:


ــ إن عبدالله شاب مهذب وخلوق، بالإضافة إلى انه يحمل مؤهلا عاليا..

فما رأيك؟

لقد تقدم عبدالله لطلب يدك..

لم أرد وإن علمت حمرة الخجل خدي.. ولكني بعد برهة قلت لأبي بهدوء:


ــ ولكن.. هل عرف بمرضي يا أبي؟

ابتسم أبي بحنان وهو يقول:

ــ انه يرغب بك كما أنت، ولا يهمه مرضك في قليل أو كثير..


سبحان الله يا ابنتي انه النصيب..


وخلال أيام بسيطة احتل خاتمه بنصري، وامتلأت أحداقي بصورته وتربع



على عرشه فلبي بكل زواياه وأركانه.. انه حبيب العمر.. عبدالله..



من روآئع "قماشة العليآن"




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


وااااااااااااااااااااااو

قلبي وقف وانا بقرأهااااااااا رووووووووعه جدااااااااااااااااا


__________________________________________________ __________







الاروع مرورك حبيبتي رانيـــا <<< أحب هالإسم =)


لاعدمت حضوركِ . . .


كل الشكر لكـِ








نُورالْإيمَـاآن





__________________________________________________ __________



حلوة القصة

وقماشة كاتبه لها اسلوب جميل جدااااااااا

يعطيك العافية نور الايمان

دمت ودام ابداعك

ماننح ـرمـ..


ام عبد الالـــــــــــه




__________________________________________________ __________


تسجيل لحضوريّ
آستمتعتُ كثيرا فٍي رحب فضآءك..
بحٍق ..

آبدعت بٍذهُول

عزيزتي

طآبت آيآآمُك ِ
,, دائما لك طلةٌ رائعٍـه



__________________________________________________ __________

يسلموا على القصة

ودي ووردي