عنوان الموضوع : فتور داعية إلى الله - الشريعة الاسلامية
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
فتور داعية إلى الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ,وبعد
أهل الحق وحملة دعوة الأنبياء بشر يخطئون ويصيبون، ويصابون بالأمراض والأعراض في القلوب والأجسام.
وهنا عرض لآفة تصيب الدعاة، وهي فتورهم عن دعوتهم، وعرض لصفات الداعية المصاب بها، ثم بحث عن أسباب نشوء هذا الفتور.
والجزء الأخير من هذه المادة يتضمن بعض النصائح التي تعد علاجاً ووقاية من هذا المرض.
بداية الفتور
قصة رجل (أو امرأة) كان يوماً من الأيام يدعو في الناس، ويتكلم ويخطب، وكان يذكر في المجالس، ما كان يوماً من الأيام يدعو أهله وزوجته وأمه وأبناءه، بل كان في بداية التزامه لا يمر في الشارع أو في السوق ويرى منكراً إلا وتكلم وينصح ويذكر.
كان لا يرضى أن يجلس مجلساً وفيه منكر، بل يتمعر وجهه إلا إذا تكلم.
كان يوماً من الأيام يوزع الأشرطة على الناس التي فيها الخير والذكر، ويوزع الأوراق، وينصح، ويطرق الأبواب، ويدعو الناس إلى الصلاة، لسان حاله كان يقول: يا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافر:41].
قصة هذا الرجل الذي بدأ يفتر ويضعف، بدأ لا يشعر بالمسئولية، بدأ لا يهتم، تذكره الساعة والساعتين، وكأن هموم الأمة وهموم الدعوة لا تعنيه، بل كأنك لا تكلم إنساناً يشعر أو فيه قلب، يقول الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].
إن سألته عن هدفه في هذه الحياة تجده لا يدري لماذا يعيش ولا يعرف.
يجلس المجالس بالساعات الطوال، لا هم له إلا أن يشرب الشاي والقهوة، ويأكل الطعام، ويتحدث عن فلان وفلان، لا يبالي بأحوال الأمة، ولا بهموم الدعوة.......
.
.
صفات الداعية الفاتر
إن جلست معه يحسن الكلام، يحسن الجدل، ويحسن الحديث، أما العمل فلا، أما التضحية فلا، إن جلس في مجلس فإنه يتكلم عن هموم المسلمين، ويتكلم عن أعمال الدعوة إلى الله، يحسن الحديث، أما أن يقوم هو ويعمل فلا، فهو في آخر الركب، ينتظر غيره، ويأمر سواه، أما أن يتحرك هو فلا؛ بل يجلس مجالس لا هم له إلا الجدل والكلام، قال عليه الصلاة والسلام كما في جامع الترمذي : (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
انطفأت الغيرة من قلبه، كان يوماً من الأيام إذا رأى منكراً تغير وجهه وتمعر وتضايق، أما الآن فتمر المنكرات وهو يبتسم، يجلس في البيت ويفتح التلفاز، يستمع إلى الأغاني والمنكرات ولا يبالي، يزور أهله وأقرباءه، النساء مع الرجال، الحديث بينهم، لا يبالي ولا يهتم، بل لا يتأثر ولا يتمعر وجهه، تغير الوقت، تغيرت النفس، وتغيرت روحه، بدأ لا يتمعر من المنكرات، يقول الله عز وجل عن هذا الصنف يعنف عليه: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116].
نعم. الأمر شاق وصعب، لم يعد يتحمل إنكار المنكر ولا الأمر بالمعروف، ولم يعد يتحمل استهزاء الناس به، ولم يعد يتحمل تكاليف الدعوة إلى الله، لو سألته عن وقته فستجده مضيعاً لوقته، وقد كان يوماً من الأيام لا يجد دقيقة يضيعها في مباح، أو في دنيا، أما الآن فإن نهاره وليله قد ضاع ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
.
لو طلبت منه شيئاً فإنه غير مستعد: يا فلان! عندنا لجنة أو عمل خيري، عندنا سفر في سبيل الله، في الجهاد في سبيل الله، عندنا مشروع يخدم دين الله، فيقول: أنا غير مستعد لأن ألتزم بشيء، لا أستطيع أن ....كذا وكذا من الحجج التي قد زينها له الشيطان ..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ... [الصف:14] كن نصيراً لله، هل الذي ينصر الله ينظر إلى المنكرات في الشوارع؟ المتبرجات في كل شارع، بل في كل سوق، بل في كل محل، بل في كل مكان.
الأغاني لا تستطيع أن تهرب منها؛ في المدارس والمستشفيات والمقاهي والمطاعم، بل حتى دخلت في بيتك يا من فترت عن الدعوة إلى الله، أين ستذهب بأبنائك يوماً من الأيام؟ مع من سوف يلعبون؟ أم في أي مكان سوف يدرسون؟ أم من سوف يخالطون؟ أنت المقصر، وأنت المذنب، وسوف تجني على نفسك.......
..
أسباب الفتور
.الدنيا وفتنتها
لعلها الدنيا وفتنتها، لعل الدنيا قد دخلت قلبكِ لعلكِ قد التهيتِ بزوجكِ وأبنائكِ.
يقول أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: [كنا يوماً من الأيام نحن معشر الأنصار، قلنا بيننا وبين أنفسنا: إن أموالنا قد ضاعت -جاهدوا في سبيل الله، تركوا المزارع، تركوا الضياع، تركوا التجارة، ذهبوا يجاهدون في سبيل الله- قال: فقلنا بيننا وبين أنفسنا إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنَّا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] ] جاهدوا في سبيل الله، فلما التفتوا إلى الدنيا، قال الله لهم: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].
مصاحبة ذوي الهمم الضعيفة
لعلكِ تصحبين أناساً ذوي إرادات وهمم ضعيفة، لا هم لهم إلا التجارة، إن جلستِ معهم سألوا عن أسعار العملة والمناخ والتجارة، وسألوا عن العمارات والتجارات والعقارات، وسألوا عن البيوت، لعلكِ تجلسين معهم، لعلك إن جلستِ معهم لا يتكلمون إلا عن السفر، ولا يتكلمون إلا عن الدنيا وملذاتها، لعله هذا السبب.
الذنوب والمعاصي
لعل السبب هي الذنوب والمعاصي، كنتِ تدعين إلى الله ونسيتِ نفسكِ، أحرقتِ نفسكِ للناس، ثم ما إن لبثتِ إلا ووقعتِ في المعاصي،
يقول ابن القيم رحمه الله: ومن عقوباتها -يعني: المعاصي، واسمع إلى هذه الكلمات العظيمة، يا من كنت داعية إلى الله!- يقول: ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه، أو توقفه، وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطو خطوة إن لم ترده عن وجهته إلى الوراء. نسأل الله العافية.
الجهل بالهدف من الحياة
لعلكِ -يا أمة الله - لا تعرفين ما هدفكِ من الحياة. لعلي لو سألتكِ: ماذا تريد من الدنيا؟ تقولين: أن أتزوج، ثم أنجب الأبناء، ثم أبني لي بيتاً، وأسكنه مع زوجي وأبنائي، ثم ماذا؟ تقولين: لا أدري.
ما هدفكِ من الحياة؟ تقولين: أن أحصل على شهادة، ثم يرتفع ذكري بين الناس.
يقول رجل -وهو ابن عم لـعمرو بن عتبة ، واسمعي إلى هذه القصة العظيمة- يقول: نزلنا في مرج حسن، في أرض خضراء، وإن سألتك لو نزلت في هذه الأرض، ما هدفك؟ وما همك؟ وما أمنيتك؟ يقول: فقال عمرو بن عتبة : ما أحسن هذا المرج الحسن! وما أجمله! لو نادى منادٍ: يا خيل الله! اركبي. ما أحسن أن ينادي منادي الجهاد في هذه اللحظات، فيكون رجل في أول الصف، فيكون أول من يصاب، ثم يدفن في هذه الأرض! ما أحسن هذا!
يقول صاحبه: ما هي إلا لحظات، حتى ينادي منادي الجهاد: يا خيل الله! اركبي. يقول: فيكون في الصف، فينادي أبوه - أبو عمرو بن عتبة - عليَّ بـعمرو هاتوه، فهو يعرف ابنه، ويعرف أنه إذا تمنى أمنية يحققها الله له، يقول: فما هي إلا لحظات، فيؤتى به مصاباً، يقول: فتزهق روحه وتفيض إلى باريها، فيدفن في مركز رمحه، في تلك الأرض، هذا هو الهدف، وهذه هي الأمنية.
العقبات.. وعدم معرفة مصاعب الدعوة
لعلها عقبات كانت في طريقكِ، خسرتِ بعض المال، أصبتِ بمصائب، استهزأ بكِ بعض الناس.
لعلكِ أختي الحبيبة ظننتِ يوماً من الأيام أن طريق الدعوة إلى الله مفروشة بالورود، وأن طريق الله والجهاد في سبيله سوف يأتيك بالمال، ولن تخسري فيه درهماً واحداً، فإذا بكِ تخسري الأموال، وتخسري السمعة، ويتكلم الناس عنكِ، ويستهزئون بكِ، فما تلبثين إلا قليلاً فتتركين الدعوة إلى الله وتركنين إلى الدنيا.
وأظنكِ لستِ بحاجة لأعرفكِ بقصص كقصة أم عمار سمية وثباتها أو ماشطة بنت فرعون أو قصة أبي ذر لما قام في الناس يعلن توحيده وأدموه فصبر وثبت ثبات الجبال وقبل ذلك كله صبر نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم ما لاقاه في الدعوة إلى الله ...
التقصير في العبادة وقراءة القرآن
يقول عليه الصلاة والسلام: (الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ) رواه الترمذي ، كالبيت الخرب، يدعو إلى الله ولا يقرأ القرآن، قال بعضهم عن سفيان الثوري : كان إذا أصبح يرفع رجله على الحائط -تخيل هذا الرجل، يرفع رجله على الحائط، أتعرف لماذا؟- حتى يرجع الدم إلى رأسه من قيام الليل، كان إذا قام الليل ينزل الدم إلى قدميه حتى إذا أصبح رفع رجليه على الحائط حتى يعود الدم إلى رأسه من شدة قيام الليل، يقول عنه شجاع بن الوليد : كنت أخرج مع سفيان الثوري ، فما كان لسانه يفتر عن ذكر الله، أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، ذاهباً وراجعاً.
خلا في الليل، فقال لصاحبه: ائتنا بماء الوضوء، يقول: فصببت له ماء الوضوء، يقول: فقربته إليه ونمت، يقول: ففي الصباح نظرت إليه واضعاً يده اليمنى على خده الأيمن، فسألته ما بالك رحمك الله؟
قال: منذ أن قربت إليَّ الماء، وأنا على حالي هذه، من أول الليل إلى الفجر.
قال: ما شأنك؟
قال: أتفكر في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
من أول الليل، إلى طلوع الفجر!
وكان رحمه الله يصارع الطغاة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يخبئ كراريسه في الأرض ويدفنها خشية أن تسرق، ويدرس تلاميذه في الخفاء، ويجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، لكنه إذا خلا في الليل قام لله مصلياً.
اليأس من نصر الله
لعلكِ أختي قد أيستِ من نصر الله، ولعل النصر قد تأخر عنكِ، ولعلكِ قد استبطأتِ النصر
"حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" [يوسف:110].
ألم تسمعي بالحديث الذي رواه مسلم ، وفيه: (أنه يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد ) يدعو إلى الله، ويُذكِّر بالله، وينصح الناس، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر إلى أن يموت، ويأتي يوم القيامة ولم يستجب له أحد: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].
النظر إلى الأقل بذلاً
لعلكِ -يا أمة الله- تنظرين إلى من هو دونكِ، ولعلكِ تنظرين إلى فلانة لا هم لها في الدعوة إلى الله؛ إلا تسمح لصديقة بقراءة كتاب من كتبها وتظن أن هذه هي غاية الدعوة إلى الله، لا بأس، لقد عملت شيئاً لله، ولقد فعلت في سبيل الله، لكنها ليست غاية الدعوة إلى الله، غاية الدعوة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111].
فيجب أن نضع هذا في أذهاننا وألا ننظر إلى تلكِ الهمم التي هبطت إلى الهاوية ..
************************************************** **************************
_____________________________________
كانت هذه مقتطفات اخترتها لكِ (بتصرف) من محاضرة مطولة ورائعة للشيخ نبيل العوضي حفظه الله .
منقول
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
جزااكى الله خير
__________________________________________________ __________
موضوع رائع
جزاك الله خير الجزاء على ماقدمتي وجعله في ميزان حسناتك
واجعلنا ممن يخدم هذا الدين حتى آخر لحظة من حياتنا
وابعد عنا الفتور ومسبباته
اللهم آآآآآآآآآآآآآآآآمين
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________