عنوان الموضوع : المكان والسكان..
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

المكان والسكان..









ــالسـلاآم علـــيـــكـم ورحمة الله وبــركـــاته..





زرت مسقط (قدمي) قريتي الوادعة (البُصْر) كنت أستذكر جيداً ألعابنا في أزقتها الضيقة التي كنت أحسبها فيحاء واسعة، وأفنيتها الصغيرة التي كانت ذاكرتي تحتفظ بها وكأنها صحراء يحار فيها الطرف، وطفقت تهطل علي قصص الطفولة بخبثها البريء أو براءتها الخبيثة، والتفاصيل المضحكة والإحراجات وأنواع اللعب القروي من (عظيم لاح) إلى (أم خطوط) إلى (أم تسع)...

وجودك في المكان يقدح زناد الذاكرة ويستخرج من أدراجها القديمة ما لا عهد لك به!

للمكان عاداته المصاحبة، المسجد - البيت - المدرسة - الشارع - القرية - المدينة.

المنزل يوحي بعاداته الخاصة في الشكل والعلاقة ومكان الجلوس واللغة المستخدمة، وللاستراحة ورفاقها وبرامجها عادات مختلفة، وللعمل وزملائه نمط ثالث!

هل أنت ممن يمارسون (الامبراطورية) على الزوجة والأولاد؟ والأريحية والأخلاق مع الأصدقاء؟ والمصلحية مع زملاء العمل؟

أعرف صديقاً يتحول في بيته إلى طفل لا ينزعج من تلطيخ ثوبه بالكاكاو أو سكب المشروب، ولا يتبرم من الصراخ والضجيج، ويقابل كثرة التطلبات بابتسامة.

لم يتحول هذا الصديق إلى (بيتوتي) فهو مرتبط بمجموعة تسهر في الاستراحة أحيانا وتناقش قضايا الإصلاح ومشكلات الواقع، وتسافر إلى الصحراء للتخييم، حيث يبدو هذا الصديق فعالاً خدوماً ينصب الخيام ويعدّ الطعام.

إلى هذا وذاك فهو محل الرضا في دائرته الوظيفية لخفة دمه وعدم تدخله فيما لا يعنيه وقيامه بواجبه.

وصديقاً آخر عنده بيتان في مدينتين مختلفتين، أصبح يستعذب في كل بيت عادات مختلفة عن الآخر، مكان الجلوس، نوع الطعام، وقت النوم، الأجهزة المستخدمة، اللباس، الأعمال التي يباشرها .. وبمجرد انتقاله إلى أحد الموقعين تعتاده التفاصيل التي ألفها حتى لو كانت مناقضة لما في الموقع الآخر!

كان الحجاج يقول : عندي أربع نسوة، فليلتي عند هند بنت المهلب ليلة فتى بين فتيان يلعب ويلعبون، وليلتي عند هند بنت أسماء فليلة ملك بين الملوك، وليلتي عند أم الجلاس ليلة أعرابي مع أعراب في حديثهم وأشعارهم، وليلتي عند أمة الله بنت عبد الرحمن بن جرير ليلة عالم بين العلماء والفقهاء!

اعتياد النفس على ترتيب خاص مرتبط بالمكان والزمان يتحول إلى مألوف نفسي لا تكتمل الفرحة إلا به، أن تجلس بعد العصر في الصالة لتناول القهوة والشاي والمكسرات مثلاً، أو تسهر في الملحق وفق نظام معين ..

عندما تحل في المكان تنهال عليك عاداته المتصلة به في أزمنتها المحددة وتأخذك إليها دون أن تدري.

غالب ما يعانيه الناس هو صراع الشهوة والإرادة، وغالباً ما تنتصر الشهوة في الصبا وأيام الشباب، وترجع الغلبة والعاقبة للأخرى في نهايات العمر وخريفه استعداداً للرحيل ولقاء الله، والمشكلة في الوسط حيث المعترك.

إذا استحكمت الشهوة أيام الشباب امتد زمانها خاصة مع الفراغ وغياب المشروع أو البرنامج، ولذا قيل : (من شبّ على شيء شاب عليه).

السكير مثلاً إذا مر بحانة خمر وشم رائحتها وقف وكأنما شُدّ بالحبال، فلا يجاوزها حتى يشرب، شهوته تطالبه بما اعتادت عليه من الانتصار على الإرادة.

حين تسافر تتغير ساعتك البيولوجية وتختلف الأماكن عليك فتتكشف أنماطاً جديدة من العادات، تكيفك مع طعام لا تعرفه أو رفضك له، حب الطبيعة ومشاهدها الرائعة المسبحة بحمد ربها، حب مشاهدة الآثار والمتاحف وأعمال الغابرين، حب المغامرة والرياضة والمشي، التناغم مع الصحبة وتجنب الجدل والخلاف، الخلاص من الروتين، حب الاكتشاف، (زوغان) النظر!

مغترب في بعثة أو عمل يبحث في المدينة عن الحي الذي يسكنه أهل بلده ليكون قريباً منهم، يريد أن يكرر نظام العيش والأكل والسهر واللغة كما تعود، وآخر يحب أن يقيم بعيداً عنهم ليجد وقتاً أطول ينفقه في برامجه العلمية أو الوظيفية وليتعرف على تجارب جديدة.

قائمة طويلة من حسن العادات أو رديئها يكشفها السفر، ولذا سمي سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الناس.

شاب يعد بين أصدقائه رمزاً للفوضى والإهمال في سيارته وغرفته، غير مكترث بالنظافة، يحدث أن يرمي النفايات من نافذة سيارته، كثير الغياب عن مدرسته، غير منضبط بمواعيده، مستعد لقطع الإشارة وتجاوز أنظمة السير إذا أمن من (ساهر)، يسافر فيتحول إلى شخص آخر منضبط ملتزم!

يتكرر سفره إلى مدينة مجاورة ويتكرر انضباطه، لكن لا يتحول هذا الانضباط إلى (عادة دائمة).

حدث أيضاً أن سافر للدراسة في أمريكا، وأقام بسكن داخلي فتغيرت شخصيته 180 درجة، هو الآن طموح ومتفوق وناجح ومنظّم، حتى الإجازات يحاول أن يستثمرها لرفع مستواه، وأن يتعلم لغات أخرى ليست من صميم دراسته!

رب أسرة من عادته أن يسافر بمفرده ويكره أن يصطحب العائلة معه لأنها تفرض عليه قيوداً لم يتعود أن يراعيها في السفر، وكثيراً ما يغير وجهته دون ترتيب مسبق مما يترتب عليه خسائر فادحة في حجز الطيران والفنادق، ولأنه ثري لا يعنيه أن يخسر مائة ألف دولار في سبيل تنفيذ رغبة طارئة تعود أن يستجيب لها.

ليس معنياً أن يتصل بأسرته في سفره أو يطمئن عليهم، وكأن السفر لديه خلاص من رق العائلة!

آخر يعتبر السفر فرصة للانخراط في علاقة حميمة مع الأسرة، وأجمل ما فيها الأطفال وفرحتهم واكتشافهم، والتخفيف من الوقوع في أسر الضغوط الحياتية أو سطوة التقنية.

في حقيبة سفره يجد مكاناً للمصحف والكتاب والقلم.

إنها البيئة إذاً تصنع عاداتنا وتلهمنا!

أنت إذاً أمام عادات دائمة تحكم طوقها حولك!

أو عادات ظرفية مرتبطة بالبيئة زماناً ومكاناً وناساً.

أو عادات مؤقتة تضعف أو تزول بزوال أسبابها كزوال المرض أو السجن، أو غياب الوالدين.





>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


رائع جداً مانقلته إلينا . .

راق لي ما طرحته . .

يعطيك ربي ألف عافية . .

سلمت أناملك الذهبية . .

لك كل تقديري


__________________________________________________ __________

خاطرة جميلة و رائعة


__________________________________________________ __________

حبيبة قلبي سعاد
الموضوع جميل و يستحق القراءة و لكني قرات من قريب جدا حبيبتي..
العذر منك و اتمنى ان لا تبخلي علينا بتواجدك الجميل في انادي..

بيئتي و الســفر ....


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________