عنوان الموضوع : الجزع
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

الجزع






معنى الجَزَع لغةً:
الجَزَع، بالتَّحريك: نقيض الصَّبر. وقد جَزِع يَجْزَع جَزَعًا فهو جازِع، فإذا كَثُر منه الجَزَع، فهو جَزُوع. والجَزُوع: ضدُّ الصَّبور على الشَّرِّ. وأَجْزَعه غيره [5047] ((الصحاح)) للجوهري (3/1196)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/221).************** .
معنى الجَزَع اصطلاحًا:
قال أبو هلال: (الجَزَع: إظهار ما يلحق المصَاب مِن المضَض والغَمِّ) [5048] ((الفروق)) (ص 200). .
وقال الرَّاغب: (والجَزَع هو: حُزْن يَصْرِف الإنسان عمَّا هو بصدده، ويَقْطَعه عنه) [5049] ((المفردات)) (194-195). .
وقال ابن فارس: (هو انقطاع المنَّة عن حَمْل ما نزل) [5050] ((مقاييس اللغة)) (1/453). .
- الفرق بين الجَزَع والفَزَع:
قال الرَّاغب: (الفَزَع والجَزَع أخوان، لكن الفَزَع ما يعتري الإنسان مِن الشَّيء المخِيف، والجَزَع ممَّا يعتري مِن الشَّيء المؤلم، والفَزَع لفظ عام، سواء كان عارضًا عن أمارة ودلالة، أو حاصلًا لا عن ذلك) [5051] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص 234). .

- الفرق بين الجَزَع ورِقَّة القلب:
قال ابن القيِّم: (والفرق بين رِقَّة القلب والجَزَع: أنَّ الجَزَع ضعفٌ في النَّفس، وخوفٌ في القلب، يمدُّه شدَّة الطَّمع والحرص، ويتولَّد مِن ضعف الإيمان بالقَدَر... فمتى عَلِم أنَّ المقَدَّر كائنٌ- ولا بدَّ- كان الجَزَع عناءً محضًا ومصيبة ثانية. أمَّا رِقَّة القلب فإنَّها مِن الرَّحمة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَقَّ النَّاس قلبًا، وأبعدهم مِن الجَزَع، فرِقَّة القلب رأفةٌ ورحمةٌ، وجَزَعُه مرضٌ وضعفٌ، فالجَزَع حال قلبٍ مريضٍ بالدُّنيا، قد غشيه دخان النَّفس الأمَّارة، فأخذ بأنفاسه، وضيَّق عليه مسالك الآخرة، وصار في سجن الهوى والنَّفس، وهو سجنٌ ضيِّق الأرجاء، مظلم المسلك، فانحصار القلب وضيقه يجعله يَجْزَع مِن أدنى ما يصيبه ولا يحتمله، فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ مِن محبَّة الله وإجلاله، رَقَّ وصارت فيه الرَّأفة والرَّحمة، فتراه رحيمًا رقيق القلب بكلِّ ذي قُرْبَى ومسلم، يرحم النَّملة في جحرها، والطَّير في وَكْرِه، فضلًا عن بني جنسه، فهذا أقرب القلوب مِن الله تعالى) [5052] ((الروح)) (ص 250). .
قال تعالى: أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [إبراهيم: 21.]
قال ابن عاشور: (وجملة أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مِن كلام الذين استكبروا. وهي مستأنفة تُبين عن سؤالٍ مِن الضُّعفاء، يستفتون المستكبرين: أيصبرون أم يجزعون، تطلُّبًا للخلاص مِن العذاب، فأرادوا تأييسهم مِن ذلك، يقولون: لا يفيدنا جَزَعٌ ولا صَبْرٌ، فلا نجاة مِن العذاب. فضمير المتكلِّم المشارك شامل للمتكلِّمين والمجابين، جمعوا أنفسهم إتمامًا للاعتذار عن توريطهم) [5053] ((التحرير والتنوير)) (13/217). .
**- وقال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ [المعارج: 19-22].
قال السعدي: (فيَجْزَع إن أصابه فقرٌ أو مرضٌ، أو ذهابُ محبوبٍ له، مِن مالٍ أو أهلٍ أو ولدٍ، ولا يستعمل في ذلك الصَّبر والرِّضا بما قضى الله) [5054] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص 887). .
- وقال تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18].
قال ابن القيِّم: (لا جَزَعَ فيه) [5055] ((بدائع الفوائد)) (4/175). .
- وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا [يونس: 12].
قال ابن كثير عند هذه الآية: (يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسَّه الضُرُّ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ [فصلت: 51] أي: كثير، وهما في معنى واحد، وذلك لأنَّه إذا أصابته شدَّةٌ قَلِقَ لها، وجَزِع منها، وأكثرَ الدُّعاء عند ذلك، فدعا الله في كَشْفِها ورَفْعِها عنه ...) [5056] ((تفسير القرآن العظيم)) (4/252). .


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


ذم الجزع والنهي عنه:-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهطٍ [5057] الرهط من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى أربعين، ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه. ((عمدة القاري)) للعيني (14/291). سريَّة [5058] السرية: طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو. ((عمدة القاري)) للعيني (14/291). عينًا [5059] عينًا: أي: جاسوسًا ((عمدة القاري)) للعيني (14/291). ... قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين. فتركوه، فركع ركعتين، ثمَّ قال: لولا أن تظنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لطوَّلتها، اللَّهمَّ أحصهم عددًا) [5060] رواه البخاري (3045). .
**- عن عمرو بن تغلب: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمال أو سبي، فقسَّمه، فأعطى رجالًا وترك رجالًا، فبلغه أنَّ الذين ترك عَتَبُوا، فحمد الله ثمَّ أثنى عليه، ثمَّ قال: أما بعد، فوالله إنِّي لأعطي الرَّجل، وأدع الرَّجل، والذي أدع أحبُّ إليَّ مِن الذي أعطي، ولكن أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم مِن الجَزَع والهلع، وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم مِن الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب. فوالله ما أحبُّ أنَّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النَّعم [5061] حمر النعم: هي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب. ((شرح النووي على مسلم)) (15/178). )) [5062] رواه البخاري (923). .
(أي: من شدة الألم والضجر الذي يصيب نفوسهم لو لم يعطوا من الغنيمة، فأعطيهم تأليفًا لقلوبهم، وتطييبًا لنفوسهم) [5063] ((منار القاري)) لحمزة محمد قاسم (2/254). .
- عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جُرْح، فجَزِعَ، فأخذ سكِّينًا، فحَزَّ [5064] فحزّ: قطع بها يده من غير إبانة. ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (5/424). بها يده، فمَا رَقَأ [5065] فما رقأ: أي لم ينقطع. ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (5/424). ، الدَّم حتى مات، قال الله تعالى: بَادَرَني عبدي بنفسه، حرَّمت عليه الجنَّة)) [5066] رواه البخاري (3463) ومسلم (113) واللَّفظ للبخاري. .
قال العيني: (قوله: ((فجَزِع))، أي: لم يصبر على الألم) [5067] ((عمدة القاري)) (16/47). .

**- عن محمود بن لبيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحبَّ الله قومًا ابتلاهم، فمَن صبر فله الصَّبر، ومَن جَزِع فله الجَزَع)) [5068] رواه أحمد (5/427) (23672)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/145) (9784). ******** قال المنذري في ((التَّرغيب والتَّرهيب)) (4/223): رواته ثقات. ومحمود**بن لبيد اختلف في سماعه منه. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/295): رجاله ثقات. وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/113): رواته ثقات، إلَّا أنَّ محمود**بن لبيد اختلف في سماعه من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1706). .
ومعنى الحديث: (من يرد الله به خيرا أوصل إليه مصيبة؛ ليطهره به من الذنوب، وليرفع درجته) [5069] ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (8/342). .
- (قال محمد بن كعب القرظي: الجَزَع: القول السَّيِّئ، والظَّنُّ السَّيِّئ) [5070] رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1301). .
اقوال السلف والعلماء في الجزع:
**- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأشعث بن قيس: (إنَّك إن صبرت؛ جرى عليك القلم وأنت مأجورٌ، وإن جَزِعت؛ جرى عليك القلم وأنت مأزورٌ) [5071] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 288). .
**- وعن الحسن، قال: (لما حضرت سلمان الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الله وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما أبكي جَزَعًا على الدُّنيا، ولكن عهد إلينا عهدًا فتركنا عهده، عهد إلينا أن يكون بلغة [5072] بلغة: كفاية. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (8/ 419). أحدنا مِن الدُّنيا كزاد الرَّاكب. فلمَّا مات نظر فيما ترك، فإذا قيمته ثلاثون درهمًا) [5073] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (13/36) (9912). .
**- و(قال رجل مِن الحكماء: إنَّما الجَزَع والإشفاق قبل وقوع الأمر، فإذا وقع فالرِّضا والتَّسليم) [5074] ((الكامل)) للمبرد (4/32). .
**- وقال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير: (ليس الجَزَع أن تدمع العين، ويحزن القلب، ولكن الجَزَع: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ) [5075] ((عدة الصابرين)) لابن القيِّم (ص 99). ** .
**- (وسئل القاسم بن محمد عن الجَزَع، فقال: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ) [5076] ((عدة الصابرين)) لابن القيِّم (ص 99). .
**- و(قال بعض الحكماء: إن كنت تجزع على ما فات مِن يدك، فاجزع على ما لا يصل إليك) [5077] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 289). .
**- و(قال ابن السَّماك: المصيبة واحدة، فإن جَزِع صاحبها فهما اثنتان. يعني فقد المصاب، وفقد الثَّواب) [5078] ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (3/98). .
**- و(قال منصور بن عمار: مَن جَزِع مِن مصائب الدُّنيا، تحوَّلت مصيبته في دينه) [5079] ((الرسالة القشيرية)) (1/74). .
**- وقال الماوردي: (إنَّ مَن خاف الله عزَّ وجلَّ صبر على طاعته، ومَن جزع مِن عقابه وقف عند أوامره) [5080] ((أدب الدنيا والدين)) (ص 361). .
**- وقال الجاحظ: (وهذا الخُلُق – أي الجَزَع - مُرَكَّب مِن الخُرْق [5081] الخرق: الجهل والحمق. ((لسان العرب)) لابن منظور (10/ 75). والجُبْن، وهو مستقبح إذا لم يكن مجديًا ولا مفيدًا) [5082] ((تهذيب الأخلاق)) المنسوب للجاحظ (ص 34). .

**- وقال ابن حزم: (إنَّ إظهار الجَزَع عند حلول المصائب مذمومٌ؛ لأنَّه عجَز مُظْهِرُه عن مِلك نفسه، فأظهر أمرًا لا فائدة فيه، بل هو مذموم في الشَّريعة، وقاطع عمَّا يلزم مِن الأعمال وعن التَّأهُّب لما يتوقَّع حلوله ممَّا لعلَّه أشنع مِن الأمر الواقع الذي عنه حدث الجَزَع .. فلمَّا كان إظهار الجَزَع مذمومًا، كان ضدُّه محمودًا، وهو إظهار الصَّبر؛ لأنَّه ملك النَّفس، واطِّراحٌ لما لا فائدة فيه، وإقبال على ما يَعُودُ ويُنْتَفَع به في الحال وفي المسْتَأنف. وأمَّا استبطان الصَّبر فمذمومٌ؛ لأنَّه ضعفٌ في الحسِّ، وقسوةٌ في النَّفس وقلَّةُ رحمة. وهذه أخلاق سوء، لا تكون إلَّا في أهل الشَّرِّ وخبث الطَّبيعة، وفي النُّفوس السَّبُعيَّة الرَّديئة. فلمَّا كان ذلك نتيجة ما ذكرنا، كان ضدُّه محمودًا، وهو استبطان الجَزَع؛ لما في ذلك مِن الرَّحمة والرِّقة والشَّفقة والفهم لقَدْر الرزيَّة. فصحَّ بهذا أنَّ الاعتدال هو أن يكون المرء جَزُوعَ النَّفس صَبُور الجسد، بمعنى أن لا يظهر في وجهه ولا في جوارحه شيء مِن دلائل الجَزَع) [5083] ((رسائل ابن حزم)) (1/406). .


__________________________________________________ __________

آثار الجزع:
- الدُّعاء على النَّفس [5084] ((فيض القدير)) للمناوي (1/330). ** .
2 - يورث الحسرة، وبقاء النَّدامة:
**(قيل للأحنف: إنَّك لصبورٌ على الجَزَع! فقال: الجَزَع شرُّ الحالين؛ يباعد المطلوب، ويورث الحسرة، ويُبقي على صاحبه النَّدم) [5085] ((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (5/113). .
3 - ليس مع الجَزَع فائدة:
(كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا عزَّى عن ميت، قال لوليه: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجَزَع فائدة) [5086] رواه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (19/325). .
4 - فوات الأجر، وتضاعف المصيبة:
قال ابن القيِّم: (الجَزَع لا يفيد إلَّا فوات الأَجر وتضاعف المصيبة) [5087] ((طريق الهجرتين)) (ص 218). .
5 - الجَزَع يورث السَّقم:
قال الفضيل بن عياض: (إنَّ الجَزَع يورث السَّقم، وبالسَّقم يكون الموت، وبالبُرْء تكون الحياة) [5088] ((التذكرة الحمدونيَّة)) لابن حمدون (1/183). .
6 - زيادة البلاء.
7 - سوء الظن بالله، وعدم الثقة به سبحانه.
8- انتفاء كمال الإيمان.
9 -عدم الرضا بالمقدور، وعجزه عن فعل المأمور.
10- استحقاق العذاب في الآخرة.
11- قلق النفس واضطرابها.
12- الجَزِع يشقى به جلساؤه، ويمله أقرباؤه [5089] ((نضرة النعيم)) (9/4357). ** .

الجَزَع على قسمين:
1 - الجَزَع في الخطايا.
2 - الجَزَع في المصائب.
وفي ذلك يقول سعيد بن جبير عندما سئل عن الجَزَع: (الجَزَع على نحوين: أحدهما في الخطايا، أن يجزع الرَّجل إليها، والآخر في المصائب، فأمَّا جزع المصيبة: فهو ألَّا يحتسبها العبد عند الله، ولا يرجو ثوابها، ويرى أنَّه سوءٌ أصابه، فذلك الجَزَع، ويفعل ذلك وهو متجلِّدٌ [5090] متجلد: من الجلد القوة والصبر. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 125). لا يبين منه إلَّا الصَّبر) [5091] رواه ابن أبي الدنيا في ((الصبر والثواب)) (ص 129). .

1صور الجزع:
- تمنِّي الموت.
2- ضرب الخدود.
3- شقُّ الثَّياب.
4- نشر الشُّعور.
5- الدُّعاء بالويل والثُّبور.


__________________________________________________ __________

1-أسباب الوقوع في الجزع:
تذكُّر المصَاب حتى لا يتناساه، وتصوُّره حتى لا يَعْزُب عنه [5092] يعزب: يغيب. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 597). ، ولا يجد مِن التِّذكار سَلْوَة، ولا يخلط مع التَّصور تعزية، وقد قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: لا تستفزُّوا الدُّموع بالتَّذكُّر [5093] ذكره الجاحظ في ((البيان والتبيين)) (3/102)، والماودي في ((أدب الدنيا والدين)) (ص 297) والأثر رواه ابن أبي الدنيا كما في ((كنز العمال)) للمتقي الهندي (44201)، والدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (736) بلفظ: ((استغزروا الدموع بالتذكير)). .
قال الشَّاعر:
ولا يبعث الأحزان مثل التَّذكُّر [5094] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 298). **
2- الأسف وشدَّة الحسرة، فلا يرى مِن مصابه خلفًا، ولا يجد لمفقوده بدلًا؛ فيزداد بالأسف وَلَهًا، وبالحسرة هلعًا. ولذلك قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد: 23[.]
وقال بعض الشِّعراء:
إذا بُلِيتَ فثِقْ بالله وارضَ به
إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
ما لامرئ حيلة فيما قضى الله
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه
لا تيأسنَّ فإنَّ الصَّانع الله .

3- كثرة الشَّكوى، وبثُّ الجَزَع، فقد قيل في قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً [المعارج: 5]. إنَّه الصَّبر الذي لا شكوى فيه، ولا بثٌّ [5096] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 298). .
4- اليأس مِن جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبرٌ، ولا يتَّسع لهما صدرٌ. وقد قيل: المصيبة بالصَّبر أعظم المصيبتين. وقال ابن الرُّومي:
اصبري أيتها النَّفـ
ـس فإنَّ الصَّبر أحجى
ربَّما خاب رجاء
وأتى ما ليس يُرجَى

وأنشد بعض أهل العلم:
أتحسب أنَّ البؤس للحُرِّ دائمٌ
ولو دام شيء عدَّه النَّاس في العَجَب
لقد عرَّفتك الحادثات ببؤسها
وقد أدبت إن كان ينفعك الأدب
ولو طلب الإنسان مِن صرف دهره
دوام الذي يخشى لأعياه ما طلب .

5- أن يغرى بملاحظة مَن حِيطَت سلامته، وحرست نعمته، حتى الْتَحَف بالأمن والدَّعة [5099] الدعة: السكون والراحة. ((لسان العرب)) لابن منظور (14/167). ، واستمتع بالثَّروة والسَّعة، ويرى أنَّه قد خُصَّ مِن بينهم بالرَّزيَّة بعد أن كان مساويًا، وأفرد بالحادثة بعد أن كان مكافيًا، فلا يستطيع صبرًا على بلوى، ولا يلزم شكرًا على نعمى. ولو قابل بهذه النَّظرة ملاحظة مَن شاركه في الرَّزيَّة، وساواه في الحادثة لتكافأ الأمران، فهان عليه الصَّبر وحان منه الفرج [5100] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 298). ** .
6- ضعف الإيمان: قال القاسمي: (الجَزَع واليأس مِن الفرج عند مسِّ شرٍّ قُضِى عليه ... ممَّا ينافي عقد الإيمان) [5101] ((محاسن** التأويل)) (6/499). .
قال ابن القيِّم: (وإذا اطمأنَّ إلى حكمه الكوني: عَلِمَ أنَّه لن يصيبه إلَّا ما كتب الله له، وأنَّه ما يشاء كان، وما لم يشأ لم يكن. فلا وجه للجَزَع والقلق إلَّا ضعف اليقين والإيمان. فإنَّ المحذور والمخوف: إن لم يُقَدَّر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قُدِّر فلا سبيل إلى صرفه بعد أن أُبْرِم تقديره. فلا جَزَع حينئذ لا ممَّا قُدِّر ولا ممَّا لم يُقَدَّر) [5102] ((مدارج السالكين)) (2/483). .
7- عدم الاستعانة بالله في المصيبة.
8- عدم النَّظر إلى مَن هم أشدُّ منه مصيبة وغمًّا وألـمًا.
9– العَجْز: قال ابن القيِّم: (الجَزَع قرين العَجْز وشقيقه... فلو سُئِل الجَزَع: مَن أبوك؟ لقال: العَجْز) [5103] ((عدة الصابرين)) (ص 18). .
10- ترك الرِّضا بما يوجب القضاء.
11- عدم توطين النَّفس على وقوع المكروه:
قال أبو حاتم: (السَّبب المؤدِّي إلى إظهار الجَزَع عند فِرَاق المتواخين هو: ترك الرِّضا بما يوجب القضاء، ثمَّ ورود الشَّيء على مُضْمَر الحشا [5104] المضمر من الضمير: وهو السر وداخل الخاطر. والمضمر: الموضع والمفعول. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/492). ******** الحشا: ما اضطمت عليه الضلوع. انظر: ((تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (4/492). بعدما انطوى عليه قديمًا، فمَن وطَّن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضدِّ الجميل عليها مِن صحبته، وتأمَّل ورود المكروه منه على غفلته، لا يُظْهِر الجَزَع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق إلَّا بمقدار ما يوجب العِلْمُ إظهاره) [5105] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (297-298). .
قال أحدهم لعبيد بن الأبرص: ما أشدَّ جزعك على الموت! فقال:
لا غَرْوَ مِن عيشة نافده
وهل غير ما ميتةٍ واحدهْ
فأَبْلِغ بُنيَّ وأعمامهم
بأنَّ المنايا هي الرَّاصدهْ
فلا تجزعوا لحِمِامٍ دنا
فللموت ما تَلِد الوَالدهْ




__________________________________________________ __________

1الوسائل المعينة على ترك الجزع:
- قوَّة الإيمان:
فعن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له)) [5109] رواه مسلم (2999). .
2-** ذكر الله:
فذِكْرُ الله يعين على الثَّبات في الشَّدائد، قال تعالى: وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال: 45].
ذكر القرطبيُّ أقوالًا للعلماء في معنى هذه الآية، منها: (اذكروا الله عند جَزَع قلوبكم، فإنَّ ذِكْرَه يعين على الثَّبات في الشَّدائد) [5110] ((تفسير القرطبي)) (8/23). .
3-** الثبات والصبر على ما نزل به مِن مكروه:
قال ابن القيِّم: (وإذا صبر واحتسب أنضى [5111] أنضاه: أتعبه وأهزله. انظر: ((المعجم الوسيط)) (2/ 929). شيطانه، وردَّه خاسئًا، وأرضى ربَّه، وسرَّ صديقه، وساء عدوَّه، وحمل عن إخوانه، وعزَّاهم هو قبل أن يعزُّوه، فهذا هو الثَّبات والكمال الأعظم، لا لَطْمُ الخدود، وشقُّ الجيوب [5112] شق الجيوب: جمع جيب، وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط. ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 164). ، والدُّعاء بالويل والثُّبور [5113] الثبور: هو الهلاك. ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 99). ، والسُّخط على المقدور) [5114] ((زاد المعاد)) (4/192). ** .
4-** توقُّع حدوث المصَاب:
قال أبو حاتم: (... فمَن وطَّن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضدِّ الجميل عليها مِن صحبته، وتأمَّل ورود المكروه منه على غفلته، لا يُظْهِر الجَزَع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق إلَّا بمقدار ما يوجب العِلْم إظهاره) [5115] ((روضة العقلاء)) (ص 112). .
وحُكِي عن بعض الصَّالحين أنَّ ابنًا له مات، فلم يُرَ به جَزَعٌ، فقيل له في ذلك، فقال: (هذا أمرٌ كنَّا نتوقَّعه، فلمَّا وقع لم ننكره) [5116] ((الكامل)) للمبرد (1/256). .
5- معرفة أنَّ المقدور لا حيلة في دفعه:
قال ابن القيِّم: (أنَّ المقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يُقَدَّر لا حيلة في تحصيله) [5117] ((عدة الصابرين)) (ص 52). .
6- العلم بأنَّ الجَزَع يُشمِتُ الأعداء.
7- العلم بأنَّ الجَزَع يَسُوء الأصدقاء.
8- العلم بأنَّ الجَزَع يُغْضِب الله.
9- العلم بأنَّ الجَزَع يَسرُّ الشَّيطان.
10- العلم بأنَّ الجَزَع يُحْبِط الأجر.
11- العلم بأنَّ الجَزَع يُضْعِف النَّفس [5118] ((زاد المعاد)) لابن القيِّم (4/192)، بتصرُّف. .


__________________________________________________ __________

النهي عن تمني الموت جزعا:
حين يعلم المؤمن أنَّ صبره على المصائب والآلام مكفِّرٌ لسيِّئاته، ورافعٌ لدرجاته، ويُسجَّل له مع كلِّ شعورٍ بألم أجرٌ عند الله تعالى، يناله ثواب عظيم وكرامة عنده في دار الجزاء، يرى أنَّه في خيرٍ عظيمٍ، وفضلٍ جسيمٍ مِن الله تعالى، ويرى أنَّ تمنِّيه الموت تخلُّصًا مِن المصائب هروبٌ مِن الحياة، وفرارٌ مِن مسؤوليَّة الابتلاء، وخروجٌ مِن سوق تجارة رابحة أضعافًا مضاعفة، لذلك فهو لا يتمنَّى الموت ليتخلَّص مِن مصائبه وآلامه، ويلاحظ المؤمن أنَّ طول أجله فرصةٌ له؛ ليزيد مِن حسناته إن كان مِن المحسنين، وليتوب ويصلح مِن حاله إن كان مِن المسيئين، لكلِّ ذلك نهى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا عن تمنِّي الموت... روى البخاريُّ ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنَّى أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدَّ فاعلًا فليقل: اللَّهمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)) [5120] رواه البخاري (6351)، ومسلم (2680). .
وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ الأفضل للمؤمن أن لا يتدخَّل في طلب الموت مِن ربِّه مطلقًا، وأن يترك أمر الأجل لمقادير الله في خلقه، ولحكمته في عباده.
ولذلك لم يَدْعُ خبَّاب بن الأرَتِّ على نفسه بالموت، مع أنَّه وصل إلى حالة رأى فيها أنَّ الموت أحبُّ له مِن الحياة.
روى البخاريُّ عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده، وقد اكتوى سبع كيَّات، فقال: ((إنَّ أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدُّنيا، وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب. ثمَّ قال: ولولا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به)) [5121] رواه البخاري (5672). ** .
وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب: أي أصبنا مِن المال ما لا نجد له موضعًا نضعه فيه، أن نبني به ونعمِّر بيوتًا وبساتين.
وقد حدَّث خباب نفسه بالموت ولم يطلبه، مخافة أن تنقص الدُّنيا والأموال التي زادت عنده مِن منزلته عن أصحابه الذين سبقوا إلى ربِّهم، قبل أن تُفْتَح الدُّنيا على المسلمين.
وهذه التَّربية الإسلاميَّة مِن شأنها أن ترفع معنويَّات المسلمين في الحياة، وتشدُّ عزائمهم، وتنفي السَّأم والضَّجر عن نفوسهم وقلوبهم، وتضع بينهم وبين الطَّريق التي تنحدر بكثير مِن النَّاس إلى الانتحار سدًّا منيعًا.
أمَّا من ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، وكفر بالمفاهيم الإسلاميَّة العظيمة، تولَّد في نفسه السَّأم والضَّجر مِن الحياة عند أوَّل ضرٍّ يمسُّه، ومع تتابع أحداث الضَّجر مرةً بعد مرةٍ، تتكثَّف في نفسه ضغوطٌ قاتلةٌ، لا تجد لها منفذًا تتنفَّس منه؛ لأنَّ المتَنَفَّس الوحيد لا يأتي إلَّا عن طريق الإيمان بالله، واليوم الآخر، والرِّضى عن الله فيما تجري به مقاديره، مراقبة الأجر العظيم الذي أعدَّه الله للصَّابرين. وبعد تكثُّف ضغوط الضَّجر والسَّأم مِن الحياة دون أن تجد متنفَّسًا سليمًا، تحَدْثُ حالة الانفجار النَّفسي، وهذا الانفجار ينتهي به إلى الانتحار أو إلى الجنون، أو إلى الجريمة البشعة، أو إلى إدمان المسكرات والمخدِّرات، وفي كلِّ ذلك شرٌّ مستطيرٌ، وبلاءٌ كبيرٌ.
أمَّا المؤمنون فهم مِن هذا البلاء بعافية والحمد لله، وبلاد المسلمين هي أسلم البلاد وأنقاها مِن جرثومة هذا الوباء، وذلك بسرِّ الوقاية العجيبة التي يصنعها الإيمان، وتغذيها عناصر التَّربية الإسلاميَّة.
وقد أصيب بعض أبناء المسلمين في هذا العصر بأمراض أهل الكفر، لـمَّا تسرَّب إليهم داء الكفر بالله وبمقاديره وحكمته، والكفر باليوم الآخر وما فيه مِن جزاء بالثَّواب أو بالعقاب.