عنوان الموضوع : إلى من إسرته الهموم@@@ - الشريعة الاسلامية
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
إلى من إسرته الهموم@@@
إلى من إسرته الهموم
أبوالحسن بن محمدالفقيه
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الهموم من أعظم المكاره التي تصيب المسلم في الحياة، فتضيق عيشه، وتخنق نفسه، وتطأطئ رأسه، وتنكث منه قوته ونشاطه وبأسه!
فهي جالبة الأحزان ما حلت ببيت إلا أذهبت منه السرور والفرح، وكسته الكآبة والترح، من ابتلي بها فقد ابتلي بعظيم! ومن أعدي بها فقد ناله وباء جسيم!
فيا لله كم أرقت من نائم ! وأتلفت من عاقل فاهم! وأجهلت من حكيم عالم! وأضعفت من قوي حازم.. فهي جند قوي بطشه وعراكه.. قاتل صوله وضرابه!
تذهب نضارة الوجه.. وحلاوة البسمة.. ونقاوة النظرة، وتبدلها سوادًا وعبوسًا، وحسرة!
فكيف السبيل إلى الفكاك من أسرها؟ والتخلص من شرها؟
أسباب الهموم
أسباب الهموم كثيرة ومتنوعة، وهذه الأسباب بعمومها منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي، كما أن منها ما هو سلبي، ومنها ما هو إيجابي.
فالأسباب الذاتية للهموم:هي الأسباب التي تنبعث من الإنسان ذاته وتصدر من تصرفاته الحسية والمعنوية لينتج عنها الهم والغم والأحزان ومن ذلك: الغفلة عن ذكر الله، والمعاصي والسيئات وقلة القناعة، وتوجس الشر ونحو ذلك.
وأما الأسباب الموضوعية:فهي الأسباب التي تصدر من جهة لا تأثير للإنسان فيها وهذه الأسباب كأن يكون ظلم قد وقع عليه، أو موت قد لحق بأحبابه وأقربائه أو مرض ألم به، أو مصيبة في ماله أو ولده أو أهله، أو أسف وحسرة على قومه لضلالهم، أو ضياعهم أو نحو ذلك من الهموم التي سببها صادر من خارج الذات.
والسلبي من هذه الهموم هو:ما كان لغير الله جل وعلا، وكان على نحو مفرط لا يرضى به الله، والإيجابي منها هو ما كان لله سبحانه، وما لم يتعد حده، واتخذ المسلم الأسباب، وإليك أخي الكريم، الأسباب الأساسية للهموم:
1- الغفلة:
فإن الغفلة عن الله جل وعلا هي مورد من موارد الهموم والأحزان، وما استجلبت أغلب الهموم والبلايا إلا بالغفلة عن أداء فرائض الله جل وعلا، وهتك حرماته وحماه، فمن غفل عن ربه سكن الهم في قلبه.
ولذلك فإن عامة الشرور والأوهام النفسية الموجبة للهموم والأحزان سببها عدو الله إبليس، وهو يكون أقوى ما يكون حينما يغفل المسلم عن الله جل وعلا؛ فلا يؤدي أمره ولا ينتهي بنهيه ولا يلهج بذكره، فحينئذ يتربص به الشيطان، ويملأ قلبه صورًا مريبة، ووساوس عصيبة، تهون أمامها العزائم والقوى.
وفي الحديث الصحيح الطويل قال r عن يحيى عليه السلام:«وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا حتى إذا أتى على حصن حصين؛ فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله» ( رواه الترمذي، والحاكم، وابن حبان)
يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله:فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة؛ لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره؛ فإن لا يحرز نفسه من عدوه، إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو؛ إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل؛ وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى؛ انخنس عدو الله، وتصاغر وانقمع، حتى يكون كالوصع (طائر أصغر من العصفور) ، وكالذباب ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى؛ خنس أي: كف وانقبض.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما:«الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل؛ وسوس، فإذا ذكر الله تعالى، خنس».
وقال رحمه الله:«فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، وركبه الران؛ فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقًا ولا ينكر باطلاً وهذا أعظم عقوبات القلب وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى، فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره» قال تعالى:}وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{[الكهف: 28](الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم (73، 80)).
وثمرة هذا الكلام النفيس أن الغافل عن ذكر الله جل وعلا أكثر الناس عرضة للهموم والغموم والأحزان؛ فمناعته أضعف المناعات على الإطلاق لأنه لم يحصن نفسه بذكر الله جل وعلا، فأمكن منه الشيطان فهو يقهره بالوساوس والأوهام والتخويف والتشويش، وينفث فيه الأحزان والآلام.
فالغافل عن الله، وعن ذكره وفرائضه وواجباته مهموم بمجرد غفلته، ثم هو إذا أصابه مكروه قلَّ أو كثر تجده أجزع الناس وأضعفهم صبرًا وأقلهم جلدًا وعزمًا، ومن هذا كله كان البعد عن الغفلة من أهم الوسائل لدفع الهموم جميعًا.
وإذا مرضنا تداوينا بذكركم.... ونترك الذكر أحيانًا فننتكس
2- المعاصي والسيئات:
وهي ثمرة الغفلة عن الله جل وعلا، والاستجابة للشهوات والشبهات، فللمعاصي والآثام، آثار مؤلمة على النفس والقلب والبدن، فهي ظلمة في النفس وسواد في الوجه، ونكتات في القلب، ووهن في البدن.
ومن المعاصي ما يعجل الله عقاب صاحبها في الدنيا فتنقلب عليه همومًا وغمومًا وأحزانًا وقد يكون العبد فعلها ونسي، فأخذه الله عز وجل على غرة من جنس فعله.
ومن المعاصي التي يعجل الله غبها وعقوبتها في الدنيا:
1-البغي وقطيعة الرحم واليمن الفاجرة:فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقابًا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع» (واه البيهقي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (978)).
2-أكل الربا: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله r:«ما أحد أكثر من الربا، إلا كان عاقبة أمره إلى قلة»(رواه ابن مسعود وصححه الألباني في صحيح الجامع (5518)).
3-أخذ الدين بنية تلفه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله r:«ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»(رواه البخاري).
4- سؤال الناس استكثارًا: ففي الحديث الصحيح، قال r :«وما فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر».
5- حب إشاعة الفاحشة في المؤمنين: قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ{[النور: 19].
ومن المعاصي الموجبة للعقوبات المعجلة أيضًا الكذب وتتبع عورات المسلمين، وإيذاؤهم والخيانة، وغيرها.
والشاهد أن للمعاصي آثارًا وخيمة على صاحبها في الدنيا، فبها تزول النعم وتحل النقم، وتتنحي الكرامات وتتنزل العقوبات.
قال تعالى:}وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ{[فاطر: 45].
قال ابن عباس رضي الله عنه: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورًا في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق"
وقال عثمان بن عفان: "ما عمل رجل عملاً؛ إلا ألبسه الله تعالى رداءه، إن خيرًا؛ فخير وإن شرًا ؛ فشر"(انظر: الوابل الصيب (62)).
فالمعصية من موجبات الهموم والأحزان، وإن دقت؛ لأن الله جل وعلا يقول:}وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{[طه: 124] وعلى قدر الإعراض يكون الضنك والهموم والأحزان.
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفة... ولا أن ما يخفي عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت... ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت الله يغفر ما مضى... ويأذن في توبتنا فنتوب
فالهلاك كل الهلاك في معصية الله جل وعلا ومخالفة أمره، والإصرار على ارتكاب محارمه، فإن الهموم جند من جنود الله يسلطه الله جل وعلا على من خالفه وعصاه، فعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r:«مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومًا، فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق»(رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري).
3- الجزع والتسخط على المقدور:
فمن أعظم وأوسع أبواب الهموم:الجزع على المكاره، والتسخط على قضاء الله وقدره، فإن الله جل وعلا ما خلق الموت والحياة إلا ابتلاء وامتحانًا كما قال تعالى:}الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{[الملك: 2].
ولذلك فقد جعل الله جل وعلا الصبر على مكاره الحياة وبلاياها ركنا من أركان النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة فقال تعالى: }وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{[العصر: 1-3].
فجعل- سبحانه الصبر ركنًا من أركان الفلاح والنجاح فلا نجاة للمؤمن من البلايا إلا به. ولذلك ذكره الله جل وعلا في نحو تسعين موضعًا في كتابه العزيز، قال تعالى: }وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ{ [البقرة: 45] وقال تعالى:}وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ{[النحل: 126]وقال تعالى:}وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{[البقرة: 155].
أخي المسلم:يا من أسرتك الهموم، وزاحمتك الغموم، فأرقت ليلك وسودت نهارك وهدت بدنك، وأشغلت بالك، يتيه بها فكرك، ويضيع بها رشدك، وينصاع لها هزلك وجدك. تذكر أن الله جل وعلا ما خلقك لتشقي.. بل لتسعد وترضى.. وأنه سبحانه جعل لتلك السعادة ثمنًا: هو صبرك على البلاء.
قال r:«إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر»(رواه أبو داود والطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة (975)).
فجعل الله السعادة في الصبر على البلاء، وجعل الهموم والشقاء في الجزع عند البلاء.
فوطن أخي الكريم، نفسك على الصبر، وتحمل كل بلاء ابتلاك الله به، سواء في مالك أو في بدنك أو زوجك وبيتك !.
وتذكر أن عين الله جل وعلا تراك وتنظر منك هل ستصبر فتشكر أم تجزع فتكفر.
ثم تذكر أن الله ما ابتلاك إلا لأنه أراد لك الخير في دنياك وآخرتك، فإما يغفر بالبلاء ذنبك، وإما يرفع به قدرك. فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r:«ليودن أهل العافية يوم القيامة، أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء»(رواه الترمذي وهو في السلسلة الصحيحة (2206)).
وعن أبي بريدة عن بعض أزواج النبي r ويحسبها عائشة قالت: مرض رسول الله r مرضًا اشتد منه ضجره أو وجعه، قال: فقلت: يا رسول الله، إنك لتجزع أو تضجر، لو فعلته امرأة منا عجبت منها، قال: «أوما علمت أن المؤمن يشدد عليه ليكون كفارة لخطاياه»(رواه ابن سعد في الطبقات، وهو في السلسلة الصحيحة (1103)).
قال ابن القيم رحمه الله:ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له.. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "خير عيش أدركناه بالصبر".
وأخبر النبي r في الحديث الصحيح أنه: "ضياء".
وقال:«ومن يتصبر يصبره الله»(رواه البخاري).
وفي الحديث الصحيح:«عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»(رواه مسلم).
وقال للمرأة السوداء التي كانت تصرع، فسألته: أن يدعو لها: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» فقالت: «إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها»(رواه البخاري ومسلم).
وأمر الأنصار، رضي الله عنهم، بأن يصبروا على الأثرة التي يلقونها بعده، حتى يلقوه على الحوض.. وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر.. وأمر بالصبر عند المصيبة. وأخبر: أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى.
وأمر ص المصاب بأنفع الأمور له، وهو الصبر والاحتساب، فإن ذلك يخفف من مصيبته، ويوفر أجره، والجزع والتسخط والتشكي يزيد في المصيبة، ويذهب الأجر. وأخبر r في الصبر خير كله، فقال: «ما أعطي أحد خيرًا له وأوسع من الصبر»(رواه البخاري ومسلم)( مدارج السالكين لابن القيم (2/118)).
م ///ن
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
جزاك الله خير
وجعله الله فى ميزان حسناتك
__________________________________________________ __________
بارك الله فيك وأثابك على الطرح الأكثر من رائع ومفيد
الله يجزاك خير ي اختي الغاليه
والله يجعل هذا الموضوع في موازين حسناتك
وشاهداً لك يوم القيامه
الف شكر لك وتحياتي لك ياغاليه
وتقبلي... مودتي...
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________