عنوان الموضوع : دعاء ام احمد..(قصة بقلمي) -قصة جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
دعاء ام احمد..(قصة بقلمي)
اذاقتها الحياة مر ايامها...وسقتها من كأس فقرها العلقم...
ملامح الطيبة والابتسام لاتفارق وجهها البشوش..تزوجت في الثامنة عشرة من العمر..لتنتقل من بيت(العائلة)..الى موطن جديد..ومنزل جميل...تزوره اشعة الشمس كل يوم..لتغمر عالمها الصغير بالدفء والاكتفاء...
\منحها الله زوجا كريما..يفتح ابوابه لكل سائل يطرقه اناء
الليل..واطراف النهار!...لايرد محتاجا ولو اضطرللاقتراض من جاره!...بعد عامين من ذلك الزواج
السعيد..اطفلت(شيماء)..مولودها الاول..عاما بعد اخر يكبرالطفل بحب ابويه و رعايتهم..محبة الله..ومحبة الناس
تزيد قلبي الزوجين هناءا وسرورا..ولكن القدر كان يضحك ساخرا..فلم يدم ذلك الهدوءوالصفاء طويلا..مرضّ الزوج..مرضا مفاجئا..الزمه الفراش..فلم
يجد الاطباء..تفسيرا طبيا لاعراض مرض الزوج..
مما اربكهم في اعطائه العلاج المناسب!
اشتدت عليه اعراض المرض حتى اسلمته الى كفي الموت دون رجعة!...لم تكن في قائمة ممتلكاته سوى..مزرعة صغيرة تدر على صاحبها..في كل موسم مبلغا لاباس به..
لحياة متواضعة..عادت شيماء الى احضان الشقاء مجددا مع طفل ومساءات حزينة...لم تتوانى في اكمال مسيرة زوجها المعطاء بعد وفاته..بما قدرت عليه..وتدبير امور معيشتها وووليدها الصغير...وذات صباح مشرق من عام ابنها الخامس..طرق جارها الباب طرقا هادئا مهذبا كعادته كل مرة عندما يطرقها للسؤال عنهم عما اذا كانوا في حاجة الى شيء ما.. عندما يقرر السفر..فقد اعتبرهم جزءا من عائلته بعد غياب معيلهم(زوجها)...
بخطوات مسرعة تسابق محمد مع والدته لفتح الباب..
مسلم(الجار):..السلام عليكم..
شيماء:وعليكم السلام جاري..ورحمة الله..
مسلم(الجار):..كيف حالكم اليوم؟..القى سؤاله وهو منشغل بملاطفة محمد(الطفل الصغير)..اجابت شيماء بنبرة الرضى والقناعة:
_الحمدلله لاينقصنا شيء..بفضل الله..وفضل احسانك لنا..
مسلم(الجار):بل الفضل لله وحده..ثم اضاف بضع كلمات
لانهاء وقوفه على الباب:
_غدا سأسافر انشاءلله..ولاانوي العودة الى هنا..لقد وجدت مزرعة كبيرة وبيت يسع لاولادي واحفادي..
جميعهم ليبقوا بقربي حتى ياخذ الله امانته..لن اطيل عليك قمت بتصفية املاكي هنا..ومابقي لي سوى مصنع الاقمشة..
اردت ان اهبه الى محمد..كي يبدا به مستقبله بعدما يكبر باذن الله..قبل ان يتابع حديثه المتواصل..قاطعه صوت
شيماء بلهجة معترضة..
ان كنت ستبيعه لي فسأقبل حصولنا عليه..اما ان ناخذه من غير ثمن فلن يحدث ذلك..ساتدبر الامر فقط امهلني بعض الوقت..؟
اعترض الجار وحاول اقناعها بقبوله كهبة..الا انه لم يفلح..فلم يجد الا ان يختم حديثه وقد بدت عليه ملامح العجلة..
مسلم(الجار):حسنا ان كنتي مصرة على ذلك فسأقبل بأي ثمن تعطيني اياه..المهم ان يكون المصنع بحوزة محمد..
قبل سفري..
مضى الجار..والحيرة تلف مخيلتها كعجلة لاتتوقف عن الدوران..(اسئلة دون اجوبة..تخاطب بها صغيرها حينا وتتمتم بها احيانا,,,
حبيبي محمد كيف سنتشتري مصنع جارنا؟؟..لااملك سوى بضع قطع ذهبية من يوم زواجي من ابيك رحمه الله..ولا ارى ان ثمن القطع تلك يكفي لشراء مصنع كبير..كمصنع جارنا!..بقت على ذلك الحال طوال اليوم وهي تعلم ان محمد(بعقله الطفولي لن يسكت حيرتها بجواب شافي)..
الا انها استمرت على ذلك طوال اليوم كي لاتشعر انها
الوحيدة من يفكر..وان هناك من يشاركها التفكير ولو كان طفلا!!اخذت تذرع الغرفة جيئة وذهابا..دون توقف لاتنفك
عن التحديق بصورة زوجها المعلقة على ذلك الحائط!
وكأنها تخاطبه بلهجة العاتبة عليه(ماذا افعل اليوم في غيابك؟..وكيف اتدبر المبلغ وقد تركتني مع ابنك لوحدنا هنا نواجه صعوبات الحياة!)...اتى المساء مسرعا..برداءه الواسع الفضفاض يخبأ تحته ليل طويل من العتمة والتفكير..غرقت زوايا الغرفة بالظلام حتى ابتلع جدران المنزل الرمادية العتيقة!...تناولت شمعة صغيرة يتخافت ضوءها تحت رحمة نسيم صيفي يشتد بين الحين والاخر..لترى موطأ قدميها..وهي تسير الى حجرة صغيرها لتتفقده وهو نائم..كملاك جميل تنسيها رؤيته
جورالزمان...اشرقت شمس الصباح الممزوجة بنسيم لطيف وزقزقة العصافير السعيدة..ليبدأ نهارها الثاني
ولم تتوصل بعد الى صيغة جيدة لتخطي الامر الذي ارهق اعصابها وأرقها الليلة الماضية..طرق الجار الباب طرقا خفيفا هادئا..هذه المرة من غير ان تتحرك من مكانها قيد انمله فهي لاتعلم بماذا ستجيبه حياء من قلة الحيلة..اسرع محمد الى الباب..ليعود مهرولا الى والدته:
_امي جارنا ع الباب يريد محادثتك..
تقدمت شيماء بخطوات متباطئة تحيطها هالة من الخجل..
_السلام عليكم..قالها الجار بأ ابتسامة متفائلة وهو يلاطف محمد كما اعتاد دائما...
شيماء:وعليكم السلام جاري ورحمة الله..
_بعد اذنك لقد احضرت معي محاميّ الخاص لتسجيل المصنع بأسمك قبل سفري غدا..ولااملك من الوقت اكثر من اليوم..
تلعثمت شيماء..واصيبت بالاحراج فماذا ستقول..!
استأنف الحديث بعدما رأه من صمت وحيرة..
وكأن الجار قد فهم ذلك الارتباك..الذي بدا واضحا لايحتاج الى برهان..
مسلم(الجار): اعلم انك لاتملكين ثمنه ووالله لولا سفري
الذي لاعودة منه لما وقفت اليوم هنا مع محامي الخاص
ولجنبتك هذا الاحراج..وكأن الشجاعة قد ولدت في قلب شيماء فجأة قاطعت حديثه..بنبرة صوت معتدلة..املك بعض القطع الذهبيه مما تركه لي زوجي..وهي لاتفي الا بنصف ثمن المصنع..ثم اطرقت برأسها مرة اخرى الى الارض..ليبادر هو بالموافقة لازاحة تلك السحب القاتمة
من الهم والحزن..
مسلم(الجار):حسنا وهذا يكفي جدا..فانا والحمدلله ميسور الحال وقد انعم الله علي بالثروة والعافية ولولا اصرارك
على شراءه..لما اخذت ثمنه منك..
ابتهجت اسارير شيماء ابان قبول جارها بقلة ماتملكه ثمنا لذلك المصنع..بعد انتهاء اجراءات التسجيل غادر الجار..في سفر طويل..لتعود حياتها مجددا مع صغيرها
الى سابق عهدها يسودها الهدوء والصبر..والتدبير!!
مرت خمسة عشر عاما على تلك الحادثة(شراء المصنع)
ليبدأ محمد الشاب بنفض غبار السنين عن مصنع احلامه
المستقبلية...بهمة عالية سائرا على نهج اباه..يبحث عن المهندسين والخبراء لادارة المصنع لتدب الحياة فيه..
بعد توقفه لسنوات..كانت ايامه حافلة مليئة بالحماس..
كحال أي شاب في بداية حياته..
لم يكن ذلك يحدث بمعزل عن شيماء التي تجولت في ارجاء قريتها..بنفس تحب الخير الى دعوة ابناءهم الى العمل..في ذلك المصنع الكبير..ومن يرفض دعوة كهذه..!
تجمهر عدد كبير من الشباب امام منزلها صباح اليوم التالي حتى ضاقت بهم الساحة الخارجية على اتساعها!
بعد مرور ثلاث سنوات..من الجهد المضني والعمل الدؤب قد اصبح للمصنع اسما متداولا على جميع افواه التجار من كل حدب وصوب..لتسير الامور على خير مايرام وتنعم القرية بخيراته التي لم تقتصر على شيماء
وابنها (محمد)..
تراجعت صحة الام الرحيمة بعد سنوات الجهد الجهيد... يتبع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
في زمن صعب..كان محمد برفقتها في مراجعة الاطباء
في عياداتهم الخاصة والمستشفيات على حد سواء!..الا ان الجميع اكدوا لهما بضرورة اجراء العملية في خارج بلدها!!
لم يكن هنالك مزيد من الوقت..قبل السفر..قامت بأستدعاء اخوتها جميعهم حيث لم يزرها احد منهم منذ وفاة زوجها..
خوفا من ان يضطروا لاعانتها بمبلغ يعينها في تربية ابنها
او رؤية متطلباتها!!
اجتمعو اليوم على مائدة واحدة..وابتسامة واحدة لادراكهم ان اختهم قد اصبحت ميسورة الحال..!..كانت تحدق بهم
طوال الوقت وهي تتسائل في نفسها(من اين اصبح اخوتي اثرياء وقد تركنا والدي بعد وفاته نعاني ويلات الفقر والحرمان..اي الطرق سلكوا لجمع الثروة الطائلة تلك..؟
لف الصمت افواههم التي لم تنبس ببنت شفة بحضورها..
خجلا من مقاطعتهم لها طوال سنين خلت..الا ان ذلك الخجل لم يكن يهم شيماء في شيء..كل ماارادت معرفته..
هل لوثتهم الحياة..هل اصبحوا اداة رخيصة بيد الشيطان
يحركهم كيف يشاء؟....تململ الاخ الكبير من مكانه محاولا اعادة المياه الى مجاريها..
الا ان شيماء ادركت ماسيقوله..حدقت في عينيه بضع لحظات..(لن احزن على ترككم لي وحيدة في هذا العالم..
لان يقيني بوجود الله معي لم يتزحزح لثوان معدودة..
جل حزني على ماراه من امركم اليوم..هل بعتم ضمائركم بثمن بخس..من اجل الدنيا..هل قايضتم راحة مؤقتة بنعيم
دائم؟...ولما العجلة فاختصار الطريق..اهذا ماربانا عليه والدي؟..(لقد ادركت من احاديث متفرقة طرقت سمعها بين الفينة والاخرى..ان طرق الحياة الملتوية قد ابتلعت اخوتها..حتى ارتدوا اخيرا ثوب الثراء الفاحش..!)..لم يجرؤ احد منهم على النطق بكلمة بعد ذلك الوم والتقريع..
وكأن الصمت المطبق كان جواب الايجاب لكل ماطرق سمعها مسبقا..اطرقت برأسها تأسفا..ولكن سرعان مانهضت..للرحيل..فلم يبقى على موعد الطائرة متسع
من الانتظار..تتابعت خطواتها بأتجاه الباب..حيث محمد ينتظرها خارجا مع حقائب السفر..حانت منها التفاتة
قصيرة الى الوراء وبكلمات مقتضبة..قبل ان تبتعد كثيرا
عن مرمى السمع..(بأمكانكم ان تعودوا..فالحياة قصيرة
وملذاتها دوامة لاطاقة لكم على تحمل نتائجها(عذاب الله)!!
..مضت خطواتها المتباطئة التي تدل اعتلال صحتها بيقين
لايقبل الشك..وصلت ارض المطار..بنفس مطمئنة بأنها قد ادت الامانة.. اتخذت ملامحها سمات القوة والتوكل والثبات
رغم مايحمله ذلك الجسد من اوجاع!!
سارت بما لايتعدى خمس خطوات..عندما سمعت صوتا ما(كان مؤلوفا لها ذلك الصوت اللاهث..كانت تناديها بأنفاس متقطعة(انها جارتها القديمة ام احمد..التي تركت القرية لتسكن في المدينة حيث أنقطعت اخبار الجارتين!!
واليوم ها هنا..وقت الوداع..كم سرت شيماء رؤية ام احمد
مجددا لربما لن يسمح القدر بلقائما ثانية..!!
ام احمد: لااصدق انني رايتك الان..خشيت ان تحلق الطائرة دون ان التقيك..عندها لن اسامح نفسي حتى الموت..بعد العناق الاخوي الحار اضافت شيماء قائلة:
_هوني عليك لقد سمح الله بلقائنا..فلم يدخل اليأس في قلبي
من رحمة الله يوما..
استعجلت ام احمد في الحديث بعد سماع مكبرات الصوت تخبر المسافرين بضرورة الصعود الى الطائرة...
_هذا المال الذي اقترضته منك ذات يوم ولاانسى كم كنتي محتاجة له في ضروفك القاسية..فلم تبخلي به علينا كزوجك الكريم تماما..علمت بسفرك متأخرة فجئت بالمال
وكم دعوت الله ان اعيده لك في ايام حياتي..نزلت الدموع الحارقة على خديها بأنهمار..امتدت يد شيماء لتكفكف
تلك الدموع..بابتسامة مرحة..
_هذا المال اقلبليه مني هدية..وواثقة انك لن تردي الهديه من جارتك(عشرة العمر)..رسمت شيماء على وجوه عدة
تعرفها ولاتعرف بعضها الاخر..نظرات الشكر والعرفان
لسيرتها الحسنة واخلاقها الحميدة..)..بعد مراسيم التوديع الاخوي ختمت ام احمد لجارتها بدعاء اثلج قلب شيماء اذ
لم تسمعه من اخوتها حتى!!
ام احمد:حفظك الله من كل مكروه..وسلمك من كل شر..
مر شريط من الذكريات بشكل سريع وخاطف في مخيلة شيماء..مواقف الفرح والحزن..واواقات الشدة والمرض..
لحظات الاخت الصديقة للجارة الامينة...وهي تنزع يديها من يدي ام احمد..لتغيب عن الانظار تماما وسط زحام المسافرين...
اقلعت الطائرة بوتيرة من الهدوء النسبي..وقد بدا الارتياح باديا على ركاب الطائرة..وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة!...لازال التحليق في السماء يبدو ممتعا..حتى وصول الطائرة الى وجهة هبوطها..لتحل الكارثة..
التي لم تكن بالحسبان..ثمة عطل مفاجئ..افقد الطيارين
في قمرة القيادة من السيطرة عليها..فبدأت تفقد توازنها بل
بدات تهوي الى الارض شيئا..فشيئا..
ارتسمت علائم الذعر والخوف على ملامح الجميع..
فمن كانت له اعمال حسنة وفق لنطق الشهادتين..
لقد ادركوا بشيء من اليقين ان الموت..اصبح وشيكا..
سقطت الطائرة..مخلفتا سحب سوداء..واشلاء الضحايا..
مبعثرة هنا وهناك..حال وصول فرق الانقاذ..لانتشال
الركاب الناجين ان وجدوا بعد كارثة كبيرة كهذه...!!
ثمة حركة طفيفة مشوبة بالالم.انطلقت من ناحية شيماء
وابنها(محمد) حيث كانا الناجيين الوحيدين من تلك الفاجعة!
مرت 24ساعة على ايصالها للمستشفى افاقت الام..
على نداء رقيق حاني بالقرب منها..يهمس لها ببضع
كلمات..
_امي لقد نجونا بأعجوبة..اي عمل فعلتيه..ليمنحنا الله
النجاة..من هذا الحادث المدمر..؟
ردت شيماء بصوت متقطع..مجهد..تكاد تكمل حروف الكلمات..
_انه دعاء ام احمد يابني.....!! بقلمي.......
في وداعة الرحمن ورعايته.....
__________________________________________________ __________
قصة جميلة جدا اعجبني اسلوبك وانتقاء كلماتك تحياتي لك
__________________________________________________ __________
مرورك العطر اسعدني بنت بلدي
ممتنة لتعلقك الجميل
دمتي في رعاية الله
احترامي عبير بابل
__________________________________________________ __________
شكلك كاتبة ونحن ماندري عنك قصة جميلة بارك الله فيك
__________________________________________________ __________
مرورك الراقي اسعدني اختي مريم
لاحرمت متابعتك الكريمة
دمتي بود وخير
احترامي عبير بابل