عنوان الموضوع : طالت غيبوبته -قصة جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

طالت غيبوبته







عبق الياسمين الدمشقي الأصيل يفوح بأرجاء دمشق العريقة، ولكنه لا يصل إلى زنزانة صغيرة

معتمة، تفوح منها رائحة الموت الزؤوام..

جلس على أرضها سبعة رجال، وهي بالكاد تسع أربعة رجال..

كان يقبع في زاوية الغرفة رجل في الستين من عمره ملقى على الأرض، وقد تشقق جلده، وتكسرت

عظامه، حتى فكه لم يسلم من التكسير، فقد عاد للتوّ من جلسة تعذيب ممنهجة، يقوم بها نسور الجيش

السوري النظامي، على أبناء جلدته، وليس على عدوه الإسرائيلي الذي يبعد فقط بضعة كيلو مترات عن هذا المكان..

كان الرجل يهمس بكلمات غير مفهومة بنبرة حزينة منكسرة..

حاول زملاء السجن تضميد جروح وكسور هذا الرجل دون جدوى..

اقترب أحدهم من شفتيه كي يسمع ما يقوله، لعلها وصية أو أمر مهم يريد إبلاغهم عنه..

قال الرجل وهويبكي بكاءً مرّاً:

-الحمدلله أولادي الثلاثة مع الثوار، اللهم سدد رميهم واحفظهم يارب.. ولكن!!

ربّت أحدهم على كتفه كي يستمرّ في حديثه.

استأنف الرجل قوله:


-أنا لا أخاف على أولادي الثلاثة، فهم مجاهدون في سبيل الله، ولكنني أخاف على ابني الصغير ذي

الستة عشر عاماً، إنه هنا في الزنزانة المجاورة..

مرّت ساعات طوال، والعجوز يهذي بولده المعتقل، ونحن نطمئنه على ولده دون جدوى..




فجأة سمعنا صوت صرير باب الزنزانة المجاورة لنا قد فُتح.

انتبه الرجل لهذا الصوت، فاتّكأ على أحدهم وهو يصغي بكل جوارحه، فأمسك أحدهم بيده يشدّ عليها،

علّه يشعر ببعض الأمن المفقود..

فجأة سمعنا صوت سياط تنهال على جسد أحدهم، وصراخ منكسر بصوت طفولي:

-يا الله.. يا الله

وإذا بالرجل ينتفض كنسر جريح، يضغط بيده بشدّة على يد ممسكها يعصرها عصراً، ويصرخ بألم:

-هذا صوت ابني الصغير، إنه لا يزال طفلاً، يارب رحماك، إرحم ضعفي وشيخوختي وارحم طفلاً غرّاً
ضعيفاً.. يا الله.. يا الله..

نظر أحدهم من خلال شقوق باب الزنزانة الحديدي، فإذا به يصرخ ألماً:

-يا جبناء.. يا جبناء.. إنه طفل صغير..

نظر الثاني من فتحات الباب فإذا به يرى طفلاً صغير الحجم، نحيلاً قد تكوّم على الأرض، وقد أحاط

بذراعيه النحيلتين رأسه الصغير، كي يحميه من ضرب السياط..



وفجأة وضع رجل الأمن المغوار بسطاره الضخم فوق رأس الصغير، وأخذ يعصره عصراً، والصغير يئنّ

ويرتجف، وقد صوّب عينيه إلى عيني هذا الجندي يستعطفه دون جدوى..

وما إن بدأت جلسة التعذيب بالكهرباء لهذا الطفل، حتى أخذ والده بضرب رأسه على الحائط، يبكي

كالصغار، كلما زاد صراخ ولده زاد الرجل بضرب رأسه،

حتى اختلطت دماؤه بدموعه،

كاد يتصدّع قلبه وينفطر كبده ألماً وكمداً على صغيره..

حاول الرجال عبثاً إبعاده عن الحائط،

وفجأة... خارت قواه وغطّ في غيبوبة عميقة، وقد جفّت الدماء والقروح على جسده المتهالك..

زاد صراخ وعويل الطفل وكأنه يرسل صوته إلى السماء يشتكي ظلم العباد..

فحمد الرجال الله على غيبوبة الرجل، حتى لا يسمع ولا يرى ما قد حلّ بولده الصغير..

ولكن الغيبوبة طالت وطالت وطالت..





>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


أسأل الله يفرج وينصر المظلومين
يعطيك العافيه


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________