عنوان الموضوع : فتاة تغازل الشيخ محمد العريفي قصة عجيبة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

فتاة تغازل الشيخ محمد العريفي قصة عجيبة






السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فتاة تغازل الشيخ محمد العريفي
قصة عجيبة
رنين الهاتف يعلو شيئا فشيئا.. والشيخ ( محمد ) يغط في سبات عميق.. لم يقطعه إلا
ذلك الرنين المزعج.. فتح ( محمد ) عينيه.. ونظر في الساعة الموضوعة على المنضدة
بجواره.. فإذا بها تشير إلىالثانية والربع بعد منتصف الليل..!!
لقد كان الشيخ ( محمد ) ينتظر مكالمةمهمة.. من خارج المملكة.. وحين رن الهاتف في

هذا الوقت المتأخر.. ظن أنهاهي المكالمة المقصودة.. فنهض على الفور عن فراشه..
ورفع سماعة الهاتف.. وبادر قائلا: نعم!! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فسمع على الطرف الآخر.. صوتا أنثويّا ناعما يقول: لو سمحت!!.. هل من الممكن أن
نسهر الليلةسويّا عبر سماعة الهاتف؟!!

فرد عليها باستغراب ودهشة قائلا: ماذاتقولين؟!!.. من أنتِ؟!!..
فردت عليه بصوت ناعم متكسر: أنا اسمي ( أشواق ) .. وأرغب في التعرف عليك.. وأن
نكون أصدقاء وزملاء (!).. فهل عندكمانع؟!!
أدرك الشيخ ( محمد ) أن هذه فتاة تائهة حائرة.. لم يأتها النوم بالليل؛ لأنها تعاني أزمة
نفسية أو عاطفية.. فأرادت أن تهرب منها بالعبث بأرقام الهاتف!!
فقال لها: ولماذا لم تنامي حتى الآن ياأختي؟!!
فأطلقت ضحكة مدوية وقالت: أنام بالليل؟!!.. وهل سمعت بعاشق ينام بالليل؟!!.. إن
الليل هو نهار العاشقين!
فرد عليها ببرود: أرجوك: إذا أردتِ أن نستمر في الحديث.. فابتعدي عن الضحكات
المجلجلةوالأصوات المتكسرة.. فلست ممن يتعلق قلبه بهذه التفاهات!!
تلعثمت الفتاةقليلا.. ثم قالت: أنا آسفة.. لم أكن أقصد!!
فقال لها ( محمد ) ساخرا: ومن سعيد الحظ (!) الذي وقعتِ في عشقه وغرامه؟!!
فردت عليه قائلة: أنتَبالطبع (!)
فقال مستغربا: أنا؟!!.. وكيف تعلقتِ بي.. وأنتِ لا تعرفيننيولم تريني بعد؟!!

فقالت له: لقد سمعت عنك الكثير من بعض زميلاتي فيالكلية.. وقرأت لك بعض
المؤلفات.. فأعجبني أسلوبها العاطفي الرقيق.. والأذن تعشق قبل العين أحيانا ( ! )
قال لها محمد: إذن أخبريني بصراحة.. كيف تقضين الليل؟!!فقالت له: أنا ليليّا أكلم ثلاثة
أو أربعة شباب..!! أنتقل منرقم إلى رقم.. ومن شاب إلى شاب عبر الهاتف.. أعاكس
هذا.. وأضحك مع هذا.. وأمنّي هذا.. وأعد هذا.. وأكذب على هذا.. وأسمع قصائد الغزل
مهذا.. وأستمع إلى أغنية من هذا.. وهكذا دواليك حتى قرب الفجر!!.. وأردت الليلة أن
أتصل عليك.. لأرى هل أنت مثلهم!! أم أنك تختلف عنهم؟!!..

فقاللها: ومع من كنتِ تتكلمين قبل أن تهاتفينني؟!!..
سكتت قليلا.. ثم قالت: بصراحة.. كنت أتحدث مع ( وليد ) .. إنه عشيق جديد.. وشاب



وسيمأنيق..!!

رمى لي الرقم اليوم في السوق.. فاتصلت عليه وتكلمت معه قرابةنصف الساعة..!!

فقال لها الشيخ ( محمد ) على الفور: ثم ماذا؟!!.. هل وجدتِلديه ما تبحثين عنه؟!!



فقالت بنبرة جادة حزينة: بكل أسف.. لم أجد عنده ولا عند الشباب الكثيرين الذين كلمتهم

عبر الهاتف أو قابلتهم وجها لوجه.. ما أبحث عنه؟!!.. لم أجد عندهم ما يشبع جوعي

النفسي.. ويروي ظمئي الداخلي..!!




سكتت قليلا.. ثم تابعت: إنهم جميعا شباب مراهقون شهوانيون!!.. خونة.. كذبة..


مشاعرهم مصطنعة.. وأحاسيسهم الرقيقة ملفقة.. وعباراتهم وكلماتهم مبالغ فيها..


تخرج من طرف اللسان لا من القلب.. ألفاظهم أحلى من العسل.. وقلوبهم قلوب الذئاب

المفترسة.. هدف كل واحد منهم.. أنيقضي شهوته ال***ة معي، ثم يرميني كما



يرمي الحذاء البالي.. كلهم تهمهم أنفسهم فقط.. ولم أجد فيهم إلى الآن -على كثرة من

هاتفت من الشباب- من يهتمبي لذاتي ولشخصي!!.. كلهم يحلفون لي بأنهم يحبونني


ولا يعشقون غيري.. ولايريدون زوجة لهم سواي!!.. وأنا أعلم أنهم في داخلهم يلعنونني

ويشتمونني..!! كلهم يمطرونني عبر السماعة بأرق الكلمات وأعذب العبارات.. ثم بعد أن

يضعواالسماعة.. يسبونني ويصفونني بأقبح الأوصاف والكلمات..!!

إن حياتي معهمحياة خداع ووهم وتزييف!!.. كل منا يخادع الآخر.. ويوهمه بأنهيحبه!!

وهنا قال لها الشيخ ( محمد ) : ولكن أخبريني: ما دمتِ لمتجدي ضالتك المنشودة.. عند


أولئك الشباب التائهين التافهين.. فهل منا لمعقول أن تجديها عندي؟!!.. أنا ليس عندي

كلمات غرام.. ولا عبارات هيام.. ولا أشعار غزل.. ولا رسائل معطرة!!



فقاطعته قائلة: بالعكس.. أشعر -ومثلي كثير من الفتيات- أن ما نبحث عنه.. هو موجود

لدى الصالحين أمثالك؟!!.. إننا نبحث عن العطاء والوفاء.. نبحث عن الأمان.. نطلب الدفء

والحنان.. نبحث عن الكلمة الصادقة التي تخرج من القلب لتصل إلى أعماق قلوبنا.. نبحث

عمن يهتم بنا ويراعي مشاعرنا.. دون أن يقصد من وراء ذلك.. هدفا شهوانيّا خسيسا..

نبحث عمن يكون لنا أخا رحيما.. وأبا حنونا.. وزوجاصالحا!!


إننا باختصار نبحث عن السعادة الحقيقية في هذه الدنيا!!.. نبحث عن معنى الراحة

النفسية.. نبحث عن الصفاء.. عن الوفاء.. عن البذلوالعطاء!!

فقال لها ( محمد ) والدموع تحتبس في عينيه حزنا على هذه الفتاة التائهة الحائرة: يبدو
أنكِ تعانين أزمة نفسية.. وفراغا روحيّا.. وتشتكين همّا وضيقا داخليّا مريرا.. وحيرة وتيها

وتخبطا.. وتواجهين مأساة عائلية.. وتفككا أسريّا!!.


فقالت له: أنت أول شخص.. يفهم نفسيتي ويدرك ما أعانيه من داخلي!! فقال لها: إذن



حدثيني عنك وعن أسرتك قليلا.. لتتضح الصورة عندي أكثر..

فقالت الفتاة: أنا أبلغ من العمر عشرين عاما.. وأسكن مع عائلتي المكونة من أبي

وأمي.. وثلاثة إخوة وثلاث أخوات.. وإخوتي وأخواتي جميعهم تزوجوا إلا أنا وأخي الذي

يكبرني بعامين.. وأنا أدرسفي كلية(...)

فقال لها: وماذا عن أمك؟ وماذا عنأبيك؟

فقالت: أبي رجل غني مقتدر ماليّا.. أكثر وقته مشغول عنا.. بأعماله التجارية.. وهو يخرج


من الصباح.. ولا أراه إلا قليلا في المساء.. وقلما يجلس معنا.. والبيت عنده مجرد أكل

وشرب ونوم فقط..

ومنذ أن بلغت.. لم أذكر أنني جلست مع أبي لوحدنا.. أو أنهزارني في غرفتي.. مع أنني

في هذه السن الخطيرة في أشد الحاجة إلى حنانه وعطفه.. آه!! كم أتمنى أن أجلس


في حضنه.. وأرتمي على صدره.. ثم أبكي وأبكي وأبكي! لتستريح نفسي ويهدأ قلبي!


وهنا أجهشت الفتاة بالبكاء.. ولم يملك ( محمد ) نفسه .. فشاركها بدموعه الحزينة.

------ - - - - - - - - - - -------


بعد أن هدأت الفتاة.. واصلت حديثهاقائلة:

لقد حاولت أن أقترب منه كثيرا، ولكنه كان يبتعد عني.. بلإنني في ذات مرة.. جلست



بجواره واقتربت منه.. ليضمني إلى صدره.. وقلت له: أبي محتاجة إليك يا أبي.. فلا



تتركني أضيع..

فعاتبني قائلا: لقدوفرت لكِ كل ما تتمناه أي فتاة في الدنيا!!.. فأنتِ لديك أحسن أكل

وشرب ولباس.. وأرقى وسائل الترفيه الحديثة.. فما الذي ينقصك؟!!..

سكتُّ قليلا.. وتخيلت حينها أنني أصرخ بأعلى صوتي قائلة: أبي: أنا لا أريد منك طعاما ولا
شرابا ولا لباسا.. ولا ترفا ولا ترفيها.. إنني أريد منك حنانا.. أريد منكأمانا.. أريد صدرا

حنونا.. أريد قلبا رحيما.. فلا تضيعني ياأبي!!


ولما أفقت من تخيلاتي.. وجدت أبي قد قام عني.. وذهب لتناولطعام الغداء..





وهنا قال لها ( محمد ) هوّني عليك.. فلعل أباكِ نشأمنذ صغره.. محروما من الحنان

والعواطف الرقيقة.. وتعلمين أن فاقد الشيء لايعطيه!!.. ولكن ماذا عن أمك؟ أكيد أنها

حنونة رحيمة؟ فإن الأنثى بطبعها رقيقة مرهفة الحس..

قالت الفتاة: أمي أهون من أبي قليلا.. ولكنها بكل أسف.. تظن الحياة أكلا وشربا ولبسا

وزيارات فقط.. لا يعجبها شيء منتصرفاتي.. وليس لديها إلا إصدار الأوامر بقسوة..



والويل كل الويل لي إن خالفت شيئا من أوامرها.. و( قاموس شتائمها ) أصبح محفوظا

عندي.. لقد تخلتعن كل شيء في البيت ووضعته على كاهلي وعلى كاهل الخادمة..

وليت الأمر وقفعند هذا.. بل إنها لا يكاد يرضيها شيء.. ولا هم لها إلا تصيد العيوب

والأخطاء.. ودائما تعيرني بزميلاتي وبنات الجيران.. الناجحات في دراستهن.. أو الماهرات


في الطبخ وأعمال البيت.. وأغلب وقتها تقضيه في النوم.. أوزيارة الجيران وبعض

الأقارب.. أو مشاهدة التلفاز.. ولا أذكر منذ سنين.. أنها ضمتني مرة إلى صدرها.. أو



فتحت لي قلبها..

قال لها ( محمد ) وكيف هي العلاقة بين أبيك وأمك؟

فقالت الفتاة: أحس وكأن كلا منهما لا يبالي بالآخر.. وكل منهما يعيش في عالم مختلف..



وكأن بيتنا مجردفندق ( ! ) .. نجتمع فيه للأكل والشرب والنوم فقط..

حاول محمد أنيعتذر لأمها قائلا: على كل حال.. هي أمك التي ربتك.. ولعلها هي

الأخرىتعاني من مشكلة مع أبيك.. فانعكس ذلك على تعاملها معك.. فالتمسي لها



العذر.. ولكن هل حاولتِ أن تفتحي لها قلبك وتقفي إلى جانبها؟ فهي بالتأكيدمثلك.. تمر



بأزمة داخلية نفسية؟!

فقالت الفتاة مستغربة: أناأفتح لها صدري.. وهل فتحت هي لي قلبها؟.. إنها هي الأم

ولست أنا.. إنها بكلأسف.. قد جعلت بيني وبينها – بمعاملتها السيئة لي – جدارا وحاجزا



لا يمكناختراقه!!

فقال لها ( محمد ) ولماذا تنتظرين أن تبادر هي.. إلى تحطيم ذلك الجدار؟!!.. لماذا لا

تكونين أنتِ المبادرة ؟!!.. لماذا لاتحاولين الاقتراب منها أكثر؟!!


فقالت: لقد حاولت ذلك.. واقتربت منهاذات مرة.. وارتميت في حضنها.. وأخذت أبكي


وأبكي.. وهي تنظر إليباستغراب!!.. وقلت لها: أماه: أنا محطمة من داخلي.. إنني



أنزف منأعماقي!!.. قفي معي.. ولا تتركيني وحدي.. إنني أحتاجك أكثر من أي وقت



مضى..!!

فنظرت إلي مندهشة!!.. ووضعت يدها على رأسي تتحسس حرارتي.. ثم قالت: ما هذا

الكلام الذي تقولينه؟!.. إما أنكِ مريضة!!.. وقدأثر المرض على تفكيرك.. وإما أنكِ

تتظاهرين بالمرض.. لأعفيكِ من بعض أعمالالمنزل.. وهذا مستحيل.. ثم قامت عني


ورفعت سماعة التليفون.. تحادث إحدى جاراتها.. فتركتها وعدت إلى غرفتي.. أبكي دما

في داخلي قبل أن أبكي دموعا!!..

ثم انخرطت الفتاة في بكاء مرير!!

حاول ( محمد ) أن يغير مجرى الحديث فسألها: وما دور أخواتك وإخوتك الآخرين؟


فقالت: إنه دور سلبي للغاية!!.. فالإخوان والأخوات المتزوجات كل منهم مشغول


بنفسه.. وإذا تحدثت معهم عن مأساتي.. سمعت منهم الجواب المعهود: وماذا ينقصك؟

احمدي ربك على الحياة المترفة التي تعيشين فيها.. وأما أخي غير المتزوج فهو مثلي



حائر تائه.. أغلب وقته يقضيه خارج المنزل مع شلل السوء ورفقاء الفساد.. يتسكع في


الأسواق وعلىالأرصفة!!


أراد الشيخ ( محمد ) أن يستكشف شيئا من خبايا نفسية تلك الفتاة.. فسألها: إن من


طلب شيئا بحث عنه وسعى إلى تحصيله.. وما دمت تطلبين

السعادة والأمان الذي يسد



جوعك النفسي.. فهل بحثتِ عن هذه السعادة؟؟



فقالت الفتاة بنبرة جادة: لقد بحثت عن السعادة.. في كل شيء.. فما وجدتها!


لقد كنت ألبس أفخر الملابس وأفخمها.. من أرقى بيوت الأزياء العالمية.. ظنا مني أن



السعادة ستحصل حين تشير إلى ملابسي فلانة.. أو تمدحها وتثني عليها فلانة.. أو

تتابعني نظرات الإعجاب من فلانة.. لكنني سرعان ما اكتشفت الحقيقة الأليمة.. إنها



سعادة زائفة وهمية.. لا تبقى إلاساعة بل أقل.. ثم يصبح ذلك الفستان الجديد الذي كنت



أظن السعادة فيه مثلسائر ملابسي القديمة.. ويعود الهم والضيق والمرارة إلى



نفسي.. وأشعر بالفراغ والوحدة تحاصرني من كل جانب.. ولو كان حولي مئات الزميلات

والصديقات!!




ظننت السعادة في الرحلات والسفر.. والتنقل من بلدلآخر.. ومن شاطئ لآخر.. ومن

فندق لفندق.. فكنت أسافر مع والدي وعائلتي.. لنطوف العالم في الإجازات.. ولكني كنت



أعود من كل رحلة.. وقد ازداد هميوضيقي.. وازدادت الوحشة التي أشعر بها تجتاح



كياني..


وظننتالسعادة في الغناء والموسيقى.. فكنت أشتري أغلب ألبومات الأغاني العربية



والغربية التي تطرح إلى الأسواق فور نزولها.. وأقضي الساعات الطوال فيغرفتي..


في سماعها والرقص على أنغامها.. طمعا في تذوق معنى السعادةالحقيقية.. ورغبة



في إشباع الجوع النفسي الذي أشعر به.. وظنا مني أنالسعادة في الغناء والرقص



والتمايل مع الأنغام.. ولكنني اكتشفت أنها سعادةوهمية.. لا تمكث إلا دقائق معدودة



أثناء الأغنية.. ثم بعد الانتهاء منها.. يزداد همي.. وتشتعل نار غريبة في داخلي.. وتنقبض



نفسي أكثر وأكثر.. فعمدتإلى كل تلك الأشرطة فأحرقتها بالنار.. عسى أن تطفئ النار



التيبداخلي..


وظننت أن السعادة في مشاهدة المسلسلات والأفلام والتنقل بينالفضائيات.. فعكفت



على أكثر من ثلاثين قناة.. أتنقل بينها طوال يومي.. وكنتأركز على المسلسلات



والأفلام الكوميدية المضحكة.. ظنا مني أن السعادة هي فيالضحك والفرفشة والمرح..




وبالفعل كنت أضحك كثيرا وأنا أشاهدها.. وأنتقلمن قناة لأخرى.. لكنني في الحقيقة..



كنت وأنا أضحك بفمي.. أنزف وأتألم منأعماق قلبي.. وكلما ازددت ضحكا وفرفشة..



ازداد النزيفالروحي..




وتعمقت الجراح في داخلي.. وحاصرتني الهموم والآلامالنفسية..




وسمعت من بعض الزميلات أن السعادة في أن ارتبط مع شاب وسيمأنيق.. يبادلني



كلمات الغرام.. ويبثني عبارات العشق والهيام.. ويتغزلبمحاسني كل ليلة عبر الهاتف..



وسلكت هذا الطريق.. وأخذت أتنقل من شابلآخر.. بحثا عن السعادة والراحة النفسية..



ومع ذلك لم أشعر بطعم السعادةالحقيقية.. بل بالعكس.. مع انتهاء كل مقابلة أو مكالمة



هاتفية.. أشعربالقلق والاضطراب يسيطر على روحي.. وأشعر بنار المعصية تشتعل



في داخلي.. وأدخل في دوامة من التفكير المضني والشرود الدائم.. وأشعر بالخوف من



المستقبل المجهول.. يملأ علي كياني.. فكأنني في حقيقة الأمر.. هربت من جحيمإلى



جحيم أبشع منه وأشنع..




سكتت الفتاة قليلا.. ثم تابعت قائلة: ولذلك لا بد أن تفهموا وتعرفوا نفسية ودوافع أولئك



الفتيات اللاتي ترونهنفي الأسواق.. وهن يستعرضن بملابسهن المثيرة.. ويغازلن



ويعاكسن ويتضاحكنبصوت مرتفع.. ويعرضن لحومهن ومحاسنهن ومفاتنهن للذئاب


الجائعة العاوية منالشباب التافهين.. إنهن في الحقيقة ضحايا ولسن مجرمات.. إنهن



في الحقيقةمقتولات لا قاتلات.. إنهن ضحايا الظلم العائلي.. إنهن حصاد القسوة



والإهمالالعاطفي من الوالدين.. إنهن نتائج التفكك الأسري والجفاف الإيماني.. إن كل



واحدة منهن تحمل في داخلها مأساة مؤلمة دامية.. هي التي دفعتها إلى مثل هذه



التصرفات الحمقاء.. وهي التي قادتها إلى أن تعرض نفسها على الذئاب المفترسةالتي



تملأ الأسواق والشوارع.. وإن الغريزة الشهوانية الجنسية لا يمكن أنتكون لوحدها هي



الدافع للفتاة المسلمة لكي تعرض لحمها وجسدها في الأسواقوتبتذل وتهين نفسها



بالتقاط رقم فلان.. وتبيع كرامتها بالركوب في السيارةمع فلان.. وتهدر شرفها بالخلوة مع



فلان..




فبادرها ( محمد ) قائلا: ولكن يبرز هنا سؤال مهم جدا، وهو: هل مرورها بأزمة نفسية



ومأساةعائلية يبرر لها ويسوغ لها أن تعصي ربها تعالى.. وتبيع عفافها وتتخلى عن

شرفها وطهرها وتعرض نفسها لشياطين الإنس.. هل هذا هو الحل المناسب لمشكلتها

ومأساتها؟؟ هل هذا سيغير من واقعها المرير المؤلم شيئا؟؟

فأجابتالفتاة: أنا أعترف بأنه لن يغير شيئا من واقعها المرير المؤلم.. بل سيزيد الأمر

سوءا ومرارة.. وليس مقصودي الدفاع عن أولئك الفتيات.. إنما مقصودي إذارأيتموهن

فارحموهن وأشفقوا عليهن.. وادعوا لهن بالهداية ووجهوهن.. فإنهنتائهات حائرات..

يحسبن أن هذا هو الطريق الموصل للسعادة التي يبحثنعنها..

سكتت الفتاة قليلا.. ثم تابعت قائلة: لقد أصبحت أشك.. هل هناكسعادة حقيقية في

هذه الدنيا؟!!.. وإذا كانت موجودة بالفعل.. فأين هي؟!!.. وما هو الطريق الموصل إليها..

فقد مَلِلت من هذه الحياة الرتيبةالكئيبة..

فقال لها الشيخ ( محمد ): أختاه.. لقد أخطأتِ طريق السعادة.. ولقد سلكتِ سبيلا غير

سبيلها.. فاسمعي مني.. لتعرفي طريق السعادةالحقة!!..------- - - - - - - - - - ------
إن السعادة الحقيقية أنتلجأي إلى الله تعالى وتتضرعي له وتنكسري بين يديه..
وتقومي لمناجاته فيظلام الليل.. ليطرد عنك الهموم والغموم.. ويداوي جراحك..

ويفيض على قلبكالسكينة والانشراح..

أختاه: إذا أردتِ السعادة فاقرعي أبواب السماءبالليل والنهار.. بدلا من قرع أرقام

الهاتف.. على أولئك الشباب التافهينالغافلين الضائعين..

صدقيني يا أختاه.. إن الناس كلهم لن يفهموك.. ولنيقدروا ظروفك.. ولن يفهموا

أحاسيسك.. وحين تلجأين إليهم.. فمنهم من يشمتبك.. أو يسخر من أفكارك.. ومنهم

من يحاول استغلالك لأغراضه ومآربه الشخصيةالخسيسة.. ومنهم من يرغب في



مساعدتك.. ولكنه لا يملك لكِ نفعا ولاضرا..
أختاه: إنكِ لن تجدي دواء لمرضك النفسي.. لعطشك وجوعك الداخلي.. إلا بالبكاء بين

يدي الله تعالى.. ولن تشعري بالسكينة والطمأنينة والراحة.. إلا وأنتِ واقفة بين يديه..

تناجينه وتسكبين عبراتك الساخنة.. وتطلقينزفراتك المحترقة.. على أيام الغفلة

الماضية..

قالت الفتاةوالعبرة تخنقها: لقد فكرت في ذلك كثيرا.. ولكن الخجل من الله.. والحياء من

ذنوبي وتقصيري يمنعني من ذلك.. إذ كيف ألجأ إلى الله وأطلب منه المعونةوالتيسير

وأنا مقصرة في طاعته.. مبارزة له بالذنوبوالمعاصي..

فقال لها ( محمد ) : سبحان الله.. يا أختاه: إن الناس إذاأغضبهم شخص وخالف أمرهم..

غضبوا عليه ولم يسامحوه.. وأعرضوا عنه ولم يقفوامعه في الشدائد والنكبات.. ولكن



الله لا يغلق أبوابه في وجه أحد من عباده.. ولو كان من أكبر العصاة وأعتاهم.. بل متى

تب المرء وأناب.. فتح له أبوابرحمته.. وتلقاه بالمغفرة والعفو.. بل حتى إذا لم يتب إليه..

فإنه جل وعلايمهله ولا يعاجله بالعقوبة.. بل ويناديه ويرغبه في التوبة والإنابة.. أما
علمت أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: «إني والجن والإنس في نبأعظيم..
أتحبب إليهم بنعمتي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهمالفقراء إلي!! من



أقبل منهم إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديتهمن قريب، أهل معصيتي

لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإنيأحب التوابين والمتطهرين، وإن

تباعدوا عني فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائبلأطهرهم من الذنوب والمعايب، رحمتي



سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفويسبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من

الوالدة بولدها».
وما كاد ( محمد ) ينتهي من ذلك الحديث القدسي.. حتى انفجرت الفتاة بالبكاء.. وهي

تردد: ما أحلم الله عنا.. ما أرحم الله بنا..
بعد أن هدأتالفتاة.. واصل الشيخ ( محمد ) حديثه قائلا: أختاه: إنني مثلك أبحث عن
السعادة الحقيقية في هذه الدنيا.. ولقد وجدتها أخيرا.. وجدتها في طاعةالله.. في الحياة
مع الله وفي ظل مرضاته.. وجدتها في التوبة والأوبة.. وجدتها في الاستغفار من الحوبة..



وجدتها في دموع الأسحار.. وجدتها فيمصاحبة الصالحين الأبرار.. وجدتها في بكاء
التائبين.. وجدتها في أنينالمذنبين.. وجدتها في استغفار العاصين.. وجدتها في تسبيح



المستغفرين.. وجدتها في الخشوع والركوع.. وجدتها في الانكسار لله والخضوع.. وجدتها

فيالبكاء من خشية الله والدموع.. وجدتها في الصيام والقيام.. وجدتها في امتثال شرع

الملك العلام.. وجدتها في تلاوة القرآن.. وجدتها في هجر المسلسلاتو الألحان..

أختاه: لقد بحثت عن الحب الحقيقي الصادق.. فوجدت أن الناس إذا أحبوا أخذوا.. وإذا

منحوا طلبوا.. وإذا أعطوا سلبوا.. ولكن الله تعالى إذا أحب عبده أعطاه بغير حساب.. وإذا

أطيع جازىوأثاب..

أيتها الغالية: إن الناس لا يمكن أن يمنحونا ما نبحث عنه منصدق وأمان.. وما نطلبه من

رقة وحنان.. ونتعطش إليه من دفء وسلوان.. لأن كلام نهم مشغول بنفسه مهتم بذاته..

ثم إن أكثرهم محروم من هذه المشاعر السامية والعواطف النبيلة.. ولا يعرف معناها

فضلا عن أن يتذوق طعمها.. ومن كان هذاحاله فهو عاجز عن منحها للآخرين.. لأن فاقد

الشيء لا يعطيه كما هومعروف..

أختاه: لن تجدي أحدا يمنحك ما تبحثين عنه.. إلا ربك ومولاك.. فإن الناس يغلقون

أبوابهم.. وبابه سبحانه مفتوح للسائلين.. وهو باسط يدهبالليل والنهار.. ينادي عباده:
تعالوا إلي؟ هلموا إلى طاعتي.. لأقضيحاجتكم.. وأمنحكم الأمان والراحة والحنان.. كما

قال تعالى: { وإذا سألكعبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا

لي وليؤمنوا بيلعلهم يرشدون }
أختاه: إن السعادة الحقيقية.. لا تكون إلا بالحياة معالله.. والعيش في كنفه سبحانه
وتعالى.. لأن في النفس البشرية عامة ظمأوعطشا داخليا.. لا يرويه عطف الوالدين.. ولا

يسده حنان الإخوة والأقارب.. ولا يشبعه حب الأزواج وغرامهم وعواطفهم الرقيقة.. ولا

تملؤه مودة الزميلاتوالصديقات.. فكل ما تقدم يروي بعض الظمأ.. ويسقي بعض

العطش.. لأن كل إنسانمشغول بظمأ نفسه.. فهو بالتالي أعجز عن أن يحقق الري



الكامل لغيره.. ولكنالري الكامل والشبع التام لا يكون إلا باللجوء إلى الله تعالى..

والعيش فيظل طاعته.. والحياة تحت أوامره.. والسير في طريق هدايته ونوره.. فحينها

تشعرين بالسعادة التامة.. وتتذوقين معنى الحب الحقيقي.. وتحسين بمذاق اللذة

الصافية.. الخالية من المنغصات والمكدرات.. فهلا جربتِ هذا الطريق ولو مرةواحدة..

وحينها ستشعرين بالفرق العظيم.. وسترين النتيجةبنفسك..

فأجابت الفتاة ودموع التوبة تنهمر من عينيها: نعم.. هذا واللههو الطريق!! وهذا هو ما
كنت أبحث عنه.. وكم تمنيت أنني سمعت هذا الكلام.. منذ سنين بعيدة.. ليوقظني من
غفلتي.. وينتشلني من تيهي وحيرتي.. ويلهمنيطريق الصواب والرشد..

فبادرها ( محمد ) قائلا : إذن فلنبدأ الطريق منهذه اللحظة.. وها هو الفجر ظهر وبزغ..

وها هي خيوط الفجر المتألقة تتسربإلى الكون قليلا قليلا.. وها هي أصوات المؤذنين



تتعالى في كل مكان.. تهتفبالقلوب الحائرة والنفوس التائهة.. أن تعود إلى ربها ومولاها..

وها هينسمات الفجر الدافئة الرقيقة تناديك أن عودي إلى ربك.. عودي إلى مولاك..

فأسرعي وابدئي صفحة جديدة من عمرك.. وليكن هذا الفجر هو يوم ميلادكالجديد..



وليكن أول ما تبدئين به حياتك الجديدة ركعتين تقفين بهما بين يديالله تعالى.. وتسكبين

فيها العبرات.. وتطلقين فيها الزفرات والآهات.. علىالمعاصي والذنوب السالفات..

وأرجو أن تهاتفيني بعد أسبوعين من الآن.. لنرى هل وجدت طعم السعادة الحقيقية أم



لا؟

ثم أغلق ( محمد ) السماعة.. وأنهى المكالمة..




بعد أسبوعين.. وفي الموعد المحدد.. اتصلتالفتاة بـ( محمد ).. ونبرات صوتها تطفح

بالبشر والسرور.. وحروف كلماتهاتكاد تقفز فرحا وحبورا.. ثم بادرت قائلة: وأخيرا.. وجدت

طعم السعادةالحقيقية.. وأخيرا وصلت إلى شاطئ الأمان الذي أبحرت بحثا عنه.. وأخيرا



شعرتبمعنى الراحة والهدوء النفسي.. وأخيرا شربت من ماء السكينة والطمأنينة

القلبية الذي كنت أتعطش إليه.. وأخيرا غسلت روحي بماء الدموع العذبالزلال.. فغدت

نفسي محلقة في الملكوت الأعلى.. وأخيرا داويت قلبي الجريح.. ببلسم التوبة الصادقة



فكان الشفاء على الفور.. لقد أيقنت فعلا أنه لا سعادةإلا في طاعة الله وامتثال أوامره..



وما عدا ذلك فهو سراب خادع.. ووهم زائف.. سرعان ما ينكشف ويزول.

وإني أطلب منك يا شيخ طلبا بسيطا.. وهو أنتنشر قصتي هذه كاملة.. فكثير من

الفتيات تائهات حائرات مثلي.. ولعل الله أن يهديهن بها طريق الرشاد..

فقال لها الشيخ ( محمد ) عسى أن تري ذلك قريباً


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


مشكووورة يا حلوة على الطرح الرائع


__________________________________________________ __________

جزاك الله خيرا قصه في قمه الروعه
ننتظر جديدك الهادف
ودمتي بحفظ الله
استغفر الله واتوب اليه


__________________________________________________ __________

بوركتم أخياتي


__________________________________________________ __________

سلمت لنقلك هذة القصة رائعة؛؛؛؛؛؛؛؛ومحمد العريفي شيخ غني عن التعريف وجزااة اللة كل خير


__________________________________________________ __________

لا حولا ولا قوة الا باالله