عنوان الموضوع : مقام الشيخ بركات قصة حقيقية
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

مقام الشيخ بركات






مقام الشيخ بركات ..
قصة قرأتها للشيخ محمد العريفى فى كتاب اركب معنا انقلها لكم يقول الشيخ محمد العريفي:


انظر كيف تلاعب الشيطان بعقول الناس .. حتى صرفهم عن عبادة رب الأرض والسموات .. إلى تعظيم الأموات .. بل تعظيم التراب والرفات ..

وقد تبدأ المسألة أحياناً بإشاعةٍ عن قبر من القبور .. وأنه لزائره نافع .. ولداعيه شافع ..

حتى تنتشر قصص الكرامات بين الناس .. فتتحول إلى حقيقة .. ثم تبدأ صور الشرك تظهر عنده .. من طواف عليه .. ودعاء له من دون الله .. كما يقع عند أكثر ما

تقدم من قبور .. سواء كانت نسبة القبر إلى صاحبه صحيحة او مختلقة ..

وهذا يذكرني بما حكاه أحدهم عن قصة ضريح الشيخ بركات ..

وهذه القصة وقعت بين شابين هما عادل وسعيد .. تخرجا من الجامعة .. ثم توظفا مدرِّسين في قرية ينتشر فيها تعظيم القبور .. والاغترار بالنذور ..

فقد كان عادل يتبادل الحديث مع سعيد وهما في طريقهما إلى المدرسة في القرية .. وفجأة صعد الحافلة متسول نصف معتوه.. كبير في السن يهتز ويتأرجح..

ويمسح لعابه بكمه المتهدل المتسخ.. يستجدي الركاب ويتهدد ويتوعد.. يهددهم بأنه سيدعو عليهم بأن تنقلب الحافلة بهم في عرض الطريق .. ويدعي أنه مستجاب

الدعوة ..

ويبدو أن سعيداً قد نشأ في أسرة .. متأثرة كثيراً بالكرامات والأولياء .. والأبدال والأوتاد!

حيث فزع واضطرب .. ثم طلب من عادل أن يبادر إلى إعطائه بعض الدراهم خشية أن تنقلب الحافلة فعلاً .. لأن المتسول المذكور (عبد الكريم أبو شطة ) من

الدراويش المباركين المستجابي الدعوة ..

فتعجب عادل وقال : نعم .. أهل السنة والجماعة يؤمنون بالكرامات .. ولكن هي للصالحين الأتقياء .. العاملين الأخفياء .. وليست لأمثال هذا من المجاديب .. الذين

يتأكلون بدينهم ..

فصاح به سعيد : لا تقل ذلك .. فإن الأحاديث عن الخوارق التي جرت على يديه يتناقلها الصغير والكبير.. وسترى بعد قليل أنه سينزل ونمضي نحن في الحافلة..

ويسبقنا إلى القرية التالية ماشياً.. حيث سينتظرنا هناك.. نعم .. كرامة .. هل تنكر الكرامات؟

عادل : أنا لا أنكر الكرامات بشكل مطلق .. فالله قادر أن يكرم من شاء من عباده.. لكن أن تصبح الكرامات طعامنا وشرابنا وتدخلنا في باب إشراك هؤلاء العبيد

والأموات مع الله سبحانه وتعالى في الخلق والأمر والتصرف في الكون .. حتى نصبح نخافهم ونتقي غضبهم .. فلا ..

سعيد : يعني أنت لا تصدق أن الشيخ أحمد أبو سـرود قـد جـاء من عرفات إلى استانبول وأكل الكبة المشوية عند أهله وعاد ليلاً إلى عرفات ؟

عادل : يا سعيد .. بارك الله في عقلك أهذا الذي تعلمته في الجامعة ؟

سعيد : بدأنا بأسلوب السخرية!

عادل : أنا لا أسخر منك.. ولكن أن يكون كلام العوام وخرافاتهم كلاماً منزلاً محكماً لا يقبل النقد .. فلا ..

سعيد : ولكن هذه الكرامات لا ينقلها العوام فقط.. بل إن ساداتنا المشايخ ينقلون كثيراً منها عن أصحاب المقامات والأضرحة.

عادل : طيب يا سعيد ما رأيك لو برهنت لك برهاناً عملياً أن كل هذه المقامات والأضرحة خلط ودجل ؟ وأن كثيراً من هذه الأضرحة لا حقيقة لها .. فلا قبر .. ولا

مقبور .. ولا وليَّ .. وإنما إشاعات ودجل انتشر عند الناس حتى صدقوه ..

فانتفض سعيد وأخذ يردد : أعوذ بالله! أعوذ بالله!

ثم سكتا قليلاً .. وسارت الحافلة حتى وصلت بهم إلى الدوار الموصل إلى قريتهم .. فالتفت عادل إلى سعيد .. وقال : هل يوجد على هذا الدوار قبر أو مقام أو ضريح

لأحد الأولياء يا سعيد ؟

سعيد : لا .. وهل يعقل أن يدفن ولي في عرض الطريق .. وفي دوار ..

عادل : إذاً ما رأيك لو أشعنا في القرية أن على هذا الدوار قبراً قديماً لأحد الصالحين قد اندرس وضاعت معالمه ؟ وألفنا قصصاً في كراماته .. واستجابة الدعاء

عنده .. وننظر هل سيصدق الناس أم لا ..

وأنا متأكد أن الناس ستحمل هذه الإشاعة محمل الجد .. وربما يقيمون في العام القادم مقاماً أو ضريحاً كبيراً للشيخ المزعوم ! ويدعونه من دون الله .. وهو تراب

على تراب .. لو حفروا حتى يصلوا الأرض السفلى لما وجدوا شيئاً ..

سعيد : دعك من هذا يا رجل .. وهل تظن الناس أغبياء .. سفهاء إلى هذا الحد ؟

عادل : طيب.. أنت ماذا تخسر إذا تعاونت معي ؟ ووافقتني .. أم أنت خائف من النتيجة ..

سعيد : لا لست خائفاً.. ولكن ! أنا غير مقتنع ..

عادل : حسناً .. بما أنك نصف موافق فما رأيك أن نطلق على الشيخ المزعوم اسم: الشيخ بركات ؟

سعيد : طيب..كما تشاء ..

واتفق عادل وسعيد على إشاعة الأمر بأسلوب هادئ بين زملائهم المدرسين في المدرسة .. وعند الحلاقين - باعتبار أن دكان الحلاق من أهم وسائل الإعلان - ..

فلما وصلا القرية .. نزلا من الحافلة وتوجها إلى دكان الحلاق سليم .. فدخلا وحدثا الحلاق عن الأولياء .. وأن أحد الأولياء الصالحين مدفون منذ سنين .. وله مكانة

عند الله .. وأن المستغيثين به قليل ..

فسألهم الحلاق عن مكان قبره .. فأخبراه أنه عند الدوار الذي في مدخل القرية ..

فقال الحلاق : الحمد لله الذي أكرمنا بولي في قريتنا .. كنت أتمنى هذا مند زمن .. هل من المعقول أن القرى المجاورة " الجديدة " و " أم الكوسا " عندهم عشرات

الصالحين .. ونحن لا يوجد عندنا ولا مقام واحد ؟

قال عادل : الشيخ بركات يا حاج سليم كان من كبار الصالحين وكانت له مكانته عند الباب العالي ..

فصاح الحلاق : إذاً أنت تعرف كل هذه المعلومات عن الشيخ بركات قدس الله سره وتسكت !!

ثم انتشر الخبر في القرية انتشار النار في الهشيم ..

وبدأ الناس من كثرة حديثهم عنه .. يرونه في المنام..

وأخذوا يتحدثون في مجالسهم عن طوله الفارع.. وعمامته الضخمة .. وكراماته التي لا تحصى.. وكيف أن المئذنة كانت تنزل إليه إذا دخل وقت الأذان .. و.. و ..

وبدأ الحديث في المدرسة بين أخذ ورد بين الأساتذة جميعاً ..

فلما زاد الأمر عن حده .. لم يطق الأستاذ سعيد صبراً .. فصاح بهم ..

أيها العقلاء .. دعوكم من هذه الخرافات يا ناس ..

فقالوا بصوت واحد : خرافات .. تعنى أن الشيخ بركات غير موجود ؟

سعيد : طبعاً غير موجود .. وليس لقبره حقيقة .. وهذه مجرد إشاعة .. والدوار تراب فوق تراب .. لا شيخ ولا ولي ولا مقام ..

فانتفض المدرسون : ما الذي تقوله يا رجل ؟ وكيف تجرؤ أن تقول هذا عن الشيخ بركات ؟

الشيخ بركات هو الذي انفجر الينبوع الغربي في القرية على يديه .. وهو الذي ..

اضطرب سعيد من كثرة صياحهم .. لكنه قال : لا تعطوا عقولكم لغيركم .. أنتم عقلاء ومتعلمون .. وليس كلما حدثكم أحد عن قبر أو ضريح .. أو تلاعب الشيطان

بعقولكم في النوم صدقتموه ..

عندها .. دخل مدير المدرسة في النقاش فقال : ولكن صفات الشيخ موجودة وأكيدة ..

ألم تقرأ ما كتبت عنه الجريدة البارحة ؟

فعجب سعيد .. وسأله : حتى الجريدة !! وماذا كتبت؟

قال المدير : تحت عنوان " اكتشاف مقام الشيخ بركات "

كتبت تقول :

ولد الشيخ بركات - قدس الله سره - عام 1100هـ وهو من سلالة سيدنا خالد بن الوليد.. وقد درس على عدد كبير من العلماء منهم فلان وفلان.. ولقد اشترك مع

الجيش التركي في إحدى معاركه مع الصليبيين ..

ولما اشتد القتال مع الصليبيين .. استبد به الحماس فنفخ عليهم من فمه .. فآثار رياحاً وزوبعة ضخمة .. رفعت جيش الصليبيين مسافة مائة متر في الهواء ..

وسقطوا جميعاً مضرجين بدمائهم..

قال سعيد : ما شاء الله !! ومن أين جاء الصحفي بهذه المعلومات الدقيقة عن الشيخ بركات ؟!!!

قال المدير : هذه حقائق .. أتظنه جاء بها من بيت أبيه ؟!!.. هذا تاريخ ..

قال سعيد : ولكن هذه دعوى وتحتاج إلى دليل.. فالبينة على من ادعى.. وعلي وعليك التثبت من صحة أي دعوى .. وإلا ادعى كل واحد منا ما يحلو له .. قبور ..

أولياء .. كرامات ..

ثم صاح بهم سعيد .. يا جماعة .. بصراحة : مقام الشيخ بركات .. قضية مختلقة .. وإشاعة ملفقة .. اخترعتها أنا والأستاذ عادل .. لنثبت بها غوغائية الناس

وجهلهم .. وعدم تثبتهم .. وهذا الأستاذ عادل أمامكم فاسألوه إن شئتم ..

فالتفتوا إلى عادل وقالوا : الأستاذ عادل رجل يحب الجدل مثلك .. وكل قضية يطلب عليها دليل.. وهو حاقد على الأولياء والصالحين ..

ومهما ادعيت أنت وعادل .. فنحن مؤمنون بأن الشيخ بركات - قدس الله سره - موجود من زمن الأجداد .. والدنيا لا تخلو من الأولياء والصالحين ومقاماتهم .. نعوذ

بالله من الضلال !!

فسكت عادل وسعيد .. وقرع الجرس وانصرف الأساتذة إلى الدروس..

وسار الأستاذ سعيد مذهولاً مما رأى يحدث نفسه : الشيخ بركات .. كرامات .. معقول ؟ غير معقول!..

أيمكن أن يكون كل هؤلاء مخطئين !! ؟ والجريدة كاذبة ؟

غريب ! والمشايخ بالأمـس اجتمعوا في الـدوار وأقـاموا الحضـرة والاحتفال للشيخ بركات ؟

لكن الشيخ بركات اخترعه الأستاذ عادل !! أيمكن أن يكون الخرف أصابهم جميعاً؟ غير ممكن !! غير ممكن !!

وبدأت تتسرب إلى ذهن سعيد فكرة جديدة .. ربما أن الشيخ بركات موجود فعلاً .. وربما أن الأستاذ عادل يعلم ذلك مسبقاً .. لكنه أوهمه أنه هو الذي اخترع وجود

الشيخ بركات ..

فكر الأستاذ سعيد في ذلك .. لكنه استعاذ من الشيطان ليبعد هذه الفكرة من عقله .. لكنه لم يفلح ..

وفي اليوم التالي .. استمر النقاش في المدرسة على هذا المنوال .. وكان العام الدراسي في أواخره .. وانتهت المناقشات بذهاب كل أستاذ إلى بلده عندما حانت

العطلة الصيفية ..

* * * * * * * * *

وفي العام التالي ركب الأستاذ عادل والأستاذ سعيد الحافلة ذاهبين إلى المدرسـة في القرية ..

وكان الأستاذ عادل قد نسي الموضوع تماماً .. مع أنه هو الذي اخترع القضية وأشاعها ..

لكنه انتبه إلى الأستاذ سعيد وهو يتمتم بلسانه بأذكار وأدعية عندما اقتربوا من دوار القرية ..

وكم كانت دهشتهم كبيرة عندما وصلوا إلى الدوار .. فوجدوا بناءاً جميلاً لمقام الشيخ بركات ينتصب شامخاً على الدوار .. وبجانبه مسجد كبير فخم على الطراز

المعماري التركي ..

ابتسم الأستاذ عادل وعلم أن الناس مساكين سفهاء .. وأن الشيطان قد أفلح في نشر الشرك بينهم ..

فالتفت إلى الأستاذ سعيد .. ليشاركه التبسم ..

لكنه فوجئ أن الأستاذ سعيد كان غائباً في أدعيته .. بل صاح سعيد بالسائق .. طالباً منه أن يتوقف قليلاً .. ثم رفع يديه وقرأ الفاتحة على روح الشيخ بركات ..



( بتصرف من مقال في مجلة البيان العدد : ، للأستاذ : علي محمد ) .


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================



__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________