عنوان الموضوع : الإعجاز الهندسي في القرآن - الشريعة الاسلامية
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
الإعجاز الهندسي في القرآن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(1).
تأتي الآية استطرادًا للحديث عن مسجد الضرار الذي أسسه المنافقون في المدينة بغرض إيقاع التفريق بين المؤمنين وتحقيق الضرر والفتنة ، والبناء الذي أسس وإن كان مسجدا ًـ كغيره من المساجد ـ إلا أن أساس بنائه والغرض والنية من إقامته لا يخفى منها خبث المقصد وسوء النية.
وقد جمعت الآية في تصوير فني رائع بين المعقول والمحسوس، وشبهت المعنوي المفهوم بالمادي الملموس ، فمن أسس بناءه بغرض ونية النفاق والكفر ، كمن وضع أساس مبناه على شفا جرف هار ، والنتيجة هي الإنهيار المفاجئ والسريع للجرف والمبنى معا.
وفي الآية إشارات هندسية إلى أساسات المباني وطبيعة البناء التي تحكم درجة صمود البنيان ومتانته أو تؤدي إلى إنهياره ، وتضمنت عدة إشارات تمس جانبا ًمن علم ميكانيكا التربة والأساسات ، في الهندسة المدنية والإنشائية ، وبينت الآية وجها ً من أوجه الإعجاز الهندسي في القرآن الكريم يمكن استنباطه من المفاهيم والإشارات الهندسية التالية التي وردت في نص الآية:
الإستنباط الأول (2) :
تناولت الآية عدة عوامل ذات تأثير فعال ومباشر في تأسيس أساسات المنشآت؛ فلفظة (أساس) معناها في اللغة أصل كل شيء، وأساس البناء مبتدؤه(3). وفي الهندسة : التأسيس والأساس هو العنصر الإنشائي الذي يستخدم لنقل الأحمال المؤثرة من البنيان إلى التربة أو الأرض.
وعند ذكر التأسيس والأساس: (.. أَسَّسَ بُنْيَانَهُ..) لابد أن تكون هناك أحمال ناشئة من البنيان تستلزم إنشاء أساسات لها ، وتستلزم اختيار نوع مادة الأساسات طبقًا لذلك. فعامل الأحمال المؤثر مأخوذ في الاعتبار أيضا.
ولفظة (عَلَى) في قوله: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) لها معنيان هندسيان.
أحدهما يفيد أن نوع الأساس المختار هو الأساسات السطحية Shallow Foundation وليس الأساسات العميقة deep Foundation لأنه لو كانت الأساسات عميقة لكان التعبير المناسب هو (في شفا) وليس (عَلَى شَفَا) فعامل نوع التأسيس ملحوظ ومأخوذ في الاعتبار.
وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية الكريمة حيث يكون الإنهيار مؤكدًا عندما يكون الأساس سطحيٌّا وليس عميقًا.
وثانيهما أنها تفيد بعمق التأسيس ، فلفظة (عَلَى) أفادت أن الأساس على السطح أي أن عمق التأسيس يساوي الصفر.
فلو أن الأساس على عمق من سطح الأرض لكان التعبير المناسب مثلا ًهو (بداخل شفا) فعامل عمق التأسيس مأخوذ في الاعتبار.
وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية حيث يكون الانهيار مؤكدا حين يكون الأساس سطحيا وعلى سطح الأرض مباشرة، لأنه إذا كان الأساس سطحيا، وكان على عمق من سطح الأرض ربما لا يحدث انهيار.
ولفظة (شَفَا) معناها في اللغة حافة (4) ، وفي الهندسة لها مدلول يفيد بأنها المنطقة التي تبدأ من حافة الجرف وحتى نقطة بدء التصدع في الجرف والتي يحدث عندها شكل الإنهيار نتيجة ميل طبقة الجرف ، فعامل بُعد التأسيس عن حافة الجرف مأخوذ في الاعتبار.
وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية الكريمة ؛ فحتى يكون الإنهيار مؤكدًا لابد أن يكون التأسيس داخل منطقة الشفا، لأنه لو بعد عنها قد لا يحدث انهيار.
ولفظة (جُرُفٍ) في اللغة تعني (بئر) أو (حفرة)(5)، وفي الهندسة: الفجوة من الأرض قد تنشأ بفعل السيول، وبالتالي لابد أن نأخذ في الاعتبار تأثير المياه على الأساسات، وعلى تربة التأسيس.
وقد تنشأ هذه الفجوة بفعل عوامل التعرية ، فلابد أن نأخذ في الإعتبار شكل جوانب الجرف ودرجة ميلها أي زاوية ميل الجرف ، وتأثير الإجهادات على حوافها ، وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية ؛ لأنه كي يكون الإنهيار مؤكدًا لابد أن يكون للجرف حافة وأن يكون التأسيس عليها.
ولفظ (هَارٍ) في اللغة قد تأتي بمعنى مشرف على السقوط (6) ، وفي الهندسة تأتي بمعنى التربة القابلة للانهيار، فعامل نوع تربة التأسيس مأخوذ في الاعتبار.
وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية ، فحتى يكون الإنهيار مؤكدًا لابد أن تكون التربة ضعيفة وغير قابلة للتأسيس عليها.
لقد تضمنت هذه الآية الكريمة الإشارة إلى ثمانية عوامل ، تمثل معايير أساسية في تأسيس الأساسات وهي :
1 ـ نوع الأحمال المؤثرة.
2 ـ نوع مادة الأساسات.
3 ـ نوع التأسيس (سطحي/ عميق).
4 ـ عمق التأسيس عن سطح الأرض.
5 ـ بُعد التأسيس عن الحافة.
6 ـ تأثير المياه على تربة التأسيس، وعلى الأساسات نفسها.
7 ـ زاوية ميل التربة.
8 ـ نوع تربة التأسيس.
ومن هذه المعايير يمكننا إثارة نقاط بحثية ودراسية جديدة تتعلق بالآية الكريمة، أو تأكيد ما هو معروف من مفاهيم.
يتبـــــــــــــع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
الإستنباط الثاني (7) :
ثمة إشارة هندسية في قوله تعالى (فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ) ؛ فذكر (بِهِ) في الآية أعطى مدلولا ًواضحا ًومحددًا لشكل وهيئة الإنهيار ، حيث إن الجرف انهار به البنيان ، فالإنهيار هنا ناشئ عن خلل في منطقة الجرف وليس في البنيان ذاته ، وفي ذلك تعبير قرآني بليغ .
فالحق لم يقل (فانهار في نار جهنم) لأن المعنى في ذلك يحتمل التساؤل:أيهما الذي انهار ؟ الجرف أم البنيان ؟ فالفعل (انهار) يحتاج إلى فاعل مفرد مذكر ، وكل من الجرف والبنيان مفرد مذكر.
ويرد إلى الخاطر هذا التساؤل: هل يمكن للجرف أن ينهار دون البنيان؟ أو ينهار البنيان دون الجرف ؟
هندسيٌّا : يمكن للجرف أن ينهار دون أن يلحق الضرر بالمبنى إذا أخذت الاحتياطات اللازمة عند اختيار وتصميم وتنفيذ نوع الأساسات المناسبة للمبنى ولتربة التأسيس ، وأيضا ًيمكن للمبنى أن ينهار دون أن ينهار الجرف .
وتوجد مفاهيم هندسية عديدة يمكن أن تثارحول هذين الإحتمالين ، ومنها ما يمكن أن يكون نقاط بحث وتطوير وابتكار ، ولكن معنى المثل في الآية أن البنيان الذي أسس بنيّة تقوى الله هو مسجد قباء والصلاة فيه جائزة، بينما الذي أسس بنيّة التفريق بين المؤمنين هو مسجد الضرار ولا صلاة فيه ، فكل من المبنيين مسجد ، ولكن الفرق يكمن في النية من تأسيس كل منهما ؛ فيظل مبنى مسجد قباء مسجدا ً، بينما مبنى مسجد الضرار يحرم استخدامه كمسجد لقوله تعالى: (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا) (8) فهو لم يعد يفي بالغرض الرئيسي من بناء المساجد ، وهو إقامة الصلاة.
المبنيان موجودان ، لكن انهار الغرض من استخدام أحدهما كمسجد.
وبناء على ذلك ففي قوله : (فَانْهَارَ بِهِ) دقة في التعبير القرآني تجعل المفهوم الهندسي واضحا ًومحددا ً، نحو شكل الانهيار الحادث ، فهو جاء نتيجة لإنهيار الجرف وما عليه من بنيان ، بينما (فَانْهَارَ) فقط ، لا تحدد هذا المفهوم الهندسي. ولم يقل الحق (فانهار في نار جهنم) لأن المعنى هنا وإن كان سيشير للإنهيار ، إلا أنه لا يحدد السبب الرئيسي المؤدي للانهيار ؟ هل هو من الجرف أو من البنيان أو من كليهما ؟ وكذلك لا يبين أيهما الذي انهار، هل هو الجرف فقط ؟ أم الجرف بما عليه من بنيان ؟ أم البنيان فقط ، وإذا كانا انهارا هما الاثنان فهو لا يبين أيضًا أيهما الذي انهار أولاً.
هندسيٌّا : يجوز أن يكون الإنهيار بسبب أي من هذه الاحتمالات، ولكن المراد من التشبيه هو توضيح الفرق بين من أسس بنيانه بنية التقوى من الله ورضوانه ، ومن أسس بنيانه بنية النفاق والكفر ، فمفهوم البنيان ثابت في الحالتين ، ولكن الإختلاف في التأسيس ، وبناء على ذلك ، ففي قوله تعالى: (فَانْهَارَ بِهِ) دقة بليغة في التعبير وتجسيد كامل للمفهوم الهندسي بأن الانهيار يحدث بسبب الجرف الذي يتم عليه التأسيس ، وتبعا لذلك ينهار المبنى المؤسس عليه ، بينما (فانهار في نار جهنم) لا تجسد هذا المفهوم الهندسي.
الإستنباط الثالث (9) :
من قوله تعالى: (شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ).
يمكن استنباط إشارة هندسية تمس تأثير شكل المرتفعات ونوع التربة في سقوط الأجسام ، فالآية الكريمة وضحت ثلاثة عوامل مؤثرة في تحديد أقصى سرعة لسقوط الجسم ، وبالتالي أكبر كمية حركة وهي ما يعرف بقوة الإنهيار.
فالعامل الأول درجة الميل : فكلما كان الميل شديدًا كانت سرعة الجسم كبيرة ، وأقصى سرعة نصل إليها حين يكون الميل رأسيًا ـ أي يصنع خط الميل 90 درجة مع المستوى الأفقي ـ وبالتالي فإن قوة الإنهيار تكون أقصى ما يمكن واللفظة (جُرُفٍ) توحي بهذا المفهوم الهندسي ، فهي في اللغة تأتي بمعنى بئر أو حفرة ، وفي علم المساحة الطبوغرافية قد تأتي بمعنى مرتفع أو منخفض .
حيث إن خطوط الكونتور تعبّر عن خط وهمي يمر بجميع النقاط ذات المنسوب الواحد ، وهي تتباعد في الإنحدارات الخفيفة ، وتتقارب في الإنحدارات الشديدة وتصل إلى درجة التماس وتنطبق على بعضها بعضا ً لتكوّن خطٌّا واحدا ًعندما يكون الميل 90 درجة ، وهي تحدث عندما يكون المرتفع أو المنخفض رأسيًا تماما.
فإذا سقط الجسم من فوق الجرف فإن تحركه يكون في اتجاه الجاذبية الأرضية ، وتحت تأثير وزنه ، لعدم وجود قوى خارجية مؤثرة على سقوطه.
ومع عدم وجود قوى مقاومة ممثلة في الاحتكاك في جسم الجرف لأن حافة الجرف رأسية ، فإن الجسم المنهار سيتحرك بعجلة تساوي عجلة الجاذبية الأرضية ، وطالما أن الجسم يتحرك تحت تأثير وزنه وبعجلة تساوي عجلة الجاذبية الأرضية ، فإنه يصل لأقصى سرعة له.
وحيث إن كمية الحركة تتناسب طرديٌّا مع مربع السرعة ، فإن سقوط وانهيار الجسم (كمية الحركة) تصل لأكبر قيمة لها عندما تكون السرعة أقصى ما يمكن ، وهو ما يحدث عندما يسقط الجسم من على الجرف.
وهذا التحليل الهندسي مطابق للمعنى الذي قصدته الآية الكريمة لتصوير سرعة وقوة انهيار المنافقين في نار جهنم ، لأنهم اتخذوا مسجد الضرار كفرا ًوتفريقا ًبين المؤمنين ، والفاء في قوله: (فَانْهَارَ) تدل على هذه السرعة ، كما دل عليها التحليل الهندسي(10).
والعامل الثاني نوع التربة : فكلما كانت التربة التي يتكون منها الجرف (المرتفع) غير متماسكة ، زادت سرعة وكمية حركة الجسم وازدادت قوة الانهيار.
واللفظة (هَارٍ) توحي بهذا المفهوم الهندسي.
فمعناها في اللغة : مشرف على السقوط ولكنه لم يسقط .
ومعامل تماسك التربة يؤثر تأثيرا مباشرا على قيمة إجهادات التربة، والتربة غير الصالحة للتأسيس لا تتحمل أي إجهاد وأحمال عليها ؛ فعند وضع جسم عليها , تهبط فجأة وتنهار، فيسقط الجسم .
فلفظ (هَارٍ) أعطت وضوحا لحالة التربة ، وهو عنصر أساس للمعنى ، لأن الجسم قد يستقر على حافة الجرف إذا كانت تربة الجرف متماسكة كالتربة الصخرية مثلاً .
وهكذا فإن المدلول الهندسي للفظة (جُرُفٍ) ولفظة (هَارٍ) يثبت أن الجسم يسقط بأقصى سرعة ممكنة ، وبأقصى كمية حركة ، وفي ذلك دلالة على قوة السقوط والانهيار.
يتبـــــــــــع
__________________________________________________ __________
والعامل الثالث مكان تحميل الجسم : فكلما كان الجسم قريبا ًمن حافة الجرف ازدادت السرعة وكبرت كمية الحركة لعدم تغيير زاوية الميل أثناء الانهيار.
ولفظة (شَفَا) توحي بهذا المفهوم الهندسي.
فهي في اللغة تأتي بمعنى حافة ـ كما ذكرنا من قبل ـ فلو وضع جسم بعيدا عن الحافة ، قد لا يحدث انهيار للجرف ، وإذا حدث انهيار له ، فإن خط ميل تأثير الجسم لن يتطابق مع خط ميل الجرف، وبالتالي تقل سرعة وقوة سقوط الجسم عن الحالة التي صوّرتها الآية.
وهكذا تتكامل الألفاظ الثلاثة في قوله تعالى.. (شَفَا جُرُفٍ هَار) لتجسيد المعنى وتصويره تصويرًا فنيًا بشكل ملموس في الواقع.
والمفاهيم الهندسية المستوحاة من نص هذه الآية الكريمة أكسبت المشهد حركة وحيوية ، فساعد الحس الهندسي على حضور الصورة ورسوخها في الذهن.
ومن هذا المفهوم الهندسي للآية يمكننا إثارة مفاهيم بحثية ودراسية ، تمس الجانب التطبيقي في ميكانيكا التربة والأساسات ، وهي تحديد وحساب قوى الانهيار في المنشآت ، وتأثيرها على المنشآت المجاورة ، والمفاهيم الهندسية الواجب وضعها في الاعتبار لتلافي حدوث هذه الانهيارات ؟
الإستنباط الرابع (11) :
المعنى الهندسي لـ (شَفَا جُرُفٍ) يفيد بأنها الجانب من التربة المتآكل نتيجة السيول وليس لها ساند قوي ، وعند قدوم السيل يجرف من الأودية التربة الرقيقة جدٌّا ليتجمع على طرفه فيصبح طينًا واهيًا.
ومن هذه المفاهيم يمكن إثارة نقاط بحثية ودراسية ، حول أسباب عدم التأسيس على الحواف المنهارة ، وكذلك على التربة التي تكونت نتيجة السيول.
خاتمة :
هذه أربعة آراء ومفاهيم مختلفة مستنبطة من نص الآية القرآنية ، ويمكن إضافة مفاهيم جديدة ، وأبعاد هندسية وغير هندسية لنص الآية نفسها ، والآية تحتمل كل هذه المعاني ، ففيها إشارات يتعايش معها مهندسو الأساسات في تجاربهم ودراساتهم وتصميماتهم.
دمتم في رعاية الله
__________________________________________________ __________
يعطيگ ربي ألف عافيـة ع المجهـود
لگِ أعذب عبارات الشگر و الثنـاء لموضوعگ الرائـع
لا حرمنـا جديدگ المتميـز ، گونـِي گما عهدتگ دومـاً
أگاليـل الورد الجـوري لروحگ يَ رائعتـي ..
غمووضه
__________________________________________________ __________
قواعد اللغة العربية كاملة مع معاني الأسماء في برنامج واحد مجاني
رابط التحميل
datafilehost.com/d/d7cdeeef
__________________________________________________ __________
يسلمووووووووووووووووووو