عنوان الموضوع : قصص القرآن2 سلسلة عمرو خالد (موسي 9) -اسلاميات
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

قصص القرآن2 سلسلة عمرو خالد (موسي 9)



قيمة : إفعل حاجة ليختارك الله
مقدمــة:

الله سبحانه وتعالى يصطفي ويختار، اصطفى الأنبياء من البشر ثم اصطفى أولي العزم مـن الرسل من الأنبياء وهم خمسة:

1) سيدنا موسى

2) وسيدنا محمد

3) وسيدنا إبراهيم

4) وسيدنا عيسى

5) وسيدنا ونوح

ثم اصطفى من أولي العزم من الرسل سيدنا محمد _صلى الله عليـه وسلم_ وجعله خاتم الأنبياء والنبيين، ثم اصطفى له أمته، اصطفانا [... هُوَ اجْتَبَاكُمْ ...] {الحج:78} واصطفى السيدة مريم عليها السلام [إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ] {آل عمران:42} واصطفى سيدنا موسى عليه السلام [وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ....] {طه:13} "[... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ....] {الأعراف:144}. يصطفي من يشاء، لكنه لا يصطفي إلاّ من كان فيه خصلة خير، كمثل الذي يطمح في الحصول على عمل في مكان متميز لا بد أن يكون هناك مميزات في سيرته الذاتية تساعده في الحصول على هذا العمل، فهل ترغب أن يختارك الله في مهمة ما؟ قل لي ما هي مَيزاتك؟ ما هي صفات الخير فيك حتى يختارك لإصلاحٍ، أو لخيرٍ، أو لنصرة مظلوم؟ هل تحب أن يصطفيك الله في ليلة القدر فيغفر لك؟ إن كنت تود ذلك أصلح نقطة خير في قلبك أو قدم شيء لكي يختارك . فسيدنا موسى قــدّم الكثير، سنوات طويلة من عمره في نصرة الضعفاء، اليوم يوم الاختيار، اختيار الله سبحانه لسيدنا موسى للمهمة. وفي سكون ليل ذلك اليوم عند جبل الطور اختار الله عزّ وجل سيدنا موسى، تعالوا لنعيش هذه الأحداث ونستشعر هذه الروحانيات داعين الله عزّ وجل أن يختارنا.

الاختيار والاصطفاء:

سيدنا موسى الآن عائــدٌ ومعه امرأته وأهله في طريقه من مدين إلى مصر، الطريق طويل وسبق أن استغرق منه ثمانية أيام عندما سار به وحده من قبل، وقد اختار ليلة مقمرة لتساعده في هذا الطريق الطويل وكان خبيرًا في الصحراء، حتى وصل إلى حدود مصر واقترب من سيناء، حتى صار على بعد خطوات من جبل الطور، من اللحظات الحاسمة التي ستنقله إلى مقام أولي العزم من الرسـل، إلى كليم الله. وقد كان الطقس جميلًا، وهادئًا، وفجأةً تغير الجو، وبدأت السحب الكثيفة تحجب القمر حتى اختفى القمر تمامًا، وساد ظلام شديد، ورعد وبرق، ورياح شديدة البرودة وأمطار، كل هذا قبل التكليف بثوانٍ. وفجأة لمح سيدنا موسى نارًا قوية وسط هذا الظلام تبعد عنه بضعة أمتار باتجاه الجبل والوادي الذي يقع أمام الجبل، انظر سورة طه [وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى] {طه:9- 10} هذه النار لم يرها غيره، فتحرك باتجاهها، وقد ذهب وهو خائفًا وعاد نبيًا مكلفًا، مشى حتى وصل ودخل الوادي، وهنا لابد من توضيح نقطة وهي أن المنطقة كلها اسمها الطور وليست مقتصرة على الجبل [إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] {النَّازعات:16} وهناك آيات أخرى تذكر أن سيدنا موسى كان على جبل الطور. فكما أن الحرم يشمل الكعبة والمنطقة المحيطة به كذلك هذه المنطقة المقدسة فيها الجبل والـوادي وسيدنا موسى نودي من الوادي، والمكان الذي كانت تخرج منه النار داخل الـوادي .



دخل سيدنا موسى في داخل الوادي مسافةَ بضعةُ أمتار، وقد سار قليلًا حتى وصل، فإذا بمفاجأة أعجب فالجو جميل، والسكون شديد، ولقد اختفت السحب والأمطار، وظهر القمر بعد أن كان مختفيًا، كأن الكـون خاشع للرسالة التي ستلقى على موسى الآن. الحجر، الشجر، الوادي كله في حالة خشوع، لماذا هذا الوادي مقدس؟ لأنه المكان الذي تجلى الله بكلامه لسيدنا موسى، مكان عظيم كلم الله فيه عبد من عباده بدون وحي، أراد الله بذلك أن يبين لنا أن "يا موسى ليس لك سواي"، هناك أمطار وظلام وخوف شديد، وهنا سكون ورحمة. كذلك رمضان.. قبله خوف ورعب وقلب بعيد عن الله، ثم يأتي هذا الشهر الكريم بالهدوء والسكينــة، الرسالة واضحة .. فالقلب لا يُذهب خوفه إلا بذكر الله، والقلب يتشتت ولا يلملم هذا التشتت إلا بذهابه إلى الله، فيستوحش من الدنيا ولا يؤنس هذه الوحشة إلا ذكر الله.



بداية شديدة:

لماذا دائمًا بداية الأنبياء شديدة؟ كانت بداية سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_: "زملوني زملوني" لماذا؟ رسول الله، محمد، خاتم النبيين، موسى، كليم الله، فالأمر عظيم: توحيد، وإصلاح أمة، وتحرير شعوب، وإنقاذٌ للمظلومين، فموسى سوف يعيد الناس إلى عبادة الله، ومحمد سوف يحيي الأرض، فلا بد من أن تكون البداية شديدة [خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ ...] {مريم:12} .



وأنا أقول لكم في رمضان خذوا الكتاب بقوة، ماذا فعلت لكي يختارك الله وأنت تسمع قصة سيدنا موسى؟



وصل سيدنا موسى فرأى أن النار الموقدة تخرج من شجرة خضراء، هذه النار لا تأكـل الشجرة ولا الشجرة تطفيء هذه النار بل على العكس هذه النار تزيد الشجرة الخضراء ضــياءً، فاقترب سيدنا موسى أكثر وأكثر من النار فإذا بها ليست نارًا إنما نور يخرج من هذه الشجــرة، [فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {القصص:30} وإذا به يسمع اسمه يملأ السماء ويملأ الكون. ما أحب أن أذكره هو أن الخروج من الوحشة والظلمة لا يتحقق إلا عند اللجوء إلى الله، وكانت هذه هي الرسالة .



[إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى] {طه:12إلى15}. هل تتخيل حالة سيدنا موسى! يسمع النداء مرة أخرى [يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {القصص:30} هل عرفنا لماذا الكون كان خاشعًا في هذه اللحظة؟ هذا التكريم ليس فقط لسيــدنـا موسى بل لنا نحن البشر أيضًا، نحن مكرمون عند الله، وأن يختار الله تعالى واحد من بني البشر ليكلمه فهذا دليل على أن الإنسان مكرم عند الله ، أتدرون أن الله قال لموسى: "أتدري يا موسى لما اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فقال موسى: لما يارب فقال: إني قلَّبت قلوب عبادي ظاهرًا وباطنًا فلم أجد قلبًا أذل ولا أخلص لي منك يا موسى فرفعتك على عبادي في زمنك" .


اذكروني أذكركم

في هذا الموقف العظيم يقف سيدنا موسى بين يدي الله ويناديه الله باسمه، يا ترى هل نطمع في هذه المنزلة أن ينادي الله علينا بأسمائنا؟ في الجنة إن شاء الله ينادي الله عليك وتدنو منه ويخبرك أنه راض ٍعنك ويسألك هل أنت راض ٍعنه؟ لم يكن سيدنا موسى وحده الذي نادى الله عليه في الدنيا، فلقد نزل سيدنا جبريل عند موت السيدة خديجة وقال: "يا محمد أبلغ خديجة أن الله يقرئها السلام" وأنت عندما تقول لا إله إلا الله يذكرك الله [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ....] {البقرة:152} وفي كل مرة تقول لا إله إلاّ الله يذكرك الله في الملأ الأعلى "أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه".



منزلة عظيمة أن يكون تكليم الله ليس مقصورًا على موسى فأنت كلما تقول الله أكبر تدخل في لقاء مع الله، كما . علمنا نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_: " إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال له الله حمدني عبدي وإذا قال العبد مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي فإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي فإذا قال إهدنا الصراط المستقيم قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل". وعندما كان يسكت عمر بن عبد العزيز في الصلاة عند قراءته قرأته فاتحة الكتاب عند كل آية وسألوه عن ذلك قال: لأستمتع لرد ربي.


تفاصيل اللقـــــاء:

هل عرفنا كم هو عظيم سيدنا موسى عند الله، ولكن لابد وأنه في تلك اللحظة كان في حالة كبيرة من الارتباك والقلق ، فالله سبحانه بدأ معه بثلاثة أمور:

· الأمر الأول: التوحيد [إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي....] {طه:14}

· الأمر الثاني: الصلاة [.... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] {طه:14}

· الأمر الثالث: القيامة [إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ....] {طه:15}



وسنقوم بترتيب هذا اللقاء.. فالبداية كانت تعارف، ثم جاء بعدها التوحيد ثم العبادة. هل رأينا أهمية الصلاة مع سيدنا موسى عليه السلام وفي الإسراء والمعراج مع سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_؟ ويفاجأ سيدنا موسى بقول الله عزّ وجل "[وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى] {طه:17} هذا سؤال فيه مؤانسة من الله لسيدنا موسى في هذا الموقف الرهيب فالله الحنان المنان الذي يحب عبــاده حاوره ليخفف من عظمة هذا الموقف [قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى] {طه:18}.



يقف الآن سيدنا موسى طائع لله فيقول له الله: [قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى] {طه:19} الطاعة دليل حب ودليل ثقة [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} هنا نلاحظ أن العصا في القرآن جاء وصفها في ثلاث أوضاع مختلفة، فمرة وصفها بأنها [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} حية تسعى، ومرة أخرى [فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ] {الشعراء:32} ومرة أخرى [... فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ .......] {القصص:31} وإذا بالله يناديه: [... يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآَمِنِينَ] {القصص:31}. [..خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى] {طه:21} أخذها موسى خائفًا، فعادت إلى حالتها الأولى، وهذه هي أول معجزة، وكان سيدنا موسى في حيرة وعدم فَهمٍ لما يحدث، فكان الله سبحانه يمهد له ما سيطلبه منه بعد ذلك، وإذا بالمعجزة الثانية: [اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ....] {القصص:32} وكان سيدنا موسى أسمر اللون، وهنا جاء أمر الله أن يضع يده في جيبه فتخرج بيضاء كأنها القمر من غير سوء، في حين أنه إذا ما كان هناك شخص أسمر ويوجد بقعة بيضاء في يده أو ذراعه فيكون ذلك نتيجة لمرض مثل البَرَص.



وقد شعر سيدنا موسى بالخوف أكثر بعد هاتين المعجزتين، ولكن الله سبحانه الحنان المنان الكريم يقول له [وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ....] {القصص:32} أي ضع يدك على صدرك فتهدأ.

معجزتا العصا واليد:

لابد وأن هناك سؤال يدور في أذهانكم الآن ألا وهو ما علاقة المعجزتين بفرعون؟ وما الهدف من معجزة العصا؟ فالله سبحانه وتعالى لا يرسل معجزة إلا وأن تكون مناسبة للعصر الذي جاء فيه النبي، فلا يكفي أن يكون معك الحق ولكن لا بد أن تعرض هذا الحق بطريقة مؤثرة ومناسبة لمن حولك، فما علاقة هذه القصة بنا؟ أحيانا كثيرة يكون معنا الحق ولكن نفتقد القدرة في عرضه، فالأشرار يجيدون عرض الحق بشكل مزين لأنه باطل، لكن الأخيار لا يعرفون كيف يعرضون هذا الحق بشكل جذاب عصري مناسب لعصرهم. ففي عصر سيدنا موسى كانوا يشتهرون بالسحر فبعث الله لهم معجزة ربانية تتحدى هذا السحر، ورسالة إلى فرعون لكي يفيق من طغيانه وضلاله ويعلم أن موسى عليه السلام نبي مرسل من الله.



أما العصا ففيها أمر آخر خطير، فكل دولة من الدول عندها رمز تضعه في العلم التابع لها، مثال على ذلك إنجلترا الأسد رمزها وتجده في علم بلادهم، أما فرعون فكان رمزه الثعبان وكان هذا الرمز موجود على قصر رمسيس الثاني، ليس هذا فقط بل إن الثعبان كان أحد الآلهة التي كان يعبدها فرعون، فرمز قوته هو الذي سيلتهمه، سر العصا ليس أنها انقلبت إلى ثعبان لكنها مناسبة لهذا العصر، فهي بذلك وسيلة مشوقة عصرية جذابة، وفيها منتهى التحدي لفرعون، فهي لا بد وأن تهز فرعون؛ فموسى جرى عندما رأى العصا تنقلب إلى حية فكيف بفرعون؟



المعجزة الثانية: اليد، لما ترمز؟ برع الفراعنة في التحنيط، حيث كانوا يعالجون جسد الميت كيميائيًا بطريقة تجعله في شكل مختلف ولمدة طويلة، وكان فرعون ينفق أموال طائلة على التحنيط، وكان علماء التحنيط من أغنى الناس في تلك الأيام، وهنا سيتحدى سيدنا موسى فرعون بآية من الله ليد من جسد حي بدون معالجة كيميائية، ففرعون قَبِلَ التحدي في الآية الأولى آية العصا لكنه تجنب الثانية لأنه لا يقدر عليها فهي تتحدى التحنيط الذي كانوا يقومون به، لذلك لا بد أن نعرف قيمة الآية الثانية وهي أقوى من الأولى، وفرعون تجنبها لأنه لا يقدر عليها.



لابد أن نعلم أن معجزة اليد لها معنى آخر خطير، فاليد البيضاء في تاريخ البشرية رمز السلام: يا فرعون أنا لن ألجأ إلى العنف أريد أن أحرر بني إسرائيل وأرفع الظلم وأنشر التوحيد، لا أريد استخدام العنف والدليل يد بيضاء.. يالعظمة الله في رسائله القوية! ويالمعجزات الله الربانية العظيمة!



إني أحب سيدنا موسى كثيرًا، ويكفينا أن الله اختاره، أَلَا نشعر بالغيرة ونتمنى أن يختارنا الله؟ ليس على قدره وقدر الأنبياء والصحابة فيستخدمنا عنده. فالخوف كل الخوف أن يستخدمك الله فتعصيه فيستبدلك، فأجمل شيء في الدنيا أن يحبك الله ويختارك ، ولا يكون ذلك إلا بخصال جميلة فيك، فادعه دائمًا أن لا يتركك و يحبك ويستخدمك.

طمأنة الله لعباده المخلصين

ويوضح الله تعالى لسيدنا موسى الهدف من هاتين المعجزتين ويقول: [اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى] {طه:24} [فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى] {النَّازعات: 18-19} وهذا يعني أن أمام سيدنا موسى مهمتين:

· المهمة الأولى : أن يذهب إلى فرعون ويدعوه أنه لا إله إلاّ الله، وأن يوقف الظلم.

· والمهمة الثانية : أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد جعل فرعون من مصر سجن كبير لبني إسرائيل.



فالأمر غاية في الصعوبة ، ففرعون حاول قتل سيدنا موسى من قبل ثلاث مرات، وفرعون القائل: [... أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24}. والأربعين سنة التي مرت من حياة سيدنا موسى بكل ما فيها من أحداث كانت جميعها تحضير وتمهيد لهاتين المهمتين. فما هي مهمتنا نحن؟ نأكل ونشرب ونتزوج، وننجب، ثم نموت هل هذا هو الهدف من وجودنا؟ ابحث عن مهمة يكلفك بها الله، اطلبها منه. فلقد موسى تلقى التكليفين بمنتهى الوضوح وبلا أي التباس، تلقى الرسالة وهو يدرك المعوقات التي ستواجهه [قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ] {الشعراء:12إلى14}.



سبحان الله الذي سمح لعبده أن يعرض عليه مخاوفه ومقترحاته، سبحان الذي أعطى الحرية لعباده، فيا آباء، ويا معلمين، ويا حكام، لماذا لا نمنح أولادنا، وتلاميذنا، وشعوبنا، مساحة حرية وفرصة للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم ومشاكلهم، فإذا كان رب العالمين قد سمح لعبده بعرض مشاكله، فهو خائف من أن يذهب إلى فرعون ومن أن يكذبوه، كذلك أفصح أمام الله أنه إذا ضاق صدره أي عند شدة الانفعال فلن يستطيع أن يعبر عن نفسه أمام خصمه فيضيق صدره، ولا تصدقوا الروايات التي تقول أنه كان يعجز عن النطق بعد أن أجبره فرعون على أكل جمرة من النار فهذا كلام غير صحيح، ولهذا طلب سيدنا موسى من الله أن يرسل معه أخاه هارون والذي كان أفصح منه خاصة أن سيدنا موسى كان بعيدًا لفترة طويلة عن مصر، وهارون عاش في مصر ويعرف اللغة المصرية القديمة وأكثر فصاحة منه، كذلك وقد كان لهم عليه ذنب فهو بشر ومن حقه أن يخاف عندما يقف أمام فرعون.. فيأتي ردّ الله [قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى] {طه:46-47}.



طلب موسى طلب آخر من الله [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى] {طه: 25 إلى 36}.



الختام لابد وأن تكون هناك جرعة اطمئنان وثقة من رب كريم لعبده الضعيف [وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:37 إلى 39}.



اسأل نفسك ماذا فعل الله معك، ألا تهتز لهذه الآيات؟ هل رأينا كيف يُطَمئِن الله عباده المخلصين يرسل لهم رؤية تطمئنهم، أو أم تخاف عليهم وتدعو لهم، أو أب يشجعهم، أو أخ يساندهم. اعملوا لله يا شباب، يا صناع الحياة، يا من لا تفعلون شيئًا للإسلام، فخسارة كبيرة أن يضيع عمركم دون أن تقوموا بأي عمل للإسلام، فليس هناك أجمل من أن يستخدمك الله.



[ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى] {طه:40} فالله عزّ وجل يخبر سيدنا موسى أن كل الذي سبق جاء بترتيب منه، وكلٌ منا جاء على قَدَر من الله. افتح سورة طه واعش مع الآيات ومع حب الله لعباده ولسيدنا موسى الذي اختاره لإخلاصه ولنصرته للضعفاء.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================


جزاك الله خير وجعلها في ميزان حسناتك


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________