عنوان الموضوع : بين الحب والواقع
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر

بين الحب والواقع






بين الحب والواقع



اهتزاز هاتف مستمر جعل عهد تستغرب هذا الالحاح من المتصل على الرغم من انها تعمدت عدم الرد في المرة الاولى عندما رأت انه رقما غريبا.. وعاود المتصل الاتصال لمرتين بعدها.. وهنا فقط قررت ان تجيب وهي ترى هذا الالحاح من المتصل واجابت بصوت متردد قائلة: ألو..

جاءها صوت هتاف وصاحبه يقول: لماذا لم تجيبي من البداية يا حمقاء؟..

ابعدت الهاتف عن اذنها للحظة قبل ان تقول بحنق: لانه ليس رقم هاتفك يا احمق؟..

قال بحدة: لقد فرغت بطارية هاتفي.. واضطررت ان استعمل هاتف حازم.. المهم انا الآن في عجلة من امري.. استمعي الي .. سآتي لأخذك بعد ربع ساعة من الآن لنذهب..

قالت متسائلة وهي تردد بغرابة: نذهب؟.. الى اين؟..

قال ببرود: ما هذا الغباء؟.. الى الحفل بكل تأكيد..

قالت بغيظ: لم تخبرني ان الحفل سيكون هذا اليوم..

قال ببرود اشد: والآن قد اخبرتك.. كوني جاهزة.. سأصل عند الفرقة بعد ربع ساعة من الآن او اقل..

قالت وهي تزفر بحدة: حسنا.. حسنا..الى اللقاء..

- الى اللقاء..

وتطلعت الى هاتفها بضيق بعد ان انهت المحادثة قبل ان تقول: متى ستفهمني يا فارس؟..

ونهضت من مكانها لتستعد لقدومه.. وما ان ارتدت حذائها.. حتى سمعت صوت هاتفها يعاود الرنين بنفس الرقم الغريب السابق.. فاجابت قائلة وهي تتنهد: اهلا..

قال لها في سرعة: انا انتظرك بالخارج..

قالت متسائلة وهي تتطلع الى ساعة الحائط: اليس الوقت مبكرا بعض الشيء على الحفل الآن؟..

قال فارس بهدوء: سنذهب لتغيير ملابسنا اولا وتجهيز انفسنا للحفل..

قالت وهي تنهض من مكانها وتفتح الباب: حسنا انا قادمة الآن..

- فليكن .. الى اللقاء..

وخرجت من المنزل لتتجه الى حيث سيارته.. وما ان دخلت الى داخل السيارة حتى انطلق بسيارته قائلا بابتسامة: كيف حالك؟..

قالت وهي تهز كتفيها: كالمعتاد..

وقالت متسائلة وهي تلتفت له: الى اين سنذهب الآن؟..

قال بابتسامة اوسع: على الاقل اسألي عن احوالي اولا..

ارتفع حاجبها وقالت باستخفاف: ولم اسأل عن احوالك مادمت بصحة جيدة؟..

قال فارس بسخرية: وما ادراك اني بصحة جيدة؟.. ربما كنت مصاب بمرض ما..

التفتت له بحنق وقالت: ايوجد انسان في العالم يتمنى ان يكون مصاب بمرض ما؟..

قال وهو يشير باصبعه السبابة: لم اقل اني اتمنى المرض.. ولم اقل اني مصاب به.. ثم من يدري ربما اكون مصاب بمرض ما حقا..

قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها بحنق: تافه..

ابتسم بهدوء قبل ان يقف على جانب الطريق ويقول بهدوء: هيا اخرجي..

تطلعت حولها قبل ان تقول بحيرة: ولم اخرج؟.. لم نصل الى الحفل بعد..

قال وهو يتطلع اليه ويرفع حاجبيه: وهل ستذهبين الى الحفل بملابسك هذه؟..

تطلعت الى ملابسها قبل ان تقول: بالتأكيد لا..

قال وهو يهز كتفيه ويطفأ المحرك: اذا اخرجي..

قالت بضيق: انه احد مبانيك.. فماذا عساني افعل هنا عندما اخرج من السيارة؟..

هز رأسه قبل ان يقول وهو يلتفت لها: حتى تغيري ملابسك وتجهزي للحفل..

فقالت متساءلة: واين سأجهز نفسي في رأيك؟..

قال وهو يشير نحو احد المباني: في شقتي بكل تأكيد..

ارتفع حاجباها قبل ان تقول مكررة: في شقتك..

اومأ برأسها قبل ان يخرج من السيارة وينتظرها لأن تخرج.. وما ان خرجت حتى اشار لها ان تتبعه.. فتبعته وهي تزفر بضيق.. قبل ان يدخلا الى المبنى ويستقلا المصعد الى الطابق الثاني ومن هناك توجهت مع فارس الى حيث شقته.. ففتح بابها وابتعد قليلا ليسمح لها بالدخول.. وفي الداخل شاهدت الشقة التي تدخلها لأول مرة .. وقالت وهي تلتفت له مبتسمة: اهي لك؟..

قال مستغربا سؤالها: بالتأكيد لي.. هذا المبنى بأكمله كما تعلمين ملكا لي..

هزت رأسها نفيا وقالت: لم اعني هذا بل قصدت القول ان هذه الشقة لم تأجرها على احد من قبل .. وانت من يسكنها صحيح؟..

اومأ برأسه وقال مبتسما: اجل.. لقد رفضت تأجيرها على الرغم من كل العروض التي قدمت لي..

قالت بحيرة وهي تلتفت له: ولم؟..

قال بهدوء: كنت اتوقع ان استفيد منها يوما ما..وجاء هذا اليوم باسرع مما توقعت..

فهمت ما يعنيه.. فهمت نظرة الالم في عينيه.. كيف لا وهي تعاني مثله؟.. فهمت ذلك الهدوء الاشبه بالضياع في صوته .. لقد ترك هذه الشقة دون ان يأجرها وفقا للظروف.. وها قد تدمر منزله واحتاج لان يكون له شقة اخرى يــ...

افاقت من افكارها اثر كف فارس التي تلوح امام ناظريها وصوته يقول: الى اين ذهبت؟..

ابتسمت قائلة وهي ترفع رأسها له: لقد شردت قليلا..

قال وهو يتطلع بناظريه الى احدى الغرف: استمعي الي.. ادخلي الى تلك الغرفة..وستجدين كيسا به حاجياتك.. غيري ملابسك وجهزي نفسك.. وسأكون بانتظارك هنا..

قالت متسائلة: وانت؟.. اين ستغير ملابسك؟..

اشار الى غرفة تقع على الجهة اليسرى منه قائلا: في الغرفة الاخرى..

اومأت برأسها دون ان تعلق .. فابتسم قائلا وهو يميل نحوها: على فكرة هناك مفتاح معلق بالباب.. اقفلي الغرفة خلفك.. حتى تطمأني اكثر...

رفعت انظارها اليه وتطلعت اليه بدهشة.. لم قال عبارته تلك؟.. الأنه اراد ان يطمأنني؟.. ام لأنه فهم من صمتي وعدم تعليقي على ما قاله انني اشعر بالتوتر من وجودي معه؟.. ام لأنه اراد ان يثبت لي انه لن يأذيني ابدا في حياته وحتى وان كنت معه في اي مكان..

وتطلعت اليه وكل تلك الاسئلة تدور في عقلها فاتسعت ابتسامته وهو يقول: هذا فقط حتى تطمأني اكثر.. فأنا اشعر احيانا انك لا تثقين بي..

تذكرت ما قالته له عندما شاهدته بجوارها وهي نائمة في فرقة المقاومة.. لقد خرجت كلماتها لحظتها نتيجة غضب وحنق من تصرفاته ومراقبته عليها .. لكن الآن الوضع مختلف تماما ..

وقالت في سرعة: ابدا.. هذا غير صحيح..

قال بسخرية: حمقاء .. تمنحيني ثقتك بهذه البساطة.. ربما يكون كل ما قلته لك كذبا منذ قليل..

ابتسمت قائلة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: اولا انا اعرفك جيدا واعرف اي شخص تكون .. فلا اظن ان كل تلك السنوات التي عرفتك فيها لن تجعلني اعرف شخصيتك واخلاقك بعد.. وثانيا انت ابن عمي.. فيجب ان تكون اكثر شخص تخشى علي.. وثالثا لو كنت تفكر بالكذب علي لما قلت لي بأنك تكذب...

قال وهو يلتفت عنها ويتوجه الى الغرفة: ببساطة هكذا حللت الامر بأكمله.. على العموم.. اذهبي لتجهزي الآن حتى لا نتأخر...

التفتت عنه بدورها وهي تسرع بالتوجه الى تلك الغرفة التي قصدها فارس.. وشاهدت اربعة اكياس على السرير الموجود بالغرفة.. اسرعت تقترب منه بخطوات سريعة.. وفتحت الكيس الاول لتشاهد الفستان فيه.. فاسرعت بفتح الآخر لترى حذاء يحمل رقم حذاء قدمها وهذا ما اثار استغرابها لدرجة كبيرة.. وابعدت الكيس لتفتح الثالث وتشاهد فيه علبتين من القطيفة.. سارعت بفتح الاولى فوجدت انها تحمل قلادة على الارجح انها من الذهب الابيض تحمل شكلا لثلاث وردات متجاورة.. وحلقين يحمل كل منهما شكل وردة.. وفتحت العلبة الاخرى والتي كانت اصغر حجما وشاهدت سوار يحمل شكل الوردات الثلاث ذاتها...

ودون ان تغلق اي علبة .. تساءلت دون ان تشعر وهي تلتفت لباب الغرفة وتهمس لنفسها: لم يفعل كل هذا؟؟..لم يهتم بي كل هذا الاهتمام.. ارادني ان اكون مميزة في الحفل ام ارادني ان لا احرجه ان لم يكن لدي ما يناسب حفلات رجال الاعمال؟.. اجل ربما هذا هو السبب..

ووضعت العلبة على الفراش وهي تتجه الى الباب وتغلقه خلفها وتقفله بالمفتاح المعلق فيه..وتعود لتخرج الفستان من الكيس وتضعه امام جسدها.. وتنظر الى نفسها في المرآة.. يبدوا رائعا.. استطيع ان اعترف الآن ان فارس لديه ذوق جميل في اختياراته..

ابتسمت وهي تغير ثيابها وترتدي الفستان.. قبل ان تعود وتتطلع الى نفسها بسرور.. منذ متى لم ترى نفسها وهي ترتدي مثل هذه الفساتين؟.. يبدوا شكلها مختلفا تماما فيه..

وفتحت احد الادراج وهي تبحث عن شيء ما.. واغلقته عندما لم تجده .. وفتحت الآخر لتلمح المشط قابع فيه ..فاسرعت بالتقاطه وهي تمشط شعرها الذي طال قليلا..

وقالت بابتسامة ساخرة وهي تعيد المشط الى مكانه: يبدوا انني سأحتاج الى قصه من جديد..

وارتدت قلادتها وحلقي اذنها واخيرا السوار.. وهي تشعر بشعور مختلف تماما.. تشعر انها اشبه بممثلات السينما.. بالاميرات او شيء من هذا القبيل..

ابتسمت على نفسها من هذا التفكير الغبي.. قبل ان تغير حذائها الرياضي..بالحذاء الذي اشتراه لها فارس.. والذي كان بمثل درجة لون الفستان.. وتطلعت الى نفسها في المرأة برضى عن شكلها.. وكادت ان تغادر الغرفة لولا ان تذكرت ان هناك كيس اخير نسيت امره.. فعادت ادراجها لتتطلع الى ما بداخله.. وعقدت حاجبيها وهي تلمح صندوق متوسط الحجم .. اخرجته من الكيس وفتحت غطاءه.. وما ان تطلعت الى ما بداخله.. حتى ابتسمت بحرج واستغراب.. يبدوا انك لم تنسى شيئا ابدا يا فارس..

:

:

وعلى الجانب الآخر كان فارس يبدوا في ابهى حلته وفي مكتمل اناقته..كان يبدوا رجلا بكل معنى الكلمة بزيه الرسمي وبملامحه الرجولية الوسيمة..وبشعره المهندم بعناية شديدة..

غادر غرفته في سرعة وهو يتطلع الى ساعة يده بقلق ويقول: لقد تأخرنا بعض الشيء..

وسار وهو في نيته ان ينادي عهد ويطرق باب الغرفة.. لكن مروره بجوار المرآة الكبيرة الموجودة بالردهة.. جعلته يتوقف ويتطلع الى نفسه ويرتب سترته... ويحاول تصفيف شعره بشكل اكبر وهو يبتسم لنفسه قائلا: لاول مرة ارى نفسي بمثل هذه الاناقة والـ...

بتر عبارته فجأة قبل ان يرتفع حاجباه بدهشة.. وتتسع عيناه عن آخرهما وهو يتطلع الى ذلك الانعكاس في المرآة.. الى ذلك الطيف الذي يقترب من خلفه.. انه يتخيل اليس كذلك؟...

والتفت خلفه وهو يتطلع اليها باندهاش وانبهار شديدين.. وطالت نظراته لها حتى انها شعرت بالاستغراب منه فقالت: ماذا بك؟.. لم تتطلع الي هكذا؟..

ونظرت الى فستانها وهي تقول مردفة باستغراب: هل هناك شيء في مظهري؟..

ابتسم للحظة .. ومن ثم لم تلبث ابتسامته ان اتسعت وهو يقول: تبدين مختلفة.. كثيرا جدا..

قالت وهي تهز كتفيها وابتسامة تعلو شفتيها: بالطبع سأكون مختلفة.. وهذا بفضل الفستان الذي ارتديه.. وهذه المجوهرات.. واخيرا الى ادوات الزينة التي احضرتها لي.. فشكرا لك.. لم اتوقع ان تتذكر كل هذه الاشياء..

اقترب منها بضع خطوات وعاد ليتطلع اليها قبل ان يقول وهو يضع كفه عند ذقنه بتفكير: لكن اتعلمين.. ينقصك شيء ما..

قالت متساءلة: مثل ماذا؟..

ظل صامتا للحظات قبل ان يقول وهو يلتفت عنها ويعود ليتطلع الى نفسه في المرآة: سأخبرك بعد قليل..

قالت وهي ترفع من فستانها قليلا وتسير عدة خطوات مقتربة منه: وانت اليوم تبدوا مختلفا ايضا.. ان اردت الصدق.. تبدوا اكثر اناقة.. ووسامة..

ارتسمت على شفتيه ابتسامة لاطرائها والتفت لها وقال: وما الذي تغير؟.. منذ زمن وانا بهذه الوسامة..

رفعت حاجبيها باستخفاف من عبارته قبل ان تقول ببرود: لا تصدق نفسك كثيرا..

قال وهو ينقل بصره بينها وبين المرآة: بل اصدق صور عيناي اللتين ارى بهما نفسي.. هذا بالاضافة الى ما قلته انت قبل قليل يشهد لي بالوسامة..

زفرت بضيق قبل ان تقول مغيرة دفة الحديث: متى سنذهب؟..

تطلع الى ساعة يده قبل ان يقول في سرعة: الآن.. هيا..

واسرع يتقدمها وهو يغادر الشقة.. قبل ان تخرج هي الاخرى ويقفل باب الشقة خلفهما.. وقالت وهي تسير الى جواره حتى المصعد: اتعلم.. استغربت انك تعرف قياس حذاء قدمي حتى الآن..

قال دون ان يلتفت لها: كدت اتصل بك لاتحقق منك على الرقم الصحيح للحذاء.. لكني تذكرته في النهاية ..

لم تعلق على ما قاله.. واكتفت باستقلال المصعد حتى الطابق الارضي.. وخرجا من المبنى ليلفحهما الهواء البارد..ويجعل عهد تقشعر بردا ويرتجف جسمها باكمله.. فقال فارس متسائلا: أتشعرين بالبرد؟؟..

قالت وهي تضم ذراعيها لبعضهما البعض: وما رأيك انت؟..

ابتسم وقال وهو يمسك بمعصمها: اراك تشعرين به.. لهذا سوف نسرع بخطواتنا للسيارة..

قالت وهي تحاول تحمل الهواء البارد: انتظر قليلا.. انا ارتدي حذاءا ذا كعب عال بعض الشيء.. لن استطيع الاسراع به.. لم اعتد على ذلك..

قال وهو يزفر بحدة: ما باليد حيلة..

وخلع سترته ليضعها على اكتافها وهو يقول بابتسامة: والآن اتشعرين بالدفء..

قالت بحيرة من تصرفه: لكن انت...

قاطعها قائلا: ملابسي اكثر دفئا من ملابسك.. ثم انني ارتدي قميص ذو كم طويل .. بعكسك.. هيا الآن..

فضلت عدم التعليق وهي تراه يتوجه قبلها الى سيارته ويفتح بابها ليشعل المحرك..وارتسمت ابتسامة امتنان على شفتيها وهي تهمس ثائلة: شكرا لك..

تعلم ان فارس لن يسمعها.. لكن ربما تكون قد فضلت التعبير بشكرها على هذا النحو.. وتبعته الى سيارته لتجلس بجواره وتنطلق بهما السيارة الى الحفلة المنشودة...

########

تطلعت غادة باهتمام كبير الى الخريطة المفرودة على الطاولة.. واستمعت الى الخطة التي واصل هشام شرحها..والتفتت الى يمينها لترى غسان وجهاد واقفين بالمثل يستمعون الى الخطة التي سيتم تنفيذها قريبا جدا..

وسمعت هشام في تلك اللحظة يقول وهو يشير الى منطقة ما: في هذه المرة سنقترب من المبنى البريطاني.. وسننصب لهم الافخاخ هناك.. بحيث لا يتوقعون ان الافخاخ ستكون في حدود منطقتهم المحصنة..بالتأكيد سيكون الوضع خطيرا هناك.. وسنحتاج الى من يمتلكون سرعة البديهة والحذر ليراقبوا لنا المكان اولا لنعرف كيف يتم توزيع الحراسة هناك بالضبط..

ارتسمت ابتسامة على شفتي غادة وهي تفكر بالاشتراك بالمهمة.. ربما تكون متهورة باشتراكها.. لكن لديها روح المغامرة ونستطيع القول انها مستعدة للتضحية بنفسها من اجل امن الوطن.. والا لما اختارت العمل كشرطية منذ البداية..

وواصل هشام شرح الخطوات التي سينفذونها .. وانشدت حواسها كلها معه.. قبل ان يقطع اصغائها الشديد صوت رنين هاتفها برنة قصيرة معلنا وصول رسالة قصيرة.. فاستغربت مرسلها قبل ان تلتقط هاتفها وتضغط زر فتح الرسالة ...

وارتفع حاجباها بغرابة وهي تقرأ كلمات الرسالة .. من يكون هذا الشخص؟.. وكيف علم بهذا الامر؟.. ولم يرسل لي رسالة كهذه؟.. واعادت قراءتها للمرة الثانية لعلها تكتشف اي شيء عن مرسلها.. (لا تشتركي في المهمة)..

بدأت الامور تتوضح لها قليلا.. انه شخص موجود هنا بكل تأكيد .. والا لما عرف بأمر المهمة.. وفي المرة الماضية علم بامر تفجيرات مبنى الشرطة واني بداخله.. ربما يكون شخص من فرقة المقاومة .. وكان يعلم بامر التفجيرات واراد تحذيري.. لكن كيف علم اني بداخل المركز لحظتها؟.. ربما شاهد خروج غسان وجهاد.. ولم يلحظ خروجي.. او ربما يعرف سيارتي ورآها لم تتحرك من مكانها..

اجل هذا احتمال وارد.. والا من عساه يكون ان لم يكن احد افراد المقاومة؟؟.. لم لا يكون غسان او جهاد؟.. ولكن عندما سألتهما انكرا هذا الامر.. فلم ينكرانه ان كان احدهما من ارسل الرسالة؟.. لست ادري ابدا.. لم حذرني هذا الشخص سابقا؟.. ولم طلب مني اليوم ان لا اشترك في المهمة؟..لست اعلم.. لست اعلم..

ودارت بنظراتها في الموجودين ورأتهم جميعين يستمعون باهتمام لهشام..لم تلحظ انشغال اي منهم بكتابة الرسالة لها.. ان كان احدهم حقا.. لحظة.. معها رقم الهاتف.. فلم لا تجرب الاتصال الآن.. وان كان احدهم سيرن هاتفه بكل تأكيد...

وابتسمت بمكر.. قبل ان تتصل على رقم مرسل الرسالة.. وانتظرت بفضول ولهفة لمعرفة صاحب الرقم .. لكن لم يتعالى اي رنين في المكان.. واكتفت بأن استمعت الى صوت رنين متواصل حتى انقطع الخط من تلقاء نفسه..

فزفرت بحنق وهي تنهي المكالمة.. ربما ليس من افراد فرقة المقاومة اذا.. وليس هو غسان او جهاد ايضا.. اذا من يكون؟.. من؟.. وماذا عن مطلبه؟.. هل سأنفذه ولن اشترك في المهمة ام سأشترك غير آبهة بما قاله؟.. في المرة الماضية عندما لم استمع الى تحذيره كدت ان افقد حياتي.. فهل استمع لما جاء في رسالته هذه المرة ولا اشترك في المهمة؟.. اظن ان الامر يحتاج لتفكير طويل حتى اقرر ما علي فعله...



تلاشت افكارها اثر تلك الاضواء التي انعسكت في كل مكان.. واثر تلك الاصوات التي تداخلت من كل مكان واي مكان.. ما هذا المكان المبهر بكل معنى الكلمة؟..

دارت انظارها حول المكان.. لترى جماعات من الناس من كل طبقات المجتمع تقريبا.. ومن كل الاجناس.. فها هي ذي ترى رجال اعمال في تلك الجهة.. وسيدات من الطبقة الاستقراطية في الجهة الاخرى..وخادمات يقومون بتوزيع الشراب على الضيوف.. يبدوا انه حفل من المستوى الرفيع حقا..

وابتسمت وهي تسير بجوار فارس الذي التقط له كأس من العصير ومن ثم التفت اليها وقال بابتسامة: اي عصير تفضلين؟..

صمتت قليلا قبل ان تقول وهي تهز كتفيها: اي شيء..

التقط لها كأس عصير وقدمه اليها.. فالتقطته من كفه واخذت ترشفه بهدوء.. قبل ان ترى شخص يتقدم من بين الحضور لهما.. وسرعان ما تعرفت عليه.. فآخر مرة رأته فيها لم تكن بعيدة..

وتقدم ذلك الشاب لفارس ليقول بابتسامة واسعة: واخيرا حضرت.. ما كل هذا التأخير يا اخي؟.. ان اردت الحق الحفل لا يسمى حفلا من دونك..

ابتسم فارس وقال: هذا حتى تعرف قيمة صداقتك لي..

ضحك حازم قبل ان يقول: على العموم هناك تاجر اريد ان اعرفك به.. وايضا بعض رجال الاعمال الذين قد يفيدونك في مشروعك .. لكن قبلا اخبرني...

تطلع له فارس منتظرا ان يكمل عبارته فقال حازم وهو يخفض صوته قدر الامكان: من هذه التي معك؟..

ارتفع حاجبا فارس قبل ان يبتسم ويقول بصوت مسموع: صديقتي..

التفت حازم الى عهد وتطلع اليها للحظة قبل ان يقول: لكني لم ارها قبل الآن معك.. ومع هذا ملامحها تبدوا مالوفة لي و...

واتسعت عيناه بقوة قبل ان يقول بدهشة: مستحيل.. اانت عهد حقا؟..

نقلت عهد نظراتها بين فارس وحازم قبل ان تقول بحيرة: وما الغريب في الموضوع؟..

قال حازم وعيناه تبرقان بالاعجاب: ان اردت صدق.. شكلك مختلف تماما عن آخر مرة رأيتك فيها.. بصراحة.. تبدين اجمل بكثير من ....

انبترت عبارته فجأة.. وصدر من بين شفتيه تأوها .. جعل عهد تتساءل : ما بك؟..

التفت حازم الى فارس الذي داس على قدمه منذ لحظات وقال بحنق: لا شيء.. فقط هناك من يمزح مزاحا ثقيلا معي..

قالت عهد مستغربة: متى؟..

قال فارس بسخرية: لا عليك .. لقد بدأ يهذي.. هكذا هو اذا اطال في السهر ولم ينم مبكرا..

قال حازم وهو يميل نحوه ويهمس في اذنه بتهديد: سأردها لك يا فارس.. يا ايها الغيور..

قال فارس بصوت منخفض: الموضوع لا يتعلق بالغيرة ابدا.. انت تتغزل في ابنة عمي وانا واقف بجوارها.. كيف اردت مني ان اتصرف؟..

قال حازم بخبث وهو يغمز بعينه: الم تقل انك لا تفكر بها؟.. اعطني فرصة اذا للتقرب منها.. الست اخيك وتتمنى لي كل الخير؟..

قال فارس ببرود: ومن قال انها خير..

قالت عهد وهي تتطلع اليهما بضيق: عن ماذا تتحدثان؟.. منذ فترة وانتما تتهامسان..اخبراني ما الامر؟..

قال حازم بابتسامة وهو يلتفت اليها: لا شيء.. فقط افكر بشراء لوحة فنية جديدة .. واحاول اخذ رأي فارس فيها..

قال فارس بلامبالاة: كما اخبرتك.. تلك اللوحة لن تناسبك ولن تناسب منزلكم ابدا..

قال حازم وابتسامته تتسع: من يدري؟..

قال فارس وهو يلتفت اليه: الم تقل لي انك ستعرفني على بعض التجار ورجال الاعمال؟.. عرفني عليهم اذا الآن..

قال حازم متسائلا: وماذا عن عهد؟..

قال فارس وهو يلتفت لها: تستطيع تدبر امرها لوحدها.. صحيح؟..

قالت بكل ثقة: بكل تأكيد.. اذهب انت فحسب..

قال وهو يميل نحوها: لكن حذار من ان تتحدثي الى اي شخص كان في هذا الحفل.. الاثرياء هؤلاء افكارهم مختلفة عن افكارنا تماما.. يرون نفسهم كل شيء وفيمن عداهم لا شيء..

قالت وهي ترفع نظراتها الى حازم: لا ارى حازم كما تقول..

قال فارس بابتسامة: حازم مختلف تماما.. انه اخي..

ابتسمت له عهد ومن ثم قالت وهي ترفع كفها لتلامس الطوق الارجواني الذي يزين شعرها : لكن اتعلم.. رأيك كان جيدا بشأن شراء هذا..

قال مبتسما وهو يتطلع اليها: رأيي دائما جيد..

قالت بابتسامة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: مغرور..

قال وهو يلتفت عنها: بالاذن الآن .. واهتمي بنفسك ..

ابتعد عنها ليتركها وحيدة.. تتطلع الى ما حولها بشيء من الانبهار والغرابة..الى هذا الحفل المذهل بكل معنى الكلمة.. الناس هنا مختلفون.. افكارهم مختلفة.. طريقة حياتهم مختلفة.. كل شيء.. انه عالم غريب عليها حقا..

(اتبحثين عن احد يا آنسة؟)

التفتت الى صاحب الصوت .. ورأت شاب يتقدم منها كان طويل القامة.. تبدوا عليه مظاهر الثراء بشكل واضح.. وقالت وهي تهز كتفيها: لا..

قال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: هل جئت الى هنا وحدك؟..

قالت مجيبة: لا..

قال وقد اصبح على بعد خطوات منها: اذا؟..

قالت وهي تلتفت عنه: بالاذن..

امسك بمعصمها قبل ان تبتعد وقال: انا لم انهي حديثي بعد..

جذبت معصمها من كفه بحدة قبل ان تقول بحنق: اما انا فانهيته.. وليس لي رغبة في الحديث معك..

قال وهي يبتسم بزاوية فمه: وحادة المزاج ايضا.. من انت يا آنسة؟.. انا لم ارك هنا من قبل..

قالت ببرود: لا شأن لك..

قال وقد شعر بالضيق من اسلوب حديثها معه: انت لا تعرفين مع من تتحدثين..

قالت وهي تلتفت عنه: ولا يهمني ان اعرف..

استغرب حديثها اليه بهذه الطريقة.. ولهجتها الحادة معه.. وهو الذي يتعامل معه الجميع بكل احترام نظرا لعائلته المعروفة وسط المجتمع الراقي ..

واسرع يقف امامها مانعا اياها من مواصلة طريقها وقال بجدية: لم اعرف من انت بعد يا آنسة..

قالت بضيق: لا اظن ان من الضروري علي اجابتك..

قال وهو يتطلع اليها ببرود: اخطأت يا آنسة..

(بل انت من اخطأ الاختيار)

التفتت عهد بلهفة لصاحب الصوت قبل ان تقول في سرعة: فارس..

اقترب فارس بخطوات واثقة من ذلك الشاب وقال ببرود: اتريد شيء يا استاذ؟..

قال الشاب وهو ينقل نظراته بينهما: لا.. كل ما هنالك اني كنت اسألها من تكون ..

قال فارس وهو يتطلع اليه بنظرة حازمة: لا اظن ان لك اي دخل في من تكون هي.. فلا اظن ان هذا الحفل مقام على شرفك.. او في منزلك..

عقد الشاب حاجبيه وقال بحدة: هذا لاني اراها للمرة الاولى هنا.. ولهذا اردت معرفة ذلك.. ولا داعي لكل هذا يا فارس.. فأنا لم اكن اعلم انها صديقتك منذ البداية..

قال فارس بحزم اكبر: ليست صديقتي ..

قال الشاب وقد شعر بالضيق من موقفه: حسنا .. لا يهم.. بالاذن..

غادر الشاب المكان.. في حين قال فارس وهو يلتفت الى عهد: هل ازعجك؟..

قالت عهد مبتسمة: قليلا.. لكن مجيئك كان في الوقت المناسب..

تنهد فارس قبل ان يقول: تعالي معي..

قالت في سرعة: لحظة..

قال متسائلا: ماذا؟..

اقتربت منه لتقول بابتسامة: شكرا لك..

قال متسائلا: على ماذا؟..

قالت وهي تهز كتفيها ولا تزال محتفظة بالابتسامة على شفتيها: على كل شيء فعلته من اجلي اليوم..

ابتسم وقال: ظننت ان هناك شيئا جديدا.. فقط تعالي معي الآن.. قبل ان ينهو عنا طعام العشاء..

واسرع يمسك بكفها ليجذبها معه.. ويمررها من بين الحضور.. وفي غمرة افكارها ابتسمت عهد بامتنان وهي تتطلع اليه.. وتتذكر كل ما فعله اليوم لاجلها.. ووجدت اصابع كفها تقبض على كفه.. وكأنها تتمسك بوجوده الى جوارها.. وتتمنى ان لا يتركها ابدا...

:

:

يتبع


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================



__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________