عنوان الموضوع : أهمية التوحيد من الشريعة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
أهمية التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أخرجه البخاري ومسلم.
* * *
قال النووي - رحمه الله تعالى-: (هذا حديث عظيم جليل الموقع، وهو أجمع - أو من أجمع- الأحاديث المشتملة على العقائد، فإنه - صلى الله عليه وسلم- جمع فيه ما يُخرج عن ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها، فاقتصر - صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم).
ففي هذا لحديث عدة وقفات، أوجزها فيما يلي:
الوقفة الأولى: قوله - صلى الله عليه وسلم-: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له..)، هذه كلمة عظيمة، فاصلة بين الإيمان والكفر، لها مدلولها العظيم، ومعناها الكبير، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم-: (من شهد أن لا إله إلا الله)، قال العلماء - رحمهم الله تعالى-: أي من تكلم بهذه الكلمة عارفا لمعناها، عاملاً بمقتضاها باطنا وظاهرا، كما دلّ على ذلك قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، وقوله - جل وعلا-: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)، أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها، فإن ذلك غير نافع بالإجماع.
ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له، يدل عليه قوله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).
وقوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
فنفهم من هذا أنه لا إله معبود بحق إلا الله - سبحانه وتعالى-، فهو المتفرد بالألوهية، كما تفرد سبحانه بالخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والإيجاد والإعدام، والنفع والضر، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال، وغير ذلك من معاني ربوبيته، ولم يشركه أحد في خلق المخلوقات، ولا في التصرف في شيء منها، وتفرد بالأسماء الحسنى، والصفات العلى، ولم يتصف بها غيره، ولم يشبهه شيء فيها، فكذلك تفرده – سبحانه- بالإلهية حقاً، فلا شريك له فيها، يقول - سبحانه وتعالى-: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير)، ويقول - جل وعلا-: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بمن خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * عالم الغيب والشهادة فتعالى الله عما يشركون)، ويقول -جل من قائل-: (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً * سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا * تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفورا)، ويقول - جل وعلا-: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)، وقال – سبحانه-: (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم)، ويقول -جل من قائل-: (قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار)... إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل دلالة صريحة أو ضمنية على أن لا إله معبود بحق إلا الله - سبحانه وتعالى-، فكما تفرد –سبحانه- بالربوبية، والخلق، والرزق، وغيرها، وكما تفرد – سبحانه- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، تفرد - جل وعلا- بالعبودية، فلا يجوز بأي حال عبادة أحد سواه.
الوقفة الثانية: لا يؤدي العبد حق هذه الشهادة إلا بأن يحقق شروطها، التي نظمها بعضهم بقوله:
وبشروط سبعة قيدت
فإنه لم ينتفع قائلها
العلم، واليقين، والقبول
والصدق، والإخلاص، والمحبه
وفي نصوص الوحي حقا وردت
بالنطق إلا حيث يستكملها
والانقياد، فادر ما أقول
وفقك الله لما أحبه
والمراد أنه لا ينتفع الذي ينطق الشهادة بمجرد النطق بها في الدنيا والآخرة، وإنما لا بد من تحقيق شروطها السبعة، وهي كالتالي:
1- العلم، والمقصود به: العلم بمعناها المراد منها نفياً وإثباتا، العلم المنافي للجهل، كما قال سبحانه وتعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله).
وروى مسلم في صحيحه عن عثمان -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة).
فنفهم من هذا أنه لا بد من العلم بما تدلّ عليه، أما الذي ينطقها جاهلاً بها وبمعناها، فهذا لا يستفيد من هذا النطق.
2- اليقين، والمراد به: أن يكون قائل الشهادة مستيقناً بمدلولها يقيناً جازما منافياً للشك، يقول الله - عز وجل-: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون).
وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبدٌ غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة).
فاشترط - صلى الله عليه وسلم- في دخول قائلها الجنة أن يكون قالها غير شاك بها، مستيقنا بها قلبه.
يتبع ان شاء الله ). [/COLOR]
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
[COLOR=#800080]
3- القبول، والمراد بذلك أن يقبلها بقلبه ولسانه، والآيات في هذا كثيرة، كلها تدل على أنه لا يستفيد منها إلا من قبلها، من ذلك قوله تعالى: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين).
4-الانقياد لما دلت عليه، قال تعالى: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن)، وقال سبحانه: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى)، ومعنى (يسلم وجهه أي: ينقاد وهو محسن موحد، ومن لم يسلم وجهه لله فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى.
وفي هذا الحديث الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)، وهذا هو تمام الانقياد.
5- الصدق، المنافي للكذب، وذلك بأن يقولها صادقاً من قلبه، يواطئ قلبه لسانه، يقول الله تعالى في ذلك: (الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين). وقال تعالى: في شأن المنافقين: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون).
وجاء في الصحيح من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار).
فاشترط في نجاة من قال هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقاً من قلبه، فلا ينفعه مجرد التلفظ بدون مواطأة القلب.
6- الإخلاص، وهو تصفية العمل الصالح بالنية عن جميع شوائب الشرك، يقول تعالى: (ألا لله الدين الخالص)، ويقول سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين).
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه).
وفي الحديث الصحيح أيضاً عن عتبان بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
7- المحبة: والمراد بذلك المحبة لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلت عليه، ولأهلها العاملين بها، الملتزمين بشروطها، وبُغْض ما ناقض ذلك، يقول الله - عز وجل-: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)، ويقول سبحانه: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان...).
وجاء في الحديث الصحيح عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار
الوقفة الثالثة:
فضل كلمة التوحيد، حيث ورد في فضلها آثار كثيرة اقتصر على بعضها:
من ذلك أنها سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، فمن قالها معتقداً معناها، عاملاً بمقتضاها - قولاً وفعلاً - فليبشر بدخول الجنة والنجاة من النار، بشهادة المصطفى - صلى الله عليه وسلم- فمما ورد في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سمع مؤذناً يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (خرجت من النار).
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله حرم الله عليه النار).
وفي الصحيح أيضاً عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة).
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
ومن فضل لا إله إلا الله أن أهلها هم أسعد الناس بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، كما جاء ذلك في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه).
ومن فضلها أيضاً أنها أفضل ما ذكر الله -عز وجل- به، وهو أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة، جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن موسى - عليه الصلاة والسلام - قال: يا ربّ علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قل لا إله إلا الله قال موسى، يا رب كل عبادك يقولون هذا قال ياموسى، قل لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله، إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى، لو أن السموات السبع والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله).
ومن فضلها أيضاً أنه لا يحجبها شيء دون الله - عز وجل-، لما أخرجه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما - قال: (لا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه).
وروى الترمذي أيضاً عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من عبد قال لا إله إلا الله مخلصاً إلا فتحت لها أبواب السماء حتى تفضي العرش، ما اجتنب الكبائر).
ومن فضلها أيضاً أنها أمان من وحشة القبور، والحشر والنشور، روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله وقد قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن).
وهي أعلى شعب الإيمان، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (الإيمان بضع وسبعون - وفي رواية: بضع وستون - شعبة، فأفضلها - وفي رواية: فأعلاها - قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
إلى غير ذلك من فضائل هذه الكلمة العظيمة التي تكفي أنها دلالة على إيمان من قالها وعمل بها، فهي الفاصلة بين الإيمان والكفر.
__________________________________________________ __________
الفائدة الرابعة: قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن محمد عبده ورسوله) معنى ذلك: أن يشهد العبد أن محمداً عبد الله ورسوله.
فقوله: (عبد الله) يعني: المملوك العابد، فهو مملوك لله تعالى، وليس له من الربوبية والإلهية شيء، فإنما هو عبد مقرب، كلّفه الله تعالى بالرسالة وشرّفه بها.
وشهادة أن محمداً رسول الله تعني طاعته فيما يأمر به، وتصديقه فيما يخبر به، واجتناب ما ينهى عنه، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، وهنا تكمن محبته - صلى الله عليه وسلم-، وبهذا يكمل معنى الشهادتين، فلا يقوم بشهادة أن لا إله إلا الله من يجحد أن محمداً رسول الله، ولم يكن مسلماً حقاً من ترك أمره - صلى الله عليه وسلم-، وأطاع غيره، وارتكب نهيه، وشك في أخباره.
وبهذا نعلم أن هناك صنفين من الناس يخطئون في هذه الشهادة:
صنف يغلو فيها حتى يجعل للرسول - صلى الله عليه وسلم- ما ليس له من صفات الإلهية، فيدعونه من دون الله تعالى، ويتوسلون إليه، ويتمسحون به، وهم في واقع الأمر يرتكبون نهيه، ويخالفون أمره، ويبتدعون في دينه ما ليس منه، كمن تراه يخالف أوامره ليل نهار، ويدّعي محبة النبي - صلى الله عليه وسلم- بإعطائه صفات الله - سبحانه وتعالى-، فهؤلاء - ولا شك- أخطأوا الطريق، وجانبوا الصواب، ويُخشى عليهم من العقاب.
والصنف الآخر من يقر بذلك، ولكنه يخالف أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم-0فيتساهل في الصلاة مثلاً، أو لا يؤدي الزكاة، أو بعضها، أو يخدش صومه... وهكذا، ويرتكب ما نهى عنه - صلوات الله وسلامه عليه- بقوله، أو فعله، كمن يكذب، ويغش، ويخادع، ويمشي بالغيبة والنميمة، ويرتكب الفواحش من الزنا، واللواط، والنظر إلى المحرمات، والاستماع إليها، ونحو ذلك.
فهذان الصنفان لم يحققا شهادة أن محمدا رسول الله، ولا يكمل الانتفاع بهاتين الشهادتين إلا بتحقيقهما قولاً، وفعلاً، وعملاً، واعتقاداً.
الوقفة الخامسة: قوله - صلى الله عليه وسلم-: (وأن عيسى عبد الله ورسوله)، وفي رواية: (وابن أمته).
فهذه الجملة فيها بيان بطلان ما يعتقده النصارى أن عيسى هو الله، أو ابن الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، يقول سبحانه وتعالى عن نبيه عيسى: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقياً * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً * ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون).
فمن خلال هذا النص الكريم من الرب الرحيم يتبين أن عيسى - عليه السلام - عبد الله، وأنه ليس كما يدعي النصارى أنه معبودهم، يقول سبحانه وتعالى: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون).
الوقفة السادسة: قوله: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه).
قال الإمام أحمد: الكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كن)، فكان عيسى بـ (كن). وقال ابن كثير: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبرائيل - عليه السلام - إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بإذن ربه - عز وجل-، فكان عيسى بإذن الله - عز وجل-، وصارت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، والجميع مخلوق لله - عز وجل-.
قوله: (وروح منه) قال أبيّ بن كعب: عيسى - عليه السلام - روح من الأرواح التي خلقها الله - عز وجل-، واستنطقها بقوله (ألست بربكم؟ قالوا: بلى)، بعثه الله إلى مريم فدخل فيها.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: (وروح منه) يقول: من أمره كان الروح فيه، كقوله تعالى: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) يقول: من أمره.
الوقفة السابعة: معنى قوله: (والجنة حق، والنار حق) أي: وشهد أن الجنة التي أخبر بها الله في كتابه أنه أعدها لمن آمن به وبرسوله حق، أي: ثابتة لا شك فيها، وشهد أن النار التي أخبر بها في كتابه أنه أعدها للكافرين به وبرسوله حق كذلك، كما قال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، وقال تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين).
الوقفة الثامنة: ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - أن الإيمان بأن الجنة حق، والنار حق، وأن الجنة أعدت لمن آمن بالله تعالى، وأن النار أعدت للكافرين، ذكروا - رحمهم الله - أن هذا من الإيمان باليوم الآخر الذي هو الركن الخامس من أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
فالجنة والنار حق لا ريب فيهما، ولا شك، فالجنة أعدت داراً لأولياء الله، والنار أعدت دار لأعداء الله، يقول سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون * يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون * يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)، ويقول سبحانه: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون * وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)، ويقول سبحانه: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين * وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار...)، ويقول سبحانه: (وكفى بجهنم سعيرا * إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما * والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً)، ويقول جل من قائل: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
__________________________________________________ __________
وعليه فلا بد للمؤمن أن يوقن بهما يقينًا تاماً، ويعد العدة لهما: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
ومما يدل على ما ذكر في هذا الحديث من قرن الإيمان بالجنة والنار مع الشهادتين، ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: (اللهم لك الحمد، أنت قيّم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد - صلى الله عليه وسلم- حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك).
الوقفة التاسعة: أن المسلم لا يكفي منه أن يؤمن إيمانا نظرياً بأن الجنة حق والنار حق، بل لا بد أن يقرن ذلك بالعمل بما يدل على إيمانه بهما، وأن الخلق مآلهم إليها، لا بد أن يصدق الإيمان النظري القولي إيمان عملي، فيطبق أحكام الإسلام في واقع حياته العملية، فمن يحب أن ينجح في الاختبار لا بد وأن يذاكر ويستعد، ومن يريد أن يصل سالماً وهو مسافر بسيارته لا بد وأن يحسب حسابه قبل ذلك، ومن يريد تحقيق الإيمان لا بد من قرن العمل بالقول والاعتقاد، لكن من خالف ذلك بعمله، فجزاؤه وفاقا من جنس عمله.
الفائدة السادسة: قوله - صلى الله عليه وسلم-: (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).
هذه الجملة جواب الشرط الذي في أول الحديث، حيث قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق..) الجواب عن ذلك: (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي رواية: (أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية).
هكذا جزاء من وحّد الله تعالى، واتبع رسوله - صلى الله عليه وسلم-، وآمن باليوم الآخر، فمآله إلى الجنة؛ جزاء من ربك عطاء حسابا.
ويفهم من أن من خالف ذلك، كمن لم يوحد الله تعالى، ولم يتبع نبيه - صلى الله عليه وسلم-، أو كذب باليوم الآخر، ونحو هذا، فمأواه النار والعياذ بالله، جزاء وفاقا.
منقول من شبكة السنة النبوية وعلومها
__________________________________________________ __________
جزاك الله خير وجعلها في موازين حسناتك
__________________________________________________ __________
الله يفتحلك أبواب رحمته...
ويجعل كل ذلك في ميزان حسناته..