" هذه.. هي الدنيا "
الدنيا طافحة بالأنكاد والأكدار، مطبوعة على المشاق والأهوال، والعوارض والمحن، هي كالحر والبرد لا بد للعبد منهما " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " [البقرة:155]
والقواطع محن يتبين بها الصادق من الكاذب " أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " [العنكبوت:2] والنفس لا تزكو إلا بالتمحيص، والبلايا تظهر الرجال، يقول ابن الجوزي : (من أراد أن تدوم له السلامة والعافية من غير بلاء, فما عرف التكليف ولا أدرك التسليم) ولا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت ؟، والحياة مبنية على المشاق وركوب الأخطار ولا يطمع أحد أن يخلص من المحنة والألم، والمرء يتقلب في زمانه في تحول النعم واستقبال المحن، آدم عليه السلام سجدت له الملائكة ثم بعد برهة يخرج من الجنة، وما الابتلاء إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني ومنع الملذات، والكل حتما يتجرع مرارته ولكن ما بين مقل ومستكثر، يبتلى المؤمن ليهذب لا ليعذب، فتن في السراء ومحن في الضراء " وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [الأعراف:168] والمكروه قد يأتي بالمحبوب، والمرغوب قد يأتي بالمكروه، فلا تأمن أن توافيك المضرة من جانب المسرة، ولا تيأس أن تأتيك المسرة من جانب المضرة، قال تعالى : " وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [البقرة:216]..
فما منعك ربك أيها المبتلى إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك ولا امتحنك إلا ليصطفي يبتلي بالنعم وينعم بالبلاء .
يقول أبو الدرداء : (من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها, ولا ينال ما عنده إلا بتركها) فتشاغل بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتذار عن زلل أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب, وتلمح سرعة زوال بليتك تهن فلولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس تكن أغناهم، ولا تقنط فتخذل وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء, فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج, والدهر لا يبقى على حال بل كل أمر بعده أمر وما من شدة إلا ستهون, ولا تيأس وإن تضايقت الكروب فلن يغلب عسر يسرين، واضرع إلى الله يسرع نحوك بالفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج .