عنوان الموضوع : لسنا كبقية الأمم!!!!!!!!!!!! -اسلاميات
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
لسنا كبقية الأمم!!!!!!!!!!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لسنا كبقية الأمم
نهض الغرب في القرون الأخيرة نهضة واسعة، وتسابق أبناؤه في كشف مكنونات الأرض وحسن الانتفاع بها، فاستجابت الأرض لهم، وأعطتهم بعض أسرارها، فتفوقوا على غيرهم وامتلكوا مفاتيح التقدم والثروة…
وفي المقابل نجد أن أمة الإسلام قد خيم عليها الجهل والظلام والتخلف, وانتقلت تدريجيًا من مصاف الأمم المتقدمة إلى مؤخرتها.
أصبحت أمتنا أضعف الأمم، وباتت مطمعًا للجميع, حتى اليهود الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة قد استأسدوا علينا وسامونا سوء العذاب.
هذا الوضع المرير حدا بالكثير من أبناء الأمة بالمناداة بضرورة التركيز على الأسباب المادية، والسعي في نفس الاتجاه الذي سلكه الغرب كي نصل إلى ما وصلوا إليه، فهل هذا التصور فقط يصلح لكي يكون سبيلاً لنهضة الأمة الإسلامية؟
الوضع الخاص بأمة الإسلام:
إن كان الغرب بسعيه في الأرض واستفادته من خيراتها المتاحة للجميع قد نجح في امتلاك زمام التقدم والحضارة, فإن هذا لا يعني أن نسير مثلهم في نفس الطريق، ونعطي ذلك الأولوية المطلقة، وذلك لجملة من الأسباب:
أولاً: إن الله تعالى قد اختص الأمة الإسلامية بنعمة عظيمة, لم يختص بها أمة معها على وجه الأرض ألا وهي رسالة الإسلام التي تُعد بمثابة رسالة هداية للبشرية جمعاء وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143].
هذه المزية العظيمة التي تجعل من أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وتضعها على رأس الأمم الأخرى، مرتبطة بمدى تمثل الرسالة في الأمة، وبمدى تبليغها إياها لسائر الناس، فإن لم تفعل ذلك عاقبها الله عز وجل بعقوبات كثيرة كي تفيق من سباتها وتقوم بواجبها، وسيستمر العقاب طالما استمر الإعراض عن القيام بذلك الواجب، وهذا هو التشخيص الحقيقي لواقعنا المرير.
فنحن الآن في مظان الغضب والعقوبة الإلهية بسبب خيانتنا للأمانة..ومهما اجتهدنا في تحصيل الأسباب المادية فلن يُرفع عنا العقاب أو الذل والهوان إلا إذا عدنا إلى ديننا أولاً …ألم يقل صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»( ).
ولقد كان ثمة أمة في الماضي خانت الأمانة ولم تبلغ الرسالة, فحدث لها مثل ما يحدث لنا الآن من عقوبات حتى يرجعوا, فلما أصروا على غيهم سلب الله منهم الأمانة وحمَّلها لنا... تلكم هي أمة بني إسرائيل سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211].
ثانيًا: إن مصدر رفعة وعزة الأمة الإسلامية مرتبط بمدى علاقتها بربها، ومدى دخولها في دائرة معيته وكفايته وَأَنتُمُ الأَعلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139].
ويتمثل ذلك جليًا في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
وفي المقابل فإن مصدر رفعة الأمم الأخرى في الدنيا يكون على قدر امتلاكها للأسباب المادية «فقط» لأنها لم تُكلَّف بما كلفنا به، ومن الخطأ بمكان أن نسعى للرفعة من خلال تقليدهم والسير وراءهم أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا [النساء:139].
ثالثًا: إن باب الأسباب المعنوية نملكه دون غيرنا من الأمم الكافرة بالله ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11].
فكيف نترك سر تفوقنا؟!
كيف نترك ما اختصنا الله به ونبحث عما في أيدي الآخرين؟
كيف نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ونعطيه الأولوية؟! ألم يقل سبحانه: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ [آل عمران:13].
رابعًا: لو أُغلق أمامنا باب الأسباب المعنوية، وتساوينا مع الكفار في السباق نحو امتلاك الأسباب المادية، فستكون النتيجة لصالحهم لا محالة، فكما قال الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنصرون على عدوكم بطاعتكم لله ومعصيتهم له، فإذا عصيتموه تساويتم.
هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فنحن حين نترك الأسباب المعنوية ونعتمد على الأسباب المادية فقط, فإننا نتعرض للعقوبة من الله بالخذلان وتعسير الأمور, بينما هم لن يعاقبوا مثلنا وإن كانوا أكثر منا معصية، ولمَ لا وقد خنا أمانة عظيمة ائتمننا الله عليها دون غيرنا. وهذا ما أكده عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنهما – قبل تحرك جيش المسلمين لملاقاة الفرس في القادسية بقوله: ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا، فرب قوم سلط الله عليهم من هو شر منهم، كما سلط على بني اسرائيل لما عملوا بمعاصي الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار.
خامسًا: نحن مطالبون بالأخذ بالأسباب المادية بالقدر المتاح أمامنا لإقامة الستار الذي يتنزل من خلاله قدر اللهوَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60], ولسنا مطالبين أمام الله عز وجل بأكثر مما نقدر على تحصيله من تلك الأسباب.
وفي الوقت نفسه فقد طالبنا الله - عز وجل- بالأخذ بالأسباب المعنوية كلها, من توبة وتذلل وانكسار إليه، واستعانة به، وتوكل مطلق عليه، وليس لنا عذر في تركها، وكيفَ لا وهي متاحة أمامنا جميعًا، ولا يوجد ما يحول بيننا وبين الأخذ بها، وهذا هو ترتيب دعاء المجاهدين وََمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147].
تأمل معي قوله تعالى وهو يخاطب نبيه ويرشده إلى الاهتمام بالأسباب المعنوية، وأنها هي السبب الرئيسي لاستجلاب النصر:فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران: 159، 160].
يتبع>>>>>>>>>>>>>>>
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
سادسًا: لو افترضنا أن الأسباب المادية هي التي تحسم الصراع، وتعيد لنا مجدنا السليب، فالوضع القائم يؤكد أن أعداءنا لن يسمحوا لنا بامتلاكها بالقدر الذي يجعلنا نتكافأ معهم أو حتى نقترب منهم، فلقد أحكموا قبضتهم علينا من كل جانب، وظهر استعلاؤهم واستكبارهم وطغيانهم بصورة لم يسبق لها مثيل، ولا أمل لنا إلا في الله بأن يكون معنا فيحسم الصراع لصالحنا وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ [الرعد:11].
فالله وحده هو القادر على أن يهزمهم رغم تفوقهم علينا ماديًا، وهو القادر على قلب ميزان القوة تمامًا، ولعل ما حدث في غزوتي بدر والأحزاب أكبر دليل على ذلك.
ولكن الله عز وجل لن يكون معنا إلا إذا فعلنا ما يرضيه من إخلاص له في التوجه والاستعانة، ومن طاعة لأوامره، ومن جهاد في سبيله وتضحية من أجله، ومن تقديم حبه على كل المحابّ الأخرى، ومن بذل الجهد والأخذ بالأسباب المادية المتاحة أمامنا وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
سابعًا: تاريخ أمتنا يؤكد هذه الحقيقة.. فأمة العرب التي كانت قبل الإسلام في مؤخرة الأمم لم تنتقل إلى مقدمتها بفضل امتلاكها للأسباب المادية وتفوقها بها على غيرها، بل لأنها دخلت في دائرة المعية والرضا الإلهي، فأوفى الله بعهده معها، وملَّكها الأرض ودحر الممالك الأخرى من فرس وروم, والذين كانوا يمتلكون من الأسباب المادية ما يفوق ما عند الأمة الإسلامية بأضعاف الأضعاف وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ [التوبة:111].
ويزداد هذا الأمر تأكيدًا عندما ننظر إلى المعارك الإسلامية خاصة في العصور الأولى التي كانت الأمة فيها قريبة من الله... تتمتع بحمايته ونصرته وكفايته.
ففي هذه المعارك –كبدر واليرموك والقادسية – كانت الأسباب المادية عند الكفار تفوق أضعاف أضعاف ما عند المسلمين، ومع ذلك انتصر المسلمون انتصارات باهرة.
…لماذا؟!
لأن الله كان معهم فََلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ
اللهَ رَمَى [الأنفال:17].
فعندما يكون الله مع الفئة المؤمنة فلا قيمة أبدًا لكثرة الكافرين عددًا أو عدة وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19].
وفي المقابل فإن التاريخ ينبئنا بأنه عندما يُخل المسلمون بالشروط التي يريدها الله منهم ليُنزل عليهم نصره, فإن الهزيمة ستكون حليفهم وإن كانوا أكثر عددًا وعدة من أعدائهم، ولنا في غزوة حنين –عند بدايتها- أكبر مثال على ذلك وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة:25].
بل إنه في إحدى المعارك –معركة العِقَاب( )– وكانت بين المسلمين في الأندلس في عهد دولة الموحدين، وبين النصارى، فقد بلغ فيها عدد جيش المسلمين – كما تقول بعض الروايات – خمسمائة ألف مقاتل، ومع ذلك فقد هُزموا هزيمة منكرة وذبح منهم عشرات الآلاف، وذلك بسبب اتكالهم على قوتهم، وكثرة خلافاتهم فيما بينهم.
هل نترك الأسباب المادية؟
قد يقول قائل: ولكن هل معنى هذا أن نترك الأسباب المادية، ونتجه للأسباب المعنوية التي نعرفها ولا يعرفها غيرنا؟!
لو تركنا الأسباب المادية المتاحة أمامنا لظللنا في أماكننا كما نحن ولن نتقدم قيد أنملة، فكما قيل سابقًا بأن الأسباب المادية المتاحة هي التي تُقيم الستار وتهيئ التربة لنزول القدر الإلهي، أما الأسباب المعنوية فهي التي تستكمل إقامة الستار وتمنحنا مزية التأييد الإلهي دون غيرنا، فالإعداد المادي ضروري – وبالقدر المتاح أمامنا- والإعداد المعنوي لا غنى لنا عنه إن أردنا أن تعود لنا عزتنا ومجدنا السليب، ولم لا وهو الذي يُرجِّح كفتنا على غيرنا، فضلاً عن أنه قبل ذلك هو مهمة وجودنا لتحقيق عبوديتنا لله عز وجل.
إذن فالمقصد من هذا كله هو إعادة ترتيب الأولويات، وعدم مقارنتنا بالغرب، وأن نوقن بأن علاقتنا بالله هي سر تقدمنا، فإن انقطعت، وتخلى الله عنا، صار أعداؤنا أفضل منا وإن فقناهم عددًا وعدة, لأننا حينئذ نكون: مغضوبًا علينا... ألم يقل سبحانه لبني إسرائيل من قبل وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه:81]. ولقد هوينا إلى القاع بالفعل, وصرنا تحت أقدام الكفار بسبب غضب الله علينا لأننا خُنَّا أمانته.
العودة إلى الله هي البداية:
إذن فنقطة البداية التي ينبغي ألا نتخطاها هي العودة إلى الله.
… الصلح مع الله ، والدخول في دائرة الرضا والمعية والولاية والنصرة الإلهية.
نقطة البداية هي الارتقاء بقيمة الفرد عند الله وهذا لن يأتي إلا من خلال صلاحه على منهاج ربه ومولاه.
..صلاح الفرد هو الذي سيؤدي إلى صلاح المجتمع، فصلاح الأمة، ليستبدل الله بغضبه عليها رضاه ويولي عليها خيارها.
عن قتادة قال: قال موسى عليه السلام لربه: يارب أنت في السماء، ونحن في الأرض، فما علامة غضبك من رضاك؟
قال: إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي، وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة غضبي عليكم( ).
معنى ذلك أن عزنا وتقدمنا ورفعتنا مرتبطة برضا الله عنا، فإن رضي عنا تضاعفت النتائج المترتبة على الأخذ بالأسباب المادية, وظهرت البركة في القليل المتاح…فعشرة آلاف على سبيل المثال يهزمون مائة ألف وأكثر، وكيف لا والله يؤيد بنصره من يشاء إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران: 160 ].
وتتدرج نسبة التفوق تصاعديًا وتنازليًا الآَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا [الأنفال:66].
المسلم الصحيح أولاً:
فصلاح الفرد أولاً ثم امتلاك الأسباب المادية ثانيًا.
المسلم الصحيح قبل الطبيب.. قبل المهندس.. قبل عالم الذرة..
المسلم العابد لله أولاً, ثم ليكن بعد ذلك في المكان الذي أقامه الله فيه، ليتخذ الأسباب المادية المتاحة أمامه، فيبارك الله فيها ويضاعف نتائجها..
إذن فنهضة أمتنا تنطلق من صلاح الفرد على أساس الإسلام، ثم التحرك بهذا الفرد الصالح في الميادين المختلفة والمتاحة ليكون بعد ذلك: مسلم طبيب …مسلم مهندس.. مسلم مدرس.. مسلم نجار …مسلم فلاح.
ويؤكد الإمام حسن البنا على هذا المعنى فيقول: إذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه أسباب النجاح جميعًا.
يتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
__________________________________________________ __________
المقصود بصلاح الفرد:
وليس المقصد بصلاح الفرد هو التركيز على أدائه العبادات بشكلها الظاهري فقط، بل المقصد هو أن يكون في القالب الذي يريده الله منه، فعلى قدر «العبودية» تكون قيمة الفرد عند الله عز وجلّ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
.. صلاح الفرد يبدأ من الداخل، فيكون باطنه أفضل من ظاهره.
.. صلاح الفرد يعني أن يكون الله أعز عليه وأحب إليه من كل شيء.
.. صلاح الفرد يعني أن يَعظُم قدر الله لديه، وتصغر نفسه عنده.
.. صلاح الفرد يعني زهده في الدنيا ورغبته في الآخرة.
.. صلاح الفرد يعني أن تكون معاملته مع الله هي الأساس الذي يحرص عليه، فيخشاه ويتقيه ويطيعه ويرجوه ويتوكل عليه ويستعين به في كل أموره، لينعكس ذلك على تصرفاته ومعاملاته مع غيره وفي جميع الدوائر التي يتعامل فيها.. مع أهله وزوجته وأولاده.. مع جيرانه وزملائه..مع الناس أجمعين, فيكون نعم الزوج لزوجه، والابن لأبويه، والأب لأبنائه، والجار لجيرانه، والعامل في متجره، والداعي دومًا إلى الله، و…
يحب في الله ويبغض في الله … يسارع دومًا في الخيرات، ويجتنب كل المنكرات.. فإن زلت قدمه يومًا تراه مسرعًا مهرولاً إلى مولاه يسترضيه ويطلب منه العفو والصفح، وبصلاحه هذا يمن الله عليه وعلى من حوله بما ورد في الأثر: «إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده، وولد ولده، وأهل كويرته، ودويرات حوله».
هل هي دعوة للتخلف؟!
فإن قلت: ولكن هذا معناه إضعاف الحافز داخل النفس للتقدم والتفوق، فتقل تبعًا لذلك الكفاءات بيننا ويزداد اعتمادنا على الحضارة الغربية والتبعية المهينة لهم.
المتأمل لما قيل سابقًا سيجد أن العكس هو الذي سيحدث – بمشيئة الله -، وإليك -أخي القارئ- مزيد من وضوح الرؤية حول هذه النقطة:
أولاً: الذي يبدأ طريقه بالصلح مع الله والتربية على إيثار محابه ومراضيه على ما تحبه نفسه وتهواه, فإنه لن يألو جهدًا في ارتياد كل الأماكن التي من شأنها أن ترفع شأن الإسلام؛ لأنه سيحمل همَّه دائمًا، وفي المقابل فإن من يبدأ طريقه بالتركيز على التفوق المادي فقط فإنه بالفعل سيتفوق – بإذن الله – طبقًا لقانون السببية، ولكن في كثير من الأحيان يصبح هذا التفوق خادمًا لنفسه، محققًا لمجده الشخصي، ورفعته على من حوله، من ثم لا يدخل صاحبه في دائرة الرضا الإلهي لإخلاله بشروطها، فتكون النتيجة استمرار الوضع على ما هو حادث الآن.
ثانيًا: البدء بالأسباب المادية يمهد الطريق لظهور مظاهر العزة الزائفة بالألقاب والشهادات، والمناصب، والأموال وغير ذلك من أمور الدنيا، مما يجعل تفاضل المسلمين فيما بينهم ونظرتهم لبعضهم البعض طبقًا لوجود تلك المظاهر، وهذا من شأنه أن يبعدنا أكثر وأكثر عن دائرة الرضا الإلهي التي هي سر كل سعادة ورفعة.
وفي المقابل فإن من يبدأ طريقه بإصلاح نفسه من كل الجوانب فإنه سيعيش دومًا في حقيقة فقره إلى الله، وشدة احتياجه دومًا إليه، وأنه به سبحانه لا بنفسه، فينعكس ذلك على تعامله مع الآخرين؛ فيخفض لهم جناحه، بل ويستشعر دومًا أنهم جميعًا أفضل منه مهما كانت ألقابه ومناصبه.
ثالثًا: الذي يبدأ بإصلاح نفسه فإنه يتحرر من أسر الناس، وأعرافهم الخاطئة، ويتحرر كذلك من أسر الاهتمامات الأرضية الدنيوية، فتسمو اهتماماته، وتجده يبحث عما يرضي الله ليفعله, بغض النظر عن تقييم الناس لفعله.
ومن فوائد البدء بصلاح الفرد وإيجاد المسلم الصحيح أولاً:
• أن أساليب تربية الوالدين لأبنائهما ستختلف، فعندما يصبح الهدف هو تعبيد الأبناء لله عز وجل أولاً ثم التفوق ثانيًا، فإن هذا من شأنه أن يجعل محور اهتمام البيت هو الله ونيل رضاه، وتعظيم قدره في النفس، فيؤدي ذلك إلى حرص الأب على التواجد داخل بيته أطول فترة ممكنة لممارسة دوره في قيادة أهل بيته إلى الله، وربط حياتهم به سبحانه، ومن ثمَّ فإنه لن يحرص على العمل الإضافي, أو السفر للخارج وترك الأولاد مع أمهم بدعوى توفير وسائل الحياة المرفهة لهم, وتحصيل متطلبات تعليمهم الباهظة، بل سيوضع التعليم في حجمه الحقيقي، كخادم للهدف الأساسي وليس غاية في حد ذاته.
• ومن مظاهر الاهتمام بهدف إيجاد المسلم الصحيح أولاً أن الأبوين سيحرصان على عدم إلحاق أبنائهما بمدارس اللغات التي من شأنها أن تجعل ولاء الدارسين فيها للغة أخرى غير لغة القرآن، وتجعلهم يعظمون شأن الحضارة الغربية ويوالونها ويرضون بغثها وسمينها، ومن ثمَّ يحتقرون الحضارة العربية الإسلامية، وهذا واقع مشاهد للكثير من خريجي تلك المدارس.
… نعم، إنّ حرص الآباء على إلحاق أبنائهم في تلك المدارس ينبع من انبهارهم بالغرب وحضارته، وحرصهم على سير أبنائهم في هذا الطريق ليضمنوا لهم النجاح في حياتهم.
… هذا التصور بلا شك سيحل محله التصور الصحيح عندما يتأكد الجميع أننا لسنا كبقية الأمم، ولن نتقدم بمثل ما تقدموا به، بل بالعودة إلى الله أولاً, ثم بالأخذ بالأسباب المادية المتاحة أمامنا ثانيًا.
• ومن فوائد البدء بالتربية الإيمانية والتركيز على صلاح الفرد, أنها ستعرِّضنا للتوفيق والتأييد الإلهي, فيتضاعف أثر الأسباب المادية بعد ذلك، كما حدث مع المسلمين الأوائل الذين برعوا في شتى فروع العلوم، وأقاموا صرح الحضارة الإسلامية العريقة، وما كان ذلك ليحدث لولا توفيق الله لهم، ومباركته لجهودهم.
ومن فوائدها كذلك: عدم التعلق بالأسباب، بل الاجتهاد في تحصيلها، ثم التعلق بالله وحده في تحصيل النتائج، وهذا من شأنه أن يسكب في الفرد السكينة والطمأنينة فلا يبدو فزعًا منزعجًا كلما قلَّ حجم الأسباب المتاحة أمامه إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًاإِلاَّ الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-22].
وخلاصة القول:
إن سر تقدمنا مرتبط بمدى علاقتنا بالله، وأننا لابد أن نجتهد في الأخذ بالأسباب المادية بالمفهوم الذي يسود بيننا الآن, ولكن بعد أن نجتهد في الأخذ بالأسباب المعنوية التي تُعني بصلاح الفرد كأساس للنجاح في كل الميادين.
فالأمة بحاجة إلى الربانيين أولاً ليكونوا بعد ذلك في المكان الذي يقيمهم الله فيه.. أما بدون رهبان الليل … البكائين بالأسحار.. فلا أمل في تقدم ولا رفعة بل سيستمر الوضع القائم وسيزداد سوءًا.
ألم يقل سبحانه: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ [الأنبياء:105، 106].
وبهذا المفهوم انتصر المسلمون الأوائل على أعدائهم... تأمل معي ما قاله سعد بن أبي وقاص لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو يصف له المجاهدين في معركة القادسية: «...كانوا يُدَوُّون بالقرآن إذا جنَّ عليهم الليل كدويِّ النحل وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولا يفضل من مضى منهم من بقى إلا بفضل الشهادة».
وفي فتح أفريقية يصف عبد الله بن الزبير أحوال المقاتلين فيها فيقول:
واستشهد الله جل جلاله رجالاً من المسلمين، فبتنا وباتوا، وللمسلمين دوي كدوي النحل، وبات المشركون في ملاهيهم وخمورهم، فلما أصبحنا زحف بعضنا على بعض، فأفرغ الله علينا صبره، وأنزل علينا نصره، ففتحناها من آخر الليل.
__________________________________________________ __________
مجهود متميز وموضوع جيد ومفيد للغاية
خالص الشكر والتقدير يستحق التقيم ربي يحفظك
__________________________________________________ __________
جزاك الله خير الجزاء بستان الاحبة
على هذا الطرح الرائع
وبارك الله فيــــــــــك
وجعل ما كتبتي في ميزان حسناتك
__________________________________________________ __________