عنوان الموضوع : سورة الفاتحة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
سورة الفاتحة
قال تعالى ( افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) محمد 24 .
كلنا كمسلمين نقرأ القرآن لكن هل نتدبر معانيه ونحاول فهم مدلولاته ؟
سورة الفاتحة .. هذه السورة التي لا تصح الصلاة إلا بها والتي من كثرة تكرارها قد نأخذ الأمر عادة فلا نتدبر معانيها ولا نفهم سر عظمتها كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم .
أخرج البخاري وأحمد من حديث أبي سعيد ابن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لأعلّمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن نخرج من المسجد ، فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله ألم تقل لأعلّمنك أعظم سورة في القرآن . قال : ( الحمد لله رب العالمين ) هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أُوتيته )
كما أن من أسمائها .. الحمد ، الصلاة ، الواقية ، الكافية ، الشافية ، السبع المثاني وقد أُختلف في سبب تسميتها بالسبع المثاني فقيل لأن المصلي يثني بها أي يعيدها في كل ركعة من صلاته ، وقيل لأن المصلي يثني بها على الله عز وجل أي يمدحه ، وقيل لأنها أُستثنيت على هذه الأمة فلم تنزل على قبلها .
* هي حوار بين العبد وربه كما جاء في الحديث القدسي في صحيح مسلم ( قُسمت الصلاة – والمقصود بالصلاة الفاتحة – بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي ، فإذا قال العبد : الرحمن الرحيم ، قال الله : أثنى عليّ عبدي ، فإذا قال العبد : مالك يوم الدين ، قال الله : مجدني عبدي ، فإذا قال العبد : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال الله : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : إهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين ، قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )
فأعطانا الله سبحانه وتعالى كلاماً نحاوره به في هذه السورة ومطالب عظيمة نعيش بها في هذه الحياة .
ومن الأشياء الجميلة المذكورة في هذا السياق ما قيل عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يقرأ الفاتحة ويسكت بين الآية والأخرى وحين سُئل عن سبب سكوته قال : لأستمتع برد ربي !
* الفاتحة كلها دعاء وهو أحسن الدعاء حيث الثناء على الله ثم السؤال ، لذا نقول في نهايتها آمين ( اللهم استجب ) .
* معنى الحمد : الثناء باللسان على الجميل وهو يختلف عن الشكر في أن الشكر يكون مقابل نعمة أما الحمد فيكون لكمال المحمود ويكون مع المحبة والتعظيم ولو في غير مقابل نعمة لذا يُشكر العباد ولا يُحمد إلا الله عز وجل ، فأنت عندما تقول الحمد لله رب العالمين فإنك تثني عليه في كل أحوالك في السراء والضراء ، تحمده على أنه رب العالمين فلو كان للكون آلهين لهلك من فيه ، فالكون كله يديره الله عز وجل ، الحمدلله على أنه سيُسير هذا الكون برحمته ، الحمدلله على كل ما سيأتي في هذه السورة .
* الرحمن الرحيم : الرحمة هي عطف يقتضي إحسان على المخلوق بما يصلحه ويسعده ، في الفرق بين الرحمن والرحيم أن الرحمن ذو الرحمة الواسعة التي تشمل كل الكون والرحيم هي الرحمة الخاصة للمؤمنين ، وفي تفسير ابن عثيمين رحمه الله أن الرحمن ذو الرحمة الواسعة لهذا جاءت على وزن فعلان الذي يدل على السعة والرحيم أي الموصل للرحمة لمن يشاء من عباده لهذا جاءت على وزن فعيل الدال على وقوع الفعل فإذا اقترنت الرحمن بالرحيم كان الرحمن صفة لذاته والرحيم صفة لفعله .
* ( مالك يوم الدين ) وفي قراءة ( مَلِك يوم الدين ) قيل أن ملك أعم وأبلغ من مالك لأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه أي أن المالك لا يتصرف في مُلكه إلا بتدبير الملك ، وقيل أن مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ، والأصح أن الفرق بين الوصفين أن المَلِك صفة لذاته والمالك صفة لفعله ، ويوم الدين أي يوم القيامة ، فهو الملك المالك لهذا اليوم فلا ملوك ولا مالكين غيره ( لمن الملك اليوم ) غافر 16 فلا يجيب أحد فيقول سبحانه ( لله الواحد القهار ) غافر 16، يوم يُدين الله العباد بأعمالهم أي يجازيهم بها وايضاً الحمد له على ذلك حيث لا ظلم وإنما كل العدل .
* ( إياك نعبد وإياك نستعين ) هي الآية التي قُسمت بين العبد وربه .
العبادة تجمع أصلين غاية الحب بغاية الذل والخضوع ، والعرب تقول : طريقٌ معبد أي مذلل ، فالحب بغاية الذل والخضوع لا يكون الا لله عز وجل ، والعبادة بمعناها العام فعل كل ما أمر الله به وترك كل مانهى عنه .
والاستعانة تجمع أصلين الثقة به والاعتماد عليه ، فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس لكن لا يعتمد عليه في أموره لاستغنائه عنه أو لعدم حاجته إليه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه فيحتاجه رغم أنه غير واثق منه .
فالثقة والاعتماد تجتمع في التوكل وذلك كله حقيقة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهذان الأصلان العبادة والتوكل ذُكرا مقترنان في عدة مواضع في القرآن ، كقوله تعالى ( ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ) هود 123 .
وقوله ( ربنا عليك توكلنا وإليك انبنا وإليك المصير ) الممتحنة 4 ، … وغيرها .
* تقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل إذ أن العبادة هي غاية العباد التي خُلقوا لها والاستعانة وسيلة إليها فلن يستطيع العبد القيام بالعبادة بدون عونه عزو جل ، ولأن ( إياك نعبد ) قسم الله تعالى فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الله ، و ( إياك نستعين ) قسم العبد فكان من الشطر أو القسم الذي هو له ، ولأن الاستعانة جزء من العبادة فالعبادة أشمل وأتم ، ولأن ( إياك نعبد ) له و ( إياك نستعين ) به ، وما له مُقدم على ما به .. فما له متعلق بمحبته ورضاه وما به متعلق بمشيئته وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمشيئته ، فالكون كله مُتعلق بمشيئته الملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي ، اما المتعلق بمحبته هم المؤمنون وطاعاتهم .
* ذكر ابن القيم كلاماً جميلاً حول منازل ( إياك نعبد ) حيث أن العبودية تبدأ :
( باليقظة ) وهي انزعاج القلب من رقدة الغافلين وبهذا الاحساس ينتبه العبد من غفلته فينتقل لمنزلة ( العزم ) وهو أن يعقد العزم جازماً على المسير في اليقظة والبدء الفعلي ويستعد ليفارق كل قاطع ومعوق لطريقه ويرافق كل معين وموصل وبحسب كمال انتباهه ويقظته يكون عزمه وبحسب قوة عزمه يكون استعداده فإذا عزم على اليقظة وتمكن انتقل لمنزلة ( الفكرة ) وهي تحديق القلب وتركيزه نحو المطلوب الذي قد استعد له وعزم فتأتي منزلة ( البصيرة ) وهي نور في القلب يُبصر به الوعد والوعيد والجنة والنار وما أعد الله في هذه لأوليائه وفي هذه لأعدائه ، فيبصر الناس وهم قد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق وقد نزلت ملائكة السماء فأحاطت بهم ، وقد جاء الله ، وقد نُصب كرسيه لفصل القضاء ، وقد أشرقت الأرض لنوره ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ، وقد نُصب الميزان وتطايرت الصحف واجتمعت الخصوم وتعلق كل غريم بغريمه ، ولاح الحوض ونُصب الجسر للعبور ، فالناجون والهالكون … فينفتح في قلبه عين يرى بها كل ذلك ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يُريه الآخرة ودوامها والدنيا وسرعة انقضائها فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم .
* اشتملت الفاتحة على المطالب العالية في العبادة :
ففي قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) حوت كمال المحبة له سبحانه بحمده على كل الأمور .
وفي قوله ( الرحمن الرحيم ) كمال الرغبة فيما عنده من الرحمة كما فُصل بالأعلى .
وفي قوله ( مالك يوم الدين ) كمال الرهبة منه سبحانه حيث يفكر العبد قبل مخالفته في أن كل شيء سيحاسب عليه في الآخرة .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
* ( اهدنا الصراط المستقيم ) أي الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه .
والهداية قسمين : هداية علم وإرشاد وبهذا المعنى فقد هدى الله جميع الناس كقوله تعالى ( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس ) البقرة 185 فلا أحد سيحاسب دون أن يمر عليه الحق ويعلم به ، والقسم الثاني هداية توفيق وعمل وهي التي فيها التوفيق للهدى واتباع الحق وهذه قد يُحرم منها بعض الناس كقوله تعالى ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) فصلت 17 .
فأنت بقولك ( اهدنا الصراط المستقيم ) تسأل الله علماً نافعاً وعملاً صالحاً وطريقاً حقاً مستقيماً لا اعوجاج فيه .
* ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وكما قال العلماء هم الذين وضحتهم الآية ( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) النساء 69 .
فالذي يطلب الهداية لهذا الصراط فإنه يطلب أمر أكثر الناس غافلون عنه ، يطلب طريق قد يكون مرافقينه فيها من القلة ، وحيث أن النفوس مجبولة على الأُنس بالرفيق نبه سبحانه على الرفيق في هذه الطريق فأضاف الصراط إلى الرفقة السالكين له ليزول عن الطالب وحشة تفرده عن أهل زمانه فلا يكترث لقلة السالكين ولينظر إلى قدر من سيكونون رفقته فيحرص كل الحرص على اللحاق بهم .. ففي ذلك كل الترغيب له في اتباع هذا الصراط .
* اشتملت الفاتحة على أسباب الهداية وأسسها ( الحمدلله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين ) فهذه الخمسة هي أسس الهداية والموصلة لها ، الحمد ثم الثناء ثم التمجيد ثم العبودية والذل لله بالاستعانة به والدعاء ، لذا جاء بعدها ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
* ( غير المغضوب عليهم ) اليهود لأنهم علموا بالحق ولم يعملوا به فاستحقوا غضب الله عليهم وقد جاءت سورة البقرة لتفصل أمرهم ( ولا الضالين ) النصارى قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث أنهم جهلوا الحق فضلوا اما بعد البعثة فإنهم علموا الحق وخالفوه فدخلوا في من علم بالحق ولم يعمل به وقد جاءت سورة آل عمران مفصلة أمرهم .
وبهذا يُقسم الناس عموماً بحسب معرفة الحق والعمل به لثلاثة أقسام : عالم بالحق عامل به ، عالم به غير عامل ومُتبع هواه ، جاهل بالحق ضال ، ومن هنا كان طلب هداية الصراط المستقيم من أجلّ المطالب .
* اشتملت الفاتحة على التعليم بكيفية عبادته سبحانه ، فهو لا يريدك أن تعبده دون أن تعرفه ، لذلك أُفتتحت الفاتحة بالتعريف به ، ثم جاءت العبادة وطلب الاستعانة .. فأعرف ربك لتتمكن من عبادته .
* للقرآن الكريم ثلاث مقاصد إجمالية ( العقيدة ، العبادة ، المنهج للحياة أو الأخلاق والسلوكيات ) فلا توجد آية في القرآن إلا وتخدم أحد هذه المقاصد الثلاث أو تجمع فيما بينها ، والفاتحة جمعت هذه المقاصد في آياتها .
( الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين ) في هذه الآيات العقيدة .
( إياك نعبد وإياك نستعين ) العبادة .
( اهدنا الصراط المستقيم …) لآخر السورة ، منهج الحياة والأخلاق .
* اشتمال الفاتحة على الشفاءين ، شفاء القلوب وشفاء الابدان .
شفاء القلوب :
إن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين ، فساد العلم ، وفساد القصد ، ويترتب عليهما داءان هما الضلال والغضب ، فالغضب نتيجة فساد القصد ( غير المغضوب عليهم ) والضلال نتيجة فساد العلم ( ولا الضالين ) فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من هذه الأمراض ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وواجب عليه كل يوم لشدة ضرورته وافتقاره إلى الهداية المطلوبة .
كما أن ( إياك نعبد ) شفاء للقلب من مرض الرياء فتكون العبادة خالصة له سبحانه وتعالى ، و ( إياك نستعين ) شفاء للقلب من مرض الكِبر فلن يستطيع الإنسان العبادة ولا الاخلاص إلا بالاستعانة به سبحانه لا بنفس العبد وقوته وحوله ولا بغيره .
وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يُستشفى بها من كل مرض يصيب القلب .
شفاء الأبدان :
جاءت بذلك السنة المطهرة في الحديث المعروف، ففي الصحيحين من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري : أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب ، فلم يَقروهم ولم يُضيّفوهم ، فلُدغ سيد الحي ، فأتوهم ، فقالوا : هل عندكم من رُقية ؟ أو هل فيكم من راقِ ؟ ، فقالوا : نعم ، ولكنكم لم تُقرونا ، فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلاً ، فجعلوا لهم على ذلك قطيعاً من الغنم ، فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب ، فقام كأن لم يكن به قَلبة ، فقلنا : لا تعجلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتيناه ، فذكرنا له ذلك ، فقال : ( وما يُدريك أنها رُقية ؟ كلوا ، واضربوا لي معكم بسهم ) .
فشُفي الرجل الملدوغ بقراءة الفاتحة عليه وعاد وكأن لم يصبه شيء ، وذلك يتطلب إيمان وقوة يقين بالقدرة على الشفاء .
* اشتملت الفاتحة على أقسام التوحيد الثلاثة :
( الحمدلله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ) توحيد الربوبية فهو رب العالمين المتفرد بالخلق والملك والتدبير ، وأيضاً توحيد الأسماء والصفات ( الله ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، المالك )
( إياك نعبد وإياك نستعين ) توحيد الألوهية حيث له تُفرد العبادة وبه تكون الاستعانة .
* الفاتحة جاءت بمعنى الإحسان :
فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وذلك تمثل في قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين )
كما أن الفاتحة بدأت باسلوب الغائب وعند ( إياك ) تحول لأسلوب المخاطب حيث مقام الإحسان .
* الفاتحة اشتملت على الأخلاق ، ومن ذلك دعوتها للإجتماع وأن يحمل كل منا هم الأمة فكان الحديث بصيغة الجمع ( إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم …. )
كذلك الإنسان في حد ذاته مجموعة متحركة من الأجهزة جمعها الله في جهاز واحد هو جسده .
المراجع :
- كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين / ابن القيم .
- زبدة التفسير بهامش مصحف المدينة المنورة / محمد سليمان الأشقر .
- تفسير سورة الفاتحة / ابن عثيمين .
- محاضرة مرئية ( أسرار فاتحة الكتاب ) / محمد علي الشنقيطي .
- كتاب ( باسمك نحيا ) / عمرو خالد .
__________________________________________________ __________
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________
الله اكبر
عن جد احنا بعيدين كثير على الدين الله يهدينا بس
__________________________________________________ __________
الف شكر والله يعطيك العافيه