عنوان الموضوع : تنقية القلوب من المعاصي والشهوات -اسلاميات
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
تنقية القلوب من المعاصي والشهوات
من ابتلي بمعصية أو أكثر فعليه أن يجتهد في التخلص منها والتطهر من آثارها، وذلك يكون بما يأتي:
1. أن يعلم العبد المذنب سعة رحمة الله، وقبوله لتوبة التائبين، وكرمه وعفوه الذي يعامل به التائب، فمن ذلك أن الله تعالى قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وقال عز وجل: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَوَاسِعُ المَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32]، وقال سبحانه: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً﴾ [النساء: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم : « الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة »([1]).
ومِما يُكرِمُ الله به العبد الصادق في توبته أن يمحو الله عنه إثم الذنب وآثاره على القلب، بل يبدله حسنات: ﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، فيأتي العبد يوم القيامة فلا يُسأل عن تلك الذنوب التي بُدِّلت، بل ويعامل بأحسن أعماله: ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ، لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الزمر: 33-35].
2. ما مر معنا من مراقبة خاطر المعصية ورده ورفضه؛ يعين على تطهير القلب من الميل إلى المعصية والتهاون فيها، فكلما دعته نفسه أو شيطانه إلى معصية أنكر ذلك بقلبه ورفضها، فيكون ذلك سبباً في طهارته وحفظه من الذنب، قال صلى الله عليه وسلم : « تُعرض الفتن على القلوب عوداً عوداً كالحصير، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء »([2])، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث أن هذا الإنكار يصل به إلى أن يُحفظ من المعاصي والفتن « حتى لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ».
3. المبادرة إلى الاستغفار، عند ورود الخاطر الذي يدعو إلى المعصية، ومباشرة عند المعصية إذا وقعت منه، ليمحو الذنب وأثره عن القلب، قال صلى الله عليه وسلم : « إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها، حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله: ﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ »([3])، وقد تحدثت عن الاستغفار وأثره في مغفرة الذنب وأثره في التخلص من المعصية، بتفصيل في موضوع الذكر.
ولا بد للعبد إذا أراد أن يقبل على مولاه ويطلب منه رحمته وهدايته؛ لا بد أن يقدِّم اعتذاره ابتداءً مما فرط منه من مخالفة أحكام الله وعصيانه، والاستغفار هو ذلك الاعتذار.
4. لا ينبغي لمن ابتلي بمعصية أن يركن إليها ويستسلم لفعلها، بل عليه أن يجاهد نفسه بأن يلزمها الصبر على ترك المعصية، فيقاوم رغبة النفس بها، ومن طلب الصبر من الله واستعان به أعانه الله، قال صلى الله عليه وسلم : « ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يُصبره الله »([4])، وقال صلى الله عليه وسلم : « واستعن بالله ولا تعجز»([5]).
وهذه المجاهدة هي أعظم سبيل للنجاح والاستقامة والهداية، قال الله عز وجل: ﴿ والذين جاهدوا([6]) فينا لنهدينهم سبلنا ﴾.
وغالباً ما يجد من يجاهد نفسه على ترك المعصية صعوبة بالغة في أول الأمر، لكنه إذا ثبت مرات قليلة يهون عليه مقاومة المعصية، فيخلص منها سريعاً، فلا تلتفت إلى صعوبة الأمر في البداية فتيأس، إذ تظن أنك تحتاج إلى مثل هذا الصبر والمجاهدة في كل يوم وفي كل مرة، فليس الأمر كذلك، بل عن قريب تهون، فصبر الصدمة الأولى هو الأصعب ثم تهون وتهوي عن قريب، ثم تُنسى ويذهب خاطرها بإذن الله وفضله.
ويجب على المسلم أن يكون صلباً في مجابهة الحرام، كما وصف الله يوسف صلى الله عليه وسلم حينما تعرَّض للفتنة والمعصية، قال تعالى: ﴿ فاستعصم ﴾، أي طلب العصمة، فهو لا يرتضي أن يضعف أدنى ضعف ولا يرضى أن يستسلم للباطل أدنى استسلام، وطلبه للعصمة هذه تكون باللجوء إلى الله متوكلاً عليه ومعتمداً عليه أن يعصمه، وتكون بطلب أسباب العصمة بصبره ومجاهدة لنفسه من أن تميل إلى الشهوة أو تقع فيها.
وأصعب المعاصي في ذلك ما كان فيها شهوة للنفس ولذة، فيتعلق بها القلب ويتشربها، كما قال الله في يهود: ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل ﴾، فعلى من تعلق قلبه بشهوة أن يبذل في تركها جهداً ومجاهدة أكبر، واستغفاراً أكثر، وعليه أن يتذكر أنها لذات فانية عن قريب، وألم عذابها وألم الحزن عليها أكبر من لذتها بكثير، وعليه أن لا ييأس من علاجها، بل يحاول مرة بعد مرة حتى يمنَّ الله عليه بالشفاء منها.
كما يمكن أن يكون لكل معصية وشهوة علاجها الخاص بالإضافة إلى ما ذكر، فالشهوة الجنسية يعين على التخلص منها الجوع والصيام وغض البصر، والشهوة إلى الكلام يعين عليها الصمت وكثرة الذكر البعد عن مجالس اللغو والباطل، والشهوة إلى الغناء الماجن يعين عليها الميل إلى قراءة القرآن أو إلى الإنشاد الإسلامي، وهكذا.
5. إذا كان للمعصية أو الشهوة أسباب تدفع إليها وتذكِّرُ بها؛ فعلى المسلم أن يقطع هذه الأسباب ويجفف منابع تلك الشهوة، قال صلى الله عليه وسلم : « والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه »([7])، أما أن يبقي نفسه في النار ثم يريد ألا تحرقه؛ فهذا تعذيب للنفس، فمن كان يحثه على المعصية ويعينه عليها صاحبُ سوءٍ فعليه أن يفارقه، ومن كان يثير فيه الشهوة نظره إلى التلفاز وما فيه من برامج وأفلام؛ فعليه أن يُغلقه أو يخرجه من بيته، وهكذا.
بل ربما يصل الأمر إلى وجوب الهجرة من بلده إذا كان يتوقف على ذلك تركه لمعصيته وكبائره أو نفاقه، كما في قصة الرجل الذي قتل مائة ثم أمره العالم أن يهاجر من بلده الذي قَتَل فيه، فلما سار في طريق الهجرة ومات في الطريق؛ تلقته ملائكة الرحمة، وكذلك قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء: 97].
6. إنَّ فِعل الطاعات والأعمال الصالحة يساعد على ترك المعاصي، ويمحو أثرها وإثمها، ويقوي وجهة الإنسان نحو الخير والحق والطاعة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها »([8])، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه « أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: ﴿ أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾، فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا، قال: لجميع أمتي كلهم »([9]).
إنه كلما كثرت الحسنات صرفت السيئات، إذ يصبح الإنسان يشغل نفسه بالطاعات ولا يعود لديه وقت ليفكر بالمعاصي، لذلك قيل: من لم تشغله الطاعة شغلته المعصية.
ومثال ذلك: لو أن عندنا ميزاناً، في كفة منه كيلو من الحسنات، وفي الأخرى كيلو من السيئات، فإذا زاد المسلم من حسناته زادت كفة الحسنات فرجحت وغلبت الكفة الأخرى، وكلما زاد الوزن في كفة الحسنات؛ كلما صارت الأخرى بالنسبة إليها ضئيلة، حتى تصير كأنها لا شيء، أو ربما نزل فيها من العمل الصالح الثقيل ما يطيش بالسيئة فلا يبقى في كفة السيئات شيء، كمثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بدر: « ما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم »([10])، وليس معنى الحديث أنه أَذِن لهم بالذنوب، وإنما معناه أن الله غفر ذنوبهم ببركة هذا العمل العظيم وهو مشاركتهم في أول معركة في الإسلام، وقد يكون من معناه أن الله يحفظهم ببركة هذا العمل من أن يقعوا في ذنوب لا تغفر.
وقد أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الوضوء يكفر الله تعالى به الذنوب فتتساقط مع الماء المتساقط من الوضوء، وأعلمنا أن الصلاة إلى الصلاة ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة؛ كفارة لما بينهما، وأن الصدقة كفارة للذنوب، وأن الحج تكفر به الذنوب فيعود أحدنا كيوم ولدته أمه([11])، وهكذا فكل طاعة لها أثرها في محو المعاصي وتطهير النفس وتزكيتها من ذنوبها.
7. من أهم الأسباب التي تعين على ترك الذنوب: اتخاذ الصحبة الصالحة، والحرص على البيئة الصالحة كبيئة المسجد والعلم وأهله، فالصحبة كما تمنع الوقوع في الذنوب أيضاً هي علاج للخروج من الذنوب، فالصالحون بما يذكرون العاصي بالله، وبما ينشغل معهم وفي بيئتهم بالعمل الصالح والكلام الطيب يتأثر وينصرف عن معاصيه شيئاً فشيئاً بإذن الله، وما دام للإنسان صحبة سيئة فسوف تذكره بالمعصية وتستدرجه إليه.
8. إن خروج الشهوة من القلب والتخلص التام من المعصية لا يتم ـ غالباً ـ إلا بأحد أمرين: غَلَبة الحب لله والشوق إليه، أو غلبة الخوف من الله والهيبة منه.
فإذا اهتم المسلم بالتعرف على إحسانه وفضله، وذَكَّرَ نفسه بالمعاني التي تثير الحب لله في قلبه والأنس به؛ فإن الشهوة عندئذ لا يبقى له مكان، إذ يخجل العبد من ربه وينشغل بأنسه به عن أنسه بمعصيته، وينشغل بحلاوة الإيمان والمعرفة عن حلاوة المعصية ولذتها.
وإذا اهتم المسلم بتعظيم الله والتعرف على كبريائه وجلاله ونقمته، وذكَّر نفسه بالمعاني التي تثير الخوف والهيبة من الله والمراقبة له، وذكَّر نفسه بالموت والدار الآخرة والحساب فيها والعقاب؛ فكيف تبقى المعصية عنده، وأحدنا يخاف من شرطي أن يخالفه، فإذا عرف الله وتذكر معيته كيف يتجرؤ عندئذ على العصيان، وكيف يبقى له تفكير باللذائذ وهو في حالة خوف وهيبة.
قال صلى الله عليه وسلم : « والله لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله »([12]).
([1]) رواه البخاري رقم 5950 عن أنس رضي الله عنه و في رواية عند مسلم 2747 أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه؛ من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح ».
([2]) جزء من حديث أخرجه مسلم رقم 144.
([3]) حديث حسن، رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، أخرجه الترمذي رقم 3334 وقال: حسن صحيح، وابن ماجه رقم 4244، وابن حبان رقم 930، والحاكم في المستدرك رقم 6 وصححه.
([4]) جزء من حديث أخرجه البخاري رقم 1400 ومسلم رقم 1053، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
([5]) أخرجه مسلم رقم 2664.
([6]) والجهاد هنا يشمل جهاد النفس ومعاصيها وجهاد الشيطان وجهاد العدو، كما بين المفسرون.
([7]) أخرجه البخاري رقم 10 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .
([8]) حديث حسن، رواه أحمد رقم 21392 والترمذي رقم 1987 وقال: حسن صحيح، عن أبي ذر رضي الله عنه .
([9]) رواه البخاري رقم 503 ونحوه مسلم رقم 2763.
([10]) جزء من حديث رواه البخاري رقم 2845 ومسلم رقم 2494، ويدل على مثل دلالته ما روي في حق عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه بعد صدقته يوم العسرة: « لا يضر عثمان ما فعل بعد هذا »، لكن في إسناد هذا الحديث ضعف.
([11]) وكل ذلك ورد في أحاديث صحيحة.
([12]) أخرجه الترمذي رقم 2312 وقال: غريب حسن، ونحوه أحمد رقم 21555 عن أبي ذر رضي الله عنه ، وأخرج العبارة الأولى البخاري رقم 4345 ومسلم رقم 2359 عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
استغفر الله الحي القيو و اتوب اليه بارك الله فيك اختي
__________________________________________________ __________
تسلم الايادي
جزيت بالفردوس
__________________________________________________ __________
باااركك الله فييييكك
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________